قال ابن عمر : آخر ما تكلم به رسول الله قوله أخلفوني في أهل بيتي ( 6 ) .
قال أبو هريرة : قال رسول الله ( ص ) : خيركم خيركم لأهلي من بعدي ( 7 ) .
وقال رسول الله : إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي ( 8 ) .
وقال أيضا : استوصوا بأهل بيتي خيرا ، فإني أخاصمكم عنهم غدا ، ومن أكن خصمه
أخصمه ، ومن أخصمه دخل النار ( 9 ) .
وقال أيضا : من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا ( 1 ) .
وقال : من صنع لأهل بيتي يدا ، كافأته عليها يوم القيامة ( 2 ) .
وقال : من صنع لأهل بيتي معروفا فعجز عن مكافأته في الدنيا ، فأنا المكافئ له يوم
القيامة ( 3 ) .
– رواة حديث الثقلين – .
روى حديث الثقلين جمع كبير من الصحابة ، يقدرون ب 35 صحابيا وصحابية ، منهم علي
بن أبي طالب ( ع ) وفاطمة الزهراء ( س ) والحسن بن علي بن أبي طالب ( ع ) وسلمان الفارسي ،
وأبو ذر الغفاري ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ،
وأبو الهيثم بن التيهان ، وحذيفة بن اليمان ، وحذيفة بن أسيد القفاري ، وخزيمة بن
ثابت ذو الشهادتين ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن حنطب ،
وجبير بن مطعم ، والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك ، وطلحة بن عبد الله التيمي ،
وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعمرو بن العاص ، وسهل بن سعد الأنصاري ، وعدي
بن حاتم ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو شريح الخزاعي ، وعقبة بن عامر ، وأبو قدامة
الأنصاري ، وأبو ليلى الأنصاري ، وحمزة الأسلمي ، وعامر بن أبي ليلى بن حمزة ، وأم سلمة
زوج الرسول ، وأم هاني أخت الإمام علي ( ع ) ، وابنة عم الرسول ( 4 ) .
قال الرسول الأعظم ( ص ) : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ،
كتاب الله وعترتي أهل بيتي ( 5 ) .
وقوله ( ص ) أيضا : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، أحدهما أكبر
من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا
حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ( 1 )
كذلك قوله عليه الصلاة والسلام : إني تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله حبل ممدود ما
بين السماء والأرض ، ( أو ما بين السماء إلى الأرض ) ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض ( 2 ) .
وقوله ( ص ) أيضا : إني أوشك أن أدعى فأجيب ، ألا إني تارك فيكم الثقلين : كتاب
الله وأهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ( 3 ) .
وقوله – صلى الله عليه وآله وسلم – إني أوشك أن أدعى فأجيب ، ألا إني تارك فيكم
الثقلين ، كتاب الله عز وجل وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود . . . ( 1 ) .
قوله صلى الله عليه وآله وسلم : كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين ،
أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي ( 2 ) .
قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ ، قال الصحابة :
بلى يا رسول الله ، قال رسول الله : فإني سائلكم عن اثنين ، القرآن وعترتي ( 3 ) .
قوله عليه وآله الصلاة والسلام : يا أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا ، فينطلق
بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، مخلف فيكم كتاب الله ربي عز وجل وعترتي
أهل بيتي ، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا
يفترقان حتى يردا على الحوض ( 4 ) .
عن زيد ابن أرقم قال : قام فينا رسول الله بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد
الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد : أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك
أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى
والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستكملوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم
قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في
أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ( 1 ) .
عن زيد بن أرقم : قال رسول الله : ألا وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل
وأهل بيتي . . . إلى أن قال الراوي عن زيد ، فقلنا : من أهل بيته ، نساؤه ؟ قال زيد :
لا ، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها ، فترجع إلى بيت
أبيها ( 2 ) .
وقال حذيفة بن أسيد الغفاري : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير
خم : إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى منهم من أنفسهم ، فمن كنت
مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه . . . ، ثم قال : إني
سائلكم عن الثقلين ( 3 ) .
وقال زيد بن أرقم : إن رسول الله قد قال : . . . وإني قد تركت فيكم الثقلين . . . ، ثم
قال : إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب
فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ( ) .
