الرئيسية / شخصيات أسلامية / رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ \ الهاشميون في الجاهلية والإسلام

رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ \ الهاشميون في الجاهلية والإسلام

قال ابن عمر : آخر ما تكلم به رسول الله قوله أخلفوني في أهل بيتي ( 6 ) .
قال أبو هريرة : قال رسول الله ( ص ) : خيركم خيركم لأهلي من بعدي ( 7 ) .
وقال رسول الله : إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي ( 8 ) .
وقال أيضا : استوصوا بأهل بيتي خيرا ، فإني أخاصمكم عنهم غدا ، ومن أكن خصمه
أخصمه ، ومن أخصمه دخل النار ( 9 ) .
وقال أيضا : من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا ( 1 ) .
وقال : من صنع لأهل بيتي يدا ، كافأته عليها يوم القيامة ( 2 ) .
وقال : من صنع لأهل بيتي معروفا فعجز عن مكافأته في الدنيا ، فأنا المكافئ له يوم
القيامة ( 3 ) .
– رواة حديث الثقلين – .
روى حديث الثقلين جمع كبير من الصحابة ، يقدرون ب‍ 35 صحابيا وصحابية ، منهم علي
بن أبي طالب ( ع ) وفاطمة الزهراء ( س ) والحسن بن علي بن أبي طالب ( ع ) وسلمان الفارسي ،
وأبو ذر الغفاري ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ،
وأبو الهيثم بن التيهان ، وحذيفة بن اليمان ، وحذيفة بن أسيد القفاري ، وخزيمة بن
ثابت ذو الشهادتين ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن حنطب ،
وجبير بن مطعم ، والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك ، وطلحة بن عبد الله التيمي ،
وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعمرو بن العاص ، وسهل بن سعد الأنصاري ، وعدي
بن حاتم ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو شريح الخزاعي ، وعقبة بن عامر ، وأبو قدامة
الأنصاري ، وأبو ليلى الأنصاري ، وحمزة الأسلمي ، وعامر بن أبي ليلى بن حمزة ، وأم سلمة
زوج الرسول ، وأم هاني أخت الإمام علي ( ع ) ، وابنة عم الرسول ( 4 ) .
قال الرسول الأعظم ( ص ) : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ،
كتاب الله وعترتي أهل بيتي ( 5 ) .
وقوله ( ص ) أيضا : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، أحدهما أكبر
من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا
حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ( 1 )
كذلك قوله عليه الصلاة والسلام : إني تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله حبل ممدود ما
بين السماء والأرض ، ( أو ما بين السماء إلى الأرض ) ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض ( 2 ) .
وقوله ( ص ) أيضا : إني أوشك أن أدعى فأجيب ، ألا إني تارك فيكم الثقلين : كتاب
الله وأهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ( 3 ) .
وقوله – صلى الله عليه وآله وسلم – إني أوشك أن أدعى فأجيب ، ألا إني تارك فيكم
الثقلين ، كتاب الله عز وجل وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود . . . ( 1 ) .
قوله صلى الله عليه وآله وسلم : كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين ،
أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي ( 2 ) .
قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ ، قال الصحابة :
بلى يا رسول الله ، قال رسول الله : فإني سائلكم عن اثنين ، القرآن وعترتي ( 3 ) .
قوله عليه وآله الصلاة والسلام : يا أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا ، فينطلق
بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، مخلف فيكم كتاب الله ربي عز وجل وعترتي
أهل بيتي ، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا
يفترقان حتى يردا على الحوض ( 4 ) .
عن زيد ابن أرقم قال : قام فينا رسول الله بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد
الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد : أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك
أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى
والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستكملوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم
قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في
أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ( 1 ) .
عن زيد بن أرقم : قال رسول الله : ألا وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل
وأهل بيتي . . . إلى أن قال الراوي عن زيد ، فقلنا : من أهل بيته ، نساؤه ؟ قال زيد :
لا ، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها ، فترجع إلى بيت
أبيها ( 2 ) .
وقال حذيفة بن أسيد الغفاري : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير
خم : إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى منهم من أنفسهم ، فمن كنت
مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه . . . ، ثم قال : إني
سائلكم عن الثقلين ( 3 ) .
وقال زيد بن أرقم : إن رسول الله قد قال : . . . وإني قد تركت فيكم الثقلين . . . ، ثم
قال : إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب
فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ( ) .
