الرئيسية / القرآن الكريم / هكذا اتلُ القرآن – 7 آداب لقارئ الكتاب العزيز

هكذا اتلُ القرآن – 7 آداب لقارئ الكتاب العزيز

الأدب الثاني: فهم مقاصد القرآن

 

اعلم أن هذا الكتاب الشريف كما صرّح هو به كتاب الهداية وهادي سلوك الإنسانية ومربّي النفوس وشافي الأمراض القلبية ومنير طريق السير إلى الله.

 

وبالجملة، فإن الله تبارك وتعالى لسعة رحمته إلى عباده أنزل هذا الكتاب الشريف من مقام قربه وقدسه وتنزل به على حسب تناسب العوالم حتى وصل إلى هذا العالم الظلماني وسجن الطبيعة وصار على كسوة الألفاظ وصورة الحروف لاستخلاص المسجونين في سجن الدنيا المظلم وخلاص المغلولين بأغلال الآمال والأماني، وايصالهم من حضيض النفس والضعف والحيوانية إلى أوج الكمال والقوة الإنسانية، ومن مجاورة الشيطان إلى مرافقة الملكوتيين بل الوصول إلى مقام القرب وحصول مرتبة لقاء الله التي هي أعظم مقاصد أهل الله ومطالبهم، فمن هذه الجهة أن هذا

 

 

 الكتاب هو كتاب الدعوة إلى الحق والسعادة.

 

1- أحد مقاصده المهمّة: الدعوة إلى معرفة الله وبيان المعارف الإلهية من الشؤون الذاتية والاسمائية والصفاتية والافعالية وأكثرها في هذا المقصود هو توحيد الذات والأسماء والأفعال.

وليعلم أن المعارف من معرفة الذات إلى معرفة الأفعال قد ذكرت في هذا الكتاب الجامع الإلهي على نحو تدركه كل طبقة على قدر استعدادها.

 

2- ومن مقاصده الأخر ومطالبه: الدعوة إلى تهذيب النفوس وتطهير البواطن من أرجاس الطبيعة، وتحصيل السعادة.

وبالجملة، كيفية السير والسلوك إلى الله. وهذا المطلب منقسم إلى شعبتين مهمتين.

 

إحداهما: التقوى بجميع مراتبها المندرجة فيها التقوى عن غير الحق والإعراض المطلق عما سوى الله.

 

وثانيهما: الإيمان بتمام المراتب والشؤون المندرج فيه الاقبال إلى الحق، والرجوع والانابة إلى ذاته المقدسة، وهذا من المقاصد المهمة لهذا الكتاب الشريف.                                                                                 

 

 

 

3- ومن مقاصد هذه الصحيفة الإلهية: قصص الأنبياء والأولياء والحكماء وكيفية تربية الحق إيّاهم، وتربيتهم الخلق. فإن في تلك القصص فوائد لا تحصى وتعليمات كثيرة. ومن المعارف الإلهية والتعليمات وأنواع التربية الربوبية المذكورة والمرموزة فيها ما يحيّر العقل.

 

فيا سبحان الله، وله الحمد والمنّة، ففي قصة خلق آدم عليه السلام والأمر بسجود الملائكة وتعليمه الأسماء وقضايا إبليس وآدم التي كرّر ذكرها في كتاب الله في التعليم والتربية والمعارف والمعالم لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ما يحيّر الإنسان. ولأجل هذه النكتة كرّرت القصص القرآنية كقصة آدم وموسى وإبراهيم وسائر الأنبياء فليس هذا الكتاب كتاب قصة وتاريخ بل هو كتاب السير والسلوك إلى الله، وكتاب التوحيد والمعارف والمواعظ والحكم. والمطلوب في هذه الأمور هو التكرار كي يؤثّر في القلوب القاسية وتأخذ منها موعظته.

 

ففي هذا الكتاب الشريف حلاوة اتفاق القضايا على نحو لا يوجب تكرارها الكسالة في الإنسان بل هو في كل دفعة يكرّر أصل المطلب، يذكر فيه خصوصيات ولواحق ليست في غيره.

 

 

وبالجملة، ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام وكيفية سيرهم وسلوكهم من أعظم أبواب المعارف والحكم، قد فتحها الحق تعالى وجلّ مجده على عباده، فمثلاً أهل المعرفة يدركون من الكريمة الشريفة ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا﴾  كيفية سلوك إبراهيم عليه السلام ، وسيره المعنوي، ويعلمون طريق السلوك إلى الله والسير إلى جنابه وحقيقة سير الأنفس والسلوك المعنوي من منتهى ظلمة الطبيعة التي عبّر عنها في ذلك المسلك بـ جنَّ عليه الليل إلى إلقاء مطلق الأنيّة والأنانية وترك النفسانية وعبادة النفس والوصول إلى مقام القدس والدخول في محفل الإنس، ووجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض. والسائرون يدركون منها السير الآفاقي وكيفية تربية خليل الرحمن أمّته وتعليمه إيّاهم. وعلى هذا المنوال سائر القصص والحكايات، مثل قصة آدم وإبراهيم وموسى ويوسف وعيسى وعلامات موسى مع الخضر، فإن استفادات أهل المعارف والرياضات والمجاهدات مع غيرهم متفاوتة.