وقال البراء بن عازب : إن رسول الله ( ص ) قد صلى الظهر في غدير خم ، وأخذ بيد علي
فقال للمسلمين : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى ، قال :
ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا بلى ، فقال الرسول : من كنت مولاه
فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ( 5 ) .
قال سعد بن أبي وقاص : إن رسول الله قد قال : أيها الناس إني وليكم ؟ ، قالوا نعم ،
ثم رفع يد علي بن أبي طالب فقال : هذا وليي ويؤدي عني ديني ، وأنا موال من
والاه ومعاد من عاداه ( 1 ) .
وقال سعد بن أبي وقاص أيضا : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما بلغ
غدير خم . . . ، ثم قال : أيها الناس من وليكم ؟ قالوا الله ورسوله ، ثم أخذ بيد
علي فأقامه ، ثم قال : من كان الله ورسوله وليه ، فهذا وليه : اللهم وال من والاه ،
وعاد ما عاده ( 2 ) .
شائعات ضد النبي الأكرم ( ص ) .
لقد أدرك قادة التحالف خطورة البيان النبوي ، وهو لا يتوقف عن القول بأنه يتبع ما
يوحى إليه ، وأنه لا ينطق عن الهوى . فإذا استطاعت أن تشكك بقول الرسول ( ص )
وبشخصيته ، فإنها ستبطل مفعول البيان النبوي المنحصر في حديثه ( ص ) : إلا أن قادة
التحالف وأفراده هم أقل وأذل من أن يواجهوا رسول الله بذلك .
ومن هنا لم يبق أمامهم إلا مواجهة النبي بحرب الشائعات ، وذلك بإطلاق سلسلة من
الشائعات تتظافر للتشكيك في قوله ( ص ) وشخصيته ، واستحالة أن تكون كل أقوال الرسول من
عند الله . فإذا نجحت هذه الشائعات بزعزعة الثقة ببيان الرسول المتعلق بالأمور
السياسية : يكون أجله قد دنا ، ولا تمهله المنية لبناء ما هدمته قيادة التحالف ،
عندئذ يتم توزيع الأدوار بين كتائب التحالف ، وأثناء انشغال العترة الطاهرة بتجهيز
النبي ، ينصب خليفة من قريش ، حيث يجمع الخليفة بيده الجاه والمال وتأييد التحالف ،
ويواجهون عليا وأهل بيت النبوة وبني هاشم بأمر واقع ، وبعد ذلك تقوم السلطة الجديدة
بتحويل تلك الشائعات إلى قناعات ، ثم يتناقلها العامة بالوراثة ، وتصبح جزءا من
الدين ! ! ! تلك هي خطة التحالف لتحقيق هدفه ! ! ! .
وهذه الشائعات هي :
أو – لقد أشاعت قيادة التحالف بأن رسول الله ( ص ) بشر يتكلم في الغضب والرضى ، ولا
ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد ، وبالتالي لا ينبغي تنفيذ كل ما يقوله ( ص ) :
فضلا عن عبثية كتابة أقواله ( ص ) .
قال عبد الله بن عمرو بن العاص : كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه ،
فنهتني قريش ، وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ، ورسول الله بشر يتكلم في
الغضب والرضى ؟ فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله ، فأومأ بإصبعه إلى فمه
وقال : أكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقا ( 1 ) .
لما آلت الخلافة إلى أبي بكر كان أول مشروع فعله هو جمعه للأحاديث النبوية التي
كتبها هو شخصيا وقيامه بإحراقها ، كما روت السيدة عائشة ابنته وأم المؤمنين .
وكان مشروعه الثاني أن جمع الناس وقال لهم : إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث
تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم
فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله ( 2 ) .
فهذا الموقف المعلن من أبي بكر ، وقناعته بأن الحديث عن رسول الله يورث الخلاف ،
وقيامه بإحراق الأحاديث التي جمعها شخصيا ، كل ذلك يدل على حساسيته المفرطة من
أحاديث رسول الله ( ص ) ، وأنه أحد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول ، تحت
شعار أنه يتكلم في الغضب والرضى ، ثم من هي قريش إن لم يكن أبو بكر وهو أحد شيوخها
منها ؟ ! .
وعندما آلت الخلافة ، إلى عمر بن الخطاب بعد موت أبي بكر ، كان أول مشاريعه أن طلب من
الناس وناشدهم ليأتوه بأحاديث رسول الله التي كتبوها ، وظن الناس أن عمر يريد أن
يجمع أحاديث رسول الله فأتوه بها ، فلما أتوه بأحاديث رسول الله المكتوبة ، أمر
بحرقها جميعا ، وحرقت بالفعل ( 3 ) .