وقال البراء بن عازب : إن رسول الله ( ص ) قد صلى الظهر في غدير خم ، وأخذ بيد علي
فقال للمسلمين : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى ، قال :
ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا بلى ، فقال الرسول : من كنت مولاه
فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ( 5 ) .
قال سعد بن أبي وقاص : إن رسول الله قد قال : أيها الناس إني وليكم ؟ ، قالوا نعم ،
ثم رفع يد علي بن أبي طالب فقال : هذا وليي ويؤدي عني ديني ، وأنا موال من
والاه ومعاد من عاداه ( 1 ) .
وقال سعد بن أبي وقاص أيضا : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما بلغ
غدير خم . . . ، ثم قال : أيها الناس من وليكم ؟ قالوا الله ورسوله ، ثم أخذ بيد
علي فأقامه ، ثم قال : من كان الله ورسوله وليه ، فهذا وليه : اللهم وال من والاه ،
وعاد ما عاده ( 2 ) .
شائعات ضد النبي الأكرم ( ص ) .
لقد أدرك قادة التحالف خطورة البيان النبوي ، وهو لا يتوقف عن القول بأنه يتبع ما
يوحى إليه ، وأنه لا ينطق عن الهوى . فإذا استطاعت أن تشكك بقول الرسول ( ص )
وبشخصيته ، فإنها ستبطل مفعول البيان النبوي المنحصر في حديثه ( ص ) : إلا أن قادة
التحالف وأفراده هم أقل وأذل من أن يواجهوا رسول الله بذلك .
ومن هنا لم يبق أمامهم إلا مواجهة النبي بحرب الشائعات ، وذلك بإطلاق سلسلة من
الشائعات تتظافر للتشكيك في قوله ( ص ) وشخصيته ، واستحالة أن تكون كل أقوال الرسول من
عند الله . فإذا نجحت هذه الشائعات بزعزعة الثقة ببيان الرسول المتعلق بالأمور
السياسية : يكون أجله قد دنا ، ولا تمهله المنية لبناء ما هدمته قيادة التحالف ،
عندئذ يتم توزيع الأدوار بين كتائب التحالف ، وأثناء انشغال العترة الطاهرة بتجهيز
النبي ، ينصب خليفة من قريش ، حيث يجمع الخليفة بيده الجاه والمال وتأييد التحالف ،
ويواجهون عليا وأهل بيت النبوة وبني هاشم بأمر واقع ، وبعد ذلك تقوم السلطة الجديدة
بتحويل تلك الشائعات إلى قناعات ، ثم يتناقلها العامة بالوراثة ، وتصبح جزءا من
الدين ! ! ! تلك هي خطة التحالف لتحقيق هدفه ! ! ! .
وهذه الشائعات هي :
أو – لقد أشاعت قيادة التحالف بأن رسول الله ( ص ) بشر يتكلم في الغضب والرضى ، ولا
ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد ، وبالتالي لا ينبغي تنفيذ كل ما يقوله ( ص ) :
فضلا عن عبثية كتابة أقواله ( ص ) .
قال عبد الله بن عمرو بن العاص : كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه ،
فنهتني قريش ، وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ، ورسول الله بشر يتكلم في
الغضب والرضى ؟ فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله ، فأومأ بإصبعه إلى فمه
وقال : أكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقا ( 1 ) .
لما آلت الخلافة إلى أبي بكر كان أول مشروع فعله هو جمعه للأحاديث النبوية التي
كتبها هو شخصيا وقيامه بإحراقها ، كما روت السيدة عائشة ابنته وأم المؤمنين .
وكان مشروعه الثاني أن جمع الناس وقال لهم : إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث
تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم
فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله ( 2 ) .
فهذا الموقف المعلن من أبي بكر ، وقناعته بأن الحديث عن رسول الله يورث الخلاف ،
وقيامه بإحراق الأحاديث التي جمعها شخصيا ، كل ذلك يدل على حساسيته المفرطة من
أحاديث رسول الله ( ص ) ، وأنه أحد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول ، تحت
شعار أنه يتكلم في الغضب والرضى ، ثم من هي قريش إن لم يكن أبو بكر وهو أحد شيوخها
منها ؟ ! .
وعندما آلت الخلافة ، إلى عمر بن الخطاب بعد موت أبي بكر ، كان أول مشاريعه أن طلب من
الناس وناشدهم ليأتوه بأحاديث رسول الله التي كتبوها ، وظن الناس أن عمر يريد أن
يجمع أحاديث رسول الله فأتوه بها ، فلما أتوه بأحاديث رسول الله المكتوبة ، أمر
بحرقها جميعا ، وحرقت بالفعل ( 3 ) .
