الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين22

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين22

مصدر النفس
نقصد من هذه الكلمة أن ننظر إلى النفس من حيث مصدرها . أو بالأصح من
حيث هي نظرة إجمالية لا تبتني على الأقيسة ومقدماتها ، بل على شئ أدل وأقوى منها
ومن الحواس والتجربة في أي شئ آخر . وذلك بإلقاء أسئلة تكمن في أعماق النفس ،
ويتطلب الجواب عنها كل من يملك الاحساس والإدراك ، وهذا طرف منها :

أين كانت الروح قبل اتصالها بالبدن ؟ وإلى أين تذهب بعد
انحلاله ؟ ومن الذي أعطاها له ، ثم سلبها منه ؟ وكيف حوت طاقات
جبارة تستوعب إدراك الكون ، وترقى بها إلى أقصى الكواكب ،
وتكتشف المجهول ، وتتذكر الماضي ، وتضع تصميم المستقبل ؟ وكيف اتصلت
بالطبيعة وانفصلت عنها في آن واحد ، إلى عشرات الأسئلة التي لا تجد لها .
جوابا ولا حلا ، إذ لم يفترض وجود خالق مدبر لهذا الكون ، قادر على
ما لا يقدر عليه أحد سواه ، تماما كما تفترض وجود كاتب لرسالة أرسلها إليك
مجهول لا تعرف هويته ، ولا شيئا عنه من قبل .

قال صدر المتألهين : ( إن الله قد جمع في الإنسان قوى العالم ، وأوجده
بعد وجود الأشياء التي جمعت فيه : ( الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق
الإنسان من طين ) فلقد أوجد الله فيه بسائط العالم ومركباته وروحانيته
ومبدعاته ومكوناته ، فالإنسان من حيث جمع فيه قوى العالم كالمختصر من
الكتاب الذي لفظه قليل ومعناه كاف واف ، كالزبدة من المخيض ، والدهن من
السمسم ، والزيت من الزيتون . )

ونحن مع الماديين إذا استطاعوا أن يجيبوا عن هذه الأسئلة ، أو عن
واحد منها جوابا صحيحا معقولا ، دون أن يفترضوا وجود الله سبحانه ، وكيف
يفترضون وجوده وهم يتوجسون خيفة لمجرد ذكره ، لا لشئ إلا لأنه
اسم سحيق عريق في القدم يردده الإنسان مند وجد على ظهر هذه الكواكب ،
وكفى بهذا مبررا للجحود والإنكار في منطقهم .

إن جميع الحلول والتفاسير لمصدر النفس والكون لا تزودنا بنظرية
صحيحة إذا لم نفترض وجود سبب أول ينبثق عنه كل موجود ، ويرجع إليه
كل شئ ، وحيثما وجد النقص والخلل في التفسير والتعليل لمصدر النفس يوجد
التمام والكمال في هذا السبب .

واحتار بعض الباحثين في أمر النفس وواقعها ، ولم يدر ماذا يصنع ،
فقد رأى إن أرجعها إلى المادة وحتميتها المحضة ازداد الأمر غموضا وتعقيدا ،
وإن أرجعها إلى الله ناقض نفسه ، لأنه لا يؤمن بغير المادة ، على الرغم من
أنها لا تقدم الحلول ، ولا تكتفي بذاتها ، وأنها في حاجة إلى الحل والتفسير ، .
فكان من نتيجة إلحاده أن تخبط في ظلمات الشك والحيرة .

وقال آخرون : ( الخير في أن لا نفكر في نفوسنا إطلاقا تفاديا للاصطدامات ) .
أجل ، ونحن مع هذا القائل لو أن نفوسنا هي غيرنا لا تتصل بنا من
قريب أو بعيد . وهذي حال من حاد عن الحق ، يناقض نفسه بنفسه من
حيث لا يحس ولا يشعر . ولعل قائلا : إذا كان الحل لمشكلة الروح يحتم الإيمان
بوجود مبدأ أول مغاير للمادة ، فلماذا – إذن – كل هذا التطويل والقال
والقيل ؟ .

الجواب :
إن التطويل أتى من الماديين الذين افترضوا عدم وجود الخالق سلفا
دون أن يقدموا دليلا ، أو أثارة من علم ، وقد رأينا لهم – في هذا العصر –
أشياعا وأتباعا ، فاضطررنا إلى نقاشهم ورد شبهاتهم ، وبيان ما في أقوالهم من
مفاسد وأخطاء . . وإن ردودنا على الماديين وإن تكن سلبية في ظاهرها فإنها
تؤلف في واقعها دليلا إيجابيا يوقفنا على الحقيقة ، وينتقل بنا من المعلوم إلى
المجهول ، لأن الاختلاف بيننا وبين الماديين يدور بين السلب والإيجاب ، وبين
الوجود واللاوجود ، فإذا أبطلنا قول الماديين ثبت قهرا القول الثاني ، بناء
على بطلان التناقض الذي هو خير وسيلة لفصل الخصومات . إذن لا فرق بين
أن نتجه إلى مزاعم الماديين فنبطلها ، أو نتجاهلهم بالمرة ، ونثبت ما نقول
ابتداءا ، لا فرق إلا في الخطة والأسلوب ، هذا إلى ما ذكرنا من البراهين
الإيجابية على تجريد النفس وبقائها بعد فساد البدن .

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...