جاء في كنز العمال ، أنه ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق :
عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر ، وقال لهم : ما هذه الأحاديث
التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق ؟ قالوا : أتنهانا ؟ قال : لا ، أقيموا عندي ، لا
والله لا تفارقوني ما عشت ، فنحن أعلم ، نأخذ منكم ونرد عليكم ( 4 ) .
وروى الذهبي : أن عمر حبس ثلاثة بتهمة أنهم ( أكثروا الحديث عن رسول الله ) ( 5 ) .
ولقد نهى عمر جيوشه عن الرواية عن رسول الله ( 6 ) ، وهذه السياسة الصارمة نحو رواية
الأحاديث ، ونحو حرق المكتوب منها : تدل على حساسيته المفرطة تجاه أحاديث رسول
العاديا ، ولكنه نال الشرف بالإسلام ، ونال العلا بمصاهرته لرسول الله فأصبح من سادة
قريش ، فمن غير الممكن أن تنهى قريش في غياب عمر ! ! ! .
ولما آلت الخلافة إلى عثمان بعد موت عمر ، كانت أول مشاريعه أن أصدر مرسوما بعدم
جواز رواية أي حديث لم يسمع به في عهدي أبي بكر وعمر ( 1 ) .
تلك هي قريش التي نهت عبد الله بن عمرو بن العاص عن كتابة أحاديث رسول الله ، بحجة
أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى . وفي الحقيقة فإن الغاية المنشودة من النهي
كانت لغايات إبطال مفاعيل الأحاديث النبوية المتعلقة بمؤسسة الإمامة من بعد النبي
( ص ) ، وبالدور المميز لأهل بيت النبوة ( ع ) بعد وفاته ! ! .
معاوية يبين الغاية من الإشاعة .
كان معاوية بن أبي سفيان أحد قادة التحالف ، وقد أصدر مرسوما بعد عام الجماعة ، وأرسل
نسخا من هذا المرسوم إلى كل عماله ، حيث أمر فيه بالحرف ، أن : برئت الذمة ممن روى
شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ! !
فمعاوية قد أبرز بيت القصيد ، والغاية من منع كتابة أحاديث رسول الله ، حتى لا ينتشر
فضل أبي تراب وأهل بيته في الأمة ، وحتى لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعا بقيادة
هذه الأمة ! ! ( 2 ) .
ثانيا – روى البخاري : إن رسول الله كان يغضب ، فيلعن ، ويسب ، ويؤذي من لا يستحقها ،
ودعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا .
وهكذا صوروا رسول الله صاحب الخلق العظيم الذي وصفه الله تعالى بآية محكمة
( وإنك لعلى خلق عظيم ) ( 3 ) ، بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة على أعصابه ،
فيتصرف بمثل تلك التصرفات التي ألصقوها ظلما به ( ص ) : لأن الشخص العادي الذي لا
تتوفر فيه مؤهلات النبوة ، يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بدون سبب ، فكيف بسيد
الخلق وأعظمهم ؟ ! ! ! .
القصد من الإشاعة ؟ ! ! .
القصد من ممارساتهم تلك هو دعم الإشاعة الأولى ، والتشكيك بشخصية الرسول وبصحة
حكمه على الرجال ، والنيل من علي بن أبي طالب وأهل بيته ، وإبراز مظلومية أعداء الله ،
ورفع خامل ذكرهم ، إذ من الثابت أن رسول الله ( ص ) قد لعن أعداء الله ، وبالذات الكثير
من قادة هذا التحالف ، كما يروي البخاري والسيوطي والترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وابن
جرير ، والبيهقي ، ونصر بن مزاحم ، والحلبي ، راجع بعث أسامة في كل السير ، تجد أن
رسول الله قد لعن الذين يتخلفون عن جيش أسامة .
ومن جملة الذين لعنهم رسول الله : هم أبو سفيان ، ومعاوية ، وأخوه يزيد ، والحكم بن
العاص ، و . . . إلخ : ممن تخلفوا عن جيش أسامة .
بموجب هذه الشائعة ، فإن الذين لعنهم رسول الله صاروا مطهرين أو زاكين ! ! ، وهكذا
فاقوا منزلة أهل البيت ( ع ) ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ! ! .
