الرئيسية / شخصيات أسلامية / شهيد الولاء حجر بن عدي الكندي

شهيد الولاء حجر بن عدي الكندي

كما أنهم أضافوا للشهود أسماء بعض الشخصيات آنذاك ، دون ان توافق على هذه
الشهادة ، أمثال شريح بن الحارث ، وشريح بن هانئ ، فأما شريح بن
الحارث فقال : سألني عنه – أي عن حجر – فقلت : أما إنه كان صواما قواما . وأما شريح بن هانئ ، فقال
: ما شهدت . ولقد بلغني ان قد كتبت شهادتي فأكذبته ولمته . وكتب كتابا إلى معاوية
وبعثه إليه بيد وائل بن حجر ، وفي الكتاب : أما بعد فإنه بلغني ان زيادا كتب
إليك بشهادتي على حجر بن عدي ، وإن شهادتي على حجر ، أنه ممن يقيم الصلاة ، ويؤتي
الزكاة ، ويديم الحج والعمرة ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، حرام الدم
والمال ، فان شئت فاقتله ، وإن شئت فدعه . فلما قرا معاوية الكتاب قال :
ما أرى هذا إلا قد اخرج نفسه من شهادتكم ( 159 ) .
وكتب أيضا شهادة السري بن وقاص الحارثي ، وهو غائب في عمله .
( فغضبت ربيعة على هؤلاء الشهود الذين شهدوا من ربيعة وقالوا لهم : شهدتم على
أوليائنا وحلفائنا ؟ ( 160 ) .
وقد طلبوا من بعض الافراد ان يشهدوا ، ولكنهم لم يستجيبوا له ، وهم أسماء بن خارجة
الفزاري ، والهيثم بن الأسود النخعي ، ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة بن المغيرة بن
شعبة فراغا .
ونحن لو تأملنا في الشهادة وظروفها ، وشهودها لرأينا :
1 – ان زيادا لم يقتل حجرا بنفسه ، لئلا يفقد رصيده في العراق . مركز
الشيعة ، ومركز زياد ، فان حدث رد فعل واستنكار بعد ذلك ، فسوف تتجه
النقمة إلى معاوية ، ليحتفظ هو بمركزه ، كما توجه
بالفعل استنكار الأمة إلى معاوية ، بل ربما يعطي لمعاوية أيضا سبيل الخلاص
من هذه النقمة والاستنكار ، حيث يمكن لمعاوية ان يلقي اللوم على الشهود ، ويجنب نفسه
رياح الثورة والاستنكار ، وبذلك يتجنب زياد نفسه ، ويتجنب معاوية أيضا الضجة التي
سيحدثها مصرع حجر .
2 – ان الشهادة اشتملت على العناصر التي كان ينشدها زياد ، لمواجهة الضجة التي
سيحدثها مقتل حجر أو تقليلها ، من حيث زيادة عدد الشهود ، وكونهم من الأسماء المعروفة
لبعض الاعتبارات ، ومن حيث بنود الشهادة ، حيث نص فيها على نقض حجر لبيعة معاوية
وتحريضه الناس على نقضها ، وكفره باللّه وخروجه عن الدين ، وهذه العناصر ربما أثرت
في إسكات الغضب الجماهيري الذي سينجم عن قتل حجر وجماعته .
وربما أثرت هذه العناصر على بعض الافراد غير الواعين ، ولكنها لم تؤثر على أصحاب
الوعي الذين عرفوا واقع الشهادة والشهود ، ولذلك استنكروا مقتل حجر ، ومن ثم تسرب
هذا الاستنكار إلى سائر الأمة . فكان مقتل حجر من جملة الحوافز التي دفعت بعض
الجماعات للإنتفاض بوجه الحكم الأموي .
وعلق الشيخ الأميني على هذه الشهادة ، وهؤلاء الشهود بقوله : ( هذه
شهادة زور لفقها ابن أبيه أو ابن أمه على أصناف من الناس ، منهم الصلحاء الأخيار الذين اكذبوا
ذلك العزو المختلق ، كشريح بن الحارث ، وشريح بن هانئ ، ومن حذا حذوهما ، وشهدوا
بخلاف ما كتب عنهما . ومنهم من كانوا غائبين عن ساعة الشهادة وساحتها ، لكن يد
الإفك أثبتتها عليهم كابن وقاص الحارثي ومن يشاكله . ومنهم رجرجة من الناس يستسهلون
شهادة الزور ، ويستسوغون من جرائها إراقة الدماء ، ليس لهم من الدين موضع قدم ولا
قدم ، كعمر بن سعد ، وشمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وزجر بن قيس ، فتناعقوا
بشهادة باطلة لأجلها وصفهم الدعي بأنهم خيار أهل المصر واشرافهم ، وذوو النهى
والدين .
