الرئيسية / الاسلام والحياة / الحياة الآخرة – دروس في المعاد والآخرة 04

الحياة الآخرة – دروس في المعاد والآخرة 04

الدرس الرابع:

حقيقة الموت

 

 

أهداف الدرس:

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن ماهية وحقيقة الموت.

2- يذكر العلّة الحقيقية للخوف من الموت.

3- يشرح كيفيّة معالجة آفّة الخوف من الموت.

 

الموت فناء أو انتقال؟

يأتي الإنسان إلى هذه الدنيا دون اختيار منه، ويكون في بداية ولادته بلا إدراك ولا قدرة. ومع مرور الأيام ينمو ويتعرّف إلى العالم حوله. وبعد إدراكه للجزئيّات يتمكّن من إدراك الكليّات. وعبر الاستفادة من الطاقات التي وهبها الله تعالى له يتمكّن من الوصول إلى أعلى الرتب ويحوز أفضل العلوم. وفي بعض الأحيان يعرض عليه ما يوجب انتهاء حياته في بداية ولادته أو في مقتبل الشباب.

 

والسؤال هنا: هل ينتهي كل شيء بمجرّد الموت وانتهاء الحياة الدنيا؟ وهل تدفن الآلاف من علامات الاستفهام مع موت هذا الإنسان؟ أو أن الجواب الصحيح يحصل عبر التفكير العميق من خلال الاستعانة بالعقل وبالروايات الواردة عن المعصومين؟

 

والجواب: إنّ الموت ليس عدماً بل هو انتقال من دنيا محدودةٍ إلى عالمٍ واسعٍ غير محدود، بل عالمٍ أكمل من هذا العالم. قال الإمام علي عليه السلام في وصيته لابنه الإمام الحسن عليه السلام: “واعلم يا بُنيّ أنك إنّما خُلقت للآخرة لا للدنيا…”[1]. فالموت في واقعه مرحلة من السير التكاملي للإنسان نحو الآخرة ورجوع إلى الله عزّ وجلّ. كالجنين الذي يعيش مدّة من الزمن في ظلمات الرحم ثم يخرج إلى الحياة ليسير في تكامله.

 

وقد أجاب الإمام الجواد عليه السلام عن الموت لمّا سُئل عنه فقال: “هو النوم الذي يأتيكم كل ليلة إلا أنّه طويلٌ مدّتُه لا ينتبه منه إلا يوم القيامة، فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يُقَادِرُ قَدْرَهُ ومن أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره؟ فكيف

 

 

حالُ فرِحٍ في النوم ووجلٍ فيه؟ هذا هو الموت، فاستعدّوا له”[2]. وعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم”[3].

 

علّة الخوف من الموت

إنّ السبب الأساسي لخوف الإنسان من الموت هو ضعف الإيمان واليقين القلبي بالله وبيوم القيامة، والنظر إلى الموت على أنّه فناءٌ وعدمٌ. كما يقول الإمام الخميني قدس سره: “وحيث إننا لا نؤمن بعالم الآخرة ولا تطمئن قلوبنا نحو الحياة الأزلية والبقاء السرمدي لذلك العالم، نحبّ هذا العالم ونهرب من الموت”[4]. والسبب الآخر أيضاً في الخوف من الموت هو الانشغال بالحياة الدنيا والإخلاد إلى الأرض. “وأما خوف وكراهة المتوسطين للموت فلأن قلوبهم انشدت إلى تعمير الدنيا وغفلت عن تعمير الآخرة، ولهذا لا يرغبون في الإنتقال من مكان فيه العمران والازدهار إلى مكان فيه الدمار والخراب”[5]، كما يقول الإمام قدس سره أيضاً. وقد أشارت الروايات إلى بعض العلل الأخرى منها عدم تمهيد طريق الآخرة، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام: “أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ فقال: ما لي لا أحب الموت؟ فقال له: ألك مال؟ قال: نعم. قال: فقدّمته؟ قال: لا. قال: فمن ثم لا تحب الموت”[6].

