الرئيسية / من / قصص وعبر / قصص من مركز الأبحاث العقائدية 02

قصص من مركز الأبحاث العقائدية 02

( 2 ) إبراهيم مختار سماكي
( مالكي / مالي )
ولد عام 1967 م في مدينة ” باماكو ” عاصمة جمهورية مالي ( 1 ) .
تحوّل من المذهب المالكي وتشرف باعتناق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1991 م في دولة ” غانا ” .

بداية التعرف على التشيع :
يقول الأخ إبراهيم : ” نشأت في أوساط عائلة سنّية تعتنق المذهب المالكي ، فتلقيت أفكار ورؤى البيئة التي كانت تحيطني ، وقبل إكمالي للمرحلة الثانوية في المدارس الأكاديميّة سافرت إلى غانا لأحمل على عاتقي مهمة تدريس المواد الإسلامية المختلفة هناك ، فأمضيت مدّة خمس سنوات في هذا المجال ، وخلال تواجدي في غانا طرق سمعي وجود مذهب يسمى بالشيعة ، وقد قيل لي : إنّهم يختلفون عن أبناء العامة بأمور كثيرة ، وأنّ أذانهم وصلاتهم وقرآنهم
و . . . يختلف عما عندنا !
وبدافع المعرفة والاطلاع على هذه الطائفة بدأت بتتبع مراكزهم وجمع كتبهم والاحتكاك بهم . . . وكنت أقارن بينهم وبين أبناء العامة لا سيّما المالكية ، وأوّل ما واجهت من خلال المطالعة والتتبع في كتب الشيعة ومعرفة تراثهم أنّهم قد تعرّضوا للفرية والتشنيع ، إمّا بسبب العداء الطائفي ، وإمّا بسبب عدم الاطلاع على تراثهم ، والحقيقة أنّ كلا الأمرين مخجل !
ولقد كانت لكتبهم – لا سيّما كتب المستبصرين – دور كبير في فتح آفاقي الفكريّة ، وتوسيع إدراكي في فهم الحوادث التاريخيّة ، خصوصاً تلك التي تلت وفاة النبيّ الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومع هذا كنت أرجع إلى الصّحاح لأتحقق بنفسي ، لأنّ دأب الشيعة كان الاستدلال بكتب أبناء العامة وذكر ما ورد فيها .
ولاية الإمام عليّ ( عليه السلام ) في القرآن والسنة :
ومن المسائل التي استوقفتني كثيراً وجعلتني أبحث عنها بدقّة ، هي ولاية الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) من خلال القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة ، فهنالك آيات كالمباهلة والإنذار والتبليغ و . . . ، وأحاديث كالمنزلة والثقلين والطير والغدير و . . . ، دلّت بشكل قاطع على إمامته ووجوب تقديمه والاقتداء به ” .
وهذه النصوص القرآنية والنبوية وردت بشكل واضح ، وذكرها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مواقف متعدّدة ، وذلك ليرسخ حقيقة ثبوت الإمامة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وتتجلى هذه الحقيقة لكلّ مسلم لو أمعن النظر في هذه الآيات والأحاديث التي منها :
1 – قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) ( 1 ) .
وهي نازلة في حقّ الإمام عليّ ( عليه السلام ) ، كما جاء في كتب الحديث والتفسير والفقه ، ونصّ عظماء الجمهور على تواتر هذا الخبر وصحّته والركون إليه ، كأصحاب الصحاح وغيرهم ( 2 ) ، وأجمعوا على أنّها نزلت في حقّ الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عندما تصدّق بخاتمه أثناء الصلاة ( 3 ) .
ووجه دلالتها على الإمامة : هو أنّ الله تعالى أثبت الولاية له ولرسوله ولمن آتى الزكاة في حال ركوعه ، وذلك ظاهر من سياق الآية ، والذي آتى الزكاة هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) دون غيره ، كما ثبت من إجماع أهل النقل ، والمراد من الولاية هنا ملك التصرّف ، وهذا معنى الإمامة .
2 – قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) ( 4 ) .
حيث أمر الله تعالى النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن ينصّب عليّاً للناس وتبيان فضله ومكانته يوم الغدير ، وقد أخرج ذلك متواتراً أئمة التفسير والحديث والتاريخ ، وروى هذه الحادثة مائة صحابي ! حيث خطب النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمحضر مائة ألف من المسلمين أو
يزيدون ، وقال فيما قال : ” من كنت مولاه فعليّ مولاه . . . ” ، وقد احتجّ بذلك الكثير من الصحابة وأهل البيت ( عليهم السلام ) ( 1 ) .
3 – قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دِيناً ) ( 2 ) .
وقد روى الجمهور أنّ هذه الآية نزلت يوم غدير خم بعد أن أخذ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) البيعة لعليّ ( عليه السلام ) ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ بن أبي طالب من بعدي ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعليٌ مولاه . . . ” ( 3 ) .
والمولى في اللغة بمعنى أولى ، والأولى هو الأحقّ والأملك ، وذلك معنى الإمامة .
4 – قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ( 4 ) .
وقد ذكر المفسّرون ( 5 ) ، وروى الأئمّة كأحمد وغيره أنّها نزلت في رسول
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ( 1 ) .
وفيها إخبار من الله تعالى بإرادته إذهاب الرجس عنهم ، والرجس هنا هو رجس الذنوب ، وأقله طهارتهم وصدقهم .
ولقد أجمعوا – أي المخصوصين بالآية – على أنّ الإمامة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وإجماعهم هذا حجّة واجبة الاتباع ، إضافة إلى أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طالب بالخلافة ليقوم بشؤونها ، فتكون مطالبته صادقة وصحيحة .
5 – قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) ( 2 ) .
وقد تواترت الأخبار عن عبد الله بن عبّاس وغيره ، أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذ يوم المباهلة بيد عليّ والحسن والحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ( 3 ) ، كما أجمع المفسّرون ( 4 ) على أنّ ( أَبْناءَنا ) إشارة إلى الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، ( وَأَنْفُسَنا ) إشارة إلى الإمام عليّ ( عليه السلام ) ، فقد جعله الله تعالى نفس النبيّ
محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فهو المساوي له في الكمال والتصرّف و . . .
وهذه الآية أدلّ دليل على علوّ رتبته ( عليه السلام ) وأحقيّته بالخلافة ، لأنّ الباري حكم بمساواته لنفس النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكيف يسوغ لمسلم أن يقدّم أحداً على نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ !
ولهذا ترى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) استدلّ بهذه الآية عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه و . . . ، وكانت آية المباهلة من صميم تلك الاحتجاجات .
6 – قوله تعالى : ( . . . إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هاد ) ( 1 ) .
وقد روى الجمهور عن إبن عبّاس قوله : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أنا المنذر وعليّ الهادي ، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون ” ( 2 ) .
ودلالتها ليست مقصورة على أصل الهداية ، بل على كمال الهداية .
والملفت هنا أنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المنذر فلا منذر معه في وقته ، فكذلك الهادي فلا هادي معه في وقته .
7 – قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً . . . ) ( 3 ) .
فلم يعمل بذلك أحّد من الصحابة إلاّ عليّ ( عليه السلام ) إلى أن نسخت ( 4 ) ، وهي تدلّ
على أفضليته بمسارعته إلى قبول أمر الله عزّ وجلّ والعمل به ، وبالخصوص بعد أن بخل الآخرين .
8 – قوله تعالى : ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ( 1 ) .
فقد روى علماء الجمهور أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ( 2 ) ، لبيان أفضليّته على الجميع ، والأفضل هو الأولى بالإمامة .
9 – قوله تعالى : ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبادِ ) ( 3 ) .
وقد أجمع المفسّرون أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) لمّا خرج النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مهاجراً إلى المدينة ، فخلفه لقضاء دينه وردّ ودائعه ( 4 ) ، وأصغر دلالاتها فضله واجتهاده في طاعة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبذل النفس له .
10 – قوله تعالى : ( وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ
الْحَجِّ اْلأَكْبَرِ ) ( 1 ) .
فقد ورد في مسند أحمد وغيره : هو عليّ ( عليه السلام ) حين أذّن بالآيات من سورة البراءة ، حيث أنفذها النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أبي بكر وأتبعه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعليّ ( عليه السلام ) ، فرّده ومضى علي ( عليه السلام ) ، وقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” قد اُمرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو واحد مني ” ( 2 ) .
والوجه في فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بإنفاذ الأوّل وردّه بعدها ، لا يخرج بعد لحاظ التنزيه عن العبث والهوى ، إلاّ تنبيهاً لفضل الثاني وتنويهاً بأسمه وتشخيصه للناس .
وأمّا السنّة فالأخبار المتواترة فيها عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والدالّة على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أكثر من أن تحصى ، وقد روى جمهور أبناء العامة وأصحاب الأئمّة ( عليهم السلام ) هذه الأحاديث في مصنّفاتهم ، وذكروها في مرويّاتهم ، ونقتصر على نزر يسير منها :
الأوّل : عن سلمان قال : ” يا رسول الله من وصيّك ؟ . . . قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فإنّ وصيّي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي عليّ بن أبي طالب ” ( 3 ) .
الثاني : قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعليّ ( عليه السلام ) : ” أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة
هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ” ( 1 ) .
وفي رواية أحمد ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً أخي ، أشدد به أزري وأشركه في أمري . . . ” ( 2 ) .
فقد أثبت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعليّ ( عليه السلام ) جميع منازل هارون من موسى إلاّ النبوّة ، ومن منازله الخلافة والشركة في الأمر وذلك معنى الإمامة .
الثالث : أمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ ( عليه السلام ) ، فتكلّم الناس ! فخطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثمّ قال : ” فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ فقال فيه قائلكم ، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ! إنّما أُمرت بشيء فاتبعته ” ( 3 ) .
الرابع : ورد عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : ” إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي ” ( 4 ) .
الخامس : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” . . . إنّ طاعة عليّ من طاعتي ، وطاعتي
من طاعة الله تعالى ” ( 1 ) .
السادس : عن أم سلمة أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ” عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة ” ( 2 ) .
السابع : ورد عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أنّه لا يجوز على الصراط إلاّ من كان معه كتاب بولاية عليّ بن أبي طالب ” ( 3 ) .
إنقاذ النفس من الضلالة :
يقول الأخ إبراهيم : ” لم تبق لي هذه الآيات والأحاديث مجالا للشكّ في أحقيّة الإمام عليّ ( عليه السلام ) بقيادة الأمّة بعد النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما أنّ أحداث الخلافة التي جرت في السقيفة ، وتجرّي بعض الصحابة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مرضه الذي توفي فيه ، وما جرى على أهل البيت ( عليهم السلام ) من تعدّي بُعيد وفاة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و . . . ، كلّ هذه الأحداث جعلتني أتأمّل في معتقداتي .
فقرّرت إنقاذ نفسي بعد أن اتّضحت لي الأمور ، وكشف الغطاء الذي ستره البعض ، وتوجهت إلى الله تعالى ليوفقني في سلوك النهج الصحيح والسبيل الموصل إليه ، فهداني جلّ وعلا للتمسّك بعدل الكتابة وثقله ، عترة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الكرام ( عليهم السلام ) ، فأعلنت استبصاري في ” غانا ” عام 1991 م ” .

شاهد أيضاً

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ کتاب الشمس الساطعة منهج‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ ...