الرئيسية / زاد الاخرة / الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

( ٧٠ )

أما لو كانت المعاملة بين الخالق ومخلوقه فإنه سبحانه بلطفه وكرمه يزيدهم من فضله وقد
جاء عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) قوله :
. (١) « ما نقص مال من صدقة قط فأعطوا ولا تجبنوا »
ولا يكتفي بذلك بل :
« إنه غفور شكور » :
يغفر للعبد ذنوبه جزاء قيامه بهذا العمل الإنساني ، وهذا التقرب لوجهه وشكور على هذه
الاريحية من المعطي وتحسسه بآلام غيره ، والشكر من االله يختلف عن شكر الإنسان .

إذا أن شكر البشر لا يتعدى عن الكلام المعسول وإظهار العطف واللطف ، وقد يتعدى إلى
جزاء دنيوي سرعان ما يذهب ويتلاشى .
أما الشكر من االله فهو العطاء المتواصل والجزاء المضاعف ، وجنة أنهارها جارية ، بارك
االله للعبد بهذه التجارة .
٢ ـ الإنفاق ـ ينمي المال كما تنبت الأرض الزرع :
بعد أن صور القرآن للفرد النماء الحاصل من الإنفاق كنماء الكسب والتجارة بدأ يضرب له
مثلاً يعيشه الفرد أيضاً في هذه الحياة ذلك هو مسألة الأرض والزرع هذا المنظر المألوف لكل
أحد حيث يرى الفرد منا الزارع في الحقل يزرع ويسقي وينتظر ليحصل من وراء هذا الزرع
النماء الذي يباركه االله .
____________
(١) البحار ٩٦ | ١٣١ .

===============
( ٧١ )

لذلك جاءت الآيات الشريفة تقرب عملية الانفاق وحصول البركة فيه إلى الأذهان بهذا النوع
من التشويق وكلاهما واحد يزرع الزارع ، وينتظر رحمة ربه ، وينفق المنفق ويتنظر عطاء ربه
.
يقول سبحانه :
( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات االله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوبة
. (١) أصابها وابل فأتت اكلها ضعفين فأن لم يصبها وابل فطل واالله بما تعملون بصير )
« الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات االله » هذه العملية تماماً كمثل جنة بربوبة أصابها
وابل فأتت أكلها ضعفين ، والربوبة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الانهار وعندما يصيبها
المطر تنبت تلك الربوة فتؤتي ثمارها ضعفين بركة من االله في ذلك النتاج .
وكذلك في العملية الإنفاقية يضاعفها االله بركة منه على عبده .
فعن قتاده قال :
« هذا مثل ضربه االله لعمل المؤمن يقول : ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف
. (٢) على أي حال ان اصابها وابل ، أو اصابها طل وهو الرذاذ من المطر أي اللين منه »
وفي آية أخرى يقول االله تعالى :
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل االله كمثل حبة أنبتت
____________

(١) سورة البقرة | آية : ٢٦٥ .
(٢) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية ٢٦٥ من سورة البقرة .
===============
( ٧٢ )

. (١) سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة واالله يضاعف لمن يشاء واالله واسع عليم )
وليس كل نماء يؤتي أكله ضعفين كما في الآية السابقة ، بل بعض النماء يتضاعف فيصل إلى
سبعمائة كما تصرح به هذه الآية الكريمة فهي حبة واحدة أنبتت سبع سنابل وفي كل سنبلة مائة
حبة ، وطبيعي أن يكون ناتج كل حبة سبعمائة حبة ومثل ذلك أجر من أنفق .
فعن النبي ( صلى االله عليه وآله ) :
. (٢) « ومن أنفق نفقة في سبيل االله كتبت له سبعمائة »
وفي حديث آخر :
. (٣) « ومن أنفق في سبيل االله ضعفت له نفقته الدرهم بسبعمائة . والدينار بسبعمائة »
« واالله يضاعف لمن يشاء » :
فالقضية تعود إليه : وتناط بكرمه ولطفه فهو يضاعف لمن يشاء ولا حرج في ذلك عليه ولا
ينقص من ملكه شيء ، وان من يبخل هو الذي يخالف الفقر ، وهو الإنسان اما االله فلا يخاف
فقراً ، ولا نهاية لعطائه إذ لا حد لملكه ولا حد لعطفه .
« واالله واسع عليم » :
وانما يضاعف لمن يشاء ولا يخشى الفقر لأنه واسع في عطائه
____________
(١) سورة البقرة | آية : ٢٦١ .
(٢) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية .
(٣) الدر المنثور في تفسيره لهذه الآية .

