آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 11
14 أبريل,2020
القرآن الكريم, صوتي ومرئي متنوع
744 زيارة
وأيضا إذ قد تبين أنّ المطهريّة لازم على التقديرين ، من غير أن يكون من المفهوم الموضوع له ، فلا يلزم كون الوصف بالآليّة أكمل ، بل الظاهر حينئذ أنّ البالغ في شدّة الطهارة إلى هذا الحدّ أبلغ من آلة الطهارة ، كيف لا ؟ وطهارته في نفسه حينئذ من مفهومه الموضوع له ، بخلافه على ذلك ، بل قد ينظر في استلزامه عقلا أو شرعا ،
وهذا أيضا أنسب ببقيّة الآية خصوصا على إرادة ماء المطر : كما هو الظاهر ، وصرّح به عامة المفسّرين فليتدبّر .
وفي معالم البغويّ : وذهب بعضهم إلى أنّ الطهور ما يتكرر منه التطهير ، كالصبور لمن يتكرّر منه الصبر ، والشكور لمن يتكرّر منه الشكر ، وهو قول مالك حتّى جوّزوا الوضوء بما توضّي به مرة ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنّ الطهور هو الطاهر حتّى جوّزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة ، مثل الخلّ وماء الورد والمرق .
وقال النيشابوري : هذا القول علم بين الفقهاء في الاستدلال على طهارة الماء في نفسه ، وعلى مطهريّته لغيره ، ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذا على طهوريّة الماء مطلقا مشكل لما عرفت من ظهوره في ماء المطر ، وهو أنظف المياه وأطهره ، فوصفه بذلك خصوصا للفائدة المذكورة في بقيّة الآية لا يستلزم اتصاف غيره من المياه بذلك ، إلَّا باعتبار الإجماع على طهوريّة مطلق الماء من غير فرق أو النصّ كقوله عليه السّلام « خلق الماء طهورا ( 1 ) » والدليل حينئذ ذلك لا ما في الآية .
نعم يمكن أن يستدلّ به على مزيّة قوّة التطهير لماء المطر أما الاستدلال بها على اختصاص الطهوريّة بالماء كما هو ظاهر جماعة من الشافعيّة ، فلا ، إلَّا أن يقال :
حيث ثبت في الشريعة أن الماء مطلقا طهور ، علم أنّ المراد هنا وصفه بالطهوريّة بحسب حقيقته ونوعه ، فينتفى عن غيره بالمفهوم ، فليتدبر .
ثمّ هذا عامّ يأتي على المعاني المعتبرة كلَّها ، سواء البليغ في الطهارة ، والطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، وغيره ، فلا ينفع في الفرار عن ذلك الحمل على البليغ في الطهارة كما ذهب إليه الحنفيّة ، وكأنّهم غفلوا عن مقتضى المبالغة فحملوه على الطاهر في الجملة [ مع أنّ الماء يصحّ به إزالة النجاسة لوصفه بالطهورية قطعا ] فلا يأتي حينئذ الاختصاص بالمفهوم ، للإجماع على طهارة غير الماء أيضا فليتأمل .
ثمّ لا يخفى مع ذلك أنّ الطهارة حكم شرعي لا بد فيه من دليل شرعي ليحكم بها بعد ثبوت النجاسة شرعا ، وذلك واضح ، مع استعمال الماء على وجهه للإجماع وغيره أما في غير الماء فلا ، وما يستدلّ به من الأمر المطلق بالغسل والتطهير المطلق من غير تقييد بالماء ففيه أنّ الظاهر من التطهير والغسل عرفا وشرعا إنّما هو بالماء فينصرف إليه .
على أنّه قد ورد التقييد في بعض الأخبار بالماء ، فينبغي حمل المطلق على المقيّد وإن لم يثبت عرف في ذلك ، فيعلم الشرع به ، على أنّ ذلك خلاف الاحتياط وكاد أن يكون خلاف الإجماع في ذلك الزمان على ما قيل فليتأمل .
