الرئيسية / الاسلام والحياة / اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 19

اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 19

الكرم

الكرم ضد البخل ، وهو : بذل المال أو الطعام أو أي نفع مشروع ، عن طيب نفس .
وهو من أشرف السجايا ، وأعزّ المواهب ، وأخلد المآثر . وناهيك في فضله أنّ كل نفيس
جليل يوصف بالكرم ، ويُعزى إليه ، قال تعالى :
« إنّه لقرآن كريم » ( الواقعة : 77 ) « وجاء رسول كريم » ( الدخان : 17 ) . « وزروع ومقام
كريم » ( الدخان : 26 ) .
لذلك أشاد أهل البيت عليهم السلام بالكرم والكرماء ، ونوّهوا عنهما أبلغ تنويه :
قال الباقر عليه السلام : « شاب سخيّ مرهق في الذنوب ، أحبّ إلى اللّه من شيخ عابد
بخيل » ( 1 ) .

وقال الصادق عليه السلام : « أتى رجل النبي صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه
أيّ الناس أفضلهم إيماناً ؟ فقال : أبسطهم كفاً » ( 2 ) .
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله : « السخيّ قريب من اللّه ، قريب من الناس ، قريب من الجنة .
والبخيل بعيد من اللّه ، بعيد من الناس ، قريب من النار » ( 3 ) .
وقال الباقر عليه السلام : « أنفق وأيقن بالخلف من اللّه ، فإنه لم يبخل عبد ولا أمة
بنفقة فيما يرضي اللّه ، إلا أنفق أضعافها فيما يُسخط اللّه » ( 4 ) .

محاسن الكرم :
لا يسعد المجتمع ، ولا يتذوق حلاوة الطمأنينة والسلام ، ومفاهيم الدعة والرخاء ، إلا
باستشعار أفراده روح التعاطف والتراحم ، وتجاوبهم في المشاعر والأحاسيس ، في سراء
الحياة وضرائها ، وبذلك يغدو المجتمع كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضاً .
وللتعاطف صور زاهرة ، تشع بالجمال والروعة والبهاء ، ولا ريب أن
أسماها شأناً ، وأكثرها جمالاً وجلالاً ، وأخلدها ذكراً هي : عطف الموسرين ، وجودهم على البؤساء
والمعوزين ، بما يخفف عنهم آلام الفاقة ولوعة الحرمان .
وبتحقيق هذا المبدأ الانساني النبيل ( مبدأ التعاطف والتراحم ) يستشعر المعوزون إزاء
ذوي العطف عليهم ، والمحسنين إليهم ، مشاعر الصفاء والوئام والودّ ، مما يسعد المجتمع ، ويشيع فيه التجاوب ، والتلاحم والرخاء .

وبإغفاله يشقى المجتمع ، وتسوده نوازع الحسد ، والحقد ، والبغضاء ، والكيد . فينفجر عن
ثورة عارمة ماحقة ، تزهق النفوس ، وتمحق الأموال ، وتهدد الكرامات .
من أجل ذلك دعت الشريعة الاسلامية إلى السخاء والبذل والعطف على البؤساء
والمحرومين ، واستنكرت على المجتمع أن يراههم يتضورون سُغَباً وحرماناً ، دون أن
يتحسس بمشاعرهم ، وينبري لنجدتهم وإغاثتهم . واعتبرت الموسرين القادرين والمتقاعسين
عن إسعافهم أبعد الناس عن الاسلام ، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من
أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم » ( 1 ) .

وقال صلى اللّه عليه وآله : « ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع ، وما من أهل قرية
يبيت فيهم جائع ينظر اللّه إليهم يوم القيامة » ( 2 ) .
وإنما حرّض الاسلام أتباعه على الأريحية والسخاء ، ليكونوا مثلاً عالياً في تعاطفهم
ومواساتهم ، ولينعموا بحياة كريمة ، وتعايش سلمي ، ولأن الكرم حمام أمن المجتمع ، وضمان
صفائه وازدهاره .

