الوقت – بينما لم تنفذ السعودية أياً من التزاماتها خلال الأشهر الأربعة الماضية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن، ومع ذلك زادت الأمم المتحدة، بالتواطؤ مع الولايات المتحدة، من جهودها لتمديد وقف إطلاق النار الحالي لفترة طويلة، لإنقاذ السعوديين من المستنقع اليمني.
وفي هذا الصدد، سافر ممثل الأمم المتحدة إلى اليمن لإقناع حركة أنصار الله بتمديد وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر، لكن في النهاية تم تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين آخرين في الساعات الأخيرة المتبقية.
وبعد هذا الاتفاق بساعات قليلة، انتهكت المقاتلات السعودية وقف إطلاق النار عدة مرات واستولت على سفينة تحمل وقودًا إلى اليمن، ليثبتوا منذ البداية أنهم لا يلتزمون ببنود وقف إطلاق النار كما في السابق.
من ناحية أخرى، أعلنت أمريكا أنها ستقدم أنظمة صواريخ باتريوت للسعودية من أجل تعزيز أمن حدودها. بمعنى آخر، أصبح الأمريكيون يعتقدون أن وقف إطلاق النار لن يستمر لفترة طويلة والسعوديون ليست لديهم إرادة لتنفيذ أحكامه، ولهذا الغرض يخططون لتعزيز القاعدة الدفاعية للسعودية، لمواجهة العمليات الصاروخية لأنصار الله في المستقبل، في حال حدوثها.
وفقًا لاتفاقيات وقف إطلاق النار، كان من المفترض رفع الحصار البحري عن اليمن، وإعادة فتح مطار صنعاء لنقل المرضى إلى الخارج، وإرسال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، ووقف الهجمات السعودية. لكن من الناحية العملية، لم تتخذ السعودية أي خطوات فعالة لتنفيذ هذه الخطط، وانتهكت وقف إطلاق النار أكثر من ألف مرة خلال هذه الفترة.
من خلال وقف إطلاق النار لمدة أربعة أشهر، تمكنت السعودية من وقف عمليات أنصار الله بالصواريخ والطائرات المسيرة ووقف تقدم هذه المجموعة في الميدان، لكن اليمنيين لم يستفدوا من بنود هذا الاتفاق.
تريد السعودية الحفاظ على التطورات في شكلها الراكد الحالي بمساعدة الأمم المتحدة، ودفع خططها في المنطقة إلى الأمام دون أي تهديد من اليمنيين.
وفي هذا الإطار، لا تريد السعودية أن تستأنف أنصار الله العمليات الجوية ضد منشآتها النفطية، لأن هذا الإجراء، في وقت يواجه فيه الغرب أزمة طاقة ناجمة عن الحرب في أوكرانيا، سيؤدي إلى انخفاض في صادرات النفط وتعطيل الأسواق العالمية.
الكرة في ملعب السعودية
أعلن مسؤولو حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء مرارًا وتكرارًا في الأيام الأخيرة، أنهم لن ينخدعوا ولن يمددوا وقف إطلاق النار بأي ثمن.
تتوقع أنصار الله، التي لم تحقق أي شيء من هذا الاتفاق في الأشهر الأربعة الماضية، أن تفي السعودية بالتزاماتها هذه المرة، وإذا لم يتم اتخاذ إجراء فعال من قبل التحالف المعتدي في هذين الشهرين، فمن المحتمل ألا تستمر أنصار الله في هذا الاتفاق.
وكان من أهم المقترحات والشروط التي سعت إليها أنصار الله منذ بداية وقف إطلاق النار، دفع رواتب موظفي الحكومة من أجل تخفيف الضغط الاقتصادي على المجتمع اليمني.
منذ ثورة أنصار الله عام 2014، ووفقًا للاتفاق المبرم مع حكومة منصور هادي، كان من المقرر دفع رواتب الموظفين في جميع أنحاء اليمن من الإيرادات الجمركية لموانئ عدن والحديدة وبيع النفط ومكثفات الغاز.
بعد الهجوم السعودي، انتهكت حكومة منصور هادي هذا الاتفاق. وبعد ذلك، ومع نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، والذي حدث في عام 2017، حُرمت أنصار الله وسكان المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ الوطني من هذه الإيرادات الوطنية عملياً.
