الدرس الثامن عشر: سورة الشمس
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يشرح قصة معاندة قوم ثمود.
2- يعرف معاني المفردات الآتية: الضحى، طغواها، دمدم، عقروها.
3- يفهم أثر التزكية والتدسية في تهذيب النفس.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾
شرح المفردات
1- الضحى: انتشار نور الشمس.
2- تلاها: اتبعها.
3- جلّاها: أظهرها وأبرزها.
4- يغشاها: يُغطّيها أو يلبسها السواد.
5- طحاها: بسطها ومهّدها.
6- زكّاها: طهرها.
7- دساها: أخفاها أو جعلها قليلة.
8- طغواها: طغيانها.
9- عقروها: أهلكوها.
10- دمدم: عذّب وعاقب وأهلك.
11- عقباها: عاقبتها.
محتوى السورة وفضيلتها
نزلت هذه السورة في مكّة، وهي في الواقع سورة تهذيب النفس، وتطهير القلوب من الأدران، ومعانيها تدور حول هذا الهدف. وفي مقدّمتها قسَمٌ بأحد عشر مظهراً من مظاهر الخليقة وبذات الباري سبحانه، من أجل التأكيد على أنّ فلاح الإنسان يتوقّف على تزكية نفسه. والسورة فيها من القسَم ما لم يجتمع في سورة أخرى.
وفي المقطع الأخير من السورة ذكر لقوم ثمود باعتبارهم نموذجاً من أقوام طغت وتمرّدت، وانحدرت بسبب ترك تزكية نفسها إلى هاوية الشقاء الأبديّ، والعقاب الإلهيّ الشديد.
هذه السورة القصيرة في الواقع تكشف عن مسألة مصيريّة هامّة من مسائل البشريّة، وتبيّن نظام الإسلام في تقييم أفراد البشر.
وفي فضيلة تلاوة هذه السورة يكفي أن نذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال فيه: “من قرأها فكأنّما تصدّق بكلّ شيء طلعت عليه الشمس والقمر”[1].
في كنف السورة
1- الظواهر الكونيّة والنفس الإنسانيّة:
إنّ اقتران النفس الإنسانيّة مع الظواهر الكونيّة كالشمس والقمر والأرض والسماء والليل والنهار، مع ما تتضمّنه هذه الظواهر من عظمة يدلُّ على عظمة النفس الإنسانيّة ومدى دورها في هذا الكون العظيم.
فموضوع النفس الإنسانيّة موضوع خطير وعظيم، كعظمة السماء والأرض والشمس والقمر… فهي (أي النفس الإنسانيّة) تستحقّ الاهتمام من الإنسان ومعرفة ما يصلحها وما يُفسدها، كما أنّ هذه الظواهر تستحقّ التفكُّر.
من هنا تعمل هذه الأقسام على تحريك الفكر في الإنسان كي يُمعن النظر في هذه الموضوعات الهامّة من عالم الخليقة، وليتّخذ منها سبيلاً إلى الله تعالى.
فالشمس مثلاً: ذات دور هامّ وبنّاء جدّاً في الموجودات الحيّة على ظهر البسيطة. فهي إضافة إلى كونها مصدراً للنور والحرارة ـ وهما عاملان أساسان في الحياة الأرضيّة ـ تعتبر مصدراً لغيرهما من المظاهر الحياتيّة، حركة الرياح، وهطول الأمطار، ونموّ النباتات، وجريان الأنهار والشلّالات، بل حتّى نشوء مصادر الطاقة مثل النفط والفحم الحجريّ، كلّ واحد منها يرتبط بشكل أو بآخر بنور الشمس.
ولو قُدّر لهذا المصباح الحياتيّ أن ينطفئ يوماً لساد الظلام والموت في كلّ مكان.
هذا جانب من التفكُّر في بعض ما أقسمت به هذه السورة المباركة وهو جزء بسيط جدّاً من هذا الكون الشاسع.
﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[2].