وإن معاوية جد عليم بحقيقة الحال ، لكن شهوة الوقيعة في كل ترابي ( 161 ) حبذت
له قبول الشهادة المزورة والتنكيل بحجر وأصحابه الصلحاء الأخيار ، فصرم بهم أصول
الصلاح ، وقطع أواصرهم يوم أودى بهم ، ولم يكترث لمغبة ما ناء به من عمل
غير مبرور ، فإلى اللّه المشتكى ) ( 162 ) .
والحديث عن بعض الشهود وانحرافهم عن مبادئ الاسلام ، أمثال عمر بن سعد وشمر بن
ذي الجوشن وشبث بن ربعي وغيرهم طويل ، يعرفه كل من قرا تاريخ حياتهم ، وجرائمهم في
كربلاء معروفة ، ولكن نكتفي هنا بذكر
موقف واحد من مواقف أبي بردة ، وهو من رؤوس هذه الشهادة .
قال عنه ابن أبي الحديد : ( ومن المبغضين القالين – للإمام علي ( ع ) – أبو
بردة بن أبي موسى الأشعري ، ورث البغضة له لاعن كلالة ( 163 ) . وروى عبد الرحمن
بن جندب قال ، قال : أبو بردة لزياد : اشهد ان حجر بن عدي قد كفر باللّه كفرة أصلع .
قال عبد الرحمن : إنما عنى بذلك نسبة الكفر إلى علي بن أبي طالب ( ع ) ، لأنه كان
أصلع . قال : وقد روى عبد الرحمن المسعودي عن ابن عياش المنتوف ، قال : رأيت أبا
بردة قال لأبي العادية الجهني قاتل عمار بن ياسر : أأنت قتلت عمار بن ياسر ؟ قال :
نعم . قال : ناولني يدك ، فقبلها وقال : لا تمسك النار أبدا ) ( 164 ) .
وقد تنكر أبو بردة في موقفه هذا للكثير من الأحاديث التي وردت عن الرسول ( ص ) في
عمار منها : « ما لهم ولعمار عاداه اللّه ، ومن أبغض عمارا أبغضه اللّه »
( 165 ) .
ومما يجدر الإشارة إليه موقف أهل الكوفة من حجر وجماعته ، حيث لم يندفعوا
للدفاع عنه ، والوقوف بوجه زياد ، أو منعه عن السير بهم إلى معاوية ، بعد ان كانوا
ملتفين حول حجر ومؤيدين لحركته . وهناك عوامل
كثيرة أدت إلى حصول هذا الموقف ، ومنها أساليب الترهيب والاغراء التي
استخدمها زياد ومعاوية وغيرهما من الحكام والولاة ، التي صنعت مثل هذه
الحالة بين المسلمين ، بالرغم من احساسهم الداخلي
ببشاعة اعمال الحكام والولاة ، وانحرافها عن الاسلام ، ومواقفهم المجرمة بحق أهل
البيت : والموالين لهم . وليس هذا الموقف من أهل الكوفة أول موقف ولا آخره ،
فقد وقفوا أمثاله مع الإمام أمير المؤمنين ( ع ) والإمام الحسن ( ع ) قبل
حجر ، وكذلك مع الإمام الحسين ( ع ) في واقعة الطف الدامية ومع زيد في ثورته ، وغيرها ،
بالرغم من شعورهم بالاستنكار لمواقف السلطات الحاكمة . وكان مثل هذا الشعور بالندم
والاستنكار أحيانا يغلي في نفوسهم ، ويفجر بعض الانتفاضات بوجه السلطات المجرمة ،
أمثال حركة التوابين ولكن بعد فوات الأوان .
