الرئيسية / زاد الاخرة / من توجيهات العارف السيد عبد الكريم الكشميري

من توجيهات العارف السيد عبد الكريم الكشميري

ويقول نجله السيد علي الكشميري: لم يكن والدي في هذا العالم، وحتى عندما كان يجلس معنا كنت أشعر أن نصف وجوده غائب عنا، وكانت عباداته قلبية، وكان يقول لي دائماً: القلب حرم الله فلا تسكن في حرم الله غير الله.

 

ولقد نافس السيد الكشميري استاذه السيد علي القاضي في هذه الخصلة، يقول أحد تلامذته: سمعت السيد الكشميري يقول: إن امتياز السيد القاضي هي أن قلبه كان في أعلى ولا ينزل إلى الأسفل. وهذه الحالة كانت محسوسة عند السيد الكشميري أيضاً، وكان سكوته سكوتاً ذكرياً وسكوتاً توجيهاً. ولقد اتفق كثيراً أن نجتمع عنده ست أو سبعة من الأصدقاء وينقل بعضهم كلاماً جميلاً لكي يؤثر فيه، ولكنه كان في حالة جذبة بحيث كان من الصعوبة أن ينزل إلى أسفل، وإذا ما نزل فأنه يريد أن يبين لنا أنه كان ملتفت إلى كلامنا لا أكثر، ولكنه كان مع ذلك مشغول، لقد كان باطناً مشغول بشكل كامل بذكر الله تعالى، وكان أحياناً ينظر إلينا ولكن كأنه لك يسمع أبداً الجزء المهم أو الحساس من الحديث الذي كنا نتحدث به، وكانت هذه إحدى الخصائص الملموسة فيه، وكثيراً ما اطلع الآخرون الذين كانوا معنا أيضاً على عمق توجهه، ولقد رأوه سابحاً دائما في أعلى وكانت آثار ذلك أيضاً واضحة بنحو جيد. لقد كان منصرفاً عن هذه الدنيا، وكأنه كان ينبغي أن يسحب إلى أسفل لكي يلتفت إلينا، وإذا كان فمه مفتوحاً علمنا أنه كان مشغولاً بذكر (لا إله إلا الله).

 

ويقول تلميذه السيد علي أكبر صداقت: ولقد كان المرحوم الأستاذ مجذوباً، وكان يرى العشق بذكر المحبوب أمراً مهما للغاية بنحو أن هذه الحالة الحالة لو حصلت للإنسان فإنه سيرفع يده عن كثير من الأمور، كما ورد في الزيارة الشعبانية: (إلهي وألهمني ولهاً بذكرك إلى ذكرك).

 

وأما صلاته فهي صلاة العارفين التي تتجلى فيها أسمى مصاديق (الصلاة معراج المؤمن) فهي الرحلة اليومية المتكررة إلى الله تعالى والمثول بين يديه، ينتظر وقتها بفارغ الصبر، ويستعد لها استعداداً تاماً. يقول نجله الأكبر السيد محمود الكشميري: لقد كانت صلاته في البيت مناجاة، وخاصة أثناء القنوت الذي يستغرق أحياناً نصف ساعة، وكنت أشعر باللذة من صلاته مع أنني لم أكن في هذه العوالم.

 

ويقول الحاج صاحب عضد الله: كنت أتعجب من بعض الأمور عندما كان يصلي، لقد كانت صلاته محبوبة إلى قلبي، فمثلاً أنه يتأخر كثيراً في قراءة الحمد في بعض الأحيان، ويستغرق سجوده في أحيان أخرى وقتا طويلاً أيضاً. وقد سألته مرة عن علة ذلك فأجابني بأن هذه أمور غيبية ولا يستطيع البوح بها.

 

وعندما سئلت زوجته عن صلاته قالت: لقد كان مستغرقاً في صلاته إلى درجة كأنه يرى الله سبحانه، وكانت صلاته طويلة جداً وبحضور قلب.

 

ويقول أحد تلامذته: لقد كانت صلاته بحضور قلب بنحو كامل. ولقد رأيت تغير لون بشرته بعد الصلاة مرات عديدة، وتحصل له بعدها حالة معنوية عالية فيجلس ويتحدث مع الله سبحانه، وكان يؤكد على الصلاة في أول وقتها بحضور قلب ويقول: الصلاة تمنع من أمور أخرى. 