===============
( ٧٣ )

واسع في رزقه واسع في فضله لا يعطي على قدر ما يصل إليه ، بل عطاء ثر ولطف عميم .
٣ ـ الإنفاق ـ قرض يضاعفه االله :
يقول سبحانه وتعالى :

: (١) ( من ذا الذي يقرض االله قرضاً حسناً )
والقرض عملية شائعة على الناس يحتاج الإنسان إليها مالاً ، أو نقداً فيستقرض ما يحتاج إليه
إلى أجل إو غير أجل ، وإذا زيد على القدر المستقرض شيءً فهو من الربا الذي حاربه االله ،
ومنعه ، وتوعد عليه لأن كل قرض جر نفعاً إلى المقرض فهو ربا . هذا بين الناس .
وهذا القرض لو كان بين الفرد وبين االله فلا ربا بين العبد وربه لذلك جاءت الآيات تحبب إلى
المنفق عمله فتجعل من عطائه إلى الفقير قرضاً منه إلى االله سبحانه ، ومن ذلك ينتج أن عملية
القرض هذه تتألف من أطراف ثلاثة :
الطرف الأول : المنفق ، وهو الدائن .
الطرف الثاني : االله سبحانه ، وهو المدين .
الطرف الثالث : وهو الفقير ، المستفيد .
ولكن لو تساءلنا ما وراء هذا القرض من نفع إلى المنفق ؟ فإن الجواب سيظهر لنا من خلال
الآيات الآتية .
وقبل أن نستعرض تلك الآيات لا بد أن نقول : إن الإنسان
____________
(١) سورة الحديد | آية : ١١ .

===============
( ٧٤ )

ليقف حائراً ، وعلامات الاستفهام تأخذ عليه مسالك التفكير عندما يرى القرآن الكريم يكرر هذا
الطلب من االله في موارد ستة ، وهو يطلب منهم بأن يقرضوه قرضاً حسناً ، ولهم عليه الجزاء
الأوفر ، وهذا إن دل فأنما يدل بشكل واضح على مدى الاهتمام الذي يوليه االله لهذه العمليه
الإنسانية .
فاالله هو الذي أنعم على الإنسان فأعطاه المال ورزقه وكفل له معيشته وتفضل عليه ـ مع كل
ذلك ـ نراه يعود ليجعل من نفسه مستقرضاً .
وممن ؟
من الذي وهب له المال واعطاه النعمة ، وهوالمنفق .
ولمن ؟
الى الطبقات المحرومة الضعيفة .
ولماذا ؟
وكان بإمكانه أن يرزق الفقير من غير حاجة إلى مثل هذا القرض .

ولا بد لنا أن نتخطى ولا نعير لهذه الاستفهامات أهميه إذا عرفنا أن االله سبحانه يريد أن يشمل
كلاً من الطرفين المنفقين ، والفقير برحمته وان استدعى ذلك أن يتحمل هو عبء العملية
القرضية فهو الرحيم وهو الرحمن ، وهوالذي خلق هذا الخلق فكانوا عيالاً عليه .
خيرهم اليهم نازل .
وشرهم اليه صاعد .

===============
( ٧٥ )

ومع ذلك فهو يحوطهم برحمته ويكلؤهم برعايته .
أما ما يستفيده الطرف الأول ، وهوالمنفق فأن الآيات الكريمة وعدته بالجزاءين الدنيوي
والأخروي .
في الدنيا : ويتمثل في الآيات الكريمة :
. (١) ( من ذا الذي يقرض االله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة )
. (٢) ( أن المصدقين والمصدقات وأقرضوا االله قرضاً حسناً يضاعف لهم )
. (٣) ( إن تقرضوا االله قرضاً حسناً يضاعفه لكم )
وهذا هو الجزاء في الدنيا يضاعف له ما أعطاء بأضعاف كثيرة ـ كما في الآية الأولى ـ
من الرزق ، وبذلك ليطمئن المنفق بأن ما ينفقه سيخلف عليه ، وسيرجع له ولكن بأضعاف كثيرة
لأن الآية نفسها تعقب على هذه المضاعفة بقوله تعالى :
« واالله يقبض ويبسط وإليه ترجعون » .
وإذا كان القبض والبسط في الرزق منه سبحانه ، وقد قال في صدر الآية بأنه سيضاعف
للمنفق فهو وعد منه ووعده الحق وحاشا له أن يتخلف عما يعد به .
هذا هوالأجر في الدنيا .
____________
(١) سورة البقرة | آية : ٢٤٥ .
(٢) سورة الحديد | آية : ١٨ .
(٣) سورة التغابن | آية : ١٧ .