 

4- ومن مطالب هذه الصحيفة النورانية: أحوال الكفار والجاحدين والمخالفين للحق والحقيقة والمعاندين للأنبياء والأولياء عليهم السلام وبيان كيفية عواقب أمورهم

 

 

 وكيفية بوارهم وهلاكهم كقضايا فرعون وقارون ونمرود وشدّاد وأصحاب الفيل وغيرهم من الكفرة والفجرة، ففي كل واحدة منها مواعظ وحكم بل معارف لأهله، وداخل في هذه القسمة أو أنها قسمة مستقلة قضايا غزوات رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فإن فيها أيضاً مطالب شريفة مذكورة، منها كيفية مجاهدات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم لإيقاظ المسلمين من نوم الغفلة وبعثهم للمجاهدة في سبيل الله وتنفيذ كلمة الحق وإماتة الباطل.

 

5- ومن مطالب القرآن الشريف: بيان قوانين ظاهر الشريعة والآداب والسنن الإلهية، وقد ذكرت كلّيّاتها ومهماتها في هذا الكتاب النوراني والعمدة في هذا القسم الدعوة إلى أصول المطالب وضوابطها مثل باب الصلاة والزكاة والخمس والحج والصوم والجهاد والنكاح والإرث والقصاص والحدود والتجارة وأمثالها.

 

6- ومن مطالب القرآن الشريف: أحوال المعاد والبراهين لاثباته وكيفية العذاب والعقاب والجزاء والثواب وتفاصيل الجنة والنار والتعذيب والتنعيم. وقد ذكرت في هذه القسمة حالات أهل السعادة ودرجاتهم من أهل المعرفة والمقرّبين ومن أهل الرياضة والسالكين

 

 ومن أهل العبادة والناسكين. وكذلك حالات أهل الشقاوة ودرجاتهم من الكفار والمحجوبين والمنافقين والجاحدين وأهل المعصية والفاسقين. ولكن ما كان أكثر فائدة لحال العامة كان أكثر ذكراً وبصراحة اللهجة وما كان مفيداً لطبقة خاصة فقد ذكر بطريق الرمز والإشارة مثل رضوان الله الأكبر، وآيات لقاء الله لتلك الطائفة، ومثل: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون﴾  للطائفة الأخرى. وقد ذكر هذا القسم أي في قسم تفصيل المعاد والرجوع إلى الله معارف لا تحصى وأسراراً صعبة مستصعبة لا يمكن الاطّلاع على كيفيّتها إلا بالسلوك البرهاني أو النور العرفاني.

 

7- ومن مطالب هذه الصحيفة الإلهية: كيفية الاحتجاجات والبراهين التي أقامتها الذات المقدسة الحق تعالى بنفسه لاثبات المطالب الحقة والمعارف الإلهية مثل الاحتجاج على اثبات الحق والتوحيد والتنزيه والعلم والقدرة وسائر الأوصاف الكمالية، وقد توجد في هذه القسمة براهين دقيقة يستفيد أهل المعرفة منها استفادة كاملة مثل:﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو﴾.

 

 

مقاصد القرآن وطريق الاستفادة منه

 

فإذا علمت الآن مقاصد هذه الصحيفة الإلهية ومطالبها فلا بد لك أن تلفت النظر إلى مطلب مهم يكشف لك بالتوجّه إليه طريق الاستفادة من الكتاب الشريف، وتنفتح على قلبك أبواب المعارف والحكم وهو أن يكون نظرك إلى الكتاب الشريف الإلهي نظر التعليم، وتراه كتاب التعليم والافادة وترى نفسك موظفة على التعلّم والاستفادة، وليس مقصودنا من التعليم والتعلم والافادة والاستفادة أن تتعلم منه الجهات الأدبية والنحو والصرف أو تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية، أو تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخي والاطّلاع على الأمم السالفة، فإنه ليس شيء من هذه داخلاً في مقاصد القرآن، وهو بعيد عن المنظور الأصلي للكتاب الإلهي بمراحل، والذي أوجب أن تكون استفادتنا من هذا الكتاب العظيم أقلّ من القليل

 

 هو هذا المعنى. فقد لا ننظر إليه نظر التعليم والتعلّم كما هو الغالب علينا، ونقرأ القرآن للثواب والأجر فقط، ولهذا لا نعتني بغير جهة تجويده، ونريد أن نقرأه صحيحاً حتى يعطي لنا الثواب، ونحن واقفون في هذا الحد وقانعون بهذا الأمر، ولذا نقرأ القرآن أربعين سنة ولا تحصل الاستفادة منه بوجه إلا الأجر وثواب القراءة.

 

وبالجملة، كتاب الله هو كتاب المعرفة والأخلاق والدعوة إلى السعادة والكمال، فلا بد لنا أن نأخذ المقصود من تنزيل هذا الكتاب من نفس هذا الكتاب مع قطع النظر عن الجهات العقلية البرهانية التي تفهمنا المقصد، فمصنف الكتاب أعرف بمقصده. فالآن إذا نظرنا إلى ما قال هذا المصنف فيما يرجع إلى شؤون القرآن، نرى أنه يقول﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين﴾. فعرّف هذا الكتاب بأنه كتاب الهداية، نرى أنه في سورة قصيرة كرّر مرّات عديدة ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر﴾. نرى أنه يقول﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾. ونرى أنه يقول ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾، إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي يطول ذكرها.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠ *  *  * ٢٢١ الأسئلة ...