وكان السيد الكشميري يوصي الكثير من أصدقائه ومحبيه بكثرة تلاوة القرآن، يقول السيد صداقت: وكان يوصي الكثير من الأشخاص الذي يراجعونه يلتمسون منه طريقاً لحل مشكلاتهم بقراءة القرآن، وفي يوم جاءه أحد أهل العلم وكان يعاني من مشكلة مع زوجته وطلب إرشاده إلى مخرج منها، فأوصاه السيد بتلاوة القرآن فقال ذلك الشخص: لم أقرأ القرآن منذ مدة طويلة.
- وفاته:
يفاجئ الموت الناس وهم غافلون، لاهية قلوبهم عن ذكر الله وعن ذكر الموت بينما أولياء الله يعلمون آجالهم وزمان وفاتهم فيستعدون للرحيل كما مما حكاه السيد الكشميري عن الشيخ الطالقاني والسيد القاضي، وما حكاه أيضاً عن الشيخ محمد باقر القاموسي البغدادي قال: كان من العلماء والزهاد والعرفاء العرب، وكان كالسيد القاضي، وكان يقتدي به الأتقياء والأبرار، وهو من تلاميذ الملا حسين قلي الهمداني والشيخ محمد طه، وكان آية الله محسن الحكيم من تلاميذه، لم يضع العمامة على رأسه إلى حين وفاته، وكان في أحد الأيام جالساً فقال: من الأفضل أن أرحل من هذه الدنيا، وبدأ بتلاوة سورة يس وعندما وصل إلى قوله تعالى (وجعلني من المكرمين) سلم روحه إلى بارئها.
وكان يتمنى الموت وهي العلامة التي ذكرها القرآن الكريم للتمييز بين الأولياء والأدعياء، يقول تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (6-7) سورة الجمعة.
يقول أحد تلامذته: سألته مرة: هل تعرف أحداً يتمنى الموت، فإن هذا الأمر صعب جداً للكثيرين.
فقال: نعم وسكت هنيهة ثم قال: أنا. فقلت له: هل رأيت مكانك في الجنة وأقسم لك بحق أمير المؤمنين بأني لا أخبر أحداً بذلك؟ فقال: مكان مريح والحمد لله.
وكان السيد الكشميري عاشقاً للنجف الأشرف ويتمنى الرجوع إليها وأن يدفن في جوار ضريح جداه أمير المؤمنين عليه السلام. ولكنه في أواخر عمره كان يذكر قم وحرم السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام ويقول: إذا مت فادفنوني في حرم السيد معصومة.
وكان في سنوات عمره الأخيرة يذكر الموت كثيراً ويردد أحياناً ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام على كفن سلمان المحمدي:
وفدت على الكريم بغير زاد ………. من الحسنات والقلب السليم
وعندما عاده أحد العلماء العرفاء قال: إن روحه لها سيطرة كاملة على جميع هذه المنطقة.
وكان يقول: الموت أمامي ولا مزاح فيه. وكان جوابه إذا سئل كيف حالكم يقول: في حال النزع. وقال لأحد تلاميذه مرة: رأيت السيد هاشم الحداد في عالم الرؤيا وهو يقول لي: لماذا أنت مغموم إن الفرج قريب! وكان يقول أيضاً: لقد ذهب الجميع وكان آخرهم السيد هاشم الحداد.
وكان بعض من يتردد إليه قد اقترح عليه أن يكتب رسالة علمية في الأحكام الشرعية كما فعل كثير من العلماء، فكان جوابه: الموت أمامي، ثم يتلو قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (34) سورة الأنبياء.
ومنذ مجيء السيد الكشميري إلى إيران تدهورت صحته بعد إصابته بجلطة دغامية في أوائل سكناه في قم، وفي أواخر حياته أصيب عدة مرات بالجلطة كان آخرها في شهر رمضان سنة 1419هـ نقل على أثرها إلى مستشفى شركة النفط بطهران حيث بقي فيها ما يقارب ثلاثة أشهر وهو في حالة الإغماء، ويئس الأطباء من علاجه.
يقول أحد تلامذة السيد الكشميري: عندما كان آية الله السيد الكشميري يرقد في مستشفى القلب بذكر الدكتور النوحي جهوداً كبيرة في علاجه. وقد قال السيد الكشميري مرة: إن له حق كبير في ذمتي. وقد توطدت العلاقة بينهما وتعلق الدكتور النوحي به كثيراً. وعندما كان السيد الكشميري راقداً في مستشفى شركة النفط عاده الدكتور النوحي مرات عديدة، وعند انعقاد مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة كان الدكتور النوحي قد عاد تواً من مكة المكرمة، وهو إنسان صادق جداً ومؤمن ومتدين، وليس من أهل المبالغة أبداً. يقول الدكتور النوحي: في إحدى الليالي التي كنت أطوف فيها في المسجد الحرام رأيت السيد الكشميري جالساً على كرسي متحرك وهو يطوف أيضاً، فقلت في نفسي: أذهب إلى الأمام قليلاً لأسلم عليه وأهنئه على سلامته وصحته ومجيئه إلى الحج، وكان هذا في الأيام التي كان يرقد فيها في المستشفى، ولم يخطر في ذهني أبداً أن هذا أمر غير عادي، وظننت أن صحته قد تحسنت وجاء إلى الحج، وحاولت التقدم نحوه ولكني قلت في نفسي: من المؤسف أنني في حال الطواف، وهو في حال الطواف أيضاً، وأني لو سلمت عليه سأسلب منه توجهه واستغراقه في طوافه، وبقيت ماشياً إلى جانبه إلي أن أنهيت طواف سبعة أشواط فرجعت والتفت فلم أجد السيد الكشميري، فبحثت عنه كثيراً هنا وهناك ولكن دون جدوى، ولقد حدث كل ذلك وهو ما زال راقداً في المستشفى مغمى عليه.
ورجعت نفس المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية في يوم الأربعاء العشرين من ذي الحجة سنة 1419هـ عن عمر ناهز الأربعة والسبعين عاماً، وشيعت جنازته في قم وصلى عليه الشيخ بهجت ودفن في حرم السيدة المعصومة عليها السلام جوار قبر التلميذ الآخر للسيد القاضي العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان.