الدرس العاشر: الرسم القرآنيّ
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف على أقسام الرسم القرآنيّ.
2- يُميّز بين بعض كلمات الرسم العثمانيّ والرسم القياسيّ.
3- يشرح خصائص الرسم العثماني.
قال الله تبارك وتعالى ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[1].
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بلسان العرب، وذلك لأنّ كلّ نبيّ أُنزل كتابه بلسان قومه، والقرآن الكريم ليس أمراً ونهياً وكلمات ومعاني فقط، بل هو رسم أيضاً.
ومن المعلوم أنّ للقرآن الكريم منهجاً خاصّاً في الكتابة، يختلف نوعاً ما عن الكتابة الّتي أَلِفَها الناس.
أقسام الرسم القرآنيّ
قسّم العلماء الرسم الكتابيّ ـ الخطّ الإملائيّ ـ إلى قسمين رئيسين.
الأوّل: أطلقوا عليه اسم الرسم القياسيّ، ويقصدون به كتابة الكلمة كما تُلفظ، مع الأخذ بعين الاعتبار حالتي الابتداء بها والوقف عليها.
الثاني: أطلقوا عليه اسم الرسم التوقيفيّ، ويقصدون به الرسم العثمانيّ، إذ هو الرسم الّذي كُتبت به المصاحف.
وقد صنّف العلماء في هذا المجال ما عُرف بـ “علم الرسم القرآنيّ” ووضعوا كتباً خاصّة في هذا الموضوع، منها، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب “المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار” لأبي عمرو الداني، وكتاب التنزيل لأبي داود سليمان نجاح.
متباينات الرسم العثمانيّ والرسم القياسيّ
إنّ الرسم العثمانيّ يُخالف الرسم القياسيّ من بعض الوجوه، أهمّها خمسة وجوه، نذكرها فيما يأتي مع التمثيل لها:
الوجه الأول، الحذف:
وهو كثير، ويقع في حذف الألف، والواو، والياء.
فمن أمثلة حذف الألف، قوله تعالى: ﴿الْعَالَمِينَ﴾[2] حيث حُذفت الألف بعد العين، وقد كُتبت كذلك في جميع مواضعها في القرآن، والأصل في كتابتها حسب الرسم الإملائيّ (العالمين).
ومن أمثلة حذف الواو، قوله تعالى: ﴿وَالْغَاوُونَ﴾[3]، وقد وردت في موضعين من القرآن، والأصل فيها (الغاوون).
ومن أمثلة حذف الياء، قوله تعالى: ﴿النَّبِيِّينَ﴾[4]، وقد وردت كذلك في جميع مواضعها في القرآن، وعدد مواضعها ثلاثة عشر موضعاً، والأصل في كتابتها (النبيّين).
ومن وجوه حذف الأحرف أيضاً، حذف اللام والميم.
فمثال حذف اللام، قوله تعالى: ﴿اللَّيْلِ﴾[5] وقد كتبت كذلك في جميع مواضعها، وعددها ثلاثة وسبعون موضعاً، والأصل فيها (الليل).
ومثال حذف النون ﴿نُنجِي﴾[6] والأصل فيها (ننجي).
1- كلمة “اسم”:
قال الله تعالى ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾[7]، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾[8]، حيث وردت كلمة (اسم) بألف صريحة، بينما في البسملة مثلاً: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾[9] بلا ألف.
2- كلمة (سموات – سموات):
وردت كلمة ﴿سَمَاوَاتٍ﴾ بهذا الرسم بدون ألف صريحة 189 مرّة في القرآن الكريم… ووردت مرّة واحدة فقط بألفٍ صريحة بعد حرف (و) بالرسم القرآنيّ، ﴿سَمَاوَاتٍ﴾ وذلك في الآية الكريمة رقم 12 من سورة فصّلت ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾[10].
3- كلمة (الميعاد ـ الميعاد):
وردت كلمة (الميعاد) وذلك بألف صريحة في وسط الكلمة 4 مرّات في القرآن الكريم… وكلّها تتكلّم عن الميعاد الأخروي الّذي وعده الله سبحانه وتعالى.. لذلك جاء الميعاد واضحاً وصريحاً ولا ريب فيه مثال ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾[11]، ولمّا تحدّث القرآن عن لقاء المسلمين بالكفّار في المعركة جاءت الكلمة بلا ألف صريحة: ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ﴾[12].
4- كلمة (سعوا ـ سعو):
وردت (سعوا) بشكلها العادي مرّة واحدة: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[13]، ووردت (سعو) ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا﴾[14] بشكلها غير العادي بدون ألف في آخرها مرّة واحدة أيضاً في القرآن الكريم.
5- كلمة (صحب ـ صاحب):
في الآية 34 من سورة الكهف يقول القرآن الكريم على لسان مالك الجنّتين: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾[15]، بألف متروكة.
غير أنّ الردّ يأتيه من صاحبه المؤمن في الآية 37 من نفس سورة الكهف: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾[16] باستخدام الألف الصريحة، والمدّ بالألف المتروكة.
6- حذف حرف الواو من بعض الأفعال:
ورد أنّه تمّ كتابة هذه الأفعال الأربعة بحذف الواو وهي: ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ﴾[17]، ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾[18]، ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾[19]، ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾[20] ولكن من غير نقط ولا شكل في الجميع.
7- كلمة (وسئل ـ فسئل):
ورد في القرآن الكريم كلّه فعل الأمر من (سأل) ناقصاً حرف (أ) في البداية. ونذكر فيما يلي نماذج من الآيات الكريمة الّتي ورد فيها هذا الفعل:
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾[21].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾[22].
8- كلمة (أيد ـ أييد):
وردت كلمة (أيد) وهي جمع يد مرّتين في القرآن الكريم بهذا الرسم العاديّ، وذلك في الآيتين التاليتين: قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾[23].
غير أنّها وردت مرّة واحدة برسم مختلف يزيد حرف (ي) في منتصفها، وذلك في الآية الكريمة الآتية: ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[24].
الوجه الثاني، الزيادة:
وتكون في الألف، والواو، والياء، فمثال الزيادة في الألف قوله تعالى: ﴿وَجِيءَ﴾[25]، والأصل فيها (وجيء).
ومثال الزيادة في الواو قوله تعالى ﴿سَأُرِيكُمْ﴾[26]، والأصل فيها (سأريكم).
ومثال الزيادة في الياء قوله تعالى ﴿بِأَيْدٍ﴾[27]، وهو الموضع الوحيد في القرآن، والأصل فيها (بأيدٍ).
الوجه الثالث، الهمز:
حيث وردت الهمزة في الرسم العثمانيّ تارةً برسم الألف، وتارة برسم الواو، وتارة برسم الياء.
فمن أمثلة ورودها ألفاً، قوله تعالى ﴿لَتَنُوءُ﴾[28]، وهو الموضع الوحيد، والأصل فيها (لتنوء).
ومن أمثلة ورودها واواً قوله تعالى: ﴿يَبْدَأُ﴾[29]، وهي كذلك في مواضعها الستّة من القرآن، والأصل فيها (يبدأ).
ومن أمثلة مجيئها ياءً، قوله تعالى ﴿وَإِيتَاء﴾[30]، وهو الموضع الوحيد من ثلاثة مواضع، والأصل فيها (وإيتاء).
الوجه الرابع، البدل:
ويقع برسم الألف واواً أو ياء، فمن مجيئها واواً قوله تعالى: ﴿الصَّلاةَ﴾[31], وهي كذلك في جميع مواضعها الأربعة والستّين، والأصل (الصلاة) ومثلها (الزكاة).
ومن صور رسمها ياءً، قوله تعالى: ﴿يَا أَسَفَى﴾[32]، والأصل فيها (يا أسفا).
ومن ذلك أيضاً، قوله تعالى ﴿وَالضُّحَى﴾[33]، ولم ترد إلّا في هذا الموضع، والأصل فيها (والضحا).
الوجه الخامس، الفصل والوصل:
فقد رسمت بعض الكلمات في المصحف العثمانيّ متّصلة مع أنّ حقّها الفصل، ورسمت كلمات أخرى منفصلة مع أنّ حقّها الوصل، فمن أمثلة ما اتّصل وحقّه الفصل ما يلي:
(عن) مع (ما) حيث رسمتا في مواضع من القرآن الكريم متّصلتين، من ذلك قوله تعالى: ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[34]، وقد وردت كذلك في جميع المواضع.
(بئس) مع (ما) رسمتا متّصلتين في مواضع، من ذلك قوله تعالى: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ﴾[35]، وهي كذلك في مواضعها الثلاثة.
(كي) مع (لا) رسمتا متّصلتين في مواضع، من ذلك قوله تعالى ﴿لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾[36]، وهي كذلك في مواضعها الأربعة.
ومن أمثلة ما انفصل وحقّه الوصل ما يلي:
– قوله تعالى: ﴿كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾[37]، وقد جاءت كذلك في ثلاثة مواضع، وجاءت متّصلة على الأصل في خمسة عشر موضعاً.
– قوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا﴾[38]، وقد جاءت كذلك في ثمانية مواضع، وجاءت متّصلة على الأصل في أربعة مواضع.
هذه الوجوه الخمسة الّتي أتينا على ذكرها، مع شيء من التمثيل لها، هي أهمّ الوجوه الّتي فارق فيها الرسم العثمانيّ الرسم الإملائيّ.
المفاهيم الرئيسة
– قسّم العلماء الرسم الكتابيّ ـ الخطّ الإملائيّ ـ إلى قسمين رئيسين:
الأوّل: أطلقوا عليه اسم الرسم القياسيّ، ويقصدون به كتابة الكلمة كما تُلفظ، مع الأخذ بعين الاعتبار حالتي الابتداء بها والوقف عليها.
الثاني: أطلقوا عليه اسم الرسم التوقيفيّ، ويقصدون به الرسم العثمانيّ، إذ هو الرسم الّذي كُتبت به المصاحف.
– إنّ الرسم العثمانيّ يُخالف الرسم القياسيّ من بعض الوجوه، أهمّها خمسة وجوه: الحذف، الزيادة، الهمز، البدل، الفصل والوصل.
للمطالعة
لا يقتصر دور القرآن الكريم على هداية الإنسان إلى طريق النجاة في الآخرة، بل دوره يرتبط بكافّة جوانب حياة الإنسان، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “إنّ هذا القرآن هو الناصح الّذي لا يغشّ، والهادي الّذي لا يضلّ، والمحدّث الّذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى ونقصان من عمى، واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على بلوائكم، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والعمى والضلال.
اسألوا الله به وتوجّهوا إليه بحبّه، ولا تسألوا به خلقه، إنّه ما توجّه العباد إلى الله بمثله. واعلموا أنّه شافع مشفّع، وقائل مصدّق وأنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شُفّع فيه، ومن مَحِلَ به القرآن يوم القيامة صدق عليه، فإنّه ينادي مناد يوم القيامة ألا إنّ كلّ حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلّوه على ربّكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم”[39].
[1] سورة الزخرف، الآيات 1 – 3.
[2] سورة الفاتحة، الآية 2.
[3] سورة الشعراء، الآية 94.
[4] سورة البقرة، الآية 61.
[5] سورة آل عمران، الآية 190.
[6] سورة الأنبياء، الآية 88.
[7] سورة الواقعة، الآيتان 95 و 96.
[8] سورة العلق، الآية 1.
[9] سورة الفاتحة، الآية 1.
[10] سورة فصّلت، الآية 12.
[11] سورة آل عمران، الآية 9.
[12] سورة الأنفال، الآية 42.
[13] سورة الحج، الآية 51.
[14] سورة سبأ، الآية 5.
[15] سورة الكهف، الآية 34.
[16] سورة الكهف، الآية 37.
[17] سورة الإسراء، الآية 11.
[18] سورة الشورى، الآية 24.
[19] سورة القمر، الآية 6.
[20] سورة العلق، الآية 18.
[21] سورة يوسف، الآية 82.
[22] سورة النحل، الآية 43.
[23] سورة ص، الآية 17.
[24] سورة الذاريات، الآية 47.
[25] سورة الزمر، الآية 69، سورة الفجر، الآية 23.
[26] سورة الأعراف، الآية 145.
[27] سورة الذاريات، الآية 47.
[28] سورة القصص، الآية 76.
[29] سورة يونس، الآية 34.
[30] سورة النحل، الآية 90.
[31] سورة البقرة، الآية 3.
[32] سورة يوسف، الآية 84.
[33] سورة الضحى، الآية 1.
[34] سورة البقرة، الآية 74.
[35] سورة البقرة، الآية 90.
[36] سورة آل عمران، الآية 153.
[37] سورة النساء، الآية 91.
[38] سورة البقرة، الآية 148.
[39] الشريف الرضي، خطب الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، ج2، ص92.