===============
( ٧٦ )

وأما الأجر في الآخرة فقد اختلفت الآيات في طريقة الاخبار به ، ففي بعضها نرى أنها تعد
بالمغفرة فقط حيث قال سبحانه :
. (١) ( إن تقرضوا االله قرضاً حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم واالله شكور حليم )
وليس هذا الجزاء بالشيء القليل حيث يحصل المنفق من وراء إنفاقه أن يغفر االله ذنوبه ، بعد
هذا له من االله الشكر على ما قدم للمحرومين في هذه الحياة .
أما البعض الآخر : فأنها تطرقت لذكر الأجر من غير تفصيل لنوعية الأجر فقالت :
. (٢) ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا االله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم )
( وأفيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأقرضوا االله قرضاً حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه
. (٣) عند هو خيراً وأعظم أجراً )
ولكن هذا الأجر يأتي في آيات أخرى وقد بانت نوعيته فقال سبحانه :
( وقال االله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم
االله قرضاً حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم
____________
(١) سورة التغابن | آية : ١٧ .
(٢) سورة الحديد | آية : ١٨ .
(٣) سورة المزمل | أية : ٢٠ .

===============
( ٧٧ )

. (١) ولا دخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار )
( من ذا الذي يقرض االله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم * يوم ترى المؤمنين
والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار
. (٢) خالدين فيها ذلك هوالفوز العظيم )
وهذا هو الجزاء الأخروي تعرضه الآيتان فيهما ما يحفز المنفق على الاسراع بهذا النوع من
العطاء ليحصل على هذا النعيم الأبدي .
« يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم » .أ
أي نور هذا الذي يلف هؤلاء المؤمنين فيأخذ اشعاعه بالأبصار ؟ .
وأي نور هذا الذي يميزهم عن بقية الناس في ذلك اليوم ؟ .
انه نور جللهم االله به وأضفاه عليهم !

وهل يكتفي العلي القدير بهذا التقدير ، وهذا القدر من الجزاء ؟ .
ويأتينا الجواب واضحاً تضيفه تكملة الآية الشريفة في قوله تعالى :
____________
(١) سورة المائده | آية : ١٢ .
(٢) سورة الحديد | آية : ١١ ـ ١٢ .

===============
( ٧٨ )

. (١) ( بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم )
يناديهم المنادي ويبشرهم بهذه الجنات جزاء عملهم ، وقد شهد االله لهم بأن ذلك هو الفوز
العظيم .
ويدلنا على أنه سبحانه سيضاعف العطاء لمن أعطى في سبيله ما صرح به في الآية التالية
حيث قال سبحانه :
. (٢) ( يمحق االله الربا ويربى الصدقات )
« يحمق االله الربا » :
والمحق هو الهلاك والاتلاف للشيء ، وفي المعاملة الربوية يتكفل االله بموجب هذا التصريح
انه يمحق ذلك المال أو يستأصله ويتلفه لأنه مال لو حظت فيه الزيادة غير المشروعة فهو محق
وهلاك له .
« ويربى الصدقات » :
ولكنها في المعاملة التي تكون بين االله وعبده عندما يستقرض االله منه فأنه يربيها ويزيدها
وينعشها ، وذلك لأن طلب الزيادة في القرض ان كان على حساب الغير وبين الناس أنفسهم فهو
رباً لا يدعه االله حتى يمحقه .
وقد قيل للإمام الصادق ( عليه السلام ) :
« وقد يربى الرجل فيكثر ماله ، فقال : يمحق االله دينه وان كثر
____________
(١) سورة الحديد | آية : ١٢ .
(٢) سورة البقرة | آية : ٢٧٦ .

===============
( ٧٩ )

. (١) ماله »
ولكنه لو كان على حساب االله وطلب مرضاته فهو الذي يتكفل بإنمائه ويبعث البركة فيه .
وقد روي عن النبي ( صلى االله عليه وأله ) انه قال :
« إن من عبادي من يتصدق بشق تمرة فأربيها له كما يربي أحدكم فله حتى أجعلها له مثل
. (٢) جبل أحد »
( وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند االله وما أتيتم من زكاة تريدون
. (٣) وجه االله فأولئك هم المضعفون )
وقد فصلت الآية الكريمة بين مالين قصد من المعاملة بهما النماء والزيادة .
الأول : معاملة ربوية يكون أطرافها البشر أنفسهم .
الثاني : معاملة ربوية تجري بين العبد وربه .
وقد قالت الآية عن المعاملة الأولى أنها لا تربو أي لا تنمو ولا يباركها االله .
أما عن الثانية فقد قالت بأن االله يباركها ويضاعفها ، والسبب واضح ، ففي المعاملة الأولى
تؤخذ الزياده من المستقرض لصالح
____________
(١) مجمع في تفسيره لهذه الآية .
(٢) وسائل الشيعة ٦ | ٢٦٥ .
(٣) سورة الروم | آية : ٣٩ .

===============
( ٨٠ )

شاهد أيضاً

لأكون مع الصادقين د. محمد التيجاني

ومرة يروون أنه سحر وبقي أياما مسحورا لا يدري ما يفعل، حتى أنه كان يخيل ...