الرئيسية / القرآن الكريم / الإعجاز القرآني في وصف السحاب الركامي

الإعجاز القرآني في وصف السحاب الركامي

قال جل وعلا:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43].

المعاني اللغوية والتفسيرية:
1- ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾: جاء في معجم مقاييس اللغة: مادة (زجى)، والريح تُزجي السحاب: تسوقه سوقًا رفيقًا، وبمثله قال ابن منظور في لسان العرب، وقال الجوهري: (زجيت الشيء تَزْجِيَةً إذا دفَعته برِفقٍ)، وهذا ما فهِمه المفسرون من الآية، فقد قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه يسوق السُّحب بقُدرته أول ما يُنشئها وهي ضعيفة، وهو الإزجاء.

وقال أبو السعود: (الإزجاء: سَوق الشيء برِفقٍ وسهولة).

وقال أبو حيان: (ومعنى يُزجي: يسوق قليلًا، ويستعمل في سوق الثقيل برفقٍ).

2- ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾: يُبين علماء اللغة أن التأليف: هو الجمع مع الترتيب والملاءمة؛ قال الأصفهاني في غريب القرآن: (والإلف اجتماع مع التئام…، والمُؤلَّف ما جُمِع من أجزاء مختلفة، ورُتِّب ترتيبًا قُدِّم فيه ما حقُّه أن يُقدَّم، وأُخِّر فيه ما حقُّه أن يُؤخَّر).

وقال ابن فارس في المقاييس: (الهمزة واللام والفاء أصل واحد يدل على انضمام الشيء إلى الشيء، والأشياء الكثيرة أيضًا).

ومن المفسرين قال القرطبي: (أي: يجمعه عند انتشائه؛ ليقوى ويتصل ويَكثُف).

وقال الزمخشري: (ومعنى تأليف الواحد: أنه يكون قَزَعًا، فيَضُم بعضه إلى بعض، وجاز بينه وهو واحد؛ لأن المعنى بين أجزائه).

وقال ابن الجوزي: أي: يَضمُّ بعضه إلى بعض، فيجعل القطع المتفرقة قطعةً واحدة.

ولكي تتم هذه الخطوة – وهي الانتقال من مرحلة الإزجاء لقِطَع السُّحب إلى مرحلة التأليف – يحتاج الأمر إلى وقت؛ ولذلك نرى أن الحرف الذي استُعمِل في القرآن للدلالة على هذه العملية هو حرف العطف “ثم” الذي يدل على الترتيب مع التراخي في الزمن: (ثم يؤلِّف بينه).

3- ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾: الرَّكْم في اللغة: (يأتي بمعنى: إلقاء الشيء بعضه فوق بعض)؛ كما قال ابن فارس.

وقال ابن منظور: (الرَّكْم: جمعُك شيئًا فوق شيءٍ؛ حتى تُجعله رُكامًا مركومًا كرُكام الرمل والسحاب، ونحو ذلك من الشيء المرتكم بعضه على بعض).

وقال الأصفهاني: (والرُّكام ما يُلقى بعضه على بعض).

وقال الجوهري: (ركَم الشيء يَركُمه إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض).

ومن المفسرين قال الطبري: (يعني: متراكمًا بعضه على بعض).

وقال ابن كثير: (أي: يَرْكَب بعضُه بعضًا)، وبمثلهما قال القرطبي، والزمخشري، وأبو السعود، وابن الجوزي، والشوكاني، والبيضاوي، والخازن، والنسفي.

وهذه المرحلة الثالثة من مراحل تكوين السحاب الركامي المذكور في الآية الكريمة، تُبين أن الانتقال إليها من المرحلة السابقة، يحتاج كذلك إلى زمنٍ؛ لذلك كان استعمال حرف العطف الدال على الترتيب مع التراخي في الزمن، وهو حرف العطف (ثم).

4- ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾: الودق: هو المطر عند جمهور المفسرين؛ كما قال الشوكاني والقرطبي، خلاله: أي: من فتوقه ومخارجه؛ قال بهذا التفسير الزمخشري وأبو حيان، والشوكاني والبيضاوي، وأبو السعود والنسفي، وقال القرطبي: وخِلال جمْع خَلَل؛ مثل: جبال وجبل، وهي فُرَجُه ومخارجُ القطْر منه.

5- ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾: قال أبو السعود: (ويُنزل من السماء): من الغمام؛ فإن كل ما علاك سماء، (من جبال فيها)؛ أي: من قطع عظام تُشبه الجبال في العظم، كائنة فيها، (من بَرَد): مفعول يُنزل على أن (من) تبعيضية، والأُوليان لابتداء الغاية؛ أي: ينزل مبتدئًا من السماء من جبال فيها بعض بَرَد، وقال: من السماء من جبال فيها بعض بَرَد).

وقال الشوكاني والبيضاوي بمثل ما قال به أبو السعود، إلا أنه اعتبر (من) الثالثة بيانية، فقال: (مِن بَرَد: بيان للجبال، والمفعول محذوف؛ أي: يُنزل مبتدئًا من السماء من جبال فيها مِن بَرَد).

6- ﴿ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ﴾: هذه الفقرة من الآية الكريمة تقرِّر أن نزول البرد مكانًا وزمانًا مَرهون بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ومع معرفتنا بأن الأمر متعلق بمشيئة الله التي لا نعلمها، إلا إن الله قد جعَل لكل شيءٍ قدرًا، فوقتُ نزول المطر بيده، ونزول البرد بيده سبحانه، ولكن ذلك كله يَجري وَفق سَنن مُحكمة.

7- ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾: يُبين الله تعالى أن للبرد برقًا شديد اللمعان، فالضمير في “برقه” يرجع إلى أقرب مذكور، وهو البرد، وسنا البرق: شدة بريقه وضوئه، يذهب بالأبصار؛ أي: خطْفه إياها من شِدة الإضاءة، فنُسِب البرق إلى البرد في كتاب الله.

التحقيق العلمي:
هناك أنواع كثيرة من السُّحب، والقليل منها هو الممطر، وقد صنَّف علماء الأرصاد السُّحب إلى أنواع متعددة، تعتمد على ارتفاع قاعدتها وسمكها، وطريقة تكوينها, وأحد أنواع هذه السحب يسمى بالسحب الركامية، وهي الوحيدة التي قد تتطوَّر بإذن الله؛ لتصبح ما يسمى بالركام المُزني الذي يجود بالمطر الوفير, وهو النوع الوحيد الذي قد يُصاحبه البرد والبرق والرعد, ويتميز هذا النوع بسمك كبير، وقد يصل إلى أكثر من (15كم)، ويُشبه الجبال, وبتطوُّر علم الأرصاد الجوية واستخدام الأجهزة الحديثة – مثل: أجهزة الاستشعار عن بُعدٍ، والطائرات والرادارات، والأقمار الصناعية، وبمساعدة الحاسبات الإلكترونية – استطاع علماء الأرصاد دراسة تفاصيل دقيقة عن مكونات السُّحب وتطوُّرها، وما زال هناك الكثير أمام هذا الفرع من العلوم, والسحاب الركامي الذي تصف الآية الكريمة تكوينه، هو ضمن ما درسه علماء الأرصاد واهتموا به؛ من حيث: كيف يبدأ؟ وكيف يتطور؟ وما الظواهر الجوية المصاحبة له؟ وقد أجاب القرآن الكريم على كل هذه التساؤلات قبل 1400 عام بدقة مذهلة.

الإعجاز القرآني في وصف السحاب الركامي

  الأستاذ الدكتور/ كارم السيد غنيم

يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[سورة النور: 34].

ورد في (غريب القرآن ) أن قول الله تعالى :(يزجي سحاباً) يعني يسوقه بالرياح، (ثم يؤلفه بينه) : يعني يجمع قطع السحاب، فيجعلها سحاباً واحداً متراكماً ساداً للأفق .

(الودق) يعني : المطر أو القطر، (يخرج من خلاله) يعني: من فتوقه (من جبال فيها من برد) يعني : كما أن الجبال جمع جبل، من جبال في السماء. وقال عامة المفسرين: إن في السماء جبالاً من برد خلقها الله فيها كما خلق في الأرض جبالاً من حجر.

وقال أهل المعنى: السماء ههنا الغيم(السحاب) المرتفع فوق رؤوس الناس، والمراد بالجبال كثرتها.. وقبل أن ندخل في جولة بين التفاسير المشهورة، وهي عديدة، لنتعرف على السحاب، وكيف يتكون، وما أنواعه ..

ومحاولات علماء الفيزياء و الأرصاد الجوية لاستزراع السحب.