 

وهذا ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام بقوله: “آهٍ من قلة الزاد وطولِ الطريق وبعدِ السفر وعظيمِ المورد”[7].

 

 

وقد جاء رجلٌ إلى الإمام الحسن عليه السلام فقال له: يا ابن رسول الله ما لنا نكره الموت ولا نحبّه؟ قال عليه السلام: “إنكم أخْربتم آخرتكم وعمّرتم دنياكم فأنتم تكرهون النَقْلةَ من العمران إلى الخراب”[8].

 

نستفيد من هذه الرواية أن سبب كراهيّة الموت هو عدم السعي للآخرة، بل عدم الالتفات إلى الآخرة. إنّ التوجّه المحض إلى الدنيا هو الموجب لخراب الآخرة. وخراب الآخرة سببه الأعمال السيئة والذنوب والمعاصي، لذا يذكر القرآن علّة خوف اليهود من الآخرة: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾[9].

 

ويفسّر العلماء ذلك بأن المراد به: ما قدّمت أيديهم من الذنوب وما نتج عنها من الكفر. فارتكاب الذنوب هو من العوامل المؤدية إلى الخوف من الموت.

 

كي لا نخاف من الموت

إنّ الخطوة الأولى التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان ليتخلّص من خوفه من الموت هو أن يدرك حقيقة الموت كما تقدّم معناه.

 

إنّ الالتفات إلى حقيقة الموت يقلّل وإلى حدٍّ كبير من مسألة الخوف من الموت، ولذا روي عن الإمام الجواد عليه السلام بعد بيانه لحقيقة الموت: “هذا هو الموت فاستعدُّوا له”[10].

 

وفي رواية أخرى: “قيل لمحمد بن علي عليه السلام: ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟ قال: لأنهم جهلوه فكرهوه ولو عرفوه وكانوا أولياء الله عزّ وجلّ لأحبّوه ولعلموا أنّ الآخرة خيرٌ لهم من الدنيا، ثم قال عليه السلام:…. ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقّي لبدنهم والنافي للألم عنه؟ قيل: لجهلهم بنفع الدواء. قال: والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً إنّ من استعدّ للموت حق الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا التعالج، أما إنّهم لو عرفوا ما يؤدّي إليه الموت من النعم لاستدعوه

 

 

وأحبّوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات”[11].

 

إذاً الأركان الأساسية لإزالة حالة الخوف من الموت تكون في: الإيمان بالمبدأ والمعاد، والعمل الصالح، والتقرُّب إلى الله. وكلَّما زاد إيمان الإنسان قلّ خوفه من الموت، ولذا يبقى ضعيف الإيمان دائم الخوف من الموت لأن عقيدته ضعيفة باليوم الآخر، ولأنه يرى الموت عدماً وفناءً. وهو إن كان يحتمل وجود الآخرة إلا أنّ سجلّه خالٍ من أي عملٍ صالح.

 

المعصومون وتذكّر الموت

الحياة الدنيا مقدّمة للآخرة، وكلما استفاد الإنسان من هذه المقدّمة في طريق التكامل، كان طول مدّتها أفضل، لأنّها تزيد من كمال الإنسان وتفتح له المجال لنيل الدرجات الرفيعة في الآخرة. لذا نرى دعاء الأئمة عليهم السلام لأنفسهم بطول العمر، وقد ورد عن الإمام السجاد عليه السلام قوله في الدعاء: “وعمِّرني ما كان عمري بذلةً في طاعتك فإذا كان عمري مرتعاً للشياطين فاقبضني إليك”[12].

 

وفي دعاء السيدة الزهراء عليها السلام: “اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي”[13].

 

فالحياة في هذه الدنيا مطلوبة ولكن بعنوان كونها فرصة لنيل الكمال الأفضل. عن الإمام علي عليه السلام: “إنّ عمرك مهْدُ سعادتك إن أنْفَذْتهُ في طاعة ربك”[14].

