الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم أعني على التعبير عن الحق بما يسطره
قلمي من آيات الكمال في هذه المقدمة
( لو كنت لأنتظر الكمال ، لما فرغت من كتابي إلى الأبد )

صفحة من نور
عن حياة الإمام عليه السلام

( في الربع الأخير من القرن الأول الهجري ، كان يعيش في مدينة
الرسول صلى الله عليه وسلم ، رجل امتلأ قلبه إيمانا ، وأشرق نوره على وجهه روعة
وجلالا . أحبته المدينة كلها ، وتسايرت الركبان بذكره وفضله ، قد تواضع
فارتفع ، وتطامن للناس فأعزوه ، وأحب ضعاف الناس فأحبه كل الناس .
كان للفقراء مواسيا ، وعلى اليتامى حانيا . . . ذلكم الرجل هو
– علي زين العابدين ابن الحسين – ، بقية السيف من أبناء الحسين ، وبه
حفظ نسل أبي الشهداء ، صريع الظلم والفساد في كربلاء .
كان علي هذا شديد البكاء ، كثير الحسرات ، لأنه عاش بعد أن قتل
الأحبة من آل بيته . وقد قال في ذلك ( رضي الله عنه ) : إن يعقوب عليه السلام
بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف ، ولم يعلم أنه مات . وإني رأيت بضعة
عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة يوم واحد ، أفترون حزنهم يذهب من
قلبي ) .

وإنه في وسط الأحزان والآلام النفسية نبعت الرحمة منه ، ففاض قلبه
بها ، فكان جوادا يسد دين المدينين وحاجة المحتاجين ، ويفيض سماحة
وعفوا . وتروى الأعاجيب عن سماحته وعفوه . ومما يروى منها أن جارية
كانت تحمل الإبريق ، وتسكب الماء ليتوضأ ، فوقع ما في يدها على وجهه
فشجه ، فرفع رأسه إليها لائما فقالت له الجارية : إن الله تعالى يقول :
( والكاظمين الغيظ ) ، فقال : ( قد كظمت غيظي ) فقالت : ( والعافين عن
الناس ) ، فقال : ( عفا الله عنك ) ، فقالت : ( والله يحب المحسنين ) ،
قال : أنت حرة لوجه الله ! ) .

بهذا النبل والسمو والرحمة والعطف ، اشتهر علي في ربوع الحجاز ،
– وخصوصا في مكة المكرمة ، والمدينة المنورة – ، وعلا إلى درجة لم يصل
إليها أبناء الخلفاء ، فكان المهيب من غير سلطان . ويروى في هذا من عدة
طرق أن هشاما ابن عبد الملك ، قبل أن يتولى الخلافة ، كان يحج فطاف
بالبيت الحرام ، ولما أراد أن يستلم الحجر الأسود لم يتمكن ، حتى نصب
له منبر فجلس عليه وسلم ، وأهل الشام حوله ، وبينما هو كذلك إذ أقبل علي
زين العابدين ، فلما دنا من الحجر ليستلم ، تنحى عنه الناس إجلالا له
وهيبة واحتراما ، وهو في بزة حسنة وشكل مليح ، فقال هشام : من هذا ؟
استنقاصا له ، وكان الفرزدق الشاعر حاضرا ، فاندفع الشاعر الفحل في
تعريفه بقصيدة ، جاء فيها :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

إلى أن قال :

فليس قولك من هذا بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم ) . ( 1 )

ما ترى وتقرأ
قد سبق أن قدمت لقرائي – فيما قدمت – كتاب ( الجواهر الروحية )
بأجزائه الثلاث ، وكتاب ( علي والأسس التربوية ) . وما كنت أفكر أني
سأوفق يوما ما لأمر ذي شأن ، بيد أن العناية أعادت الكرة فوحدت بين السمع
والبصر والعقل ، فحفزتني إلى وضع شرح ( رسالة الحقوق ) المستوحاة من
الإمام زين العابدين ( ع ) وإلى اقتفاء الخطوط العريضة التي رسمها في حق الفرد
والمجتمع ، وأحسب أن هذا الشرح بداية جديدة من نوعها .

ومهما يكن ، فلقد خرجت من كتابي هذا بشعور أقرب إلى الرضا
والارتياح . . ولا أدري ما هو سبب هذا الشعور ، وعن أي شئ يعبر . . لعله
يعبر عن أملي بأن هذه الصفحات ستبعث غيري على المزيد والتوسع ، أو يعبر
عما خيل إلي بأنها تعرف القراء – ولو بعضهم – بأشياء وضعها الإمام كانوا
يجهلونها . أو أن شعوري بالرضا يمثل شيئا من الحقيقة ؟ . . والله أعلم ،
وهو سبحانه المسؤول أن يخرج القارئ من هذا الكتاب بشعور الرضا والارتياح
* * *

رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين ( ع ) يفيض بها الوجدان
روعة وجلالا ، ويمتلأ ، بها القلب طمأنينة وإيمانا ، وتثير في الأسماع بهجة
ورضا ، وتحرك في النفوس عواطف وأحاسيس ، وهي لعمري رائد الفكر
الإنساني ، وسجل المعرفة . وفوق ذلك كله أنها الوسيلة لفهم الإنسان نفسه
وما فطرت عليه من مواهب ونزعات .

