الوقت– في الوقت الذي أصبح فيه اكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية في البحر المتوسط مسرحاً للجدل السياسي، أعلن رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول أمس أنه سيوقع اتفاقًا مع اليونان وقبرص مطلع يناير من العام المقبل، لبناء خط أنابيب “شرق البحر المتوسط” للغاز.
يأتي الإعلان عن هذا الخبر في وضع معقد وجديد يعيشه شرق البحر المتوسط، الأمر الذي سيكثِّف الاصطفافات والتکتلات السياسية.
خط أنابيب شرق البحر المتوسط
يعد خط أنابيب “إيست ميد” الذي يبلغ طوله ألفي كيلومتر وعمقه 3500 متر، أطول وأعمق خط أنابيب تحت الماء للغاز الطبيعي في العالم، والذي من المتوقع أن ينقل ما بين 9 إلی 11 مليار متر مكعب من الغاز من الاحتياطيات البحرية لحوض شرق البحر المتوسط سنوياً، إلى دول أوروبا الوسطى والبلقان وإيطاليا وبعض دول أوروبا الغربية، عبر خطي “بوزیدون” و”إي جي بي“.
وفي هذا الصدد زعم نتنياهو قائلاً: “هذا الاتفاق سيسهم في توفير أمن الطاقة لأوروبا وازدهار إسرائيل ودول البحر المتوسط“.
من جانبه أعلن مكتب رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” يوم الأحد أن الصفقة ستوقع في أثينا يوم 2 يناير. كما قال نتنياهو إنه سيتوجه إلى اليونان مع وزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينيتز” لتوقيع الاتفاقية.
الطاقة في البحر المتوسط
على مدار العشرين عامًا الماضية، تم اكتشاف العديد من حقول الغاز في البحر المتوسط. وأهمها حقل غاز “ليفياثان” في الکيان الإسرائيلي وحقل “الظهر” المصري.
کما تم اكتشاف حقل “أفروديت” للغاز في المياه القبرصية في عام 2011 من قبل شركة “إني” الإيطالية، والذي تقدر مساحته بين 170 و 230 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
مع اكتشاف هذا الحقل، ظهرت تنافسات وأقطاب سياسية وجيوسياسية جديدة في شرق البحر المتوسط. وتسعی شركات أوروبية مثل “توتال” الفرنسية و”إني” الإيطالية و”إكسون موبيل” و”نوبل إنيرجي” الأمريكيتين، إلی استكشاف واستغلال الموارد الهيدروكربونية الجديدة في البحر المتوسط.
يعتقد بعض الخبراء أن اكتشاف مصادر الطاقة الجديدة هذه سيغير خريطة الطاقة العالمية. في هذا السياق، تسعی قبرص الجنوبية واليونان والکيان الإسرائيلي ومصر إلى التعاون بشكل وثيق في استكشاف الطاقة ونقلها، وتشكيل كتلة سياسية قوية في شرق البحر المتوسط.
عُقد الاجتماع الثلاثي السادس للطاقة والذي يجمع قادة قبرص واليونان والکيان الإسرائيلي في القدس في مارس الماضي، بهدف تطوير موارد الطاقة والأمن في البحر الأبيض المتوسط. کما تحاول السعودية أيضًا الاستثمار في قبرص الجنوبية منذ عدة أشهر، للاقتراب من المحور الإسرائيلي وممارسة الضغط السياسي على تركيا.
حوافز العقد الجديد
بعد انقلاب عام 1974 ودخول الجيش التركي إلى قبرص، انقسم هذا البلد إلى قسمين، هما قبرص الشمالية أو الترکية تحت النفوذ التركي، وقبرص الجنوبية أو اليونانية.
وبعض حقول الغاز والطاقة المكتشفة أيضًا، توجد في المناطق التي تسببت في حدوث خلافات بين القبرصين في اكتشافها، لدرجة أن تركيا منعت سفن الاستكشاف لبعض الشركات من الوصول إلى قبرص. کما تسعى قبرص الجنوبية واليونان والکيان الإسرائيلي إلی الاستفادة المشتركة من هذه الحقول.
بالنظر إلى الوضع في قبرص والاختلافات بين اليونان وتركيا، يسعى الکيان الإسرائيلي إلى تحفيز تركيا سياسياً وأخذ التنازلات منها، لكن تركيا أيضًا لديها أدوات ضغط قوية.
في الشهر الماضي، وقع أردوغان اتفاقية مع “فايز السراج” رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية بشأن التعاون النفطي والبحري والأمني، أقرها البرلمان الترکي قبل ثلاثة أيام.
وفقًا لبعض أحكام الاتفاقية، سيتم إنشاء تقسيمات بحرية بين ليبيا وتركيا، ما يخلق تحديات قانونية جديدة للجزيرتين اليونانيتين. وأثارت الاتفاقية رد فعل عنيف من قبل الکيان الإسرائيلي ومصر واليونان.
لذلك، فإن الاتفاق الجديد بين الدول الثلاث يجري وسط توترات جديدة في مجالات الطاقة والأمن وقانون البحر الأبيض المتوسط. هذا في حين أن الکيان الإسرائيلي لديه خلافات مع قبرص في المنطقة الاقتصادية الخالصة، إلا أنه يفضل التزام الصمت والاقتراب أكثر من قبرص في الوضع الحالي.
في أواخر ديسمبر، أعلن المكتب الرئاسي القبرصي أنه يتعاون مع “إسرائيل” ومصر واليونان للعمل معًا ضد الاتفاقية الليبية التركية. ووفقًا لصحيفة “التايمز الإسرائيلية”، قال الرئيس القبرصي “نيكوس أناستاسيادس” في هذا الصدد: “إن العمل المشترك لا يتضمن خياراً عسكرياً، بل هو جهد منسق دبلوماسياً لرفض أهداف الاتفاقية التركية الليبية “غير القانونية“.
في المقابل، اقترح نتنياهو على أنستاساديس التوصل إلى اتفاق على الفور بين تل أبيب وأثينا ونيقوسيا، لبدء العمل في خط أنابيب نقل الطاقة في غرب آسيا.
کما كتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية في هذا السياق أن: “إجراء نتنياهو جاء رداً على إعلان تركيا بأنها سوف تمنع نقل خطوط أنابيب إسرائيل إلى أوروبا، وكذلك الاستيلاء على سفينة الأبحاث الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط.”
ومع ذلك، تصر تركيا على موقفها من منع إمدادات الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا. ونقلت “روسيا اليوم” الأسبوع الماضي عن أردوغان قوله: “إن التفاوض مع إسرائيل حول نقل الغاز من البحر المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا، ليس ضمن جدول أعمالنا“.
رغم ذلك، بذلت جهود مماثلة من قبل الدول الثلاث في الماضي أيضاً، ولكن تركيا لديها أداة ضغط قوية. من ناحية أخرى، يتصرف الکيان الإسرائيلي بحذر ولا يريد أي نزاع مع تركيا وإن کان محدوداً. والدافع الحقيقي لهذا الکيان هو الضغط السياسي على أنقرة عبر قبرص واليونان.
جدير بالذکر أن وزير خارجية الکيان الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” قال بالأمس: “إن الاتفاق البحري بين حكومة الوفاق الوطني وأنقرة غير قانوني، هذا هو الموقف الرسمي لإسرائيل، لكن هذا لا يعني أنها سترسل سفناً حربيةً لمواجهة تركيا“.