 

 

فالموت راجحٌ على الحياة في بعض الأحيان، وذلك عندما يكون الموت طريقاً لاكتساب الكمال كالشهادة في سبيل الله، وقد قال الإمام الحسين عليه السلام عند سيره إلى العراق: “وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف”[15].

 

وأصحاب الأئمة عليهم السلام أيضاً كانوا كذلك. إنّ برير بن خضير الهمداني أحد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام لما وصل إلى اليقين بلقاء الله عزّ وجلّ والشهادة، ولشدّة فرحه، أخذ يمازح أصحابه مع أنّه لم يكن يوماً من أصحاب المزاح[16].

 

فلا بدّ من السعي لتهيئة أنفسنا للموت. وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام جواباً لمن سأله عن التحضّر للموت كيف يكون، فقال عليه السلام: “أداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه”[17].

 

 

المفاهيم الرئيسة

1- إنّ روح الإنسان خالدة، والموت انتقال ومرحلة من السير التكاملي نحو عالم الآخرة، ولا بدّ للإنسان من أن يمهّد لذلك.

 

2- الكافر يرى الموت عدماً وفناء ولذا يخاف من الموت.

 

3- إنّ أسباب الخوف من الموت متعدّدة كعدم المعرفة الصحيحة بالموت، وضعف الإيمان، وارتكاب الذنوب وعدم تمهيد الطريق بشكل سليم للآخرة.

 

4- كلّما ازداد إيمان الشخص وعمله الصالح قلّ خوفه من الموت.

 

5- إنّ الحياة الدنيا إذا كانت في سبيل طاعة الله وكسب الكمال فكلّما طالت كانت أفضل، ولكن في بعض الأحيان قد يكون كمال الإنسان بالموت وهذا هو مقام الشهادة.

 

 

للمطالعة

 

في بيان سبب ازدياد حب الدنيا

اعلم أنّه ولما كان الإنسان وليد هذه الدنيا الطبيعية، وهي أمه، وهو ابن هذا الماء والتراب، فإنّ حب الدنيا يكون مغروساً في قلبه منذ مطلع نشوئه ونموه، وكلما كبر في العمر، كبر هذا الحب في قلبه ونما. وبما وهبه الله من القوى الشهوانية ووسائل التلذّذ للحفاظ على ذاته وعلى البشرية، يزداد حبه ويقوى تعلّقه، ويظن أنّ الدنيا إنّما هي دار اللذات وإشباع الرغبات، ويرى في الموت قاطعاً لتلك اللذات، وحتى لو كان يعرف من أدلة الحكماء أو أخبار الأنبياء (صلوات الله عليهم) أنّ هناك عالماً أخروياً فإنّ قلبه يبقى غافلاً عن كيفية عالم الآخرة وحالاته وكمالاته ولا يتقبّله، فضلاً عن بلوغه مقام الاطمئنان. ولهذا يزداد حبّه وتعلّقه بهذه الدنيا.

 

وبما أنّ حب البقاء فِطري في الإنسان، فهو يكره الزوال والفناء، ويظنّ أنّ الموت فناء. ولو أنّه آمن بعقله بأنّ هذه الدنيا دار فناء ودار ممر، وأنّ العالم الآخر عالم بقاء سرمدي، فما دام إيمانه العقلي هذا يكون موجوداً، ولم يدخل الإيمان قلبه، بل ولم يحصل الاطمئنان الذي هو المرتبة الكاملة للإيمان القلبي. فهو لا يزال يميل فطرةً إلى الدنيا والبقاء فيها كما طلب إبراهيم خليل الرحمن من الحق المتعال هذا الاطمئنان، فأنعم به عليه. إذاً، إمّا أنّ القلوب لا تؤمن بالآخرة، مثل قلوبنا، وإن كنا نصدّق بها تصديقاً عقلياً، وإما أنها لا اطمئنان فيها، فيكون حب البقاء في هذا العالم، وكراهة الموت والخروج من هذا العالم في القلب موجوداً. ولو أدركت القلوب أنّ هذه الدنيا هي أدنى العوالم، وأنّها دار الفناء والزوال والتصرّم والتغيّر، وأنها دار الهلاك ودار النقص، وأنّ العوالم الأخرى التي تكون بعد الموت عوالم باقية وأبدية، وأنها دار كمال وثبات وحياة وبهجة وسرور، لحصل فيها بالفطرة حب تلك العوالم، ولنفرت من هذه الدنيا.