وهي كذلك مقومة الأخلاق ومقدرة القيم ، والمشرف الأعلى على جميع
منازع الناس وتطوراتهم في علومهم ومعارفهم وسلوكهم ، وسائر اتجاهاتهم
العقلية والسياسية والاجتماعية . إنها ( رسالة ) تهدي للتي هي أقوم ، في
التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه ، وبين مشاعره وسلوكه ، وبين عقيدته
وعمله . فإذا هي مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم ، متطلعة إلى الأعلى ،
وهي مستقرة على الأرض ، وإذا العمل بها عبادة متى توجه الإنسان به إلى
الله ، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعا بالحياة .

إنها ( رسالة ) تهدي للتي هي أقوم : في علاقات الناس بعضهم ببعض ،
أفرادا وأزواجا ، وحكومات وشعوبا ، ودولا وأجناسا ، تقيم هذه العلاقات
على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى ، ولا تميل مع المودة
والشنآن ، ولا تصرفها المصالح والأغراض .

إنها ( رسالة تهدي للتي هي أقوم : في عالم الضمير والشعور بالعقيدة
الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض ، والتي تطلق الروح من عقال
الوهم والخرافة ، وتوجه الطاقات البشرية الصالحة إلى العمل والبناء ، وتربط
بين نواميس الكون والطبيعة ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق .
وإذن هي سياج حقوقنا كلها ، بل هي من أهم أركان الرقي والعمران
والقانون .

إنها لنور العدل في الملك ، ونور الإيمان في الدين ، ونور الصدق في
العمل ، ونور الحياة الحقة في الأمة .
وحسبها قيمة أن غارس بذرتها نبعة شجرة النبوة ، وغذي وحي الرسالة
وعنصر الرحمة ، ومعدن العلم والحكمة .

أجل إن تعاليم الإمام ( ع ) ودروسه النيرة لا تنحصر في هذه الرسالة
فحسب ، فالمجال متسع للعارف الذي قدر له شئ من الفراغ أن يملأه
بنشر ما تركه للانسانية من تراث خالد ، بل لو أراد أن يفكر ويطيل
التفكير في أدعيته – المعبر عنها بزبور آل محمد – وكلامه الذي كان يناجي
به خالق الكائنات ، لاستطاع أن يقتبس ما شاء ومتى شاء من أنواره التي لا
تبلغ إلى نهاية ولا تحد بلفظ .

وأرى من صالح الإنسانية أجمع أن أتحدث عن شئ قصير من حكمياته
وعظاته ، ليبرز الإنسان نفسه على سجيتها ويعرف واقع الحياة وحقيقتها .
وأي شئ أفضل من التحدث بدروس الإمام ( ع ) وتوجيهاته وأي ، علم
أجدر وأنفع من علومه وعظاته ؟ !

إنها تذكر بالله وتبعث على طاعته ، والبعد عن معصيته ، إنها كالغيث
تحيى النفوس بعد موتها ، وتجعلها مع الخالدين والأنبياء والصالحين .
وبمقدار ما يبلغ الإنسان من علومه يبلغ حده من العظمة والخلود .
وإليك قبسا من أنواره وأشعته – ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق –
وقد شغلت فيها أمدا من عمري ولا أعرفها أكثر من غيري .
قال ( ع ) لابنه : ( يا بني إياك ومعاداة الرجال ، فإنه لن يعدمك
مكر حليم ، أو مفاجأة لئيم ) .

قيل له من أعظم الناس خطرا : قال : ( من لم ير الدنيا خطرا لنفسه )
قال له رجل : ما أشد بغض قريش لأبيك . قال : ( لأنه أورد أولهم
النار ، وألزم آخرهم العار ) .

قيل له : ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة . فقال :
( أكره أن آخذ برسول الله ( ص ) ما لا أعطي مثله ) .
وقال : ( الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ) .
( من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا ) .
وقال بحضرته رجل : اللهم أغنني عن خلقك . فقال : ( ليس هكذا
إنما الناس بالناس ، ولكن قل اللهم أغنني عن شرار خلقك ) .
( من قنع بما قسم الله له ، فهو أغنى الناس ) .

( اتقوا الكذب في الصغير منه والكبير ، في كل جد وهزل ، فإن الرجل
إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير ) .
( كفى بنصر الله لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك ) .
( الخير كله ، صيانة الإنسان نفسه ) .
وقال لبعض بنيه : ( يا بني إن الله رضيني لك ، ولم يرضك لي فأوصاك
بي ولم يوصيني بك ، عليك بالبر فإنه تحفة كبيرة ) .

وقال له رجل : ما الزهد . فقال : ( الزهد عشرة أجزاء : فأعلى
درجات الزهد أدنى درجات الورع ، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا ،
وإن الزهد في آية من كتاب الله تعالى ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا
تفرحوا بما أتاكم ) .

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...