الرئيسية / من / طرائف الحكم / سنن النبي (صلى الله عليه وآله) العلامة الطباطبائي

سنن النبي (صلى الله عليه وآله) العلامة الطباطبائي

[88]

وقومه إذ قال: ” فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون * ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون (أي في تحقيركم أمر الفقير الضعيف) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك (أي لا أدعي شيئا يميزني منكم بمزية إلا أني رسول إليكم) ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم (أي من الخير والسعادة اللذين يرجيان منهم) إني إذا لمن الظالمين ” (1). ونظيره في نفي التميز قول شعيب لقومه على ما حكاه الله: ” وما اريد أن اخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن اريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب ” (2). وقال الله تعالى يعرف رسوله (صلى الله عليه وآله) للناس: ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ” (3) وقال أيضا: ” ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم ” (4) وقال أيضا: ” وإنك لعلى خلق عظيم ” (5) وقال أيضا وفيه جماع ما تقدم: ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” (6). وهذه الآيات وإن كانت بحسب المعنى المطابقي ناظرة إلى أخلاقه (صلى الله عليه وآله) الحسنة دون أدبه الذي هو أمر وراء الخلق إلا أن نوع الأدب – كما تقدم بيانه – يستفاد من نوع الخلق، على أن نفس الأدب من الأخلاق الفرعية.

(1) هود: 27 – 31. (2) هود: 88. (3) التوبة: 128. (4) التوبة: 61. (5) القلم: 4. (6) الأنبياء: 107.

[89]

أقول: قد تم ما أفاده الاستاذ العلامة (قدس سره) في معنى الأدب والسنة، تجد فيه أنواع الآداب: الأدب مع الله تعالى، والأدب مع مختلف الناس، والآداب الفردية، وتجد أيضا فيما أفاده مطالب اخرى كثيرة، فليتأمل. محمد هادي الفقهي

[90]

ما خطته أنامل العلامة الطباطبائي في إجازته لنا حول إضافة الملحقات إلى الكتاب

[91]

ترجمة تقريظ العلامة الطباطبائي لتكملة سنن النبي: هذا الكتاب الذي نقدمه بين يدي القراء الأعزاء، مجموعة من أخبار السنن التي تتضمن السيرة العملية للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فالكتاب يسجل ما كان (صلى الله عليه وآله) يدأب ويداوم عليه من الأعمال في حياته، وكانت له العناية بها أن تقتدي وتحتذى وتسجل. كنت في غضون سنة 1350 هجرية قمرية قد جمعت المعروف من هذه الأخبار في رسالة باسم ” سنن النبي ” وأخيرا جمع حضرة العالم المكرم الشيخ محمد هادي الفقهي دامت بركاته ما شذ عني منها، بتتبع واستقصاء واسع وسعي ممتد طوال سنين عديدة في تفاريق الجوامع الحديثية وغيرها، فألحقها وضمها إلى الأصل. ولتعميم الفائدة ترجم كل الكتاب إلى اللغة الفارسية وتصدى لنشره ليكون في متناول أيدي القراء الأعزاء ” مع الاحتفاظ بالأصل العربي للأخبار ” جزاه الله عن الإسلام وصادعه خير الجزاء. محمد حسين الطباطبائي

[92]

مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين أجمعين. قال محمد حسين بن محمد بن محمد حسين الحسني الحسيني عفا الله عن جرائمه: هذا ما يسر الله سبحانه لنا، وحبانا، من إيراد جمل ما روته المحدثون من المسلمين، من سنن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسب ما سمح به الوقت على ضيقه، وبلغ إليه باع التتبع على قصره، ونسأله سبحانه من فضله أن يوفقنا لامتثال قليله وكثيره، والأخذ بخطيره ويسيره. فقد قال سبحانه: ” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة ” (1) وقال (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام): والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصيامي وصدقتي (2) الخبر. وقال علي (عليه السلام): ومن تأدب بأدب الله أداه ذلك إلى الفلاح الدائم (3) الخبر.

