بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام
– الحلقة الاخيرة
عبد الستار الجابري
5. اعتماد مبدأ المساواة بين المسلمين
كانت سيرة النبي (صلى الله عليه واله) التسوية بين المسلمين في كل ما لا تمايز فيه بينهم، وكان (صلى الله عليه واله) كأحدهم في كل شيء، لا يتميز عنهم الا بما اختصه الله تعالى به، فكان من يأتي مجلسه (صلى الله عليه واله) في مسجده لا يعرفه من بين الجالسين، اذ لم يكن شيئ يميزه عن جلسائه ليدل عليه.
كما انه في العطاء من بيت المال كان يأخذ كأحد المسلمين لا يتميز عنهم بزيادة، وفي مقام القضاء والمنازعات كان لا يميز نفسه عن المسلمين مع انه النبي المعصوم وقصه سواده وخزيمة ذو الشهادتين من اوضح الواضحات في انه في تطبيق القوانين لا يميز ذاته المقدسة عن غيره من العباد.
فعلى صعيد العطاء والمظهر وتطبيق القانون كان (صلى الله عليه واله) يتعامل كواحد من ابناء الامة لا يتميز عنهم بشيء.
وعندما تصدت قريش لقيادة الامة كان اول ما عملته تعطيل القضاء في الكثير من الموارد ومنحت السلطة لنفسها حق القضاء والتشريع فلم تطبق احكام الشرع على خالد بن الوليد بما فعله في بني يربوع من انتهاك اعراضهم وقتل رجالهم وسبي نسائهم واتلاف اموالهم، وحكمت بحرق قطري بن فجاءة مع انه لم يرد في حكم الاسلام الحرق، وصادرت اموال فاطمة (صلوات الله عليها) ظلماً وعدواناً، وكان الحاكم يدور بدرته في الاسواق يضرب من يشاء ويعاقب من يشاء وكتم الانفاس وقهر الناس وميز بين الناس في العطاء حتى وصف امير المؤمنين (عليه السلام) تلك الحقبة:(فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها .
ويكثر العثار فيها . والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم . وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض . فصبرت على طول المدة وشدة المحنة . حتى إذا مضى لسبيله . جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا)
ثم يضيف (صلوات الله عليه) الى تقييمه للاوضاع التي سادت بلاد المسلمين ايام هيمنة بني امية على شؤون الدولة بقوله (الى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه . وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله . وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته)
فكانت الفترة التي تلت ايام النبي (صلى الله عليه واله) فترة البعد عن السيرة النبوية العطرة، فجاء امير المؤمنين (عليه السلام) ليعيد لتلك السيرة رونقها الخاص وعبق عطرها الفواح الذي يداعب المشاعر الانسانية التواقة الى العدل والانصاف والاحسان ومكارم الاخلاق والقيم المثلى والاخلاق العليا، ليطلق (صلوات الله عليه) لمبدأ المساواة بين الجميع امام الشريعة فلا يميز احد على احد الا في ضوء الاسس التي اقرتها الشريعة الالهية.
فمن مصاديق ذلك مارواه الحلبي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : ” قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لعمر بن الخطاب : ثلاث إن حفظتهن وعملت بهن كفتك ما سواهن ، وإن تركتهن لم ينفعك شيء سواهن . قال: وما هن يا أبا الحسن ؟ قال : ” إقامة الحدود على القريب والبعيد ، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط ، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود. ” قال عمر : لعمري لقد أوجزت وأبلغت)
ففي هذا النص الموجز يؤكد امير المؤمنين (عليه السلام) على مبدأ التساوي في الحقوق والواجبات بين ابناء المجتمع المسلم، وان المرجع في كل شيء هو القرآن الكريم، وبتعبير اخر ان السلطان ليس له من ميزة على غيره سوى كونه الامين على تطبيق الاحكام واقامة الشريعة، فخلاصة هذه الامور الثلاث عدم التمايز بين ابناء المجتمع امام القانون الاسلامي، وان المرجع التشريعي هو القران الكريم وان الحاكم هو المطبق لاحكامه وليس مرجعاً تشريعياً في عرضه، والمساواة في الحقوق بين ابناء المجتمع المسلم، ولم ي…