الرئيسية / من / طرائف الحكم / محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

وإن فتحت له خزانة العصيان، والغيبة والبهتان، غشاه من نتنها وظلامها، وأصابه من شرها وآلامها، ما لو قسم على أهل النعيم، لنغص (1) عليهم التنعيم.
وإن فتحت الفارغة من الأعمال، الموصوفة بالتكاسل والاهمال، لحقه (2) الحزن العظيم، على خلوها من الثواب الدائم المقيم.
يا نفس:
فاملئي تلك الساعات من الحسنات، واشحنيها بما شق من العبادات والقربات، ولا تميلي إلى الكسل والاستراحة، فما ملأ الراحة من استوطأ الراحة (3).
وهب كنت مسيئة قد عفي عن جريرتك، وستر (4) على سريرتك، أليس قد فاتك ثواب المحسنين، ودرجات الأبرار في عليين؟!
يا نفس:
إن كنت في معصية الله ممن يعلم اطلاعه، فلقد اجترأت على أمر عظيم الشناعة، لجعلك إياه أهون الناظرين، وأخف المطلعين، وإن كنت تظنين أنه
(1) في أ: لبغض، وفي ب: لنقص، والمثبت من ج، د، وهو الأنسب.
(2) في ج: لحفه.
(3) قيل: الراحة الأولى بمعنى الكف والجمع الراح، والثانية من الاستراحة.
وفي ب: ما ملأ الراحة من استواطأ الزاحة.
(4) في أ: وسر.
(٣٩)

لا يراك، فلقد كفرت بمولاك.
يا نفس:
أترين لو أن أحدا من جلسائك، أو عبيدك وإمائك، واجهك بما تمقتينه، أو عاملك بما تكرهينه، لقلمت منه الأظفار، وأحللت به دار البوار فبأي جسارة تتعرضين لمقت الله وعذابه، وشدة نكاله وعقابه؟ وقربي إصبعك من الحميم، إن ألفاك البطر عن النظر في عقابه الأليم.
يا نفس:
ويحك بل ويلك من العذاب، كأنك لا تؤمنين بيوم الحساب، أتظنين أنك إذا مت انفلت، وإذا حشرت رددت؟! هيهات هيهات، كل ما توعدين لآت (1).
شعر:
ولو أنا إذا متنا تركنا * لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا * ونسأل بعده عن كل شئ يا نفس:
إنك تقدمين على ما قدمت، وتجازين على ما أسلفت، فلا تخد عنك دنيا دنية، عن مراتب جنات علية، فإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، وإنه
(1) اقتباس من قوله تعالى: (إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) الأنعام 6: 134.
(٤٠)

لا بد لك في قبرك من قرين، فإن كان صالحا فبه تستأنسين، وإن كان طالحا فمنه تستوحشين.
أترجى نجاة من حياة سقيمة * وسهم المنايا للخليقة راشق فمن حسنت أفعاله فهو فائز * ومن قبحت أفعاله (1) فهو زاهق لقد شقيت نفس تخالف ربها * وتعرض عن إرشادها وتشاقق يا نفس:
ما هذه الحيرة والسبيل واضح، وما هذه الغفلة والمشير ناصح، إلى كم تجمعين ولا تقنعين، ولوارثك تودعين؟!
وأنت كمن يبني (2) بناء وغيره * يعالجه في هدمه ويسابق وينسج آمالا طوالا بعيدة * ويعلم أن الدهر للنسج خارق يا نفس:
أتفرحين بنعيم زائل، وسرور راحل؟! غفلت وأغفلت، وعلمت فأهملت، إلى كم مواظبتك على الذنوب، وأنت بعين علام الغيوب؟ فجمعك في هذه
(1) في ب: أعماله.
(2) في أ: أبنى.
(٤١)

الدنيا إلى تفريق، وسعتك (1) إلى ضيق، فما هذه الطمأنينة وأنت مزعجة، وما هذا الولوج وأنت مخرجة؟!
شعر:
أترجى نجاة بعد سبعين حجة * ولا بد من يوم تعقك العوائق (2) ومن طرقته الغاديات بويلها * فلا بد ما يأتيه فيها (3) الصواعق وليس أبناء السبعين، بأحق بالحذر من أبناء العشرين، لأن طالبها وهو الموت واحد، وليس عن (4) الطلب براقد، واعملي لما أمامك من الهول، ودعي عنك زخرف القول.
يا نفس:
أما رأيك فعازب، وأما رشدك فغائب، داؤك لا يرجى له دواء، وأملك ليس له انتهاء، قد فتنت بعملك، وخضت في بحار زللك، فقدمي التوبة، قبل أن تبلغك النوبة، واعملي للخلاص، قبل الأخذ بالنواص.
شعر:
إذا نصب الميزان للفصل والقضا * وأبلس (5) محجاج وأخرس ناطق
(١) في ب: وسعيك.
(٢) قال الجوهري في الصحاح ٤: ١٥٣٤ عوق: عاقه عن كذا عوقا واعتاقه أي: حبسه وصرفه عنه، وعوائق الدهر: الشواغل من أحداثه.
(3) في ب: فلا بد ما بلته فيه.
(4) في ب: وليس عند.
(5) أبلس: سكت. اللسان 6: 29 بلس.
(٤٢)