وإذا كانت لقول الرسول بعلي وأهل بيته قيمة ، فلماذا لا تكون لقوله هذا بقادة
التحالف قيمة ، وهذا يعزز الشائعة الأولى ، التي أطلقها قادة التحالف بضرورة عدم حمل
كلام الرسول ( ص ) على محمل الجد ، وبالتالي عدم جدوى كتابته .
ثالثا – وروى البخاري :
إن بعض اليهود سحروا رسول الله ، حتى ليخيل إليه أنه يفعل الشئ وما فعله ! ! .
وهذا قمة التشكيك في كل ما يصدر عن رسول الله ( ص ) ، وما يعني التحالف بالدرجة
الأولى ، ما صدر ويصدر عنه ( ص ) بالأمور المتعلقة برئاسة الدولة ، وبالمكانة الخاصة
التي تصوروا أن رسول الله قد خص بها أهل بيته الكرام ( ع ) .
رابعا – لقد طلب عمر بن الخطاب من الناس أن يأتوه بما عندهم من أحاديث الرسول
المكتوبة ، وظن الناس أنه يريد أن يجمعها ويأمر بكتابتها من جديد فأتوه بها ، فلما
وضعت بين يديه أمر بحرقها ، وحرقت فعلا ( 1 ) ! ! .
ولم يكتف بذلك ، إنما نهى الناس عن الحديث ، وفرض على المحدثين الإقامة الجبرية ، وحبس
بعضهم بجرم التحديث عن رسول الله ! ! ( 2 ) . وما ذلك إلا لأن عمر مقتنع أن القرآن الكريم
وحده يكفي ، ولا حاجة لما قاله الرسول ( ص ) أو ما سيقوله ، حتى وإن كان الرسول
موجودا ! ! ( 3 ) .
وجاء عثمان فسار على سيرة صاحبيه ، حيث استهل عهده بإصدار أمر ، مفاده أنه ( لا يحل
لمسلم أن يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر وعمر ) ( 1 ) .
وكان معاوية بن أبي سفيان أكثر وضوحا من الذين سبقوه ، حيث أصدر مرسوما وجه منه نسخة
إلى كل عماله أن : برئت الذمة ممن يروي شيئا بفضل أبي تراب وأهل بيته ! ! .
فغاية الجميع واحدة وهي منع رواية وكتابة أحاديث الرسول كلها ، حتى لا يروي الناس
شيئا من فضل علي وأهل بيت النبوة ( ع ) ، وقدر معاوية أنه لم يعد هنالك ما برر هذه
التورية فدخل بالموضوع مباشرة ، وحصر المنع بما يعطي حقا أو فضائل لعلي وأهل بيت
النبوة ( ع ) .
التطبيق العملي للشائعة .
لقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقسم المال بين الناس بالسوية ، لافضل في
ذلك لمهاجري على أنصاري ، ولا لعربي على عجمي ، ولا لصريح على موال : لأن حاجات أبناء
البشر الأساسية متشابهة ، وتلك أمور تدرك بالعقل وبالفطرة السليمة ، فجميع أبناء
البشر يأكلون ويشربون وينامون ويتزاوجون . ثم أن الرسول لا ينطق عن الهوى ، فهو يتبع
ما يوحى إليه من ربه ، فأمر بهذه الخطورة يتلقى فيه التوجيه الإلهي ، وطوال عهده
الشريف وهو يقسم بين المسلمين بالسوية : لا يفضل أحدا على أحد ، حتى أصبح عمل
الرسول هذا سنة فعلية ، وجزءا من المنظومة الإلهية ، على اعتبار أنها تشريع من أهم
التشريعات المالية في الإسلام .
ولما تسلم عمر مقاليد الخلافة رأى أن سنة الرسول هذه ليست مناسبة : فلا يعقل أن
تكون قريش كالأنصار ! ! ولا يعقل أن يكون العرب كالعجم ، وأن يكون الصريح كالمولى ! ! ،
ومن هنا فقد فضل المهاجرين كلهم على الأنصار كلها ، وفضل العرب على العجم ، وفضل
الصريح على المولى ، وأعطى زوجات الرسول عطاء خاصا يفوق التصور والتصديق ، وزائدا عن
حاجة كل واحدة منهن ! ! ! حتى أنه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول نفسه ! ! فميز
بينهن ، وأعطى بعضهن أكثر من بعض .
