الرئيسية / شخصيات أسلامية / شهيد الولاء حجر بن عدي الكندي

شهيد الولاء حجر بن عدي الكندي

وفي الكامل أنه « كان من الذين جمعوا الناس لقتال الخوارج في النهروان » ( 111 ) .
مواقفه القتالية الأخرى : وبعد صفين كان معاوية يبعث الغارات على المدن التي كانت
تحت سيطرة الإمام ( ع ) ، وترتكب أبشع الجرائم فيها .
ويذكر الكامل : « وجه معاوية الضحاك بن قيس ، وأمره ان يمر بأسفل واقصة ويغير على
كل من مر به ممن هو في طاعة علي من الاعراب ، وارسل
ثلاثة آلاف رجل معه ، فسار الناس ، وأخذ الأموال ، ومضى إلى الثعلبية ،
وقتل وأغار على مسلحة علي ، وانتهى إلى القطقطانة ، فلما بلغ ذلك عليا
أرسل إليه حجر بن عدي في أربعة آلاف ، وأعطاهم خمسين درهما ، خمسين
درهما ، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر ، وقتل من
أصحابه رجلان ، وحجز بينهما الليل ، فهرب الضحاك وأصحابه ، ورجع حجر ومن معه » ( 112 ) .
وفي أواخر حياة الإمام ( ع ) ، كانت غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار من قبل
معاوية ، وقد تقاعس الناس وتكاسلوا عن الاستجابة للإمام ( ع ) ، والتهيؤ لمحاربة
معاوية ، ولكن كانت هناك جماعة من الابطال استعدوا للتضحية والقتال ، « فقام حجر بن
عدي الكندي وسعيد بن قيس الهمداني فقالا : لايسوؤك اللّه يا أمير المؤمنين ، مرنا
بأمرك نتبعه ، فواللّه ما نعظم جزعا على أموالنا ان نفدت ، ولا على عشائرنا ان قتلت
في طاعتك ، فقال : تجهزوا للمسير إلى عدونا » ( 113 ) .
وأخيرا نذكر ما قاله الشيخ المامقاني حول مواقف حجر البطولية مع الإمام ( ع ) :
« وما يشهد بعدالته تأمير أمير المؤمنين ( ع ) إياه تارة في صفين على كندة وحضرموت
وقضاعة ، وأخرى بعد صفين عقد له على أربعة
آلاف وسرحه لرد غارة الضحاك بن قيس الفهري . . . فإنه لا يعقل
تأميره ( ع ) غير العادل والثقة المأمون » ( 114 ) .
دوره حين شهادة الإمام ( ع ) : وأخيرا . . كان موقفه حين قتل الإمام ( ع ) بيد المجرم
ابن ملجم بتحريض من الأشعث ، حيث يذكر التاريخ أنه عرف القاتل والذين حرضوه ، بعد ان
سمع الواعية من المسجد ، فقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه : ( مقتل أمير المؤمنين ( ع
» : « حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عبد اللّه ، قال : حدثني عبد اللّه بن يونس بن
بكير ، قال : حدثني أبي عن عبد الغفار بن القاسم الأنصاري ، قال : سمعت غير واحد يذكر
ان ابن ملجم بات عند الأشعث بن قيس ، فلما أسحر جعل يقول له ، أصبحت ، وكان حجر
مؤذنهم ، فخرج حجر وأذّن ، فلم يكن أسرع من أن سمع الواعية ، فجعل حجر ينادي فوق
المنارة : قتله الأعور – وكان الرجل أعور – وكان علي يسميه عرف النار » .
وفيه « حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عبد اللّه ، قال : حدثني أبي عن هشام بن محمد ،
قال : حدثني عوانة بن الحكم ان حجر بن عدي لما انصرف الناس من صلاة الغداة من
مسجد الأشعث ، وكان حجر بن عدي إمامهم ، فلما سلم قال الناس : ضرب أمير المؤمنين
الليلة ، فنظر حجر إلى الأشعث فقال : ألم أر
ابن ملجم معك وأنت تناجيه تقول له : فضحك الصبح ؟ واللّه لو أعلم ذلك
حقا لضربت أكثرك شعرا ، فقال : إنك شيخ قد خرفت » ( 115 ) .
ويظهر من هذا الخبر ان حجرا كان إمام مسجد ، وكان شيخا حين قتل الإمام ( ع ) .