2- أهمّيّة تهذيب النفس:
كلّما ازداد عدد أقسام القرآن ازدادت أهميّة الموضوع. وفي هذه السورة المباركة أكبر عدد من الأقسام، ثمّ جاء التركيز على أنّ النجاح والفلاح في تزكية النفس، وأنّ الخيبة والخسران في ترك التزكية. وهذه في الواقع أهمّ مسألة في حياة الإنسان. والقرآن إذ يطرح هذه الحقيقة إنّما يؤكد على أنّ فلاح الإنسان لا يتوقّف على جمع المال والمتاع الفاني ونيل المنصب والمقام، ولا على أعمال أشخاص آخرين كما هو معروف عند المسيحيّين بشأن ارتباط فلاح الإنسان بتضحية المسيح، بل الفلاح يرتبط بتزكية النفس وتطهيرها وسموّها في ظلّ الإيمان والعمل الصالح.
وشقاء الإنسان ليس أيضاً وليد قضاء وقدر إجباريّين، ولا نتيجة مصير مرسوم، ولا بسبب فعل هذا أو ذاك، بل هو بسبب التلوّث بالذنوب والانحراف عن مسير التقوى.
وفي التاريخ نماذج عديدة تؤكِّد هذه الحقيقة.
ففي الأثر أنّ زوج العزيز -زليخا- قالت ليوسف لمّا أصبح حاكم مصر: إنّ الحرص والشهوة يُصيّران الملوك عبيداً، وإنّ الصبر والتقوى يُصيّران العبيد ملوكاً، فقال يوسف عليه السلام: قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[3].
وعنها أيضاً قالت لمّا رأت موكب يوسف مارّاً من أمامها: الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً[4].
3- عاقبة أمّة لم تُهذِّب نفسها:
الفلاح والخيبة الناتجان عن تزكية النفس وعدمها، غير مقتصرين على الإنسان الفرد، بل هذه السنّة الإلهيّة تنطبق على الأمم. والآيات الأخيرة من هذه السورة المباركة تشير إلى هذه السنّة الإلهيّة، فتتحدّث عن مصير قوم “ثمود” بعبارات قصيرة قاطعة ذات مدلول عميق.
فقوم ثمود من أقدم الأقوام الّتي سكنت منطقة جبليّة بين الحجاز والشام. كانت لهم حياة رغدة مرفّهة، وأرض خصبة، وقصور فخمة، غير أنّهم لم يؤدّوا شكر هذه النعم، بل طغوا وكذّبوا نبيّهم صالحاً عليه السلام، واستهزؤوا بآيات الله تعالى، فكان عاقبة أمرهم أن أُبيدوا بصاعقة سماويّة.
ثمّ تستعرض السورة المباركة مقطعاً بارزاً من طغيان القوم وتقول: إذ انبعث أشقاها، وأشقى ثمود هو الّذي عقر الناقة الّتي ظهرت باعتبارها معجزة بين القوم، وكان قتلها إعلان حرب على النبيّ صالح عليه السلام.
هذا ويُلاحظ أنّ قاتل الناقة شخص واحد أشارت إليه الآية: ﴿إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾.
بينما نُسب العقر إلى قوم ثمود جميعاً ﴿فَعَقَرُوهَا﴾، وهذا يعني أنّ كلّ هؤلاء القوم كانوا مشاركين في الجريمة، وذلك لأنّ هذه الجريمة تمّت برضا القوم فهم شركاء في الجريمة بهذا الرضا.
وعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال: “إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا، فقال سبحانه: ﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾[5]“[6].
المفاهيم الرئيسة
– سورة الشمس هي سورة تهذيب النفس، وتطهير القلوب.
– موضوع النفس الإنسانيّة يساوي في أهميّته وخطورته، أهميّة وخطورة الظواهر الكونيّة الّتي أقسم الله تعالى بها في هذه السورة.
– كثرة القسم تدلّ على أهميّة موضوع التزكية، وقد خاب وخسر من تركها.
– إنّ العقاب والخسران سنّة إلهيّة ستُصيب كلّ غافل عن تزكية نفسه وهذا ما جرى مع قوم ثمود.
[1] الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج10، ص496.
[2] سورة آل عمران، الآية191.
[3] سورة يوسف، الآية 90.
[4] نقلاً عن الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، ج20، ص248.
[5] سورة الشعراء، الآية 157.
[6] الشريف الرضي، خطب الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، ج2، ص181.