ثم الأظهر أنّ المفسّرين لمّا وجدوا المقام مناسبا للبحث عن معنى الطهور وكون الماء طهورا بحثوا عنه ، وأوردوا مذاهب الفقهاء على حسب ما ناسب ذلك من غير أن يكون مدار مذهب كلّ في هذه المسائل على المراد بما في الآية ، هذا ، ولا يخفى أنّ الظاهر على الأقوال كلَّها أنّه يصحّ استعماله للطهارة ، وأنه يفيدها ، فهو طاهر مطهّر يصح الطهارة به عن الحدث الأصغر والأكبر ، وإزالة الخبث به عن كلّ شيء إلَّا ما أخرجه الدليل ، وأنّ الظاهر بقاء الطهارة والطهورية مع بقاء الاسم ، وإن استعمل أو تغيّر من نفسه ، أو بالامتزاج ، أو المجاورة ، حتّى يثبت المزيل ، واللَّه أعلم .
الأنفال : « ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ولِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ ويُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدامَ » ( 1 )
.
كأنّ المراد بتطهير اللَّه إيّاهم توفيقهم للطهارة ، وقيل : الحكم به بعد استعمال الماء على الوجه المعتبر ، و « لِيُطَهِّرَكُمْ » إما إشارة إلى إزالة الخبث « ويُذْهِبَ » إمّا إلى إزالة الحدث ، أو إلى نوع منه ، أو منهما ، والأوّل إلى الكلّ ، غير ذلك أو مع ذلك فيكون الثاني تصريحا بما علم ضمنا أو الأمر على عكس الأوّل ( 2 )
أو الأوّل إشارة إلى الكلّ كملا ، والثاني إلى رفع الوسوسة ، وعلى كلّ حال دلالتها على أنّ الماء طاهر مطهّر يتطهّر به من الأحداث والأخباث ظاهرة . [ خصوصا على مقتضى سبب النزول كما يأتي .
أما الاستدلال على نفى إفادة غير الماء الطهارة لا من الحدث ولا من الخبث بدلالتها على الامتنان بإنزال الماء لتطهيرهم ، فلا يكون غير الماء مفيدا ذلك ، وإلا لكان ذكر الأعمّ أولى .
ففيه أن ذكر الماء ربّما كان تنصيصا للواقع ، مع كون الماء أقوى في هذا المعنى وأظهروا عمّ نفعا وأكثر . بل لم يكن يستجمع تلك الفوائد المقصودة المهمة إلَّا الماء ، بل إنّما كان مطلوبهم خصوص الماء كما لا يخفى . وأيضا لو سلَّم المفهوم حينئذ فغاية ما يلزم منه أن لا يكون غير الماء مطهرا مطلقا فتدبر ] .
وفي الكشّاف : رجز الشيطان وسوسته إليهم ( 3 ) وتخويفه إيّاهم من العطش ، وقيل الجنابة لأنّها من تخييله ، وقرئ « رجس الشيطان » وذلك أنّ إبليس تمثّل
لهم ، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء ، ونزل المؤمنون في كثيب أعفر تسوخ فيه الاقدام على غير ماء ، وناموا ، فاحتلم أكثرهم ، فقال أنتم يا أصحاب محمّد تزعمون أنكم على الحق وإنّكم تصلَّون على غير وضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على الحقّ ما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلَّا أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبّوا وساقوا بقيّتكم إلى مكَّة ، فحزنوا حزنا شديدا ، وأشفقوا .
فأنزل اللَّه المطر فمطروا ليلا حتّى جرى الوادي ، واتخذ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وأصحابه الحياض على عدوة الوادي وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضّؤا ، وتلبّد الرمل الذي كان بينهم وبين العدوّ حتّى ثبتت عليه الاقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، وطابت النفوس .
2020-04-14