مرج عذراء : دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حجر الحضرمي ، وكثير بن
شهاب ، وأمرهما ان يسيرا بهم إلى الشام ، وبعث زياد إلى معاوية كتاباً أرسله مع الركب
ونص الكتاب : ( بسم اللّه الرحمن الرحيم لعبد اللّه معاوية أمير المؤمنين من
زياد بن أبي سفيان . أما بعد فان اللّه قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء ، فكاد له
عدوه وكفاه مؤنة من بغى عليه . ان طواغيت من
هذه الترابية السبائية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين وفارقوا
جماعة المسلمين ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا اللّه
عليهم وأمكننا منهم . وقد دعوت خيار أهل المصر واشرافهم وذوي السن والدين
منهم فشهدوا عليهم بما رأوا وعملوا . وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة
صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا ) ، فخرجوا عشية ، – ولعل السير بهم
ليلا ، وتحت ستار الظلام كان خوفا من إثارة أهل الكوفة لو ساروا بهم في وضح النهار
أمام عيون الناس – وقد حذر البعض زيادا ان هناك من يحاول اعتراض الركب . ففي الطبري
: « فاتاه – زياد – قيس بن الوليد فقال إنه قد بلغني ان هؤلاء إذا خرج بهم عرض لهم
، فبعث زياد إلى الكناسة فابتاع إبلا صعابا فشد عليها المحامل ، ثم حملهم عليهافي الرحبة أول النهار ، حتى إذا كان العشاء قال زياد : فليعرض ، فلم يتحرك من الناس
أحد » ، وسار معهم صاحب الشرطة ، حتى أخرجهم من الكوفة ، فلما انتهوا إلى جبانة
عرزم ، نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره ، وهي في جبانة عرزم ، فإذا بناته
مشرفات ، فقال لوائل وكثير : أئذنا لي فأوصي أهلي ، فأذنا له ، فلما دنا منهن وهن
يبكين ، سكت عنهن ساعة ، ثم قال : اسكتن ، فسكتن ، فقال : اتقين اللّه عز وجل ،
واصبرن ، فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين ، إما الشهادة وهي السعادة ،
وإما الانصراف إليكن في عافية ، وإن الذي رزقكن ويكفيني مؤونتكن هو اللّه تعالى ،
وهو حي لا يموت ، أرجو أن
لا يضيعكن ، وإن يحفظني فيكن ، ثم انصرف فمر بقومه ، فجعل القوم يدعون اللّه له بالعافية .
فساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق ، وهم اثنا عشر رجلا ، حجر بن عدي ،
الأرقم بن عبد اللّه ، شريك بن شداد ، صيفي بن فسيل ، قبيضة بن ضبيعة ، كريم بن
عفيف ، عاصم بن عوف ، ورقاء بن سمي ، كدام بن حيان ، عبد الرحمن بن حسان ، محرز بن
شهاب ، عبد اللّه بن حوية ، واتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الأسود ، فتموا أربعة عشر
رجلا ، حبسوا بمرج عذراء .
وقد عفا معاوية ، بعد الحاح بعض حاشيته الذين لهم تأثير كبير عليه ، ولهم علاقة
ببعض أصحاب حجر ، عن سبعة منهم ، فيكون عدد من قتل منهم مع حجر ، سبعة اشخاص ،
ذكرهم الطبري وهم : ( حجر بن عدي ، شريك بن شداد الحضرمي ، صيفي بن فسيل الشيباني
، قبيصة بن ضبيعة العبسي ، محرز بن شهاب السعدي ، كدام بن حيان العنزي . واما
عبد الرحمن بن حسان العنزي فبعث به إلى زياد ، فدفن حيا بقس الناطف ، فهم سبعة قتلوا ،
وكفنوا وصلي عليهم ) ( 166 ) .
ومرج عذراء كما يقول صاحب الأغاني ( تقع على بعد أميال من دمشق ) . وأما الطبري
فيقول : ( بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا ) .
ولما علم معاوية بوصول ركب العقيدة والولاء إلى مرج عذراء ، بعث إلى قائدي الركب ،
وهما وائل بن حجر ، وكثير بن شهاب ، ان يأتيا إليه ، وقرأ رسالة زياد ، الا ان
معاوية تجاهل أو جهل خطورة الموقف ، كما كان يدركها زياد ، وخطورة وجود حجر
وجماعته ، وإن حجرا يهدد سلطان معاوية ، وربما أدى وجوده إلى ظهور حركة تمرد ضد
زياد ، تهدد ولايته ، وتهدد سلطان معاوية ، فاستشار معاوية بعض حاشيته حول الموقف
الذي يلزم اتخاذه ضد حجر وجماعته ، فأشار عليه البعض بنفيهم إلى بعض قرى الشام
، فتردد معاوية في قتلهم ، وربما كان سبب التردد ما كان يخشاه من التذمر والاستنكار
بين المسلمين ، الذي يعقب قتله لحجر وجماعته ، فكتب إلى زياد رسالة ذكر فيها
تردده : ( أما بعد فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه وشهادة من قبلك عليهم
فنظرت في ذلك ، فأحيانا أرى قتلهم أفضل من تركهم وأحيانا أرى العفو عنهم أفضل
من قتلهم .