(1) الأحزاب: 21. (2) المحاسن: 17 ب 10 من وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) ح 48، والكافي 8: 66، ح 33، الفقيه 4: 188، ح 5432. ومجموعة ورام 2: 91، ودعائم الإسلام 2: 347، ح 1296. (3) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 17 آداب قراءة القرآن، ح 3. بحار الأنوار =

[93]

وقال الصادق (عليه السلام): إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقي خلة من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأت بها (1) الخبر. وأن التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه، والاتصاف بظاهر سنته وباطنها هو الكمال الأقصى والغاية القصوى، وعنده خير الآخرة والاولى. وقد تركنا إيراد المكروهات لاستقرار المذهب على أنه (صلى الله عليه وآله) ما كان يصدر عنه المكروه ولا المباح بما أنه مباح ومكروه، والعقل والنقل بذلك ناهض. واشترطنا على أنفسنا أن نحذف أسانيد الروايات إيثارا للاختصار، غير أنا ذكرنا أسماء الكتب ومصنفيها، وميزنا بين مسانيد الروايات ومراسيلها ليسهل على الباحث عن أصلها أن يرجع إلى مداركها ومباديها. وقد أوردنا شمائله (صلى الله عليه وآله) تيمنا، ولما فيه من الدلالة على أخلاقه، وإن خرجت عن الغرض في وضع الكتاب، ولم نورد فيه وقائعه الجزئية وإنما ذكرنا الجوامع والجمل، والله المستعان (2). السيد محمد حسين الطباطبائي

= 92: 214. (1) مكارم الأخلاق: 39. (2) قد حذفنا من المقدمة بإجازة المؤلف العلامة (قدس سره) بعض ما لم يكن ذكره ضروريا.

[95]

الباب الأول في شمائله وجوامع أخلاقه (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيه تسعة وأربعون حديثا

[97]

1 – باب ما نورده من شمائله وجوامع أخلاقه (صلى الله عليه وآله) وفيه شئ كثير مما يتعلق بمسكنه وملبسه ومطعمه ومنكحه وعباداته 1 – عن ابن شهرآشوب في المناقب: الترمذي في الشمائل، والطبري في التاريخ، والزمخشري في الفائق، والفتال في الروضة، رووا صفة النبي (صلى الله عليه وآله) بروايات كثيرة. منها: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وابن عباس، وأبي هريرة، وجابر بن سمرة، وهند بن أبي هالة: أنه (صلى الله عليه وآله) كان فخما مفخما، وفي العيون معظما، وفي القلوب مكرما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أزهر، منور اللون، مشربا بحمرة، لم تزريه مقلة، ولم تعبه ثجلة (1)، أغر (2)، أبلج (3)، أحور (4)، أدعج (5)، أكحل، أزج (6)، عظيم الهامة،

(1) الثجل: رجل أثجل أي عظيم البطن (ترتيب العين: 116). (2) الأغر: الأبيض ومنه الغرة في الجبهة وهي بياض يغر (ترتيب العين: 602). (3) رجل أبلج أي طليق الوجه بالمعروف (ترتيب العين: 92). (4) الحور: شدة بياض العين وشدة سوادها (ترتيب العين: 204). (5) الدعج: شدة سواد العين وشدة بياضها (ترتيب العين: 263). (6) الزجج: دقة الحاجب واستقوامه (ترتيب العين: 341).

[98]

رشيق القامة مقصدا. واسع الجبين، أقنى العرنين (1)، أشكل العينين، مقرون الحاجبين، سهل الخدين صلتهما، طويل الزندين، شبح الذراعين، عظيم مشاشة (2) المنكبين، طويل ما بين المنكبين، شثن (3) الكفين، ضخم القدمين. عاري الثديين، خمصان الأخمصين (4)، مخطوط المتينين (5)، أهدب الأشفار (6)، كث اللحية ذاوفرة، وافر السبلة (7)، أخضر الشمط (8)، ضليع الفم، أشم، أشنب (9) مفلج الأسنان، سبط الشعر، دقيق المسربة (10) معتدل الخلق، مفاض البطن، عريض الصدر، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة. سائل الأطراف، منهوس العقب (11) قصير الحنك، داني الجبهة، ضرب اللحم بين الرجلين، كان في حاضرته انفتاق، قعم (12) الأوصال، لم يكن بالطويل البائن،

