الوقت- في نفس الوقت الذي فرضت فيه الإدارة الأمريكية الكثير من العقوبات على الاقتصاد الإيراني بعد انسحاب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” من الاتفاق النووي، قامت طهران ببذل الكثير من الجهود للتغلب على آثار هذه العقوبات المجحفة، وفي أحد أهم هذه البرامج تسعى طهران إلى تسهيل وصولها إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط من خلال إنشاء خط سكة حديد من منطقة الخليج الفارسي وصولاً إلى مدينة اللاذقية السورية الواقعة على ضفاف البحر المتوسط.
وحول هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي “خالد تركاوي”، إن مدّ شبكة السكك الحديدية التي تربط طهران بدمشق والموانئ السورية، له بعد سياسي واقتصادي بنفس الوقت، فالسياسي هو لكسر هيبة أمريكا والتلاعب بالعقوبات المفروضة على إيران بسبب سياساتها في المنطقة، وأما البعد الاقتصادي فهو لكسر العقوبات الاقتصادية والتي أثرت على الاقتصاد والعملة الإيرانية، وبهذه السكة سيتم تصدير واستيراد كل المنتجات والثروات المهمة.
ووفقاً للخبراء، فإن هناك أربعة طرق لنقل البضائع في العالم تتمثل في النقل الجوي والبحري وعن طريق الطرق والسكك الحديدية، ووفقاً للإحصاءات العالمية، فإن عملية نقل البضائع بالسكك الحديدية تعدّ أرخص الطرق وأكثرها فعالية من حيث التكلفة عند مقارنتها بأنواع النقل الأخرى وبالنظر إلى الموقع الجغرافي والجيوسياسي لإيران، فإن أفضل طريقة لنقل البضائع تتمثل في تطوير طرق النقل بالسكك الحديدية.
سكك حديدية متعددة الجنسيات
أعلنت شركة السكك الحديدية العراقية بأنها قامت بعقد مفاوضات مع سوريا وإيران حول تطوير خط سكة حديد لربط منطقة “شلامجة” في إيران بمحافظة البصرة العراقية ومنها إلى سوريا وحول هذا السياق، ذكرت العديد من وسائل الإعلام العراقية بأن هذا المشروع يهدف إلى ربط منطقة الخليج الفارسي بمنطقة البحر الأبيض المتوسط عبر سكة حديد متعددة الجنسيات تربط هذه الدول الثلاث.
وفي هذا الصدد، صرّحت وزارة النقل السورية في منتصف عام 2018، قائلة: “إن السكك الحديدية هي جزء من برنامج إعادة بناء البنية التحتية في البلاد التي دمرتها الحرب، وهي جزء من مشروع سوري لبناء خط سكة حديد بطول 32 كم وسيمتد بقية هذا الخط إلى العراق وسوف يصل إلى بغداد وكربلاء، ما سيسهل نقل الأشخاص ونقل البضائع بين إيران والعراق وسوريا “.
وفي سياق متصل، أعربت العديد من المصادر الإخبارية بأن الرئيس الإيراني “حسن روحاني” أوعز في 12 نوفمبر بمدّ سكة حديد من منفذ “شلامجة” الحدودي إلى مدينة البصرة في العراق، فيما كشف مساعد مدير شركة سكك الحديد الإيرانية “مازيار يزداني”، أن مدّ سكة الحديد بين إيران والعراق وسوريا سيصل إلى ميناء اللاذقية الواقعة على البحر المتوسط، الأمر الذي يكشف الهدف السياسي أيضاً من المشروع، وهو أمر كانت أعلنته إيران وسوريا في 14 أغسطس من عام 2018 عن عزمهما مدّ سكة حديد بين البلدين بمشاركة العراق لمواجهة العقوبات الغربية وتعزيز التعاون الاقتصادي، تمتد من مدينة “شلامجة” جنوب إيران إلى ميناء البصرة العراقي، ثم إلى الأراضي السورية.
ومن الأهداف الأخرى التي وضعتها إيران كجزء من طموحها لربط منطقة الخليج الفارسي بالبحر الأبيض المتوسط، يتمثل في توسيع علاقاتها التجارية مع أوروبا، وحول هذا السياق أعرب “سيد ابو الفضل بيوكي” نائب رئيس لجنة الشؤون المدنية الإيرانية يوم الثلاثاء الموافق 16 يناير، قائلاً: “خط سكة حديد الخليج الفارسي – البحر الأبيض المتوسط سيكمّل فعلياً خطوط السكك الحديدية بين الشمال والجنوب، لأنه وفقاً للمشروع، إذا تم الانتهاء من سكك حديد راشت – أستارا، فإن إيران ستتمكن من تصدير البضائع إلى البلدان الأوروبية عن طريق جمهورية أذربيجان.
سباق السكك الحديدية الإيراني الإسرائيلي لربط منطقة الخليج الفارسي بالبحر الأبيض المتوسط
في وقتنا الحالي تعتبر شبكة السكك الحديدية في العالم من أهم الخطوط الاستراتيجية، وهذا الأمر جذب انتباه الصين باعتبارها القوة الاقتصادية الجديدة في العالم للسيطرة على شرايين التجارة الدولية لتحسين وضعها الاقتصادي والسياسي في المستقبل.
وفي سياق متصل، ذكرت وزارة السكك الحديدية السورية في تقرير لها بأن هذه السكة الحديدية تعدّ جزءاً من مشروع يتعلق بدول آسيا الوسطى يهدف إلى ربط الخطوط الصينية بالروسية وستقوم سوريا بالمشاركة في هذه الخطوط التي ستوصلها بطريق الحرير الجديد.
ومن ناحية أخرى، كتبت صحيفة “الوطن” السورية: “لقد تم التوقيع على اتفاق مع الجانب الصيني للمشاركة في هذا المشروع، ومن المتوقع أن يعبر خط السكك الحديدية من سوريا والعراق وإيران وسوف يمرّ من باكستان ومن العديد من الدول حتى يصل إلى الصين”.
وفي السياق ذاته، قال “أمير أمين”، نائب مدير التخطيط وإدارة الموارد بوزارة الطرق والتنمية الحضرية الإيرانية: “إذا تم وصل خطوط السكك الحديدية بين الدول الثلاث، فإن الخطوة الأساسية الثانية هي ربط السكك الحديدية الصينية بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق المرور بأراضي إيران والعراق وسوريا”.
ولكن وعلى الرغم من أن هذا الطريق الهادف للوصول إلى البحر المتوسط عبر إيران هو أقصر طريق بالنسبة للصين، إلا أنه ليس الطريق الوحيد الموجود على لائحة القادة الصينيين وذلك لأن الكيان الصهيوني يسعى إلى إنشاء خطوط سكك حديدية تربط مدينة “حيفا” الواقعة على البحر الأبيض بمنطقة الخليج الفارسي عن طريق المرور من بعض الدول العربية.
إن المساعي الصينية للهيمنة على الشرايين التجارية الدولية، أصبحت كابوساً يؤرق قادة البيت الأبيض ولهذا فلقد مارست واشنطن الكثير من الضغوطات على “تل أبيب” لتقليص شراكتها الاقتصادية مع الصين ويمكن مشاهدة هذا القلق الأمريكي من خلال تسليط الضوء على التحذيرات الأخيرة التي وجهها الرئيس “ترامب” لرئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” ومن الممكن أن تقوم واشنطن بمحاولات في القريب العاجل لتعطيل مشروع خط السكك الحديدية بين طهران وبغداد ودمشق.