ثانيا: الحرب الناعمة في الفهم والتعريف الأميركي
عرّف مايكل آيزنشتات الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى1 الحرب الناعمة بأنها ” إستخدام الأقوال والأفعال والصور الإنفعالية كجزء من حملة تواصل إستراتيجي طويلة المدى لتشكيل الحالة النفسية لبلد معادٍ لأميركا مثل إيران”. وحدّد أن نسبة الأقوال والتصريحات الإعلامية يجب أن تشكل20% من حملة التواصل الإستراتيجي الناعمة، في حين تتشكل 80 % الباقية من برامج وأفعال وتحركات ملموسة على الارض”2.
في حين جنح جوزيف ناي نحو التعريف الدبلوماسي والتنظيري تاركا الجانب التطبيقي للأجهزة والوكالات ومراكز الأبحاث باعتبار أنه يشغل منصب أكاديمي هو عمدة كلية الدراسات الحكومية في جامعة هارفرد فقال “القوة الناعمة هي القدرة على تشكيل تصورات الآخرين” وهي “الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا عن الإرغام أو دفع الأموال. وتنشأ
1- معهد واشنطن لدراسات الشرق الادني من أهم المعاهد البحثية المؤثرة في صناعة القرار الاميركي وهو يضم نخبة من الباحثين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
2- دراسة منشورة في تموز 2010 تحت عنوان “دور القوة الناعمة في الحرب النفسية على ايران” للباحث مايكل آيزنشتات المتخصص بالشؤون الإيرانية والخليجية على عدة مواقع انترنت www.annabaa.org.
القوة الناعمة من الجاذبية الثقافية لبلد ما، والمثل السياسية التي يحملها، والسياسات التي ينتهجها في الواقع، وعندما تبدو السياسات الأمريكية مشروعة بنظر الآخرين تتسع القوة الناعمة الأمريكية. وعندما نجعل الآخرين يعجبون بالمُثل التي نؤمن بها، ونجعلهم يريدون ما نريد فإننا لن نضطر الى الإنفاق كثيرا على موارد السياسات التقليدية – العصا والجزرة – أي على عوامل الإرغام العسكري والإغراء الاقتصادي. ومن أهم المثل الأميركية التي لها قدرة على تحريك وجذب الآخرين نحونا الديمقراطية وحقوق الانسان وإتاحة الفرص للأفراد”3.
وأضاف أن القوة تنقسم الى ثلاثة أشكال وأنواع “القوة الاقتصادية والقوة الصلبة العسكرية والقوة الناعمة” وعلى هذا الأساس فالقوة الصلبة لا تنفصل عن القوة الناعمة والقوة الاقتصادية، فهذه القوى الثلاث تشكل أبعاد وزوايا القوة والتفوق والهيمنة والسيطرة في السياسة الدولية. وينبغي لمن يتصدى للعمل في الإستراتيجيات والسياسات الدولية أن يعرف أن “جدول أعمال السياسة العالمية قد أصبح اليوم مثل لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد لا يمكن الفوز بها إلا اذا لُعبت بطريقة عمودية وأفقية”. ومشكلة بعض اللاعبين والزعماء أنهم لا يستطيعون اللعب إلا في إتجاه أو بعد واحد – أي إما إعلان وشن الحروب العسكرية أو فرض العقوبات الإقتصادية”4…
3- جوزيف ناي، القوة الناعمة، مكتبة العبيكان 2007 ص 12،ص20 و ص 27.
4- القوة الناعمة. مصدر سابق. ص. 27
وتابع يقول “إن سياق القوة قد تغير بفعل عوامل لها صلة بالعولمة وإنتشار وسائل الإعلام والإتصال والمعلومات ويقظة المشاعر القومية والإقليمية وعدم ردعية السلاح النووي وضمور وضعف شهوة الغزو والاستعمار العسكري لدى الدول الكبرى ما أدى الى تغيير وتبدل في أشكال القوة، لأن معادلات القوة لا تعمل إلا في السياق والإطار الذي توجد فيه علاقات وموازين القوة. فالدبابة لا تصلح لحرب المستنقعات والغابات، والصاروخ والمدفعية لا يصلحان لجذب وكسب الآخرين. ومن ناحية اخرى القوة الناعمة هي الأكفأ والأفعل في عالم اليوم على توفير القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الإضطرار الى الإستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهي الأقدر على تشكيل تفضيلات وخيارات الآخرين وجدول أعمال الآخرين السياسي، وكل دولار يُصرف في مجالات القوة الناعمة أفضل وأجدى بأضعاف من صرف 100 في مجالات القوة الصلبة”5.
5- مصدر نفسه. ص. 25 وص 33.