(1) العرنين: الأنف: وأقنى العرنين أي ارتفاع في أعلى الأنف بين القصبة والمارن من غير قبح، (ترتيب العين: 536 مادة: عرن و 690 مادة: قنو). (2) مشاش العظم: أي مخ العظم، (ترتيب العين: 766). (3) شثن الكفين: أي غليظ الكفين، والشثن: الرجل الذي في أنامله غلظ (ترتيب العين: 403). (4) الاخمصان: البطن وخصر القدم، وخماصة البطن هو دقة خلقته، (ترتيب العين: 243). (5) المتنتان: لحمتان معصوبتان بينهما صلب الظهر (ترتيب العين: 753). (6) الشفر: شفر العين والجمع أشفار، وأهدب الأشفار أي طويل أشفار العينين وكثيرهما (ترتيب العين: 421 مادة: شفر و 877 مادة: هدب). (7) السبلة: ما على الشفة العليا من الشعر تجمع الشاربين وما بينهما (ترتيب العين: 360). (8) الشمط: في الرجل شيب اللحية (ترتيب العين: 427). (9) الشنب: رقة الأنياب مع ماء وصفاء (ترتيب العين: 429). (10) المسربة: شعرات تنبت في وسط الصدر إلى أصل السرة (ترتيب العين: 369). (11) النهس، نهس اللحم: أخذه بمقدم الأسنان وأطرافها، والعقب: مؤخر القدم والمعنى هنا أنه (صلى الله عليه وآله) منهوس العقب، أي أن قدمه الشريفة خالية اللحم من الخلف (راجع مجمع البحرين 4: 121 مادة: نهس و 2: 127 مادة: عقب، وترتيب العين: 560 مادة: عقب). (12) القعم: ردة في الأنف أي ميل (ترتيب العين: 679).

[99]

ولا بالقصير الشائن، ولا بالطويل الممغط، ولا بالقصير المتردد (1) ولا بالجعد القطط (2) ولا بالسبط، ولا بالمطهم، ولا بالمكلثم (3) ولا بالأبيض الأمهق (4) ضخم الكراديس (5)، جليل المشاش (6)، كنوز المنخر (7)، لم يكن في بطنه ولا في صدره شعر إلا موصل ما بين اللبة (8) إلى السرة كالخط، جليل الكتد (9)، أجرد ذا مسربة (10)، وكان أكثر شيبه في فودى (11) رأسه (صلى الله عليه وآله). وكأن كفه كف عطار مسها بطيب، رحب الراحة، سبط القصب (12) وكان إذا رضي وسر فكأن وجهه المرآة، وكان فيه شئ من صور، يخطو تكفؤا، ويمشي

(1) قولهم: ليس بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد أي ليس بالبائن الطول، (ترتيب العين: 773). (2) القطط: شعر قط وقطط شديد الجعود، والجعود في الشعر: ضد السبوطة يقال جعد الشعر جعودة: إذا كان فيه التواء وتقبض فهو جعد وذلك خلاف المسترسل (مجمع البحرين 4: 269 مادة: قطط و 3: 25 مادة: جعد). (3) لابالمطهم ولا بالمكلثم: قال صاحب مجمع البحرين أي لم يكن بالمدور الوجه ولا بالمجتمع لحم الوجه. ولكنه مستوي الوجه (6: 107 مادة: طهم). (4) الأمهق: بياض في زرقة: وهو الكريه البياض كلون الجص، والمعنى انه لا بالأبيض الأمهق: أي أنه (صلى الله عليه وآله) نير البياض (ترتيب العين: 780، ومجمع البحرين 5: 237). (5) وهي رؤوس العظام، جمع كردوس (مجمع البحرين 4: 100). (6) المشاش: وهي رؤوس العظام اللينة (مجمع البحرين 4: 153). (7) لم نجد لها معنى وليست العبارة موجودة في المصادر المتوفرة لدينا. (8) اللبة بفتح اللام والتشديد: المنحر وموضع القلادة (ترتيب العين: 737، ومجمع البحرين 2: 165). (9) الكتد: مابين الثبج إلى منصف الكاهل من الظهر، والثبج: أعلى الظهر، والكاهل: مقدم الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى (ترتيب العين: 700 مادة: كتد و 115 مادة: ثبج و 723 مادة: كهل). (10) أجرد ذا مسربة: رجل أجرد: لا شعر على جسده، والمسربة: شعرات تنبت في وسط الصدر إلى أصل السرة كقضيب (ترتيب العين: 133 مادة: جرد و 369 مادة: سرب). (11) الفود: أحد فودي الرأس، وهما معظم شعر اللمة مما يلي الاذنين (ترتيب العين: 639). (12) القصب: عظام اليدين والرجلين (ترتيب العين: 666).