كما أعلن قادة أنصار الله أن إعادة فتح مطار صنعاء الدولي بالكامل وإعادة فتح ميناء الحديدة، من ضمن شروط تمديد وقف إطلاق النار. يريد قادة أنصار الله رفع الحصار عن اليمن حتى ترسو سفن الوقود في موانئ البلاد وتنهي أزمة الوقود، لكن السعودية ترفض حتى الآن السماح لسفن النفط بدخول اليمن، وأدى هذا الأمر إلى نقص الوقود في العديد من المراكز، وخاصةً في المستشفيات.
وعلى الرغم من موافقة أنصار الله على تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين آخرين، إلا أن السلطات اليمنية حذرت السعوديين والإماراتيين مرارًا من أن انتهاك وقف إطلاق النار ستكون له عواقب وخيمة على المعتدين.
كان أهم إنجازات أنصار الله في حرب اليمن هو القدرة الصاروخية والطائرات المسيرة لهذه الحركة، والتي استطاعت تغيير التطورات في الميدان لمصلحتها بعمليات متكررة في السعودية والإمارات. لكن منذ أربعة أشهر أوقفت الحرکة جميع عملياتها في الداخل والخارج، وإذا فشل وقف إطلاق النار، فستستخدم أنصار الله خياراتها.
وكان قادة أنصار الله قد قالوا سابقًا إن لديهم أكثر من 300 قاعدة بيانات لمراكز حساسة في السعودية والإمارات، سيستهدفونها إذا لزم الأمر.
لذلك، من خلال تمديد وقف إطلاق النار، أعطت أنصار الله السعوديين وسلطات أبو ظبي فرصة للوفاء بوعودهم. لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها الحفاظ على أمن البنى التحتية النفطية، وأمن مواطنيهم.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة والسعودية أرادتا تمديد الاتفاقية لمدة ستة أشهر هذه المرة، إلا أن أنصار الله أمهلت السعوديين شهرين فقط لأنهم لا يثقون بأعدائهم. وبما أن موسم البرد سيبدأ في الغرب خلال شهرين، فإن قضية الطاقة ستظل بالتأكيد من أولويات الاحتياجات الدولية، وهذا سيضغط على السعوديين للوفاء بوعودهم بتمديد وقف إطلاق النار مرةً أخرى.
أعلنت أنصار الله أنه إذا لا يستفيد اليمنيون من شروط وقف إطلاق النار فسوف يستأنفون عملياتهم، وهذه المرة سيكون نطاق الحرب أوسع بكثير من ذي قبل. وقد حذر اليمنيون مرارًا وتكرارًا من أن ترسانة اليمن لديها مئات الصواريخ الباليستية، التي يمكن من خلالها الاستمرار في الحرب لفترة طويلة.
ولكي تظهر حكومة صنعاء استعدادها التام لاستمرار الحرب، فقد أظهرت قوتها واستعدادها القتالي للمعتدين من خلال عرض عسکري بحضور آلاف الجنود يوم الثلاثاء الماضي.
وعلى الرغم من أن الجماعات اليمنية لم تنفذ عمليات خلال فترة وقف إطلاق النار، إلا أنها حسنت قدراتها العسكرية لاستخدامها ضد التحالف المعتدي في المستقبل. وحسب اليمنيين، لن يتم تنفيذ اتفاقية من المفترض أن تفيد السعودية فقط، لأن اليمنيين لن يقفوا مکتوفي الأيدي، ولديهم أوراق قوة تجبر الأعداء على التراجع.
لأن إرسال المزيد من أنظمة باتريوت هذه المرة إلى السعودية لا يمكن أن ينقذ السعوديين من غضب اليمنيين، رغم وجود هذه الأنظمة في السعودية والإمارات خلال العامين الماضيين وثبوت عدم فعاليتها. وهذه المرة، الهدف الوحيد للإدارة الأمريكية من هذا الإجراء هو جني الأموال من جيوب السعوديين.
التحالف السعودي الذي تکبد خسائر فادحة جراء تكلفة الحرب التي دامت ثماني سنوات في اليمن، يعتبر أن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لخفض تكاليفه. لأنه يدرك جيداً أنه مع انتهاء وقف إطلاق النار، ستتجه مئات صواريخ أنصار الله إلى السعودية، الأمر الذي قد يجعل مسؤولي الرياض يحرمون من النوم، لأن اليمنيين ليس لديهم ما يخسرونه، وهذه المرة سوف يدافعون عن مصالح بلادهم بكل قوتهم.