ما هو السحاب؟
يعرف العلماء السحاب ( Cloud) بأنه بخار الماء متكاثف يتألف من جسيمات (Particales) متكون من قطيرات (Droplets) صغيرة الحجم من الماء السائل، أو بلورات ( Crystals) صغيرة من الثلج، قطر الواحد منها لا يتجاوز عشرة أجزاء من الألف من المليمتر، ولو صُف ألف جسيم منها لم يتعد طوله 1.5 سنتمتر. يقوم الهواء بحمل هذه الجسيمات الدقيقة، فتظل متعلقة في الجو، ويمدها غالباً بتيارات صاعدة(مندفعة في الأسفل إلى الأعلى ).

ويحتوي الهواء مواد عديدة كالبكتيريا، وأملاح البحار، والأتربة والدخان، والهباب، والغبار، وحتى حبوب لقاح الأزهار، وهي ما يطلق عليها العلماء اسم [ نوى التكاثف Condensation nuclei] وهي مواد يتوفر وجودها في طبقات الجو السفلى، وتتكثف عليها قطرات الماء الصغيرة جداً في السحب، فتزداد أحجامها، ويتألف منها المطر بعد أن تصعد الرياح الحارة المشبعة ببخار الماء إلى طبقات الجو العليا وتتكون منها السحب.

صورة توضح كيفية تكاثف قطرات الماء الصغيرة حول نوى التكاثف

وأما المصدر الطبيعي للملح في الجو، فإن الرياح حيت تلطم سطح البحر صباح مساء تحمل رذاذه المحمل بجزيئات الملح إلى الجو، وترتفع في طبقاته، وتعمل كنوى تكاثف في السحب، إضافة إلى الشوائب الأخرى التي أشرنا إلى أهمها من قبل. ومما يذكر في هذا المقام أن جميع السحب التي تغطي سطح الأرض في وقت واحد، لا تحتوي سوى واحد بالألف من ماء الكرة الأرضية.. !!

كيف يتكون السحاب .. وكيف يتساقط منه البريد ؟؟؟

لقد أفاض القرآن العظيم في وصف العوامل والأسباب التي تتدخل في تكوين السحب، وهطول المطر، وذلك قبل أن يتوصل العلماء حالياً إلى معرفتها. وأوضح القرآن أن الرياح هي التي تثير السحب وتوزع حملها من الأمطار : (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ

فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[سورة الروم].

 كما فرق القرآن بين أنواع السحب، وأوضح كيف يخرج الودق [أي المطر ] من خلال هذا الركام (الذي يشبه الجبال)، وكيف ينهمر البرد من هذا الركام (الذي يشبه الجبال)، وكيف ينهمر البرد من هذا النوع فقط من السحب : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء)[سورة النور:43].

وكيف يحدث البرق والرعد ؟ وكيف تقوم الرياح بتلقيح السحب؟  وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22} )[سورة الحجر].

وأصبح من المعلوم الآن أن السحب تتكون حينما يبرد الهواء، ويصل إلى نقطة الندى( Dew Point)، أو درجة التشبع (Saturation)، فتقل قدرته على حمل بخار الماء (water vapour) فيتحول إلى نقطة ماء، أو إلى بلورات ثلج، حسب درجة حرارة تلك المنطقة من الجو هذا وقد أشرنا إلى أن القطيرات المائية، التي تتصاعد محمولة على متن الريح الصاعدة، صغيرة جداً بحيث لا ترى إلا بالمجهر [ الميكروسكوب]، وخفيفة جداً لدرجة أنها تصعد مع أهدأ تيار هوائي.. وتزداد أحجام هذه القطيرات شيئاً فشيئاً ـ كما أوضحنا من قبل ـ فتكون السحابة في النهاية مشكلة من قطيرات ماء وهواء، ويمثل الهواء النقي أكثر من 99% من مكونات أية سحابة.

وينزل الماء الطهور العذب بهطول السحابة وهو ما أشار إليه القرآن العظيم في قول الله تعالى  وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا) [سورة الفرقان: 48].
(وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا)[سورة المرسلات:27].

نعم وذلك لأن أشعة الشمس بما فيها من أشعة فوق بنفسجية (Ultraviolet) وأشعة تحت حمراء ( infrared) وغاز الأوزون ( Ozon) ولأن البرق، ولأن المركبات الكيميائية المختلفة الموجودة في طبقات الجو العليا، تقوم هذه وتلك بقتل الميكروبات، وإعدام الأحياء الدقيقة الضارة التي تحملها الرياح عادة وتدخل بها في السحب، وبالتالي ينزل المطر بماء طاهر نظيف خال من الجراثيم والميكروبات، وهي الكائنات التي لم يعرفها الإنسان إلا بعد أن أكتشفها العالم الفرنسي ” باستير” في القرن التاسع عشر الميلادي ( أي بعد نزول القرآن بنحو أثني عشر قرناً ميلادياً) .