جاء في كنز العمال ، أنه ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق :
عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر ، وقال لهم : ما هذه الأحاديث
التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق ؟ قالوا : أتنهانا ؟ قال : لا ، أقيموا عندي ، لا
والله لا تفارقوني ما عشت ، فنحن أعلم ، نأخذ منكم ونرد عليكم ( 4 ) .
وروى الذهبي : أن عمر حبس ثلاثة بتهمة أنهم ( أكثروا الحديث عن رسول الله ) ( 5 ) .
ولقد نهى عمر جيوشه عن الرواية عن رسول الله ( 6 ) ، وهذه السياسة الصارمة نحو رواية
الأحاديث ، ونحو حرق المكتوب منها : تدل على حساسيته المفرطة تجاه أحاديث رسول
العاديا ، ولكنه نال الشرف بالإسلام ، ونال العلا بمصاهرته لرسول الله فأصبح من سادة
قريش ، فمن غير الممكن أن تنهى قريش في غياب عمر ! ! ! .
ولما آلت الخلافة إلى عثمان بعد موت عمر ، كانت أول مشاريعه أن أصدر مرسوما بعدم
جواز رواية أي حديث لم يسمع به في عهدي أبي بكر وعمر ( 1 ) .
تلك هي قريش التي نهت عبد الله بن عمرو بن العاص عن كتابة أحاديث رسول الله ، بحجة
أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى . وفي الحقيقة فإن الغاية المنشودة من النهي
كانت لغايات إبطال مفاعيل الأحاديث النبوية المتعلقة بمؤسسة الإمامة من بعد النبي
( ص ) ، وبالدور المميز لأهل بيت النبوة ( ع ) بعد وفاته ! ! .
معاوية يبين الغاية من الإشاعة .
كان معاوية بن أبي سفيان أحد قادة التحالف ، وقد أصدر مرسوما بعد عام الجماعة ، وأرسل
نسخا من هذا المرسوم إلى كل عماله ، حيث أمر فيه بالحرف ، أن : برئت الذمة ممن روى
شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ! !
فمعاوية قد أبرز بيت القصيد ، والغاية من منع كتابة أحاديث رسول الله ، حتى لا ينتشر
فضل أبي تراب وأهل بيته في الأمة ، وحتى لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعا بقيادة
هذه الأمة ! ! ( 2 ) .
ثانيا – روى البخاري : إن رسول الله كان يغضب ، فيلعن ، ويسب ، ويؤذي من لا يستحقها ،
ودعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا .
وهكذا صوروا رسول الله صاحب الخلق العظيم الذي وصفه الله تعالى بآية محكمة
( وإنك لعلى خلق عظيم ) ( 3 ) ، بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة على أعصابه ،
فيتصرف بمثل تلك التصرفات التي ألصقوها ظلما به ( ص ) : لأن الشخص العادي الذي لا
تتوفر فيه مؤهلات النبوة ، يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بدون سبب ، فكيف بسيد
الخلق وأعظمهم ؟ ! ! ! .
القصد من الإشاعة ؟ ! ! .
القصد من ممارساتهم تلك هو دعم الإشاعة الأولى ، والتشكيك بشخصية الرسول وبصحة
حكمه على الرجال ، والنيل من علي بن أبي طالب وأهل بيته ، وإبراز مظلومية أعداء الله ،
ورفع خامل ذكرهم ، إذ من الثابت أن رسول الله ( ص ) قد لعن أعداء الله ، وبالذات الكثير
من قادة هذا التحالف ، كما يروي البخاري والسيوطي والترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وابن
جرير ، والبيهقي ، ونصر بن مزاحم ، والحلبي ، راجع بعث أسامة في كل السير ، تجد أن
رسول الله قد لعن الذين يتخلفون عن جيش أسامة .
ومن جملة الذين لعنهم رسول الله : هم أبو سفيان ، ومعاوية ، وأخوه يزيد ، والحكم بن
العاص ، و . . . إلخ : ممن تخلفوا عن جيش أسامة .
بموجب هذه الشائعة ، فإن الذين لعنهم رسول الله صاروا مطهرين أو زاكين ! ! ، وهكذا
فاقوا منزلة أهل البيت ( ع ) ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ! ! .