[100]

هوينا، يبدو القوم إذا سارع إلى خير، وإذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب (1) إذا تبسم يتبسم عن مثل المنحدر من بطون الغمام، وإذا افتر افتر عن سنا البرق إذا تلألأ. لطيف الخلق، عظيم الخلق، لين الجانب. إذا طلع بوجهه على الناس رأوا جبينه كأنه ضوء السراج المتوقد، كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ، وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر، بين كتفيه خاتم النبوة (2). 2 – أبو هريرة: كان يقبل جميعا، ويدبر جميعا (3). 3 – جابر بن سمرة: كان في ساقه حموشة (4). 4 – أبو جحيفة: كان قد سمط عارضاه وعنفقته بيضاء (5). 5 – ام هاني: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذا ضفاير أربع. والصحيح أنه كان له ذوابتان ومبدأها من هاشم (6). 6 – أنس: ما عددت في رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء (7). 7 – ويقال: سبع عشرة (8). 8 – ابن عمر: إنما كان شيبه نحوا من عشرين شعرة بيضاء (9).

(1) الصبب: ما انحدر من الأرض (مجمع البحرين 2: 96). (2) مناقب آل أبي طالب 1: 155، وقريب منه في فيض القدير 5: 76 – 79، وراجع وسائل الوصول إلى شمائل الرسول: 37 – 47. (3) مناقب آل أبي طالب 1: 157. (4) مناقب آل أبي طالب 1: 157، وقريب منه في فيض القدير 5: 80، والحموشة: الدقة (مجمع البحرين 4: 134). (5) مناقب آل أبي طالب 1: 158، والعنفقة: بين الشفة السفلى وبين الذقن (ترتيب العين: 583). (6) مناقب آل أبي طالب 1: 158. (7) مناقب آل أبي طالب 1: 158. (8) الفقيه 1: 122، ومناقب آل أبي طالب 1: 158. (9) مناقب آل أبي طالب 1: 158، وبحار الأنوار 16: 191.

[101]

9 – البراء بن عازب: كان يضرب شعره كتفيه (1). 10 – أنس: له لمة إلى شحمة اذنيه (2). 11 – عائشة: كان شعره فوق الوفرة دون الجمة (3). 12 – وفي قصص الأنبياء: لم يمض النبي (صلى الله عليه وآله) في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه، من طيب عرقه. ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له (4). 13 – وعن الصفار في بصائر الدرجات: مسندا عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنا معاشر الأنبياء تنام عيوننا ولا تنام قلوبنا، ونرى من خلفنا كما نرى من بين أيدينا (5). 14 – وعن القطب في الخرائج والجرائح: من معجزاته (صلى الله عليه وآله): أن الأخبار تواترت واعترف بها الكافر والمؤمن بخاتم النبوة الذي بين كتفيه، على شعرات متراكمة (6). 15 – وفي المناقب: لم يقع ظله (صلى الله عليه وآله) على الأرض (7). 16 – وعن الكليني في الكافي: مسندا، عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ذكرت الصوت عنده. فقال: إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يقرأ، فربما يمر به المار فصعق من حسن صوته، وإن الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه. قلت: ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي بالناس ويرفع