وأججت النيران واشتد غيظها * وقد فتحت (1) أبوابها والمغالق وقطعت الأسباب من كل ظالم * وقامت به أسراره والعلائق يا نفس:
لا جرم أنه تعالى (2) تكفل في الدنيا بإصلاح أحوالك، فعلام كذبتيه بأفعالك؟ وأصبحت تتكالبين (3) على طلب (4) الدنيا تكالب المدهوش المستهتر، وأعرضت عن الآخرة إعراض المغرور المستحقر (5)، ما هذا من علامات من يتبع السنة، أو يبتغي الجنة.
شعر (6):
فحبك هذا من أدل دلالة * على أنك في غمرة الجهل تسبحي تروحي وتغدي في غرور وغفلة * وأنت بغير الحق في الأرض تمرحي فعاصي هواك واتق الله وحده * * عساكي في يوم القيامة تفلحي
(١) في ب: وفتحت.
(٢) في ب: أن الله تعالى.
(٣) قال الجوهري في الصحاح ١: ٢١٥ كلب: والمكالبة: المشارة وكذلك التكالب، تقول منه: هم يتكالبون على كذا أي: يتواثبون عليه.
وفي ج، د: تكالبين.
(4) في ب: في طلب.
(5) في ب: المستهتر.
(6) في أ: الكفعمي شعر.
(٤٣)

يا نفس:
أتحسبين أن تتركي سدى، ألم تكوني نطفة من مني يمنى، ثم كنت علقة فخلق فسوى، أليس ذلك بقادر [على] أن يحيي الموتى (1)؟!.
فما لك لا تعرفين قدرك، ولا تأخذين حذرك؟ فإن كنت قد أمنت في الحشر بسؤالك، وعرفت جميع ذلك هنالك، فما بالك تسوفين بالعمل (2)، وقد دنى الأجل، ولعله يختطفك من غير مهل؟!
شعر:
وكانا الموت ركب مخبون (3) * سراع لمنهل مورود يا نفس:
لو عزمت (4) على سفر، لقضاء الوطر، ترتجين فيه نيل الظفر، والأمن من الضرر، فلقيت (5) في طريقك شخصا، أخبرك أنه رأى أمامك لصا، يأخذ الأقفال، ويستبيح النفس والمال، لرجعت عن ذلك الطريق المخوف (6)، حذرا
(١) إشارة إلى قوله تعالى: (أيحسب الانسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) القيامة ٧٥: ٣٦ – ٤٠.
(٢) في أ: العمل.
(٣) في ب: مخنون، وفي ج، د: مجنون، وما أثبتناه من أ، هو الأنسب.
(٤) في ب: لو عرضت.
(٥) في أ: فلقيك.
(٦) في أ: يقال طريق مخوف، لأنه لا يخيف بل يخيف فيه قاطع الطريق، قاله الجوهري.
الصحاح ٤: ١٣٥٩ خوف.
(٤٤)

من اللص العسوف (1).
أفكان قول التوراة والإنجيل، والزبور والتنزيل، بإخبارهم بأخاويف القيامة، وأهاويل يوم الطامة، أقل من مخبرك صدقا، وأنذر منه حقا؟! ولعل المخبر غير صادق، بل أكذب من بارق!! (2).
يا نفس:
لو أن طبيبا يهوديا، أو حكيما نصرانيا، أخبرك في ألذ أطعمتك بدائه، وعدم دوائه، ثم أمرك بالاحتماء، عن بعض الغذاء، لصبرت عنه وتركته، وجاهدت نفسك فيه.
أفكان قول القرآن المبين، والأنبياء والمرسلين، أقل تأثيرا من قول يهودي يخبر عن تخمين، أو نصراني ينبئ عن غير يقين؟!.
والعجب لمن (3) يحتمي عن الطعام لأذيته، كيف لا يحتمي عن الذنب لأليم عقوبته؟!
شعر:
جسمك بالحمية وقيته * مخافة البارد والحار (4)
(١) العسوف: الظلوم. الصحاح ٤: ١٤٠٣ عسف.
(2) في أ: في أمثالهم: أكذب من بارق، وهو: السحاب الذي يكون فيه البرق ولا ماء فيه، قال: بلوته أكذب من يلمع أو بارق يلمع في خلب، ويلمع يحتمل أن يراد به السراب لأن اسمه يلمع، ويحتمل أن يراد به البرق الذي لا مطر معه لأن اسمه يلمع أيضا، وإنما قيل للسراب يلمع لأنه يسير إلى المطر ولا مطر معه.
(3) في ب: يا نفس والعجب.
(4) في ب: مخافة الضار.
(٤٥)

شاهد أيضاً

السيّد الخامنئي (دام ظله) هو قائد الأمة وصاحب الأثر الأكبر في مواجهة الاستكبار

أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله، سماحة السيّد، سامي خضرا، أن “فتاوى وخطب قائد ...