الله ليسبغها عليهم، ورحمة من الله وفضلا.
قال ابن تيمية: (وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح أن الله لما أنزل عليه (إن الله وملائكته يصلون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) سأل الصحابة: كيف يصلون عليه فقال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وفي حديث صحيح: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته).
وقال شيخ الاسلام الإمام ابن تيمية: (وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة رضي الله عنها: أن هذه الآية لما نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، أدار النبي صلى الله عليه وسلم كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). وسنته صلى الله عليه وسلم تفسر كتاب الله وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه. فلما قال: (هؤلاء أهل بيتي مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علمنا أن أزواجه، وإن كن من أهل بيته كما دل عليه القرآن، فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر. والعرب تطلق هذا البيان للاختصاص بالكمال، لا للاختصاص بأصل الحكم، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس إلحافا). بين بذلك: (أن هذا مختص بكمال المسكنة، بخلاف الطواف فإنه لا تكمل فيه المسكنة) ثم أورد العبارة المذكورة أعلاه.
ابن جرير الطبري:
وقد ذكر الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (1) يقول الله تعالى: (إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس) أي السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله. وذكر بسنده عن قتادة في تفسير هذه الآية قال: فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء وخصهم برحمة منه.
ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نزلت هذه الآية في خمسة: في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة).
ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم غداة وعليه مرط مرحل (1) من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر كلما خرج إلى الصلاة فيقول: (الصلاة أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ثم ذكر حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم عندي، وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجعلت لهم خزيرة (2)، فأكلوا وناموا وغطى عليهم كساء أو قطيفة ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وذكر بسنده عن أبي الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنهما فقال:
الصلاة…. الصلاة.. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ثم ذكر حديث واثلة بن الأسقع قال: إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي
(١٦)
وفاطمة وحسن وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وعن واثلة بن الأسقع قال: سألت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في منزله، فقالت فاطمة رضي الله عنها: قد ذهب يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا رضوان الله عليهم بين يديه، فلفع عليهم بثوبه وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). اللهم هؤلاء أهلي، اللهم أهلي أحق).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (لما نزلت هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فجلل عليهم (أي غطاهم) بكساء خيبري (نسبة إلى خيبر) وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: ألست منهم؟ قال: أنت إلى خير).
وعن أبي هريرة عن أم سلمة رضي الله عنهما قالت: جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق فوضعتها بين يديه، فقال: أين ابن عمك وابناك؟ قالت: في البيت، فقال: ادعيهم.
فجاءت عليا فقالت: أجب النبي صلى الله عليه وسلم أنت وابناك. قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة فمده وبسطه، فأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وأورد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة رضي الله عنها أن هذه الآية نزلت في بيتها: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قالت: (وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت قال: إنك إلى خير، أنت من أزواج النبي، قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين).
(١٧)
وأورد بسنده عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال: أخبرتني أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى وقال: (هؤلاء أهل بيتي). فقالت أم سلمة: يا رسول الله أدخلني معهم: قال: إنك من أهلي).
وعن عمر بن أبي سلمة (ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة. فدعا حسنا وحسينا وفاطمة فأجلسهم بين يديه ودعا عليا فأجلسه خلفه فتجلل هو وهم بالكساء ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) قالت أم سلمة: أنا معهم قال: أنت على مكانك وأنت على خير).
وبسنده عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال: (رب هؤلاء أهلي وأهل بيتي) وعن حكيم بن سعد قال: (ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة رضي الله عنها فقالت: في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قالت أم سلمة: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فقال: لا تأذني لأحد. فجاءت فاطمة رضي الله عنها فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن رضي الله عنه فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي صلى الله عليه وسلم على بساط فجللهم النبي صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط.
فقلت: يا رسول الله وأنا؟ قالت: فوالله ما أنعم (أي ما قال نعم) وقال:
إنك إلى خير.
كلام القرطبي:
وأورد القرطبي في تفسيره (1) الأقوال المختلفة في تعيين أهل البيت وأن
(١٨)