وماء المطر عذب ” فرات”، فبالرغم من أن ما صعدت به الرياح وكونت به السحب، إنما هو ماء مالح من البحار والمحيطات ، فإن الله سبحانه هيأ الأسباب لإزالة ملوحته أثناء عملية البخر الطبيعي !!! أليس هذا إعجاز للكتاب في وصف السحاب ؟ ! بل إنه كذلك، وسوف نزيد ذوي الألباب من الكثير في هذا الباب .

لدينا أربعة نصوص قرآنية تشرح ـ بالتفصيل ـ جوانب مهمة في السحب والمطر هي :

(1)   (لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[سورة النور:43].

(2)   (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[سورة الروم].

(3)    ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ {68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ {69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ{70} أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ )[سورة الواقعة:68_70].

(4)   (إنَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِوالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ ِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَامن كل ِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة البقرة:164].

هذه نصوص قرآنية سنرجع إليها كثيراً، لذلك أثبتناها هنا، وفيما يلي نعرض ما نريد أن نوضح به جوانب فيها كل الناس (حتى القرن السابع عشر الميلادي) يعتقدون بأن السحب عبارة عن هواء بارد سميك، إلى أن ظهر ” ديكارت” وقال بأن الهواء وبخار الماء شيئان مختلفان، ولكن القرآن العظيم حين نزل (في القرن السابع الميلادي) فرق بين الرياح والسحب، وبين الدور الذي تقوم به الرياح في تكوين السحب وإنزال المطر والبرد منها.

وكلما اكتشف العلماء حقيقة علمية أو توصلوا إلى معرفة أسرار حدث كوني أو أمر طبيعي، ثم طالعنا آيات القرآن العظيم، وجدناها قد أشارت إليه، أو ذكرته، أو شرحته، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. وهكذا يظهر القرآن على غيره مما يحاول الحاقدون أن يتشبثوا به … وهكذا يظل هذا الكتاب المجيد متجدداً ومستمر العطاء ودائم الإبهار لجميع الدراسين له..
ومنذ مدة لا تزيد على 200سنة فقط، قام ” لوك هوارد ” بوضع تقسيم السحب، ولا يزال يعمل به المتخصصون إلى الآن، وذلك حسب الشكل والسمك والارتفاع، ويتضمن ثلاثة أنواع:

[1] السحب العالية:يتراوح ارتفاعها بين 8 ـ 14 كيلومتر، حيث الجو شديد البرودة، ويسمى السحاب الموجود على هذه الارتفاعات (سمحاق) وتقابله اللفظة الأجنبية ” سيرس Cirrus”  أي : ريشية الشكل، كذيول الخيل.

ويظهر السحاب في السماء كالشعر الأبيض في مساحات واسعة، ويظهر مع الشمس في شكل هالة، ويتألف من بلورات ثلج صغيرة منفصلة عن بعضها البعض، ولونه أبيض نهاراً وردي صباحاً وعند الغسق (Dusk)، ويعقبه حدوث تقلبات جوية وأعاصير، ومنه سمحاق طبقي، وسمحاق ركامي.

[2] السحب المتوسطة :يترواح ارتفاعها بين 2_5 كيلومترات، وتسمى (السحب الركامية)، وهي تقابل اللفظة الأجنبية ” كيوميولس Cumulus “ويبدأ تكون هذه السحب في فترة الضحى أو قبيل العصر، ويزداد نموها رأسياً مع اقتراب المساء، وترتفع حتى يصل سمكها إلى 5 كيلومترات .

ويصحب هذه السحب حدوث عواصف واضطرابات جوية، كالرعد والبرق، وخصوصاً مع بداية هطول المطر منها، وقد يصحب هذا المطر سقوط (برد) ..

تتنوع السحب الركامية إلى: سحب بيضاء وسحب ممطرة، وغيرها.

ويتألف السحاب الركامي من ثلاث طبقات، بعضها فوق بعض هي :

أ ـ منطقة عليا :وتحتوي بلورات ثلجية ناصعة البياض.