وإذا كانت لقول الرسول بعلي وأهل بيته قيمة ، فلماذا لا تكون لقوله هذا بقادة
التحالف قيمة ، وهذا يعزز الشائعة الأولى ، التي أطلقها قادة التحالف بضرورة عدم حمل
كلام الرسول ( ص ) على محمل الجد ، وبالتالي عدم جدوى كتابته .
ثالثا – وروى البخاري :
إن بعض اليهود سحروا رسول الله ، حتى ليخيل إليه أنه يفعل الشئ وما فعله ! ! .
وهذا قمة التشكيك في كل ما يصدر عن رسول الله ( ص ) ، وما يعني التحالف بالدرجة
الأولى ، ما صدر ويصدر عنه ( ص ) بالأمور المتعلقة برئاسة الدولة ، وبالمكانة الخاصة
التي تصوروا أن رسول الله قد خص بها أهل بيته الكرام ( ع ) .
رابعا – لقد طلب عمر بن الخطاب من الناس أن يأتوه بما عندهم من أحاديث الرسول
المكتوبة ، وظن الناس أنه يريد أن يجمعها ويأمر بكتابتها من جديد فأتوه بها ، فلما
وضعت بين يديه أمر بحرقها ، وحرقت فعلا ( 1 ) ! ! .
ولم يكتف بذلك ، إنما نهى الناس عن الحديث ، وفرض على المحدثين الإقامة الجبرية ، وحبس
بعضهم بجرم التحديث عن رسول الله ! ! ( 2 ) . وما ذلك إلا لأن عمر مقتنع أن القرآن الكريم
وحده يكفي ، ولا حاجة لما قاله الرسول ( ص ) أو ما سيقوله ، حتى وإن كان الرسول
موجودا ! ! ( 3 ) .
وجاء عثمان فسار على سيرة صاحبيه ، حيث استهل عهده بإصدار أمر ، مفاده أنه ( لا يحل
لمسلم أن يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر وعمر ) ( 1 ) .
وكان معاوية بن أبي سفيان أكثر وضوحا من الذين سبقوه ، حيث أصدر مرسوما وجه منه نسخة
إلى كل عماله أن : برئت الذمة ممن يروي شيئا بفضل أبي تراب وأهل بيته ! ! .
فغاية الجميع واحدة وهي منع رواية وكتابة أحاديث الرسول كلها ، حتى لا يروي الناس
شيئا من فضل علي وأهل بيت النبوة ( ع ) ، وقدر معاوية أنه لم يعد هنالك ما برر هذه
التورية فدخل بالموضوع مباشرة ، وحصر المنع بما يعطي حقا أو فضائل لعلي وأهل بيت
النبوة ( ع ) .
التطبيق العملي للشائعة .
لقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقسم المال بين الناس بالسوية ، لافضل في
ذلك لمهاجري على أنصاري ، ولا لعربي على عجمي ، ولا لصريح على موال : لأن حاجات أبناء
البشر الأساسية متشابهة ، وتلك أمور تدرك بالعقل وبالفطرة السليمة ، فجميع أبناء
البشر يأكلون ويشربون وينامون ويتزاوجون . ثم أن الرسول لا ينطق عن الهوى ، فهو يتبع
ما يوحى إليه من ربه ، فأمر بهذه الخطورة يتلقى فيه التوجيه الإلهي ، وطوال عهده
الشريف وهو يقسم بين المسلمين بالسوية : لا يفضل أحدا على أحد ، حتى أصبح عمل
الرسول هذا سنة فعلية ، وجزءا من المنظومة الإلهية ، على اعتبار أنها تشريع من أهم
التشريعات المالية في الإسلام .
ولما تسلم عمر مقاليد الخلافة رأى أن سنة الرسول هذه ليست مناسبة : فلا يعقل أن
تكون قريش كالأنصار ! ! ولا يعقل أن يكون العرب كالعجم ، وأن يكون الصريح كالمولى ! ! ،
ومن هنا فقد فضل المهاجرين كلهم على الأنصار كلها ، وفضل العرب على العجم ، وفضل
الصريح على المولى ، وأعطى زوجات الرسول عطاء خاصا يفوق التصور والتصديق ، وزائدا عن
حاجة كل واحدة منهن ! ! ! حتى أنه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول نفسه ! ! فميز
بينهن ، وأعطى بعضهن أكثر من بعض .
