يقول الله تعالى في محكم كتابه:
﴿ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ﴾1
1- سورة الأعراف، الآية: 85.
من المعلوم أنّ كلّ نبيّ من الأنبياء الكرام عليهم السلام غايته نشر التوحيد عقيدة، وإرساء الأخلاق الفاضلة سلوكاً، والأحكام الإلهية شريعة ومنهاجاً. ولكن نجد أنّ بعض الأنبياء عليهم السلام قد أكّدوا على بعض الجوانب وسلّطوا الضوء عليها كأولوية للمعالجة باعتبارها أدواء مستشرية بين الناس، ومن هذه الأدواء المعضلة المهلكة والمفسدة للمجتمع الإنسانيّ التطفيف، وعدم إيفاء الكيل والميزان، والذي كان مستشرياً وسارياً في زمن نبيّ الله شعيب عليه السلام. وقد بيّن القرآن الكريم هذا الأمر في كلامه سبحانه عن النبيّ الكريم شعيب عليه السلام في عدّة من الموارد والسور.
وقد أُرسل شعيب عليه السلام إلى مدين الّتي هو من أبنائها، وإلى الأيكة الّتي كانت بقرب مدين. يقول القرآن الكريم: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾2 حيث نعته بالأخ لأهل مدين، دون أن ينعته بذلك عند الحديث عن أصحاب الأيكة بل قال تعالى:﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ*إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾3 دلالة على أنّه عليه السلام لم يكن من أهل الأيكة، وكان التأكيد في كلا المهمّتين بشكل كبير على المشكلة الاجتماعية المستفحلة الّتي تجذّرت وتأصّلت في كلا المجتمعين “مدين والأيّكة”، طبعاً بعد الدعوة إلى التوحيد لأنّهم كانوا يعبدون الأصنام.
وقد بالغ النبيّ شعيب عليه السلام بالكلام والمواعظ لمن أُرسل إليهم، حتّى دُعي بخطيب الأنبياء، كما ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنّه للأسف لم يُجبه القوم
2- سورة العنكبوت، الآية: 36.
3- سورة الشعراء، الآيتان:176- 177.
إلا بالرّد والعصيان، وهدّدوه بالرجم والطرد من بينهم، وبالغوا في إيذائه وإيذاء من آمن معه وهم قلّة قليلة، وبقوا على ذلك حتّى سأل الله أن يقضي بينه وبينهم فأهلكهم الله تعالى.
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾4. فقد خصّص الله تعالى بالذكر هذه المعصية ونهى عنها من بين معاصيهم الأخرى بعد الأمر بالتوحيد، لما ذكرناه من شيوعها بينهم وإقبالهم عليها بحيث قد بان إفسادها للمجتمع الإنسانيّ بشكل واضح ممّا استوجب شدّة الاهتمام بالردع عنها.
وقد عقّب القرآن الكريم النهي عن التطفيف بقوله ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾5 وفيه دلالة على أنّ البخس في الميزان والتطفيف من عناصر الإفساد للمجتمع الإنسانيّ.