الرئيسية / شخصيات اسلامية / شهيد الولاء حجر بن عدي الكندي

شهيد الولاء حجر بن عدي الكندي

ولكن ذكرنا بعض الأحاديث التي نقلها حجر عن الرسول ( ص ) .
ولعل الخلاف حول صحابة حجر ناشئ من الخلاف حول تعريف ( الصحابي ) . وقد ذكرت عدة
تعريفات للصحابي ، ذكرها الشيخ المامقاني في مقباس الهداية ، وأبي الصلاح في مقدمته
، وغيرهما من كتب الدراية والحديث .
ففي الدرجات الرفيعة « في تعريف الصحابة وهو على اظهر القول من لقي النبي ( ص )
مؤمنا به ومات على الاسلام ولو تخللت رده . والمراد من اللقاء ما هو أعم من
المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر وان لم يكالمه . . » .
وقال أيضا : « قيل : ان الصحابي هو من طالت مجالسته له ( ص ) على طريق السمع
والأخذ عنه ، فلا يدخل من وفد عليه وانصرف بدون مكث . وهو قول أصحاب الأصول . وحكي
عن سعيد بن المسيب أنه قال : لا يعد
صحابيا إلا من أقام معه ( ص ) سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين ( 37 ) .
وذكرت تعريفات أخرى للصحابي ، تلاحظ في الكتابين المذكورين .
ولعل من اعتبر حجرا تابعيا ، نظر لتعريف الصحابي بأنه من طالت مجالسته مع الرسول ( ص
) وروى عنه كثيرا ، ولا يكفي الوفود عليه ( ص ) ، وقد كان حجر من صغار الصحابة ، ومن
اعتبره صحابيا نظر إلى تعريفه بأنه من لقي الرسول ( ص ) وهو مسلم ومات على اسلامه
، وبذلك نجمع بين أقوال العلماء حول صحابية حجر ، ونرفع التعارض والتنافي بينها .
ولا بد ان نشير إلى ظاهرة اعترف بها المؤرخون ، وهو تفوق حجر بالرغم من صغر سنه على
بعض الصحابة الكبار ، فكيف فضل عليهم ، مع أنه لا زال في دور التغيير والتحول من
مرحلة الجاهلية إلى مرحلة الاسلام ، وكيف لم يتأثر برواسب الجاهلية ومخالفاتها ،
وكيف تحول إلى ذلك المؤمن المفضل وهو في دور الانقلاب ؟ هذه أسئلة تجيب عنها
المميزات التي كانت تتمتع بها شخصية حجر ، التي انكشفت أكثر في مستقبله ، من الوعي
والثبات على العقيدة ، وبفضل مؤهلاته الوراثية والتربوية ، وهذه المؤهلات قد زودته
بقوة في الايمان والعقيدة .
وأما عدم تزعزع ايمانه الجديد بترسبات الجاهلية ، فيعلله السبيتي : « بان اسلامه
كان متأخرا لان حجرا تقدم إلى الاسلام ولم تكن قد اختمرت في نفسه المبادئ
الجاهلية . تقدم وهو فارغ من النوازع الوثنية الجاهلية وعوامل الوراثة » ( 38 ) .
إذن . فإنما فضل على بعض الصحابة الكبار الذين عاشوا الجاهلية مدة أطول ، لأنه
كان صغير السن حينما عاصر الجاهلية ودخل الاسلام ، لذلك لم تؤثر فيه ظروف
الجاهلية ورواسبها كثيرا ، بالإضافة إلى ما ذكرناه من مؤهلاته الوراثية
والتربوية وخصاله النفسية ، من الفتوة ، والثبات والوعي ، ظهرت آثارها في مستقبل
أيامه ، ونضيف لذلك انه اتجه في عقيدته منذ بدايات اسلامه لموالاة الإمام علي وأهل
البيت : ، حيث رأى أن ولاءهم وخطهم يمثل طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ،
وآمن به عن عمق ووعي ، متجردا عن كل المطامع الدنيوية ، وقد أثبتت التجارب ان من
آمن بالأئمة وبخطهم عن عمق ووعي ، لا لأغراض شخصية أو أطماع دنيوية أو عوامل