وتصور عمر أن أسلوبه بتوزيع العطاء هو أفضل من أسلوب النبي ( ص ) ، ومع الأيام اكتشف
عمر أنه قد غرس في المجتمع المسلم بذور الطبقية ، وأنه قد أوجد بعمله هذا الغنى
الفاحش والفقر المدقع جنبا إلى جنب ! ! فطلحة والزبير وعثمان وابن عوف يملكون
الملايين ! ! وعمار وبلال وعامة الناس يموتون جوعا ! ! ! .
وبعد تسع سنين من تطبيق سنته الشخصية ، اكتشف عمر أن رسول الله أهدى منه ، وأن
سنة رسول الله خير من سنته بعد أن شاهد بعضا الآثار المدمرة لسنته الشخصية
، التي وضعها بالقوة محل سنة الرسول ( ص ) . وأعلن عزمه على الرجوع إلى سنة رسول الله ! !
فقال : وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس ، فلم أفضل أحمر على أسود ، ولا عربيا على
عجمي ، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر ( 1 ) ! ! .
بمعنى أن عمر عندما ألغى التسوية بالعطاء ، كان يعلم أنها سنة رسول الله ( ص ) ، وأن
صاحبه أبا بكر قد اتبعها ، ومع هذا ألغى التسوية بالعطاء مع سبق العلم والإصرار ، ثم
عاد بعد تسع سنين ليفكر بإعادة السنة التي عطل أحكامها طول تلك المدة ! ! ! ( 2 ) .
فجعل خمس الخمس لذوي القربى ، وهم بنو هاشم الذكر منهم والأنثى ، وبنو عبد المطلب ( 3 ) .
بالإضافة إلى يتيم الهاشميين ومسكينهم وابن سبيلهم ، والحكمة من هذا التشريع كانت في
إبراز التمييز لذوي القربى ، وسد حاجاتهم بإيجاد سبيل لحياة كريمة لهم ، ولأن الصدقة
محرمة عليهم ( 4 ) .
وبالرغم من وضوح الآية ، ومن تواتر بيان النبي لها : إلا أن عمر بن الخطاب أبى أن
يعطي بني هاشم كل سهمهم ( 5 ) ، بحجة أن قريشا كلها ذات قربى ( 6 ) .
قال ابن عباس : سهم ذوي القربى لقربى رسول الله ، قسمه لهم رسول الله ، وقد كان عمر
عرض علينا من ذلك عرضا فرأيناه دون حقنا فرددناه عليه ، وأبينا أن نقبله ( 7 ) .
وقد ندم عمر على ما كان منه ، إذ قال : ليت أم عمر لم تلده ( 8 ) .
ومن المؤكد أن عمر على الأقل اعترف بأنه قد أخطأ عندما رفع حكم الله سبحانه ، وألغى
سنة رسوله ( ص ) التي ساوت بين الناس في العطاء ، ووضع بدلا منهما سنته الشخصية التي
فضلت بالعطاء ، وعبر عن هذا الندم بقوله : إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس ،
وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر .
على الرغم من ندم الخليفة عمر على تعطيله لحكم الله ، وعلى إلغائه لسنة رسول الله ،
وإعلانه صراحة لهذا الندم ، واعترافه بخطأ ما فعل أو اجتهد برأيه : فإنهم بعد مماته
أخذوا يزدادون بحب الرجل ، ويلتمسون له أعذارا عجيبة لا يقرها العقل ! ! .
يقول القوشجي في معرض اعتذاره عن رفع سنة الله التي تأمر بالمساواة بين الناس في
العطاء ، وإعطاء خمس الخمس لبني هاشم وبني عبد المطلب ، وإحلال سنة عمر التي تقضي
بالمفاضلة بدلا من المساواة بين الناس ، ومنع الهاشميين حقهم ، يقول : .
وأجيب عن هذه الوجوه بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه ، فإنه من قبيل مخالفة المجتهد
لغيره في المسائل الاجتهادية ( 1 ) ! ! .له ( ص ) ، حتى ولو كان شخصيا هو الذي سمعها ، وموقفه بالحجرة المباركة ومواجهته
للرسول وجها لوجه ، وإن قوله للرسول : حسبنا كتاب الله يؤكد هذه الحساسية .
وإن لم يكن أبو حفص مع قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول ، فمن
هي قريش إذا ؟ ، صحيح أنه لم يكن واحدا من سادة قريش قبل الإسلام ، وأنه كان شخصا

 

شاهد أيضاً

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام

فصل (أثر حب علي وأثر بغضه) وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن الله نصب ...