سيرة النبي الأکرم (ص) والتأسي بها
بسم الله الرحمن الرحيم
اهتمام المؤمنين بالتقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إن الرجل منا لينتعش عندما يقرأ سيرة النبي (ص) ويتمنى لو كان ممن أدركه وكان من أصحابه. ولكن في كل يوم قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، يقول أهل العبادة والذكر: (اللهمَّ إِنِّي آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ وَلَمْ أَرَهُ فَلاَ تَحْرِمْنِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ رُؤْيَتَهُ وَاُرْزُقْنِي صُحْبَتَهُ)[١]؛ فإن لم أوفق في دار الدنيا لأن أكون من الصحابة؛ فاجعلني من صحابته في الآخرة.
إن بعض من كان مع النبي (ص)؛ كان على رأس المنافقين وما كانوا صحابة. ولكنك أنت من الصحابة إن استننت بسنته وكنت على شريعته. رحم الله أحد علمائنا السلف؛ لقد ألف كتابا بعنوان: سنن النبي (ص). وإن محب النبي (ص) يقتني هذا الكتاب ليرى كيف كان يعيش النبي المصطفى (ص).
ابتعادنا عن الأخلاق النبوية
إن الحلم هو من صفات النبي (ص) الكبرى. إنني لا أدري – وإن كنت أدري – ماذا يجري في زماننا هذا؟ إن وسائل الرفاهية والراحة أصبحت موفرة وأصبحت الفصول عندنا واحدة؛ ففي الصيف بيوتنا مبردة، وفي الشتاء مدفئة. ولدينا الكثير من الأكل والطعام والسفر والاستمتاع. ولم تمر على البشرية فترة من الرفاهية كفترتنا هذه. ودوابنا تنقلنا من قارة إلى قارة بكل يسر، ومع ذلك فإنك تجد أن أكثر الأمراض النفسية هي في هذه الأيام من الاكتئاب والقلق والضيق والتبرم والغضب.
لماذا هذه الإحصائيات حول الزواج؟ بالطبع إن في بعضها مبالغة ولكن المتيقن أنه في الأسابيع الأولى من الزيجة هناك الكثير من الزوجان يختلفان ويعلو صراخهما ويذهبان إلى المحاكم. لماذا هذه البواطن ملتهبة غير مستقرة؟
الحلم النبوي
لقد وضع النبي (ص) وضع يده على هذه المسألة، فليتأمل فيها من كان يحب النبي (ص) ويحب التقتداء به. تقول الرواية: أن أعرابيا أتى رسول الله (ص) ونظر إليه وعرفه أنه رسول الله فأخذ يحادثه بطريقة غير مؤدبة. فقال له الناس: ما أجرأك يا أعرابي. كيف تتجرأ على النبي (ص) بهيئة غير حسنة وبكلام لا يليق. ولكن قال لهم نبي الرحمة: (دَعُوهُ فَإِنَّهُ أَرِبٌ)[٢]؛ أي صاحب حاجة، له أمر. ثم قال له: ما حاجتك؟ قال: (جَاءَتْنَا رُسُلُكَ [أَنْ] تُقِيمُوا اَلصَّلاَةَ وَتُؤْتُوا اَلزَّكَاةَ وَتَحُجُّوا اَلْبَيْتَ)، وإلى آخر ذلك، وإنني أريد أن استحلفك وأعلم الحقيقة ولكنني أخشى أن تغضب؟ يقولها لمن؟ لنبي الرحمة، ولمظهر الحلم.
فقال له النبي (ص): (لاَ أَغْضَبُ إِنِّي أَنَا اَلَّذِي سَمَّانِيَ الله فِي اَلتَّوْرَاةِ وَاَلْإِنْجِيلِ محمد [مُحَمَّداً] رَسُولَ الله اَلْمُجْتَبَى اَلْمُصْطَفَى لَيْسَ بِفَحَّاشٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي اَلْأَسْوَاقِ وَلاَ يُتْبِعُ اَلسَّيِّئَةَ اَلسَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يُتْبِعُ اَلسَّيِّئَةَ اَلْحَسَنَةَ فَسَلْنِي عَمَّا شِئْتَ وَأَنَا اَلَّذِي سَمَّانِيَ الله فِي اَلْقُرْآنِ: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ اَلْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). إن الدرس الهام في حياة نبينا؛ هو هذا الحلم النبوي. إن الله سبحانه يقول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[٣].
اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) وحرصه على الاهتمام بالصلوات
ومن الأمور المهمة في السيرة النبوية؛ أن الصلاة كانت على رأس اهتمامات النبي (ص). لقد قال له سبحانه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ)[٤]، وكان النبي (ص) يأتي على باب فاطمة وعلى (ع) لتسعة أشهر وهو يقول: الصلاة يرحمكم الله. ومن هو في البيت؟ علي وفاطمة (ع). ولكن النبي (ص) أراد أن يسن هذه السنة الحسنة.
ثم هل فكرت في قوله تعالى: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[٥]؟ لقد قيل في معناها: أنه أخرجك من الأصلاب الموحدة، وهذا معنى من المعاني. ومن المعاني: أن النبي الأكرم (ص) كان يتفقد أصحابه أيهم يقيم الليل؟ إنه كان يتفقد أهل الصفة وهم جماعة من المساكين. ولا زالت الصفة موجودة في مسجد النبي (ص) وهي الأماكن التي كان ينام فيها الفقراء والمساكين ممن لا مأوى لهم في المسجد. فكان النبي (ص) يطوف ببيوت أصحابه، كيف لا وهو أبو الأمة، وله الحق أن ينظر إلى يصنعون. تقول العبارة: حرصاً على طاعاتهم.
هذا والبعض منا لا يبالي إن كانت زوجته تصلي أم لا؟ تقيم الليل أم لا؟ وماذا تصنع في الخلوات. والنبي (ص) كان شفيقاً بأصحابه تقول الرواية: (فَوَجَدَهَا كَبُيُوتِ اَلزَّنَابِيرِ لِمَا سَمِعَ مِنْ دَنْدَنَتِهِمْ بِذِكْرِ الله وَاَلتَّلاَوَةِ)[٦].
شفقة النبي (صلى الله عليه وآله) بالأمة
وأما شفقته بالخلق فهي مما لا تقجر على بيانها خطبة ولا عشرات الخطب. إننا نسمع الرواية تحدقنا عن شفقته فطمع في شفقته وشفاعته يوم القيامة. من صور الشفقة ما روي أنه (ص) مشى: (إِلَى اَلسُّوقِ لِيَبْتَاعَ قَمِيصاً فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ عَلَى اَلطَّرِيقِ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَمَا شَأْنُكِ قَالَتْ يَا رَسُولَ الله إِنَّ أَهْلِي أَعْطَوْنِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ لِأَشْتَرِيَ لَهُمْ حَاجَةً فَضَاعَتْ فَلاَ أَجْسُرُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَأَعْطَاهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اِرْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ)[٧].
ثم ذهب النبي (ص) إلى شأنه، وبعد ذلك كما تقول الرواية: (رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَإِذَا اَلْجَارِيَةُ قَاعِدَةٌ عَلَى اَلطَّرِيقِ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا لَكِ لاَ تَأْتِينَ أَهْلَكِ قَالَتْ يَا رَسُولَ الله إِنِّي قَدْ أَبْطَأْتُ عَلَيْهِمْ أَخَافُ أَنْ يَضْرِبُونِي). وهنا تتجلى شفقة النبي (ص)، وهو أولى بذلك من كل الأمة.
تقول الرواية: (فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ مُرِّي بَيْنَ يَدَيَّ وَدُلِّينِي عَلَى أَهْلِكِ وَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ دَارِهِمْ ثُمَّ قَالَ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ اَلدَّارِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَأَعَادَ اَلسَّلاَمَ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَأَعَادَ اَلسَّلاَمَ فَقَالُوا وَعَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ يَا رَسُولَ الله وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا لَكُمْ تَرَكْتُمْ إِجَابَتِي فِي أَوَّلِ اَلسَّلاَمِ وَاَلثَّانِي فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله سَمِعْنَا كَلاَمَكَ فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَسْتَكْثِرَ مِنْهُ). لقد أغراهم لحن صوت النبي (ص) وحقيق بهم ذلك.
التوسل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثم قال لهم رسول الله (ص): (إِنَّ هَذِهِ اَلْجَارِيَةَ أَبْطَأَتْ عَلَيْكُمْ فَلاَ تُؤْذُوهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله هِيَ حُرَّةٌ لِمَمْشَاكَ). لقد أعتقوا الجارية لوجه رسول الله. وأنت إذا ذهبت إلى الروضة فاعلم أن النبي (ص) حي مرزوق. فاجلس في زاوية الروضة وقل: يا رسول الله، انظر إلي نظرة كريمة. إن الجارية أعتقت ببركتك، فسل الله عز وجل أن يعتقني من النار بسببك.