الوقت_ بالتزامن مع الدعم الكبير الذي تحظى به القضيّة الفلسطينيّة وبالأخص على مستوى الشارع العربيّ في الفترة الأخيرة، ذكّر الأزهر دول العالم بمأساة الشعب العربيّ الفلسطينيّ واغتصاب أراضيه، وذلك بمناسبة حلول أسوأ ذكرى بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين في التاريخ الحديث ألا وهي “ذكرى تقسيم فلسطين”، وذلك انطلاقًا من دوره التاريخيّ المهم والمؤثر في دعم تلك القضية العالميّة، في الوقت الذي لم يترك فيه العدو العنصريّ نوعا من أنواع “جرائم الحرب” إلا واستخدمها ضد الأبرياء، بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسريّاً، وليس انتهاءً عند القتل والحصار والإبادة الجماعيّة.
تضامنٌ قويّ من الأزهر
تأتي مبادرة الأزهر الذي يملك شعبيّة كبيرة في العالم العربيّ، بالتزامن مع اليوم الدوليّ للتضامن مع فلسطين وشعبها، في الـ ٢٩ من نوفمبر من كل عام، للتذكير بسلب تلك الأرض لصالح الصهاينة عقب قتل وطرد أبناء الأرض، ففي العام 1917، احتُلت الأراضي الفلسطينيّة من قبل قوات المستعمر الإنجليزيّ، بعد أن كانت تحت سيطرة الاحتلال العثمانيّ لأكثر من 4 قرون، ومن ثم دخلت فلسطين مظلة “الانتداب البريطانيّ” عام 1920، والذي ظل جاثماً على قلوبهم حتى عام 1948، بعدها أصدرت منظمة الأمم المتحدة قراراً لا أساس له من الشرعيّة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية عام 1947.
وعقب تأسيس السرطان الإسرائيليّ لأهداف كثيرة عام 1948، أهمها تقسيم الوطن العربيّ لقسمين (شرقيّ وغربيّ)، ساعدت الحركة الصهيونية التي تأسست أواخر القرن التاسع عشر وسط تزايد العداء للسامية في أوروبا، ولاقت دعماً كبيراً من قبل الحكومات الأوروبيّة الغربيّة، في جمع فتات اليهود من العالم وإقامة كيان لهم على أنقاض فلسطين العربيّة تاريخيّاً، زاعمين أنّ تلك الأرض التي لم يملكوا أيّ أساس فيها –باعتراف بعض مستشرقيهم- هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، وقد شجعت تلك الحركة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين، ماتسبب بمجازر وعمليات تهجير لا حصر لها.
وفي هذه المناسبة التي يعترف فيها مؤرخون إسرائيليون بأنّ القادة الصهاينة في القرن العشرين كانوا على دراية كاملة بأنّ تطبيق “المشروع الصهيونيّ” سيؤدي حتماً إلى عملية تطهيرعرقيّ وتهجير قسريّ للسكان الأصليين أي الفلسطينيين، وهذا ما دفع الأزهر –المؤسسة الدينيّة صاحبة الثقل الدينيّ- لأن يجدّد عهده الدائم بدعم الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع لاستعادة أراضيه المغتصبة، حيث إنّ الحكومات الصهيونيّة المتعاقبة اهتمت منذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، باستخدام منهج شديد الدمويّة والإجرام ناهيك عن التطاول على حقوق الشعب الفلسطينيّ ومقدساته وثرواته وسرقة وتخريب الآثار الفلسطينيّة، لإضفاء كل ماهو يهوديّ.
رفضٌ للإجرام الإسرائيليّ ودعمه
وبالاستناد إلى أنّ السياسة العسكريّة الاستبدايّة للاحتلال الإسرائيليّ لم تتغير قيد أُنملة حتى اليوم، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب على كل المستويات، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة –الغنيّة بالنفط والثروات-، أعرب الأزهر الشريف عن رفضه القاطع لكل محاولات التهديد الساعيّة لتغير الهويّة الديمغرافيّة لفلسطين، حيث إنّ العدو الصهيونيّ الباغي لا يكف عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، في مساع حثيثة من قبل العصابات الصهيونيّة في فلسطين للهيمنة على مقدرات البلاد بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود، والسعيّ المطلق لإبادة هذا الشعب في الداخل والخارج.