تقليدية ، لم يتزعزع ايمانه تجاه كل التحديات والعقبات .
ومما يدل على هذه الخصال الحميدة فيه ، تقواه والتزامه الشديد بالأحكام والتعاليم
الشرعية ، فإنه كان مواضبا على ممارسة الواجبات والمستحبات والأمر بالمعروف و النهي
عن المنكر حتى في أشد الظروف ،
وهذه الحالة الشرعية ، إضافة لخصاله التي ذكرناها ، قد أوجدت فيه ملكة
الزهد بهذه الدنيا ، والشجاعة ، وعدم التخوف من مخاطر الجهاد في سبيل
عقيدته . فان هذا الالتزام وتلك المواظبة كما أنهما ناشئان من
ايمان الانسان وتقواه وإرادته المؤمنة ، فإنهما بدورهما يزيدان من قوة تقواه
وإرادته المؤمنة ، لما ذكره علماء الأخلاق من أن حقيقة الانسان تتمثل بروحه ، وروحه
تتمثل بملكاته النفسية ، وملكاته يصنعها التعود على ممارسة الافعال الملائمة في
طبيعتها لتلك الملكات .
وحجر كان قد تعود على الأخلاق الفاضلة ، وممارسة الوظائف الشرعية ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر والجهر بالحق بشجاعة مهما كانت الظروف . وبذلك تطبعت روحه
بما يتلاءم وهذه الممارسات ، وكل ذلك ناتج من عمق معرفته وايمانه باللّه
ورسوله ( ص ) وشريعته ، وولائه لأهل البيت عليهم السّلام ، وعدم إنشداده لادران الدنيا وأغلالها
وأهوائها المنحرفة ، ولما بذله من مجاهدة في سبيل هذا الالتزام والوصول لهذه
الملكات ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) ، فلم يصل لما وصل إليه بدون مجاهدة
ومعاناة .
إذن فالمؤمن الملتزم في جميع لحظات حياته بتعاليم الشريعة الاسلامية ، يزرع فيه
هذا الالتزام قوة الإرادة والعزيمة ، فإنه يشعر بأنه قد انجز بحسب امكانه ما عليه
من تكاليف ، وسيلاقي اللّه بنفس مطمئنة ، وهو عنه راض ، وانما يخاف لقاء اللّه أولئك
الغارقون بالجرائم والذنوب ، لذلك يواصل مثل
هذا المؤمن جهاده بكل بسالة وشجاعة ، بالرغم من كل وسائل الاغراء
والترهيب ، كما هو الملاحظ في حياة حجر .
ويتجلى التزام حجر في الكثير من الشواهد التي نقلها التاريخ . وسنذكرها خلال
هذه الدراسة ، إضافة إلى ما ذكره المؤرخون عنه بأنه « راهب أصحاب محمد ( ص » ) بكل
ما تحمله كلمة الراهب من مداليل ، وانه « كان من عباد اللّه وزهادهم ، وكان بارا
بأمه ، وكان كثير الصلاة والصيام ، وما أحدث إلا توضأ وما توضأ إلا صلى » ،
وانه « من المخبتين » أي الخاشعين كما عن الإمام الحسين ( ع ) ، ولم يفارقه هذا
الالتزام حتى في حالة استشهاده .
ولأجل التزامه هذا أفاض اللّه تعالى عليه مدده الغيبي ، وارتقى إلى درجة عالية
، كما قال عنه المؤرخون : « وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء » . وينقل صاحب الإصابة
شاهداً لكراماته « إن حجرا أصابته جنابة – في مرج عذراء – فقال للموكل به : أعطني
شرابي أتطهر به ولا تعطني غدا شيئا . فقال له : أخاف ان تموت عطشا فيقتلني معاوية ،
فدعا اللّه فانسكبت له سحابة ماء فأخذ منها الذي احتاج إليه ، فقال له أصحابه : ادع
اللّه يخلصنا ، فقال : اللهم خر لنا ، فقتل وطائفة منهم » .

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...