 

ولو ارتفع الإنسان عن هذا العالم ووصل إلى مقام الشهادة والوجدان ورأى

 

الصورة الباطنية لهذا العالم وللتعلّق به، والصورة الباطنية لذلك العالم ـ عالم الآخرة ـ والتعلّق به، لأصبح هذا العالم ثقيلاً عليه، وغصّة في حلقه ولنفر منه، واشتاق للتخلّص من هذا السجن المظلم ومن سلسلة قيود الزمان والتغيّر، كما جاء في كثير من كلام الأولياء.

 

يقول الإمام علي عليه السلام: “وَاللهِ لابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَديِ أُمِّهِ”[18].

 

ذلك لأنّه رأى بعين الولاية حقيقة هذه الدنيا، فلا يؤثر على مجاورة رحمة الحق المتعال شيءٌ أبداً. ولولا المصالح لما ثبتت نفوسهم الطاهرة، لحظة واحدة، في سجن الطبيعة المظلمة. إنّ الوقوع في الكثرة ونشأة الظهور والاشتغال بالتدبرات المُلكية بل التأييدات الملكوتية، يعدّ كل ذلك للمحبين والمنجذبين ألماً وعذاباً ليس بقدورنا أن نتصوّرهما.

 

إنّ أكثر أنين الأولياء إنّما هو لألم فراق المحبوب والبعد عن كرامته، كما أشاروا إلى ذلك بأنفسهم في مناجاتهم، على الرغم من أنّهم لا يحجبهم حجاب مُلكي أو ملكوتي، وقد اجتازوا جحيم الطبيعة الذي كان خامداً غير مستعر، وقد خلوا من التعلّق بالدنيا وتطهّرت قلوبهم من الخطيئة الطبيعية. إلاّ أنّ الوقوع في عالم الطبيعة هو بذاته تلذّذ طبيعي وقسري، مما كان يحصل لهم، ولو بأقل مقدار، فكان ذلك من باب الحجاب. وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّما ليَغانُ عَلَى قَلْبِي وإنّي لأَسْتَغفِرُ الله فِي يَوْمٍ سَبْعينَ مَرَّةً”[19].[20]

 

[1] السيد الرضي، نهج البلاغة، خ21.

[2] الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، معاني الأخبار، الصدوق، ص 289، تصحيح وتعليق علي أكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

[3] معاني الأخبار، ص 289، ح 3.

[4] الإمام الخميني قدس سره، الأربعون حديثاً، ص 405.

[5]  مصدر نفسه.

[6] بحار الأنوار، ج 6، ص 127.

[7] نهج البلاغة، الحكمة 74.

[8] بحار الأنوار، ج 6، ص 129.

[9] سورة الجمعة، الآية 7.

[10] بحار الأنوار، ج 6، ص 155.

[11] معاني الأخبار، ص 290.

[12] الإمام زين العابدين عليه السلام ، الصحيفة السجادية: من دعاء مكارم الأخلاق.

[13]  بحار الأنوار، ج 94، ص 225.

[14] الري الشهري، الشيخ محمدي، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر وطبع دار الحديث، الطبعة الأولى، 1375، قم، طهران، ج 6، ص 225.

[15] بحار الأنوار, ج 44، ص 466.

[16] م. ن، ص 41.

[17] بحار الأنوار، ج 41، ص 7.

[18] بحار الأنوار، ج28، ص 233.

[19] م. ن، ج67، ص 44.

[20] الأربعون حديثاً، ص156-158.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...