مجالات الكرم :
تتفاوت فضيلة الكرم ، بتفاوت مواطنه ومجالاته . فأسمى فضائل الكرم ،
وأشرف بواعثه ومجالاته ، ما كان استجابة لأمر اللّه تعالى ، وتنفيذاً لشرعه
المُطاع ، وفرائضه المقدسة ، كالزكاة ، والخمس ، ونحوهما .
وهذا هو مقياس الكرم والسخاء في عرف الشريعة الاسلامية ، كما قال
النبي صلى اللّه عليه وآله : « من أدى ما افترض اللّه عليه ، فهو أسخى الناس » ( 1 ) .
وأفضل مصاديق البر والسخاء بعد ذلك ، وأجدرها – عيال الرجل وأهل بيته ، فإنهم فضلاً
عن وجوب الانفاق عليهم ، وضرورته شرعاً وعرفاً ، أولى بالمعروف والاحسان ، وأحق
بالرعاية واللطف .

وقد يشذّ بعض الأفراد عن هذا المبدأ الطبيعي الأصيل ، فيغدقون نوالهم وسخاءهم على
الأباعد والغرباء ، طلباً للسمعة والمباهاة ، ويتصفون بالشح والتقتير على أهلهم
وعوائلهم ، مما يجعلهم في ضنك واحتياج مريرين ، وهم ألصق الناس بهم وأحناهم عليهم ،
وذلك من لؤم النفس ، وغباء الوعي .
لذلك أوصى أهل البيت عليه السلام بالعطف على العيال ، والترفيه عنهم بمقتضيات العيش
ولوازم الحياة :
قال الإمام الرضا عليه السلام : « ينبغي للرجل أن يوسع على عياله ، لئلا يتمنوا
موته » ( 2 ) .

وقال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام : « إنّ عيال الرجل أسراؤه ، فمن أنعم اللّه
عليه نعمةً فليوسع على أسرائه ، فان لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة » ( 3 ) .
والأرحام بعد هذا وذاك ، أحق الناس بالبر ، وأحراهم بالصلة والنوال ، لأواصرهم
الرحمية ، وتساندهم في الشدائد والأزمات .
ومن الخطأ الفاضح ، حرمانهم من تلك العواطف ، وإسباغها على الأباعد والغرباء ، ويعتبر
ذلك ازدراءاً صارخاً ، يستثير سخطهم ونفارهم ، ويحرم جافيهم من عطفهم ومساندتهم .
وهكذا يجدر بالكريم ، تقديم الأقرب الأفضل ، من مستحقي الصلة والنوال : كالأصدقاء
والجيران ، وذوي الفضل والصلاح ، فإنهم أولى بالعطف من غيرهم .

بواعث الكرم :
وتختلف بواعث الكرم ، باختلاف الكرماء ، ودواعي أريحيتهم ، فأسمى البواعث غاية ،
وأحمدها عاقبة ، ما كان في سبيل اللّه ، وابتغاء رضوانه ، وكسب مثوبته .
وقد يكون الباعث رغبة في الثناء ، وكسب المحامد والأمجاد ، وهنا يغدو الكريم تاجراً
مساوماً بأريحيته وسخائه .
وقد يكون الباعث رغبة في نفع مأمول ، أو رهبة من ضرر مخوف ، يحفزان على التكرم
والاحسان .

ويلعب الحب دوراً كبيراً في بعث المحب وتشجيعه على الأريحية والسخاء ، استمالةً
لمحبوبه ، واستدراراً لعطفه .

والجدير بالذكر أن الكرم لا يجمل وقعه ، ولا تحلو ثماره ، إلا إذا تنزه عن المنّ ،
وصفي من شوائب التسويف والمطل ، وخلا من مظاهر التضخيم والتنويه ، كما قال الصادق
عليه السلام : « رأيت المعروف لا يصلح إلا بثلاث خصال : تصغيره ، وستره ، وتعجيله . فإنك
إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه . وإذا سترته تمّمته ، وإذا عجّلته هنيته ، وإن
كان غير ذلك محقته ونكدته » ( 1 ) .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...