الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 06

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 06

وممّا يؤيّد أنّ الوضوء له باطن مؤثّر في باطن المتوضّئ المتطهّر ما رواه غير واحد من الأصحاب : أنّه جاء نفر من اليهود إلى رسول الله – صلَّى الله عليه وآله – فسألوه عن مسائل ، فكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمّد ، لأيّ علَّة توضّأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد ؟ قال النبيّ صلَّى الله عليه وآله : « لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم – عليه السّلام – دنا من الشجرة ، فنظر إليها فذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها ، وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحليّ والحلل عن جسده ، فوضع آدم – عليه السّلام – يده على أمّ رأسه

وبكى ، فلمّا تاب الله – عزّ وجلّ – عليه فرض الله عليه وعلى ذرّيّته تطهير هذه الجوارح ، فأمره الله – عزّ وجلّ – بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أمّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة » « 1 » .
فقه الحديث : أنّ البحث حول قصّة آدم – عليه السّلام – خارج عن نطاق هذه الوجيزة ، والمهمّ هنا هو : أنّ الأوصاف النفسانيّة أمور تكوينيّة لا اعتباريّة ، فلا توضع ولا ترفع إلَّا بأمر تكوينيّ يوضع أو يرفع ، وعليه فلا يمكن رفع ما طرأ على النفس من رين الخطيئة إلَّا بما هو أمر تكوينيّ يعدّ سرّا وباطنا لمجموع الغسل والمسح حتّى يصلح لأن يكون رافعا أو دافعا للأمر النفسانيّ العينيّ .

وحيث إنّ المزيل للرين النفسانيّ لا بدّ وأن يكون في نفسه طاهرا عن أيّ رجس ، ومن المعلوم أنّ الظلم والكذب ونحو ذلك أرجاس نفسانيّة لا يجتمع معها الوضوء ، فهي بمنزلة الناقض له في فنّ السرّ ، كما أنّ الحدث ناقض له في صناعة الفقه ، فما ورد من أنّه « لا ينقض الوضوء إلَّا النوم أو الحدث و . » « 2 » محمول على صناعة الفقه ، وما ورد من أنّ « الشعر الباطل أو الظلم أو الكذب ينقض الوضوء » « 3 » محمول على فنّ السّر ، يعني : أنّه لا يبقى للوضوء أثر تكوينيّ عند الذنب والعصيان إذا لوحظ باطن الأمر وسرّه ، وأن يبقى أثره الاعتباريّ إذا لوحظ ظاهره ، ولعلَّه لذا حمل ما رواه سماعة في ذلك على استحباب إعادة الوضوء ، أو احتمل أن يكون ينقض « بالضاد » مصحّف ينقص « بالصاد » « 4 » . وعلى أيّ تقدير يستفاد من بعض النصوص نقض الوضوء أو نقصه بالكذب أو الظلم أو الشعر الباطل ونحو ذلك ، وليس ذلك إلَّا بلحاظ سرّ الوضوء وباطنه .

ومن ذلك يظهر : أنّ سرّ الوضوء هو الطهارة الكبرى عن أيّ رجس « 5 » ورجز ،
فعلى المتوضّئ أن يتطهّر عن كلّ ما ورد فيه أنّه نجس أو رجز أو قذارة ورين ودنس ، نحو : الشرك الذي هو الظلم العظيم والرجس الكبير ، حيث قال سبحانه :

* ( « إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » ) * « 1 » ، وقال تعالى * ( « إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » ) * « 2 » ، وقد قال أيضا * ( « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ » ) * « 3 » ، يعني : أنّ أكثر المؤمنين مشركون ، فأكثرهم نجس بالقذارة الباطنة وإن كانوا طاهرين ظاهرا ؛ وذلك لأنّ مشاهدة غير الله تعالى والاعتماد على غيره والثقة بغيره والاستناد إلى غيره في شيء من الأقوال والأفعال والأحوال شرك في الباطن ، مخالف للتوحيد الخالص ، فعلى المتوضئ أن يتطهّر من ذلك الرجس الباطنيّ أيضا حتّى يصير موحّدا خالصا صالحا لأن يناجي ربّه ؛ لكي يناجيه ربّه ، وهذا المتطهّر مؤمن لا ينجّسه شيء ، كما في المحاسن « 4 » عن أبي جعفر عليه السّلام . ولمّا كانت المعاصي والذنوب متفاوتة لأنّ بعضها أقذر من بعض ، وكانت الطهارات متمايزة لأنّ بعضها أطهر من بعض كانت الملائكة الَّتي يخلقها الله من كلّ قطرة من الوضوء الخالص أو يمثّلها بصورها – أي : بصور الملائكة – متفاضلة ، بأن يكون بعضها أفضل وأرفع من بعض ؛ لأنّهم ليسوا سواء كما ورد فيهم * ( « وَما مِنَّا إِلَّا لَه ُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » ) * « 5 » فمن كانت طهارته أتمّ كانت الملائكة الَّتي تتمثّل تلك الطهارة بصورتها أكمل ، وهكذا .

ومن الملائكة من هو مبعوث للأمور العلميّة ، ومنهم من هو مأمور بالأمور العمليّة ، وللعلم مراتب ، وللعمل درجات ، فكلَّما كانت الطهارة أكمل كانت الملائكة العلميّة أو العمليّة أتمّ حتّى ينتهي الأمر إلى من هو جامع بين مراتب العلم ودرجات العمل .

شاهد أيضاً

20-21-22-23-24 صلوات الليالي ودعوات الايّام في شهر رمضان

صلوات اللّيلة العشرين والحادِية والعشرين والثّانِيَة والعِشرين والثّالِثَة والعِشرين والرّابعة والعِشرين: في كُل مِن هذه ...