الرئيسية / زاد الاخرة / تذكرة المتقين للشيخ مجمد البهاري

تذكرة المتقين للشيخ مجمد البهاري

المراسلة الخامسة للشيخ البهاري

أيها العالم المجاهد !.. الذي اجتهد ليلاً ونهاراً حتى أدخل نفسه في زمرة العلماء الراشدين والفقهاء المجتهدين ، حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء ، تيقّظ من رقدتك ونومك ، كي ترى ما أشكل عليك في تحصيل شرائط العـلم وآدابها ، وكيفية المواظبة عليها.
اعلم أنه قد ورد أن العلماء ورثة الأنبياء ، ولا شك ولا ريب في أن هذا الإرث ليس هو الدرهم والدينار ، بل المراد منه ما يكون من جهة تبليغ الأحكام ، وإرجاع العامة إلى الجادة المستقيمة ، وتثبيتهم عليها مهما أمكن ..
فعلى هذا لا بد للعالم من مراعاة أمور كي تتحقق فيه هذه الوراثة ، وأنّى لك مراعاتها !..

فمنهـا: أن لا يكون حبيس داره ، مع ما يرى من مواظبة الناس على المنكرات الواضحة ، إن كان قادراً لدفعها مع اجتماع شرائطه .. فعليه أولا أن يبدأ بإصلاح نفسه ، وذلك بالمواظبة على فعل الطاعات وترك المحرمات ، ثم بتعليم أهله وأقاربه ثم جيرانه ثم أهل بلده ، ثم أهل القرى والبوادي وهكذا إلى أقصى العالم ، بمقدار ما يسعه ذلك ، ما لم يقم بهذا التكليف من به الكفاية ..
وليس هناك شيء – مما فُرض عيناً أو كفاية – أهم من ذلك ، فأين أنت أيها المداهن والمسامح من هذه الوظيفة؟!.

وإياك وأن تخضم مال الله تعالى خضم الإبل نبتة الربيع ، لتأكل منه قسماً وتعطي قسما منه لأولادك.

واعلم أن على العالم ان يكون صابراً محتسباً ، كما كان السلف صابرين في جفاء المخلوقين.
وأن يكون ملجأ وملاذا للمسلمين حقيقة في حاجاتهم وابتلاءاتهم.. فإن حجة الإسلام ، هو ما كان قوله وفعله حجة على المسلمين ، وإلا كانت حجة خالية عن أي ملاك.

و منهـا: أن لا يكون له همّ وغرض في جميع حركاته وسكناته إلا هداية الخلق وسوقهم إلى الشريعة ، بأي سبب حصل ، وبأية حيلة تحققت ، وبأي فرد جرى على يده هذا الأمر ، صغيراً كان أو كبيراً ، وضيعاً كان أو شريفاً ، فلا يتبرّم إذا جرى الخير على يده في الباطن ونسب إلى غيره في الظاهر .

فهل كان يثقل على النبي (ص) أن يرى أعرابياً تجري الهداية على يده للناس جميعاً بسبب بعثته (ص) ، وهو يعلم أن الغاية من بعثته حاصلة وإن كان على يد أعرابي؟!.. ولكن أقول لك بصدق :
إننا لا نستوعب هذه الحقيقة ، فضلاً عن العمل بها في محله ، هيهات هيهات!..

و منهـا: أن يكون متواضعاً لله جل جلاله في ذاته ، من دون أن يكون ذلك لغرض من الأغراض ، كالطمع المركوز في النفوس أو غيره .. ومن المعلوم أنه لا يتحقق الشرف التام إلا بالتواضع في ذات الله جل جلاله ، وأما ما شاع في زماننا هذا ، من شدة الخضوع والتذلل للأغنياء وغيرهم من أهل الدنيا وتسميتها تواضعاً ، فهو تدليس ومكر وتلبيس وتملق وتذلل مذموم ، ولا يكون هذا إلا تفريطاً في فضيلة التواضع .

نعم ، للتواضع مراتب بالنسبة للمتواضَع له .. والعدل الحقيقي هو إعطاء كل ذي حق حقَّه ، فتواضع العالم للعالم يغاير تواضعه للسوقي ، وتفصيل ذلك موكول إلى محله.

و منهـا: أن لا يكون غافلاً عن مولاه في آن من الآنات ، بل يكون مراعيا لمراقبته ، كمراقبة الحكام لما يجري في عاصمة ملكهم !.. فعليه أن يعرض أعماله كلها على مولاه ، ليعلم القبول من الرد ، وبهذه المناسبة تأمل فيما قيل : من أن المفتي لا يستفتى إلا من الله تعالى.

و منهـا: أنه لا بد من أن يكون منصوراً بالرعب ، بعد قطع طمعه عن حكام الدنيا ، وتمكين الخوف الإلهي جلّت عظمته في مكنون سريرته.

(محمد البهاري الهمداني )

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...