والسلام ) . حينئذ اضطر زياد ان يكشف عن وجهه الحقيقي أمام معاوية ، وعن السبب
الحقيقي في قتلهم ، فليس السبب دافعا دينيا ، كما هو مذكور في متن الشهادة ، بل سببه
الخوف من انهيار سلطته في الكوفة ، والعراق ، فكتب إليه زياد مع يزيد بن حجية :
( أما بعد . فقد قرأت كتابك ، وفهمت رأيك في حجر وأصحابه ، فعجبت لاشتباه الأمر عليك
فيهم ، وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم
بهم ، فان كانت بك حاجة في هذا المصر فلا تردن حجرا وأصحابه إلي ) ( 167 ) .
وهنا انكشف السبب الحقيقي ، وهو بقاء العراق تحت سيطرة الحكم الأموي ، أو تحت
ولاية زياد فاقبل يزيد بن حجية حتى مر بهم بعذراء فقال : ( يا هؤلاء أما واللّه ما
أرى براءتكم ، ولقد جئت بكتاب فيه الذبح فمروني بما أجبتم مما ترون انه لكم
نافع اعمل به لكم وأنطق به ) فقال حجر : « أبلغ معاوية أنا على بيعتنا لا
نستقيلها ولا نقيلها وانه إنما شهد علينا الأعداء والأظناء » ولما أخبروا معاوية بما
قاله حجر ، أجاب : « زياد أصدق عندنا من حجر » .
قال ابن الأثير : « فوصل إليهم ، وهم بمرج عذراء ، الرجلان اللذان الحقهما زياد بحجر
وأصحابه ، وهما عتبة بن الأخنس السعدي ، وسعيد أو سعد بن نمران الهمداني الناعطي ،
فلما وصلا سار عامر بن الأسود العجلي من عذراء إلى معاوية ليعلمه بهما . فقام إليه
حجر بن عدي يرسف في القيود ، فقال : « يا عامر ، اسمع مني ، أبلغ معاوية ان دماءنا
عليه حرام ، وأخبره انا قد أُومنّا وصالحناه وصالحنا ، وانا لم نقتل أحدا من أهل القبلة
فتحل له دماؤنا ، فليتق اللّه ، ولينظر في أمرنا » ( 168 ) .
ولعله أشار بالأمان إلى اعطاء زياد الأمان لهم ، وأراد من الصلح صلح
الإمام الحسن ( ع ) وبنوده ، ومنها عدم مطاردته لشيعة الإمام ( ع ) .
وفي الإصابة : « من طريق أبي إسحاق ، قال : رأيت حجر بن عدي وهو يقول : إلا أني على
بيعتي لا أقيلها وأستقيلها » ( 169 ) وفي المستدرك : « فلما قدم – حجر – عليه –
معاوية – قال : السلام عليك يا أمير المؤمنين . قال : وأمير المؤمنين انا اني لا
أقيلك ولا أستقيلك . فأمر بقتله ، فلما انطلقوا به طلب منهم ان يأذنوا له
فيصلي ركعتين ، فأذنوا له فصلى ركعتين ثم قال : لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني
دما وادفنوني في ثيابي فإني مخاصم ، فقتل » ( 170 ) .
وعدد الذين استشهدوا مع حجر ستة :
1 – حجر بن عدي .
2 – شريك بن شداد الحضرمي .
3 – قبيصة بن ضبيعة العبسي .
4 – صيفي بن فسيل الشيباني .
5 – محرز بن شهاب السعدي .
6 – كدام بن حيان العنزي .
وأما عبد الرحمن بن حسان العنزي ، فإنه أرسل لزياد ودفنه حيا ، وهو أول من دفن حيا

شاهد أيضاً

المرجع نوري الهمداني يستنكر التطاول على سماحة المرجع السيستاني آية الله نوري الهمداني

قال آية الله نوري الهمداني تعليقاً على تهديدات الصهاينة لآية الله السيستاني: إن العدو يحقد ...