(1) مناقب آل أبي طالب 1: 158. (2) مناقب آل أبي طالب 1: 158، واللمة: شعر الرأس إذا كان فوق الوفرة، والوفرة من الشعرة: ما بلغ الاذنين (ترتيب العين: 743 مادة: لم و 860 مادة: وفر). (3) في الفقيه 1: 129 وكان شعر رسول الله وفرة لم يبلغ الفرق، مناقب آل أبي طالب 1: 158، والجمة: الشعر المتدلي البالغ المنكبين (مجمع البحرين 6: 30). (4) بحار الأنوار 16: 172 نقلا عن قصص الأنبياء (287)، مكارم الأخلاق: 24. (5) بصائر الدرجات: 420، ح 8. (6) الخرائج والجرائح 1: 32، ح 29، وبحار الأنوار 16: 174، وكمال الدين وتمام النعمة 1: 165، وفي كتاب عبد الملك: 99. (7) مناقب آل أبي طالب 1: 124، روى أكثر هذه المعاني في الخرائج أيضا، راجع: 221.

[102]

صوته بالقرآن ؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحمل الناس من خلفه ما يطيقون (1). أقول: ورويت هذه الأخبار أيضا بطرق اخرى كثيرة. 17 – وعن الصدوق في معاني الأخبار: بطريق عن ابن أبي هالة التميمي عن الحسن بن علي (عليهما السلام). وبطريق آخر عن الرضا عن آبائه، عن علي بن الحسين، عن الحسن بن علي (عليهم السلام). وبطريق آخر عن رجل من ولد أبي هالة عن أبيه عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: سألت خالي – هند بن أبي هالة – وكان وصافا للنبي (صلى الله عليه وآله)، وأنا أشتهي أن يصف لي منه شيئا لعلي أتعلق به. فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشنب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن تفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة اذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم. كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، مفلج، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، عريض الصدر، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك. أشعر الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين. سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين، فسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط في صبب، وإذا التفت التفت جميعا. خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يبدر من لقيه بالسلام.

(1) الكافي 2: 615، ورواه الطبرسي بعينه في الاحتجاج: 204.

[103]

قال (عليه السلام): فقلت له: صف لي منطقه، فقال: كان (صلى الله عليه وآله) متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليس له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه. ولا تقصير، دمثا (1)، ليس بالجافي ولا بالمهين، تعظم عنده النعمة، وإن دقت لا يذم منها شيئا، غير أنه كان لا يذم ذواقا ولا يمدحه. ولا تغضبه الدنيا وما نالها (2) فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وانشاح (3)، وإذا غضب غض طرفه. جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام. قال الصدوق (رحمه الله): إلى هنا رواية القاسم بن المنيع عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد، والباقي رواية عبد الرحمان إلى آخره: قال الحسن (عليه السلام): فكتمتها الحسين (عليه السلام) زمانا ثم حدثته به، فوجدته قد سبقني إليه، فسألته عنه فوجدته قد سأل أباه عن مدخل النبي (صلى الله عليه وآله) ومخرجه ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئا. قال الحسين (عليه السلام): سألت أبي (عليه السلام) عن مدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: كان دخوله في نفسه مأذونا في ذلك، فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه. ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئا، وكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بأدبه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم. والامة من مسألته عنهم وبأخبارهم بالذي ينبغي ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا

(1) الدماثة: اللين (ترتيب العين: 272 مادة: دمث). (2) في المصدر ” وما كان لها “. (3) في المصدر ” أشاح “.

[104]

يقدر على إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة. وسألته (عليه السلام) عن مخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف كان يصنع فيه ؟ فقال (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخزن لسانه إلا عما كان يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه. ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه. معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ويميلوا، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم. أفضلهم عنده أعمهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة. قال: فسألته (عليه السلام) عن مجلسه، فقال: كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك. ويعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو ميسور من القول. قد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الخلق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء، وصدق وأمانة. ولا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم. ولا تثنى فلتاته، متعادلين متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. فقلت: كيف كان سيرته في جلسائه ؟ فقال (عليه السلام): كان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا ضحاك (1)، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح. يتغافل عما لا يشتهي. فلا يؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه. قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عورته. ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق

(1) في المصدر ” ولا صخاب “.

شاهد أيضاً

محاولات هدم قبور الصالحين في التاريخ

‏‪ *محاولة نبش قبر امنة بنت وهب (رضوان الله تعالى عليها)*  *قال الحافظ ابن عقيل ...