الرئيسية / القرآن الكريم / آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 07

آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 07

« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ولا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُمْ إِنَّ الله كانَ عَفُوًّا غَفُوراً » ( 3 )
.
تخصيص الخطاب بالمؤمنين لنحو ما تقدّم ، وقد يتوهّم دلالة الآية على عدم خروج المؤمن بشرب الخمر عن الايمان ، فيكون الفاسق مؤمنا ، وفيه نظر من وجوه لا يخفى ( 4 ) ثمّ المراد إمّا النهى عن فعل الصلاة والقيام إليها في حال السكر من خمر ونحوه
أو من النوم أو أعمّ كما هو ظاهر القاضي ( 1 )
فإنّ الصلاة مع زوال العقل لا يصحّ ، فيجب القضاء إذا فاتته ، والمخاطب بذلك المكلَّف به المؤمنون العاقلون إلى أن يذهب عقلهم ، فيجب ما يأمنون معه من فعل الصلاة حال السكر .
« ولا جُنُباً » يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنّث ، وهو عطف على « وأَنْتُمْ سُكارى » لأنّ محل الجملة مع الواو النصب على الحال « إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ » استثناء من عامّة أحوال المخاطبين وانتصابه على الحال ، أو صفة لقوله : « جُنُباً » أي لا تقربوا الصلاة جنبا إلَّا مسافرين أي معذورين أو غير مسافرين أي غير معذورين « حَتَّى تَغْتَسِلُوا » .
وعلى التقديرين يدلّ على أنّ التيمم لا يرفع الحدث ، والتعبير عن مطلق المعذورين بعابري سبيل حينئذ كأنه لتحقق الأعذار غالبا في السفر ، وأما النهي عن مواضع الصلاة ، أي المساجد حال السكر من خمر ونحوه وجنبا إلَّا مجتازين بأن تدخلوا من باب وتخرجوا من آخر ، وفي مجمع البيان وهو المرويّ عن أبى جعفر عليه السلام ( 2 )
.
فان صحّت الرواية وإلَّا فينبغي النظر إلى ما في كلّ من التكلف والترجيح فالأوّل إنما يحتاج إلى حمل « عابِرِي سَبِيلٍ » على المعذورين بقرينة ما يأتي في التيمّم ، فان حمله على المسافرين منهم فقط مع الحصر غير مناسب ، وهذا إلى حمل القرب من الصلاة على حضور مواضعها من المسجد ، أو تقدير مواضع مضافا بقرينة عابري سبيل محمولا على ظاهره ، أما ما يرجح به هذا من احتياج الأوّل إلى قيده بالتيمم ولزوم التكرار ففيهما نظر .
نعم يؤيده أن ذكر الصلاة بالتيمم في المائدة يوجب على الأول دون الثاني ، أما ذكر كون الصلاة بالتيمم بعده كما يقتضيه قوله : « أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ » فيؤيد الأوّل لأنّ المحدث يجوز له دخول المسجد ، فلا يراد بالآية منعه إجماعا فهو بالأول
أنسب ، ولو أريد على الثاني المنع من الصلاة أيضا فافهم .
وذكر ذلك [ أي « أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ » إلخ ] إشارة إلى كون السكر ناقضا للوضوء ، فمع كونه بعيدا ، كذلك ( 1 )
كما لا يخفى ، وقد يقال يؤيده أيضا أنّ القول بتحريم دخول السكران المسجد غير معروف ، ولا معلوم إلَّا باعتبار الصلاة فيرجع إلى تحريمها ، وفيه تأمل .
وقد يؤيّده أيضا ظاهرا عدم جواز اجتياز الجنب في المسجدين ، فإنه يقتضي ظاهرا تقييد الاستثناء أو الصفة على الثاني فيؤيّد الأول لكن لا يبعد أن يكون نزول الآية قبل حرمة الاجتياز فيهما كما قيل على أنّ الدلالة على جواز الاجتياز بالمفهوم على تقدير الصفة ولا نسلم عمومه هنا ، فربّما يقال نحو ذلك على الاستثناء أيضا فتأمل .
وقال شيخنا المحقّق دام ظله بعد تضعيف الثاني : فالظاهر أنّ المراد بصدر الآية الدخول في الصلاة وإن أمكن جعل « ولا جُنُباً » باعتبار المساجد بارتكاب تقدير ويحتمل أن يكون المنهيّ القرب إلى الصلاة مطلقا ومجملا : بالنسبة إلى السكران فعلها ، وبالنسبة إلى الجنب الدخول إلى مواضعها ويكون معلوما بالبيان ، ولا يخلو عن بعد والأول أبعد انتهى .
وعن الشهيد الثاني : قال أهل البديع ( 2 ) إنّ اللَّه سبحانه استخدم في هذه الآية
لفظ الصلاة في معناها الحقيقي ، وفي موضع الصلاة ، فإنّ قرينة « حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ » دلت على الصلاة ، وقرينة « إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ » على المسجد انتهى .
والظاهر أن ارتكاب الاستخدام في قربها أقرب والأظهر أن القرب أعم من التلبّس بفعلها والتعرض له كالعزم والقيام إليها والحضور في مواضعها المعدّة لفعلها بلا استخدام ، فان هذا هو الظاهر من القرب منها كما لا يخفى .
وبالجملة ففي الآية دلالة على وجوب ما يؤمن به من التلبس بالصلاة أو حضور
المسجد حال السكر من ترك ما يستلزمه وفعل ما يستلزم عدمه حتّى قبل شرب المسكر ، فلو كان الشرب مستلزما لحرم لهذا ، فلا يكون التكليف مخصوصا بمن شرب أو بالثمل الذي لم يزل عقله بعد كما توهّم ، وكذا من شرب ولم يذهب عقله قبل الخروج ، فلو كان فيها أو في المسجد فخاف ذهاب العقل قبل الخروج وجب المسارعة إلى الخروج ونحو ذلك الجنابة فافهم .
ثم لا يخفى أنّ في تعيين التيمم للمعذور بدلا من الغسل بعد قوله : « حَتَّى تَغْتَسِلُوا » دلالة على كونه كافيا للمعذور في دخول المسجد الحرام ، والصلاة فيه والطواف ، لا يشترط فيه أكثر ممّا يشترط فيها ، فلا وجه لمنع فخر المحقّقين من جواز الطواف بالبيت
للجنب المتيمم ، لأنه جنب ولا يجوز دخوله المسجد إلَّا عابرا لهذه الآية ، وأيضا فإنّه ينافي الأخبار العامّة المستفيضة ، وربما استلزم الحرج ، على أنّ حمل الآية على النهي عن قرب المسجد محل تأمل كما عرفت .
ثمّ لا يخفى أن ترك « منه » هنا يؤيد عدم اشتراط إيصال شيء من الصعيد إلى محل المسح ، وأما باقي الأحكام فكما تقدّم في الأولى .
« إِنَّ الله كانَ عَفُوًّا غَفُوراً » أي كثير الصفح والتجاوز كثير المغفرة والستر على ذنوب عباده .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...