وقد ذكر المفيد في الارشاد ، وأبو الفرج الإصفهاني في مقاتل الطالبيين ، وابن أبي
الحديد في شرح النهج ، ان حجرا كان قد أحس بعزم ابن ملجم على قتل الإمام ( ع )
بتحريض من الأشعث ، فأسرع ليخبر الإمام ( ع ) بهذه المؤامرة لاغتياله ، ولكن سبقه
المجرم القاتل ، ولم يتمكن حجر من اعلام الإمام ( ع ) بذلك .
قال أبو الفرج : « وقد كان ابن ملجم أتى الأشعث بن قيس في هذه الليلة ، فخلا به في
بعض نواحي المسجد ، ومر بهما حجر بن عدي فسمع الأشعث وهو يقول لابن ملجم :
النجاء النجاء بحاجتك ، فقد فضحك الصبح ، فقال له حجر : قتلته يا أعور ، وخرج مبادرا
إلى علي ، وقد سبقه ابن ملجم فضربه ، فاقبل حجر والناس يقولون : قتل أمير المؤمنين
» ( 116 ) .
ويذكر التاريخ ان الإمام ( ع ) لما ضربه ابن ملجم ، دخل الناس عليه فقال ( ع ) :
« أيها الناس اسألوني قبل ان تفقدوني ، وخففوا سؤالكم لمصيبة
إمامكم ، قال : فبكى الناس عند ذلك بكاء شديدا وأشفقوا ان يسألوه تخفيفا
عنه ، فقام غليه حجر بن عدي الطائي فقال أبياتا مطلعها :
فيا أسفي على المولى التقي * أبو الأطهار حيدرة الزكي
قتله كافر حنث زنيم * لعين فاسق نغل شقي
فيلعن ربنا من حاد عنكم * ويبرأ منكم لعنا وبي
لأنكم بيوم الحشر ذخري * وأنتم عترة الهادي النبي
فلما بصر به وسمع شعره ، قال له : كيف لي بك إذا دعيت إلى البراءة مني فما
عساك ان تقول ؟ فقال : واللّه يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف إرباً إرباً ،
وأُضرم لي النار وألقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك ، فقال : وفقت
لكل خير يا حجر ، جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيك » ( 117 ) .
مع الإمام الحسن ( ع ) :
وكان له دور أيضا في زمان خلافة الإمام الحسن ( ع ) . قال أبو الفرج
الإصفهاني : « فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان ، وسار قاصدا إلى
العراق ، وبلغ الحسن خبر سيره ، وأنه بلغ جسر منبج ، فتحرك لذلك وبعث حجر بن
عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير » ( 118 ) .
وبتعبير ابن أبي الحديد : « فوجه حجر بن عدي يأمر العمال بالاحتراس
ويذب الناس فسارعوا » ( 119 ) .
ولكن بقي موقف من حجر يثير التساؤل والاستغراب ، وهو موقفه من صلح الإمام الحسن ( ع
) .
فقد ذكر المدائني وغيره : « أنه لما كان من صلح الحسن ( ع ) لمعاوية ما كان دخل
عبيدة بن عمرو الكندي ، وهو من قوم حجر بن عدي ، على الحسن ( ع ) ، وكان على وجهه
ضربة أصابته وهو مع قيس بن سعد بن عبادة ، فقال الحسن ( ع ) : مالذي أرى بوجهك ؟
فقال : جرح أصابني مع قيس . فالتفت حجر إلى الحسن ( ع ) ، فقال : لوددت أنك مت قبل
هذا اليوم ومتنا معك ، ولم يكن ما كان راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبوا ،
فتغير وجه الحسن ( ع ) ، وغمز الحسين ( ع ) حجرا فسكت . فقال الحسن : يا حجر ، ليس كل
الناس يحب ما تحب ولا رأيه رأيك ، وما فعلت ما فعلت ألا ابقاء عليكم ، واللّه كل
يوم في شان » .
وعلق السيد الأمين على هذه الحادثة : « ولا شك ان هذا الكلام فيه سوءأدب من حجر مع الحسن ( ع ) ، ولكنه دعاه إليه شدة الحب وزيادة الغيظ مما كان » ( 120 ) .
وعلق التستري : « ولعله لفرط أسفه من تسلط معاوية لم يفهم ما قال » ( 121 ) .