 

وأما كيفية يفرغ الإنسان قلبه ليتوجه إلى الله سبحانه أثناء الصلاة فيجيب السيد الكشميري عن ذلك: إن الذهن البشري يجذب إليه مختلف المسائل بشكل سريع ويبدأ التفكير فيها بسرعة أيضاً، ولهذا فإن أفضل شيء للإنسان أن لا يكون لديه أي اشتغال فكري.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يبعد الإنسان عن نفسه أي اشتغال فكري؟ ويجيب السيد الكشميري: إن من مستحبات الصلاة هي أن يجلس المصلي قبل بدء الصلاة على سجاد الصلاة لأنه زائر الله. ومن أجل أن يكون المصلي متوجهاً في صلاته ومبتعداً عن اشتغالاته اليومية يستحب له أن يجلس قليلاً قبل بدء الصلاة ويفكر أنه في مقابل إله أبدي، كريم، عزيز، غفور، رحيم، جواد، واحد، وتر، أحد، صمد، وأنه يصلي له.

 

وأما عبادته وتهجده وصلاته في جوف الليالي فقد كانت مشهودة لذويه وبعض أصدقائه، يقول الحاج صاحب عضد الله: كنت أذهب معه في بعض الأحيان إلى مسجد الكوفة، فكان يبقى فيه مستيقظاً إلى الصباح يصلي ويتعبد، وأما نحن الذين كنا معه فيغشانا النعاس وننام فكان يقول لنا: ناموا أنتم أما أنا فسأنام غداً عند الظهر: وكان يتردد كثيراً على مسجد الكوفة ويتعبد فيه.

 

ويقول نجله السيد محمود: كان يصعد في الليل إلى سطح الدار ويتعبد هناك لكي لا نراه.

 

ويحكي أحد تلاميذه عن خصلة إحياء الليل عند السيد الكشميري قائلاً: لقد كان يستيقظ الشطر الأكبر من الليل، وكان يتلذذ من ظلام الليل، وأنا أعتقد أن مكاشفاته كانت في الليل.

 وليس للسالك من سبيل لطي طريق العبودية لله سبحانه غير إحياء الليل، يقول الإمام العسكري عليه السلام: (إن الوصول إلى الله سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل).

 

وكان السيد الكشميري يقول: إن الاستيقاظ في السحر أفضل من الاستيقاظ بين الطلوعين لمن لا يقوى على الاستيقاظ فيهما معا.

 

ويقول أيضاً: إن إحياء الليل يوصل إلى المقام المحمود، والمقام المحمود هو جوار الله سبحانه.

 

وأما تلاوته للقرآن فهي أنسه بالله تعالى وكان يقول: إن أفضل ذكر للحق تعالى هو تلاوة القرآن الذي هو كلام الحق.

 

لقد كان مواظباً على تلاوة القرآن في داره باستمرار، كما كان لسانه يلهج بآياته وهو في الطريق من منزله إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام وبالعكس وكان يقرأ القرآن بصوت مرتفع، فكان أولاده يعرفون مجيئه إلى البيت بسماع صوت تلاوته. لقد كان من أهل القرآن وعلى معرفة كاملة بقواعد تلاوته، وإذا ما أخطأ أحد أمامه في قراءة آية نبهه إلى القراءة الصحيحة.

 

وعن مدى اهتمامه وعلاقته بالقرآن الكريم يقول أحد تلامذته: لم أر أحداً من أهل القرآن مثله، لقد كان اهتمامه به عجيباً وخاصة قبل إصابته بالجلطة القلبية حيث كان يختمه في كل ثلاثة أيام مرة. وعندما كان يقرأ القرآن تتغير لون بشر وجهه، وكان لديه قرآن كبير يفتحه أمامه ويقرأ فيه، فيشع وجهه كالقمر وهذا ما يدل على أنه كان في عالم آخر، لقد كان ذا علاقة عجيبة بالقرآن.

 

ويقول الحاج صاحب عضد الله: مما تعلمته من السيد الكشميري هو ختم القرآن مرة في كل خمسة عشر يوماً.

 

ونتيجة لتلاوته القرآن بتدبر فقد فتح الله تعالى له أبواب العلوم القرآنية الجديدة، يقول السيد صداقت نقلاً عن استاذه السيد الكشميري: حينما كنت في النجف مشغولاً ببعض الأذكار وردت على قلبي معان من القرآن غير موجودة في الكتب، ولكني لم أدونها لأنه لم يكن لي حال للكتابة.

 

ويقول أحد تلامذته: لقد كان يختم القرآن في شهر رمضان بل والأشهر التي تسبقه مرة في كل ثلاثة أيام، أي أنه يقرأ في كل يوم عشرة أجزاء، إضافة إلى أدائه الوظائف والأعمال الأخرى، وهذا خير وبركة في أوقاته حيث يستطيع أداء جميع تكاليفه وأعماله في وقت محدود. وعندما كنا نذهب إليه نجد القرآن مفتوحاً أمامه يقرأ فيه، وقد قال لنا مرة: إني أختم القرآن مرة في كل ثلاثة أيام.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...