“نرفض كل محاولات التهويد الإسرائيليّة السَّاعيَة لتغيير الهوية الديموغرافيّة للدولة الفلسطينية، واغتصاب ما تبقى من أراضيها”، هذا ما أكّدت عليه المرجعيّة الدينيّة في العالم الإسلاميّ ما يكشف بالنسبة لم يجهل الوجه الدمويّ والحقيقي للاحتلال الصهيوني العنصريّ، على الرغم من أنّ علماء الآثار الصهاينة لم يعثروا على شواهد تاريخيّةٍ أوْ أثريّةٍ تدعم بعض القصص الواردة في “التوراة” بما في ذلك قصص الخروج، والتيه في سيناء، وانتصار يوشع بن نون على كنعان”، في ظل التعدي الصهيونيّ على الحاضر والمستقبل بل على التاريخ والتراث والحضارة والماضي، من خلال استهداف الآثار الفلسطينية الدالة على عروبة فلسطين وهويتها الحقيقيّة.
ولأنّ الاحتلال الصهيونيّ الوحشيّ يؤمن بأنّه يسيطر على بقعة واسعة من الأراضي الفلسطينيّة وله اليد الطّولى للقيام بأيّ شيء فيها، ويحاول بشكل جديّ ومتصاعد حسم المعركة التاريخيّة لمصلحته عبر قتل تدمير وتشويه كل ماهو فلسطينيّ، لإبادة هذا الشعب ونهب أرضه وطمس الهوية الثقافيّة والحضاريّة الفلسطينية وإخفاء معالمها بشكل كامل، لخدمة الرواية الصهيونيّة المخادعة –والتي باتت مشكوكة بالنسبة للكثير من الإسرائيليين- حول احتلال فلسطين، وبالتالي محاولة تحقيق المشروع الصهيونيّ الذي فشل بشكل ذريع في إنشاء الدولة العبريّة المزعومة على تراب فلسطين عبر عمليات تطهير عرقيّ كاملة وتهجير قسريّ جماعيّ للسكان الأصليين.
وعلى أساس أنّ العالم حتى اللحظة ما زال يشهد على ظلم وجبروت وطغيان الكيان الصهيونيّ بحق كل ما هو فلسطينيّ، ويرتكب مجازر شبيهة في إجرامها بتلك التي رافقت إنشاء كيانهم اليهوديّ –الطائفيّ القوميّ- على أرض فلسطين، شدّد الأزهر على أنّ العالم العربيّ والإسلامي لا يمكن أن ينسى مذابح الكيان الصهيوني وجرائمه في حق الشعب الفلسطينيّ والتي لا يمكن أن تنسى من ذاكرة أيّ الإنسانيّة مهما حاول المغتصب “تشويه التاريخ أو تزييف حقائقه”، وفقاً للأزهر.
وفي ظل الدعم الذي يحظى به الكيان القاتل من قبل دول عدّة على رأسها الولايات المتحدة والدول الغربيّة المستفيدة بشدّة من زرع سرطانه المقيت في بلادنا، طالب الأزهر المجتمع الدوليّ والهيئات المعنيَّة وكل المنصفين والعقلاء على وجه الأرض بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعم نضاله المشروع في وجه الاحتلال الظالم وممارساته الإرهابيّة، مؤكّداً أنّ العالم بأسره يتحمل المسؤولية الكاملة المتعلقة بإنهاء هذا الاحتلال الصهيونيّ على أرض فلسطين المباركة، ورَدِّ الحقوق إلى أصحابها ومحاكمة المحتل الغاصب على جرائمه ضد الفلسطينيين والإنسانية جمعاء.
نتيجة لكل ما ذُكر، فلسطين ليست أرضاً بلا شعب أو قضية، كما كذب الصهاينة ومن خلفهم، فقد احتل الصهاينة أرضهم وقتلوا أطفالهم، وأطلقوا عليهم الحسناوات وبنات الهوى، واعتقدوا أنهم ربما سينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بهم يفجرون الثورات والانتفاضات تلو الأخرى، رغم أن الصهاينة أجرموا في الأسر والسجون، وعقب سنوات طويلة من هدم البيوت والحصار، ما زال هذا الشعب الأعزل يستخرج من المستحيل صواريخ يضرب بها عدوه، وهذا طبيعيّ للغاية فالفلسطينيون هم أصحاب حق ولا يستطيع الصهاينة ومن يدعمهم حجب الشمس بغربال، فعلى الرغم من سعيهم الشديد لتطبيق “حلهم” لا يزال المشروع الصهيونيّ يدخل في دوامة النهاية باعتراف الإسرائيليين.