وتصور عمر أن أسلوبه بتوزيع العطاء هو أفضل من أسلوب النبي ( ص ) ، ومع الأيام اكتشف
عمر أنه قد غرس في المجتمع المسلم بذور الطبقية ، وأنه قد أوجد بعمله هذا الغنى
الفاحش والفقر المدقع جنبا إلى جنب ! ! فطلحة والزبير وعثمان وابن عوف يملكون
الملايين ! ! وعمار وبلال وعامة الناس يموتون جوعا ! ! ! .
وبعد تسع سنين من تطبيق سنته الشخصية ، اكتشف عمر أن رسول الله أهدى منه ، وأن
سنة رسول الله خير من سنته بعد أن شاهد بعضا الآثار المدمرة لسنته الشخصية
، التي وضعها بالقوة محل سنة الرسول ( ص ) . وأعلن عزمه على الرجوع إلى سنة رسول الله ! !
فقال : وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس ، فلم أفضل أحمر على أسود ، ولا عربيا على
عجمي ، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر ( 1 ) ! ! .
بمعنى أن عمر عندما ألغى التسوية بالعطاء ، كان يعلم أنها سنة رسول الله ( ص ) ، وأن
صاحبه أبا بكر قد اتبعها ، ومع هذا ألغى التسوية بالعطاء مع سبق العلم والإصرار ، ثم
عاد بعد تسع سنين ليفكر بإعادة السنة التي عطل أحكامها طول تلك المدة ! ! ! ( 2 ) .
فجعل خمس الخمس لذوي القربى ، وهم بنو هاشم الذكر منهم والأنثى ، وبنو عبد المطلب ( 3 ) .
بالإضافة إلى يتيم الهاشميين ومسكينهم وابن سبيلهم ، والحكمة من هذا التشريع كانت في
إبراز التمييز لذوي القربى ، وسد حاجاتهم بإيجاد سبيل لحياة كريمة لهم ، ولأن الصدقة
محرمة عليهم ( 4 ) .
وبالرغم من وضوح الآية ، ومن تواتر بيان النبي لها : إلا أن عمر بن الخطاب أبى أن
يعطي بني هاشم كل سهمهم ( 5 ) ، بحجة أن قريشا كلها ذات قربى ( 6 ) .
قال ابن عباس : سهم ذوي القربى لقربى رسول الله ، قسمه لهم رسول الله ، وقد كان عمر
عرض علينا من ذلك عرضا فرأيناه دون حقنا فرددناه عليه ، وأبينا أن نقبله ( 7 ) .
وقد ندم عمر على ما كان منه ، إذ قال : ليت أم عمر لم تلده ( 8 ) .
ومن المؤكد أن عمر على الأقل اعترف بأنه قد أخطأ عندما رفع حكم الله سبحانه ، وألغى
سنة رسوله ( ص ) التي ساوت بين الناس في العطاء ، ووضع بدلا منهما سنته الشخصية التي
فضلت بالعطاء ، وعبر عن هذا الندم بقوله : إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس ،
وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر .
على الرغم من ندم الخليفة عمر على تعطيله لحكم الله ، وعلى إلغائه لسنة رسول الله ،
وإعلانه صراحة لهذا الندم ، واعترافه بخطأ ما فعل أو اجتهد برأيه : فإنهم بعد مماته
أخذوا يزدادون بحب الرجل ، ويلتمسون له أعذارا عجيبة لا يقرها العقل ! ! .
يقول القوشجي في معرض اعتذاره عن رفع سنة الله التي تأمر بالمساواة بين الناس في
العطاء ، وإعطاء خمس الخمس لبني هاشم وبني عبد المطلب ، وإحلال سنة عمر التي تقضي
بالمفاضلة بدلا من المساواة بين الناس ، ومنع الهاشميين حقهم ، يقول : .
وأجيب عن هذه الوجوه بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه ، فإنه من قبيل مخالفة المجتهد
لغيره في المسائل الاجتهادية ( 1 ) ! ! .له ( ص ) ، حتى ولو كان شخصيا هو الذي سمعها ، وموقفه بالحجرة المباركة ومواجهته
للرسول وجها لوجه ، وإن قوله للرسول : حسبنا كتاب الله يؤكد هذه الحساسية .
وإن لم يكن أبو حفص مع قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول ، فمن
هي قريش إذا ؟ ، صحيح أنه لم يكن واحدا من سادة قريش قبل الإسلام ، وأنه كان شخصا