ب ـ منطقة وسطى:وتحتوي خليطاً من نقطة الماء الزائدة البرودة (over cold)، وبلورات الثلج المتساقطة من أعلى (بفعل الجاذبية الأرضية (Gravity).

ج ـ منطقة سفلى:وتحتوي على نقطاً من الماء أو بلورات من الثلج على أهبة الاستعداد للسقوط إلى الأرض، ولونها معتم غير منفذ للضوء .

[3] السحب المنخفضة:لا يزيد ارتفاعها على 600متر فوق سطح الأرض، وتسمى (السحب الطبقية) أو (السحب البساطية )، وتقابل بالأجنبية (Stratiform Clouds)تتكون هذه السحب في الجو المستقرن ولا يصاحبها حدوث عواصف رعدية، أو سقوط برد، ولذلك يرحب بها الناس عادة.

والسحب الممطرة (المزن) في جو الأرض قليلة إذا قوبلت بالسحب غير الممطرة، وهي كثيفة قاتمة، وليس لها شكل معين، وحوافها مهلهلة، وينهمر منها المطر أو الثلج بصفة مستمرة.

والسحاب الثقال ذكره القرآن بقول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ)[سورة الرعد:12].

وبقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ لرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ لثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأعراف:75].

وهذا السحاب الثقال نمط من السحب، يرتفع غلى 20 كيلومتراً عن سطح الأرض، ويصل قطره إلى 400كيلومتراً، وحمولته 500طن من الماء، ومحتواه الحراري يكفي لسد حاجيات دولة كبرى كالولايات المتحدة من الكهرباء، لثلث ساعة تقريباً .

ويسقط المطر على سطح الأرض وسطح البحار والمحيطات، فيعيد ما سبق أن أخذته الرياح منها، من ماء وطاقة حرارية، ثم امتصاصها بالتبخير إلى طبقات الجو العليا، ثم يمتص الماء والطاقة الحرارية مرة أخرى، ثم يعيدها المطر مرة أخرى، وهكذا في دورة مستمرة، عبر عنها القرآن المجيد بقول الله تعالى : (والسماء ذات الرجع) .

نعود إلى النصوص المذكورة صدر هذه المقالة، ففي النص القرآني الأول يوضح المولى جل جلاله أنه يزجي، أي :”يسوق” قطع السحاب برفق نحو بعضها البعض، ثم ” يؤلف بينه” أي : يتم التجاذب فيما بينها نظراً لاختلاف شحناتها الكهربائية .

وهكذا فإن الفعل : يؤلف  يشير غلى التجاذب الكهربائي بين السحب الركامية. وأما كيف تتراكم الشحنات المتشابهة مع بعضها البعض في مكان واحد، فغير معلوم على وجه الدقة حتى الآن، فقد تكون السحابة الركامية مثلاً موجبة الشحنة عند القمة، ثم سالبة الشحنة في وسطها، ثم موجبة الشحنة عند قاعدتها، ثم تولد هذه الشحنة شحنة أخرى سالبة تحتها … وبذلك فإن الفعل ” يؤلف ” المذكور في الآية يفيد التأليف بين السحاب ـ ضمن إفاداته الأخرى ـ من حيث الشحنات الكهربائية، أي : تجميع الشحنات المتشابهة والمختلفة داخل السحابة الركامية الواحدة والجملة القرآنية ( ثم يجعله ركاماً ) تعني أن الله يهيء الظروف لتراكم قطع السحب فوق بعضها البعض فتصبح ” ركاماً ” ويشبه الجبال، ولذلك جاء في نفس الآية القرآنية قول الله سبحانه : (وينزل من السماء من جبال فيها من برد )

فالسحب الركامية ضخمة وعالية ومتراكبة، أي أنها متراكمة في أحجام الجبال، كما عبرت الآيات القرآنية المعجزة .

نصل كلامنا بالفقرات السابقة، ونواصل تناول تعبيرات وجمل وكلمات الآيات الواردة في النصوص القرآنية التي صدرنا بها الحلقة المذكورة، لنرى قول الله تعالى: (فترى الودق يخرج من خلاله ) يعني المطر ذي القطرات الكبيرة تهبط من الفتوق التي تحدث بالتراكم من هذه الجبال، أي : الجبال السحبية. وأما ” البرد ” الذي جاء ذكره في قول الله تعالى : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) فقد تكلمنا عن نشأته آنفاً، وعلينا الآن أن نعرف آثاره المدمرة، إذ يسقط في شكل حبيبات ثلجية كروية، تتكون من طبقات شفافة ومعتمة، تشبه البصلة، ويصل وزن الواحدة رطلاً وثلث الرطل.

