البعد الروحي للاحرام
الحلقة الرابعة _ التلبية _ لبيك اللهم لبيك
عبد الستار الجابري
التلبية لغة تعني الاجابة فلبى دعوته اجابها.
وموقع التلبية في الإحرام من الناحية الفقهية كموقع تكبيرة الإحرام في الصلاة، فالغسل وصلاة الأحرام مقدمات للإحرام كما ان التوجه نحو القبلة وطهارة وإباحة اللباس وطهارة البدن وإباحة المكان ورفع اثر الحدث بالوضوء أو الغسل والاذان والإقامة مقدمات للصلاة، وكما ان افتتاح الصلاة والدخول فيها يتحقق بتكبيرة الإحرام فكذا الحال في الإحرام للحج والعمرة فإن الدخول فيه بالتلبية، فيفترض بمن يريد النسك بعد ان يهيئ المقدمات قبل ان يدخل في العمل، وكما ان المصلي بتكبيرة الإحرام التي هي الفعل الأول في الصلاة وبها يخرج عن جواز ارتكاب المباحات التي تخل بالصلاة، فكذلك التلبية هي الفعل الذي يخرج به مريد النسك من حالة المباح الجائز الى حالة الدخول في رحاب النسك فاذا لبى حرمت عليه أمور كانت مباحة له قبل الإحرام.
الجانب المعنوي للتلبية
وردت التلبية الكاملة في بحار الانوار: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك) هذه الأربعة المفروضات تلبيهن سراً وتقول ( لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعياً الى دار السلام لبيك، لبيك غفار الذنب لبيك، لبيك مرهوباً ومرغوباً اليك لبيك، لبيك تبدي والمعاد اليك لبيك، لبيك انت الغني ونحن الفقراء اليك لبيك، لبيك اهل التلبية لبيك، لبيك تبدي والمعاد اليك لبيك،لبيك ذا الجلال والاكرام لبيك، لبيك اله الخلق لبيك، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك، لبيك يا كريم لبيك، لبيك اتقرب اليك بمحمد وال محمد صلوات الله علي وعليهم لبيك، لبيك بحجة وعمرة معا لبيك، لبيك هذه متعة عمرة الى الحج لبيك، لبيك تمامها وبلاغها عليك لبيك))
في هذه التلبية العديد من المعاني العظيمة التي تؤكد على طبيعة العلاقة بين العبد وربه، تتضمن اقرار العبد لمولاه بالنعم العظيمة التي تفضل بها عليه، وان الناسك في مقام الإقرار بالعبودية لله تبارك وتعالى وشكر نعمائه وفضله واحسانه واقراره بفقره اليه.
معنى لبيك اللهم لبيك
التلبية تعني الإجابة للدعوة، وقول الناسك (لبيك اللهم لبيك) تعني استجابة العبد لله تعالى بما يقتتضيه مقام الدعوة الإلهية، وفي هذه العبارة اشارة الى جانب التقدير الإلهي حيث وعد الله تعالى النبي ابراهيم (عليه السلام) انه اذا اذن للحج فيسأتيه المجيبون من مختلف بقاع الأرض (واذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، فقد قدر الله تعالى ان يجبيب الخلق دعوة النبي ابراهيم (عليه السلام) من كل المكان على هذه الارض الرحبة، وهذا جزء من الإعجاز الإلهي الذي اخبر فيه القرآن الكريم عن وقائع ربطت الماضي بالحاضر والمستقبل، حيث ان النبي ابراهيم (عليه السلام) لما اذن في الحج لم يكن في مكة غيره وزوجه هاجر وولده اسماعيل (عليهم السلام)، وبعد ان رفع قواعد البيت وعرفه الله تعالى مناسك الحج وادى ما فرضه الله تعالى عليه من واجب اذن في الحج، فكانت الناس بعد ذلك تترى لأداء الحج والعمرة حتى اصبح الحج والعمرة من الامور اللازمة في حياة القبائل العربية، فلما اشرق نور الإسلام ببركة النبي (صلى الله عليه واله) اصبح وفاد البيت الحرام من كل ارجاء المعمورة.
فعبارة (لبيك اللهم البيك) تعني تأكيد الاجابة للدعوة الإلهية، اداءً لحق الطاعة واستجابة للدعوة المولوية وانبعاثاً لإداء النسك المدعو اليه بالأمر المولوي المتوجه من المقام التشريعي المترشح عن مقام الإلوهية، الذي جمع كل المقامات التي يقتضيها المقام الجامع، فمقام الربوبية المتفرع عن القيومية على الخلق الذي تندرج تحته مقامات الخالقية والرازقية وغيرها من المقامات التى تضاف الى الذات بلحاظ قيوميتها على الخلق، والتي اشار اليها وقوله تعالى (تبارك الله رب العالمين)، فمقمام الالوهية جامع بين القيومية وهي من صفات الذات التي اندرجت تحتها الصفات التي اضيفت بلحاظ الاضافة الى الخلق كالرازق والمحيي والمميت، ومقام تجليات الذات الأحدية التي تندرج فيها صفات الذات المقدسة والتي يجمعها قوله تعالى ( لا اله الا هو الحي القيوم)، فالحي اشارة الى مقام الذات والقيوم اشارة الى مقام قيوميته على الخلق.
فقول العبد (لبيك اللهم لبيك) يبتدأ العبد فيه بالإقرار بان كل ما في الوجو د من عوالم إمكانية انما هي موجودة بفيض الله تبارك وتعالى ولطفه وقويميته على خلقه، وان كل ما في هذا الكون عائد اليه، كما انه كان من ابتدأه، وفي ذات الوقت اقرار من العبد بالايمان بصفاته تبارك وتعالى فهو الحي العليم السميع البصير القدير الجبار المتكبر الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد لو ميولد ولم يكن له كفوا احد له الاسماء الحسنى والصفات العليا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير له الاسماء الحسنى فادعوه بها تبارك الله رب العالمين.