وإذا صحت هذه القصة ولم نشكك في صحتها وسندها كما ناقش البعض في سند أمثال هذه
المواقف التي وقفها بعض أصحاب الإمام ( ع ) من قضية الصلح ( 122 ) . فلم يكن دافع
حجر إلى هذا الكلام ، وكما ذكره السيد الأمين ، إلا شدة الحب ، وزيادة الغيظ مما
كان ، وفي جواب الإمام ( ع ) ما يظهر منه مدحه لشجاعة حجر وولائه ، وكذلك كشف له
الإمام ( ع ) عن موقف الكثير من المحيطين به وأنهم لا يملكون شجاعة حجر وولاءه
، واطلعه بإيجاز على بعض الدوافع التي دفعته لهذا الموقف المسالم ، ومنها الحفاظ على
البقية الباقية من المؤمنين ، حتى لا تخلو الأرض من رسل الهداية والنور ، ليؤدي
بقاؤهم إلى الحفاظ على صوت الاسلام الأصيل الذي يحمل لواءه هذه البقية الباقية من
الابطال المؤمنين ، وحتى تحين الفرصة المناسبة لاتخاذ الموقف الحاسم من النظام
الغاشم ، ونحن نعلم أن من أسباب الصلح تخاذل المحيطين بالإمام ( ع ) .
وربما كان حجر يعلم بكل هذه الأسباب والظروف ، ولكنه كان متألّماً
لوقوع الإمام ( ع ) في مثل هذه الظروف الصعبة ، التي دفعته لهذا الصلح ، كما أن
الإمام ( ع ) بنفسه كان متألّماً لحصول مثل هذه الظروف والأسباب ، وتخاذل
أصحابه ، كما كان الإمام أمير المؤمنين ( ع ) قبله قد تألم من غدر البعض من
اتباعه ، ومن الظروف السيئة المحيطة به .
ولعل السبب في موقف حجر وأمثاله ، من أصحاب الإمام الحسن ( ع ) من الصلح ، أنه في
تلك الأجواء المحمومة لم تكن ظروف الصلح وعوامله واضحة عند البعض ، كما عرفت بعد
ذلك ، في الأجيال اللاحقة ، نتيجة للدراسات والبحوث التي قام بها الباحثون
والعلماء لظروف تلك المرحلة ، وعواملها .
بل ربما يصح القول بان معتقدات الإمامية وخاصة غير الرئيسية ، بالنسبة لجميع
الشيعة ، إلا القلة منهم ، لم تكن بمثل هذا الوضوح الذي نملكه اليوم ، بعد هذا
التاريخ الطويل من الجهود الكبيرة التي بذلها أئمتنا ( ع ) وعلماؤنا في مجال توضيح
هذه المعتقدات وترسيخها . ويلاحظ أمثال هذه المواقف والتساؤلات عند البعض من أصحاب
الأئمة : المؤمنين الذي لا يشك أحد في اخلاصهم وولائهم ، وقد درس بعض العلماء
والباحثين هذه الظاهرة حين دراستهم لظاهرة الغلو ، أو نسبة الغلو لبعض أصحاب الأئمة :
أو الشيعة ، وتعرضنا لها بايجاز في دراستنا للعبدي . وهذه الفكرة ، وهي مدى وضوح
المعتقدات وبلورتها وبقائها عبر التاريخ الطويل أو تغيرها ، تحتاج لدراسة علمية
موسعة في هذا المجال .
ولعل حجرا أراد التساؤل من الإمام الحسن ( ع ) عن أسباب هذا الموقف ، ليكشف بعض تلك
الأسباب له وللآخرين .
وربما كانت القصة منحولة أساسا ، لان حجرا لو كان يستهدف الاستنكار حقا ، لما كان
هذا يتلاءم واعتقاده الشديد بإمامة أهل البيت عليهم السّلام ، هذا الاعتقاد الذي حمله خلال
حياته ، قبل الإمام الحسن ( ع ) وبعده ، حتى استشهد في سبيله .
وعلى كل حال . ليس في موقف حجر هذا ما يسيء إلى شخصيته وعقيدته ، كما يظهر ذلك من
سيرة حياته قبل هذا الموقف وبعده ، ومن مدح الإمام الحسن ( ع ) له بعد ذلك ، ومدح
الإمام الحسين ( ع ) له أيضا ، ومدح سائر الشيعة المؤمنين .
قبل استعراض هذه الواقعة الدامية ، لابد من التمهيد بالبحث وبإيجاز عن أساليب
معاوية وممارساته خلال حكمه . هذه الأساليب والممارسات التي حفزت حجرا ، وأمثاله على
التحرك والمواجهة اللذين أديا بطبيعة الحال إلى القتل الذي هو النتيجة الحتمية في
زمن الارهاب لكل من تحدثه نفسه بتحدي سياسة معاوية .
أساليب معاوية وممارساته :
أدرك معاوية ، من خلال تجاربه منذ بعثة الاسلام ، حتى توفرت الظروف
لاستيلائه على زمام الخلافة الاسلامية ، ان الاسلام الأصيل

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...