الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

تدوين السنة الشريفة
بدايته المبكرة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ومصيره في عهود الخلفاء إلى نهاية القرن الأول
– السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

هذا البحث جدير بالقراءة والتمعن .

ص 197

الفصل الرابعسيرة المسلمين والتدوين

 

 

تمهيد

 

لا ريب أن سيرة المسلمين مستقر ة على تدوين العلم وكتابته، ومن المعلوم أن سيرتهم لا تنتظم على شيء مخالف للشريعة. وإذا كانت هذه السيرة متواصلة الحلقات متصلة بعهد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كانت حجة شرعية على جواز التدوين، وإن كانت راجعة – في الحقيقة – إلى شكل من أشكال السنة النبوية، كما هو مفصل في علم الأصول (1). ومن الواضح أن الحديث الشريف من أفضل ما يكتبه المسلمون بعد القرآن الكريم. وكل هذا الذي ذكرنا لا خلاف فيه ولا يحتاج إلى بحث عنه، إلا ما افترضناه من اتصال حلقات هذه السيرة بعهد الرسالة، فإن ذلك يحتاج إلى إثبات هذه السيرة في أربعة عهود:

(هامش)

(1) أنظر: الأصول العامة للفقه المقارن (ص 199).

ص 198

1 – عهد القرن الثاني فما بعده. 2 – عهد التابعين قبل بداية القرن الثاني. 3 – عهد الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. 4 – عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. أما العهد الأول: فإن الإجماع قد تحقق فيه على إباحة التدوين للحديث الشريف، وقد عرفنا في المقدمة (1) أن عمر بن عبد العزيز كان قد أمر بتدوينه وكتابته، وأنه لم يبق تحرج من كتابته منذ عصره، ولم يخرج القرن الثاني إلا وقد انعقد إجماع الأمة على إباحة التدوين، بل ضرورته. قال ابن الصلاح: ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك، وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة (2). وقال البلقيني: ومن أباح ذلك كثير، وهم الجم الغفير، والآن فهو مجمع عليه، لا يتطرق خلاف إليه (3). وقال ابن حجر: إن السلف اختلفوا في ذلك [أي التدوين] عملا وتركا، وإن كان الأمر استقر، والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم، بل على استحبابه، بل على وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم (4).

(هامش)

(1) أنظر ص (15). (2) علوم الحديث لابن الصلاح (ص 183) مقدمة ابن الصلاح (ص 302). (3) محاسن الاصطلاح (ص 33). (4) فتح الباري (ج 1 ص 182). (*)

ص 199

وقال ابن كثير: وقد حكي إ جماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث، وهذا أمر مستفيض، شائع، ذائع، من غير نكير (1). وقال شاكر: ثم جاء إ جماع الأمة القطعي – بعد – قرينة قاطعة على أن الإذن هو الأمر الأخير، وهو إ جماع ثابت بالتواتر العملي، عن كل طوائف الأمة بعد الصدر الأول (2). وقال الدكتور عبد الغني عبد الخالق: إجماع الأمة القطعي – بعد عصر الصحابة والتابعين – على الإذن وإباحة الكتابة… وهو إجماع ثابت بالتواتر العملي عن كل طوائف الأمة بعد الصدر الأول (3). وعمل أعلام الحديث – من كل الفرق الإسلامية – منذ أوائل القرن الثاني فما بعد، دليل قاطع على تحقق إجماعهم على جواز التدوين وإباحته، ويستنبط من ذلك القطع بإباحة التدوين من أول الأمر، لأن الأمة – كما يقول ابن الصلاح – معصومة عن الخطأ، فما ظنت صحته ووجب عليها العمل به، لا بد وأن يكون صحيحا في نفس الأمر (4). أقول: فكيف بما أجمعت عليه وقطعت بصحته؟ فلا بد أن يكون صوابا وحقا ثابتا من شرع الإسلام. وقال ابن الديبع: والإذن في الكتابة ناسخ للمنع، بإجماع الأمة

(هامش)

(1) اختصار علوم الحديث المطبوع مع الباعث الحثيث (ص 127). (2) الباعث الحثيث (ص 128). (3) حجية السنة (ص 448) (4) نقله في الباعث الحثيث (ص 33). (*)

ص 200

على جوازها، ولا يجتمعون إلا على أمر صحيح (1). وأما العهد الرابع: وهو تحقق جواز الكتابة والتدوين للحديث في عهد الرسالة: فقد عرفناه مفصلا في الفصل الثاني من هذا القسم (2)، حيث نقلنا قيام السنة القولية والفعلية والتقريرية على جواز تدوين الحديث، كما نقلنا ثبوت الأدلة على وقوع الكتابة في عهده صلى الله عليه وآله وسلم من د ون نكير منه. وقد قال الدكتور عتر: وردت أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة تبلغ بمجموعها رتبة التواتر في إثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده صلى الله عليه وآله وسلم (3). وقال السيد أحمد صقر: من الحقائق المطوية في ثنايا الكتب: أن الأحاديث النبوية قد دونت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4). وأما ما نسب إليه صلى الله عليه وآله وسلم من أحاديث المنع عن التدوين والنهي عن الكتابة (5) فسيأتي – في القسم الثاني من هذه الدراسة – الجواب عنه، بأن كل ذلك إنما جاءت به الأسانيد الضعيفة، وبينها صحيح واحد – في ما يقال – معلل بالتردد بين الوقف والرفع، مع انحصارها بما لا يتجاوز

(هامش)

(1) تيسير الوصول (3 / 177). (2) أنظر (ص 47 – 111) من هذا الكتاب. (3) منهج النقد (ص 40). (4) المدخل إلى فتح الباري (ص 7). (5) أنظر الفصل الأول من القسم الثاني (ص 286) فما بعدها. (*)

شاهد أيضاً

مفاجآت القرن الـ 21: ملحمة فلسطين وأسطورة إيران

ناصر قنديل يبدو القتال الأميركي الإسرائيلي والغربي عموماً لإنكار صعود العملاق الإيراني وإبهار الملحمة الفلسطينيّة ...