( 4 ) قاعدة في علمه تعالى بذاته وبغيره
كل وجود لا يشوبه عدم ولا يغطيه حجاب وغشاوة ولا التباس ولا يغشاه الظلمات فهو مكشوف لذاته حاضر غير غائب عن ذاته فيكون ذاته علما وعالما بذاته ومعلوما لذاته إذ الوجود والنور شيء واحد ولا حجاب له إلا العدم والقصور فكل وجود بحسب سنخه يصلح أن يكون معلوما وإنما المانع له ذلك إما العدم والعدمي كالهيولى الأولى لتوغلها في الإبهام أو الخلط بالعدم الذي هو أصل الظلمات كالجسم وما يحله إذ كل جزء من الجسم محجوب عن صاحبه غائب عن جزء آخر وكذا كل بعد وحجم وكل ذي بعد وحجم مكاني أو زماني كالحركة وما معها حكمه هذا الحكم سواء كان بالذات أو بالعرض كالسواد والبياض وغيرها من الوضعيات المادية فالكل مما لا يتعلق به إدراك وإنما المدرك من كل منها صورة أخرى وجودها غير هذا الوجود المادي الوضعي الواقع في جهة من جهات هذا العالم فكل ما وجوده وجود صوري غير منقسم الذات إلى أمور منفصل بعضها عن بعض فهو معلوم الهوية مدرك الذات بالفعل لا يمكن انسلاب الشعور عن ذاته ولا يحتاج في
كونه مشعورا به إلى عمل من تجريد أو تلخيص بل وجوده وجود إدراكي وهو حي بحياة ذاتية وهكذا جميع الصور الأخروية سواء كانت محسوسة أو معقولة والواجب جل ذكره لكونه بريء الذات عن شوب العدم والجسمية والتركيب والإمكان فهو في أعلى مرتبة المدركية والمدركية والعاقلية والمعقولية ولأنه مبدأ وجود العقلاء وفياض الصور العلمية على ذواتهم وواهب الروح والحياة على الكل فيكون عاقلا لذاته ولسائر الأشياء فإن العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول . قال تعالى : « أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » قوله :
« وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ » وقوله :
« لا يَعْزُبُ عَنْه ُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الأَرْضِ » الى قوله : « فِي كِتابٍ مُبِينٍ » .