وقد حدث أن سقط البرد في نبراسكا في يوليو 1928م وسقط في كانساس في سبتمبر 1970م، وكانت حبات البرد حين تسقط تسبب خسائر اقتصادية خطيرة أحياناً، فلقد خسرت الولايات المتحدة في إحدى الفترات ما قيمته 300مليون دولار بسبب سقوط البرد على البلاد.

وهكذا يتبين من هذه الجزئية : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)كيف أن القرآن العظيم سبق العلم الحديث بإشارته إلى أن السحاب الركامي هو النوع الوحيد من السحب الذي ينزل منه (البرد) .
أما الجزئية التي أعقبت تلك الجزئية في نفس النص القرآني  فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) تفيد بأن الله يصيب بالبرد أناساً، ويقي آخرين منه، أي أن تأثيره محلياً وليس عالمياً، بل وقد يكون في البلد الواحد حقل يسقط عليه البرد وحقل آخر لا يسقط عليه. ومن نافلة القول إن التنبؤ بموعد سقوط البرد أمر غير متاح بدقة حتى الآن …!!

وأما الجزئية الأخيرة في هذا النص الكريم، فتتحدث عن ” البرق ” وهو حدث فيزيائي ينشأ كشرارة في الجو نتيجة مختلفتين، فإذا تم هذا التفريغ بين سحابة وبين جسم موجود على سطح الأرض (كجبل أو شجرة مثلا) سمى الناتج عن هذا التماس [صاعقة] .. وعند حدوث

التفريغ الكهربائي يرتفع فوق الجهد لدرجة تجعل الهواء موصلاً للكهرباء لأن ذراته قد تأينت فتمر الشرارة ويحدث البرق في زمن قليل قد لا يتعدى جزء من الثانية …

والرعد يصاحب ” البرق ” وذلك لأن درجة حرارة شرارة البرق تصل إلى أكثر من 1000درجة مئوية، فيسخن الهواء ويتمدد وتحدث الفرقعة المدوية. وإذا نظر الإنسان في وجه البرق الشديد الضياء فإنه لا بد وأن يصاب بالعمى المؤقت، لذلك قال الله في نفس الآية القرآنية : (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، ويشير النص القرآنية: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، ويشير النص القرآني الذي أثبتناه في الفقرة السابقة [الآية 48 من سورة الروم] إلى تكوين السحب البساطية، وكيف أنها تكون (كسفا) أي : طبقة رقيقة فوق طبقة رقيقة، أي كتلة أفقية تنمو دائماً أفقياً وليست رأسياً (كما هو الحال في السحب الركامية) .

وأما النص الثالث[ الآيات 68ـ 70من سورة الواقعة ]، فيشير إلى السحب الممطرة باللفظ “المزن “، وكيف أن الله أنزل الماء الصالح للشرب للمخلوقات الحية من هذه السحب الممطرة، وأنه قادر على جعله ملحاً أجاجاً بدل أن يجعله عذاباً فراتاً .

ونصل سريعاً إلى النص القرآني الأخير [ الآية 164من سورة البقرة]، وهي نص جامع شامل للعديد من الأمور الكونية والأحداث الطبيعية، ثم يختم المولى جل جلاله هذا النص بإظهار الحكمة من إيراده، وهي أن الله خلق وصنع وقدر وأحكم كل الظواهر والأشياء لكي يتفكر الإنسان فيها ويتدبر عظمة الخالق جل جلاله .. ونمر سريعاً مع هذا النص الكريم لنفهم بعضاً مما ورد فيه:

[1] (إن في خلق السماوات والأرض]، أي في إبداعها وإبداع الدقة والإحكام فيهما، والسموات والأرض هما الكون كله ـ عموماً ـ بما فيه من أجرام فلكية، وليس المدلول اللفظي للكلمات فقط، وذكر هما يدل أيضاً على ما بينهما من مخلوقات.

[2] (واختلاف الليل والنهار)أي : حدوثهما وتعاقبهما وعدم تساوي مدتيهما يومياً . ويدل هذا ضمناً على دوران الأرض حول محورها أمام الشمس . ولا شك أن طول كل منهما يختلف في المكان الواحد من فصل إلى آخر، كما يختلف طول كل منهما في الفصل الواحد حسب خط عرض المكان.

[3] (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس).

وفي هذا إنعام من الله على الإنسان، أن خلق لخدمته ظاهرة الطفو على سطح الماء، ليركب الإنسان السفن، ويتنقل هنا وهناك ويدير حركة التجارة البحرية وغير ذلك من شئون الحياة.

[4] (وما أنزل الله من السماء من ماء)،هو المطر، والمطر هو المصدر الأساسي لماء الأرض، وهو ـ في الأحوال الطبيعية العادية ـ عذب فرات صالح للشرب.

إذاً (فأحيا به الأرض بعد موتها ) وإحياء التربة هو إنباتها للنبات، فيظهر لها رونق وجمال ونضرة، وتدب الحياة فيها وعليها.

[6] (وبث فيها من كل دابة)،لفظة ” بث ” تعني فرق ونشر ووزع، والدابة هي كل ما يدب على الأرض وأغلب استعمالها في اللغة لحيوانات الركوب والأحمال.

[7] (تصريف الرياح)يعني توجيهها وتيسيرها وتوزيعها بقدرة الله، وقد شرحنا هذا في حلقة سابقة.

[8] (والسحاب المسخر بين السماء والأرض)أي : السحب التي تسير وفق إرادة الله فهي مسخرة في نشأتها وفي حركتها وفي وجهتها، تبعاً لإرادة الله، إذ لو بقي السحاب معلقاُ في  الهواء لكثر وتعاظم وزادت أحجامه واتسعت مساحاته وحجب ضوء الشمس عن المخلوقات، وفي هذا ضرر شديد، وإذا تكاثر السحاب ودام لاستمر هطول الأمطار وغرقت الأرض، وفي هذا أيضاً ضرر شديد .

لكن الله يسوق الرياح فتحرك السحاب وتقوده إلى حيث يشاء الله، وينزل منه المطر في الوقت والمكان اللذين تحددهما المشيئة الإلهية، التي شاءت أيضاً أن ينزل هذا القرآن هداية للناس ومنهاجاً لصلاح دنياهم وآخرتهم .

الإعجاز القرآني في وصف السحاب الركامي

عثمان علي الذوادي

بسم الله الرحمن الرحيم

تطور علم الأرصاد الجوية اليوم، واستخدمت له الأجهزة الحديثة مثل أجهزة الاستشعار عن بعد، والطائرات, والرادارات, والأقمار الصناعية، والحاسبات الإلكترونية. واستطاع العلماء دراسة تفاصيل دقيقة عن السحب والسحب الركامية.

وهناك مفاهيم قديمة سادت الحضارات القديمة قبل البعثة المحمدية، فهناك من وصف الرعد بأنه سوط مثل حضارة الرافدين، والصينيين وصفوا الرعد بأنه قرع طبول، وفي الهند وصفوا الرعد بأنه حجر ساقط ، وفي الصين وصفوا البرق بأنه مرايا محرقة، وفي اليونان وصفوا البرق بأنه تلألؤ الماء . هذا ما كان سائد بين الحضارات قبل الإسلام.

وفي حقبة الإسلام تحدث القرآن الكريم عن الأرصاد الجوية،  وعن السحب الركامية بالتفصيل الدقيق، قال – تعالى -في وصف السحب الركامية: {ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} سورة النور آية 43.

1- بداية تكوين السحب الركامية {إن الله يزجي سحابا}:

السحاب الركامي يبدأ بأن تسوق الريح قطعا من السحب الصغيرة إلى مناطق التجميع ويؤدي ذلك لزيادة كمية بخار الماء في مسارها .

تطور السحب الركامية:

1- التجميع (ثم يؤلف بينه). تقترب القطع الصغيرة من السحب، لتقترب من بعضها، ثم تتلاحم وتتكاتف عند منطقة التجمع.

2- الركم. يقول – تعالى –: {ثم يجعله ركاما} إذا التحمت سحابتان أو أكثر، فإن تيار الهواء الصاعد داخل السحابة يزداد بصفة عامة، ويؤدي ذلك إلى جلب مزيد من بخار الماء من أسفل قاعدة السحابة، والذي بدوره يزيد من الطاقة الكامنة للتكثف، والتي تعمل على زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد، دافعا بمكونات السحابة إلى ارتفاعات أعلى وقد أثبتت الشواهد أن التحام السحب يؤدي إلى زيادة كبيرة في الركم.

ومن المعلوم أن عملية سوق السحب قد تستغرق بضعة ساعات، بينما تستغرق عمليتا التجميع والركم أقل من ذلك (حوالي ساعة أو أقل). (مجلة الإعجاز العلمي العدد الأول).

وهناك سحاب ركامي مزني يصل ارتفاعات شاهقة ويوجد به في الأسفل قطرات ماء وفي الوسط خليط من الماء والبرد، أما في القمة فتسودها بللورات الثلج، وهذا السحاب يحدث البرق والرعد ويسمى بالسحاب الركامي المزني. ومما لا يدع مجالا للشك أن البرد سبب في تولد البرقº لأن البرد يولد شحنات كهربائية أثناء تحوله من حال إلى حال وهذا ما قرره القرآن الكريم قبل 14 قرنا.

المعاني اللغوية والتفسيرية:

1- (ألم تر أن الله يزجي سحابا) جاء في معجم مقاييس اللغة مادة (زجى): والريح تزجي السحاب: تسوقه سوقا رفيقا.

وقال الشوكاني: (الإزجاء: السوق قليلا، المعنى أنه يسوق السحاب سوقا رفيقا). هذا ما ذكره التفسير هو نفسه الذي قرره علماء الأرصاد كما بينا سابقا.

2- (ثم يؤلف بينه). التأليف لغة هو الجمع مع الترتيب والملاءمة. وقال القرطبي: (أي يجمعه عند إنشائه ليقوى ويتصل ويكثف).

وقال الطبري: (وتأليف الله السحاب: جمعه بين متفرقها).

وفي هذه المرحلة تتألف السحب المتعددة لتكون سحابا واحدا، وبلغ التأليف بين السحب أن أصبح كيانا واحد، ولكي تتم هذه الخطوة، وهي الانتقال من مرحلة الإزجاء لقطع السحب إلى مرحلة التأليف يحتاج الأمر إلى وقت، ولذلك نرى أن الحرف الذي استعمل في القرآن للدلالة على هذه العملية هو حرف العطف (ثم) الذي يدل على الترتيب مع التراخي في الزمن (ثم يؤلف بينه).

3- (ثم يجعله ركاما) الركم لغة يأتي بمعنى إلقاء الشيء بعضه فوق بعض، وقال الطبري: (يعني تراكما بعضه على بعض).  وقال ابن كثير: (أي يركب بعضه على بعض). وفي هذه المرحلة الثالثة من مراحل تكوين السحاب الركامي المذكور في الآية الكريمة، تقابل ما ذكرناه آنفا تحت عنوان ركم السحاب، وبينا فيه أن عامل ركم السحاب الذي يكون بالنمو الرأسي لنفس السحابة، وأن الانتقال إليه من المرحلة السابقة يحتاج كذلك إلى زمن، لذلك كان استعمال حرف العطف الدال على الترتيب مع التراخي في الزمن وهو حرف العطف (ثم). (مجلة الإعجاز).

4- (فترى الودق يخرج من خلاله) الودق: هو المطر عند جمهور المفسرين. من خلاله: قال القرطبي: (وخلال جمع خلل مثل: جبال وجبل، وهي فُرجة ومخارج القطر منه).

فهذه المرحلة تعقب المرحلة السابقة وهي مرحلة الركم، وبعد أن يضعف الرفع في السحاب أو ينعدم، وهو الذي كان يسبب الركم، ينزل على الفور المطر وبضعف عملية الرفع إلى أعلى أو انعدامها تتكون مناطق ضعيفة في السحاب لا تقوى على حمل قطرات المطر إلى أعلى بسبب ثقلها فتخرج من مناطق الخلل أو الضعف في جسم السحابة. (مجلة الإعجاز).

5- (وينزل من السماء من جبال فيها برد). قال ابن مسعود في قوله: {من جبال فيها} أي: من قطع عظام تشبه الجبال في العظم.

وكشف لنا العلم الحديث أنه لابد من أن يكون السحاب في شكل الجبال الذي يسمح بتكوين الثلج في المناطق العليا.

6- (يكاد سنا برقه بذهب بالأبصار). الضمير في (برقه) يرجع إلى البرد وقد بينا فيما سبق أن البرد هو سبب البرق.

فإنك إذا تأملت في هذه الآيات تراها ترتب مراحل تكوين السحاب الركامي. من أخبر محمدا – صلى الله عليه وسلم – بكل هذه الأسرار؟ {إن هو إلا وحي يوحى}.

 

 

الإعجاز القرآني في وصف السحاب الركامي

 

 

              

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...