أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 13
10 مارس,2020
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
783 زيارة
وممّا ينبّه على أنّ النيّة هي روح العمل وأنّها أصل حاكم عليه هو ما قاله مولانا الصادق عليه السّلام : « ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة » « 3 » ، لدلالته على أنّ العمل البدنيّ تابع للقصد القلبيّ وجودا وعدما ، وقوّة وضعفا ، بحيث يدور العمل البدنيّ مدار النيّة في جميع ما أشير إليه ، حتّى أنّ البدن الضعيف يقدر على العمل إذا قويت النيّة ، كما أنّ البدن القويّ يضعف عنه إذا ضعفت النّيّة ،
فالإنسان بنيّته لا ببدنه ، وهذا الحديث من غرر الأحاديث المأثورة عن أهل البيت عليهم السّلام ، لتفسيره حدّ الإنسان بأنّه حيوان ناطق ناو ، إذ لولا النيّة الَّتي هي السرّ المستودع لما بلغ الإنسان نصابه اللازم ، فهو بعد غير بالغ .
والشاهد الآخر على أصالة النيّة : أنّها إذا تحقّقت وقويت تكون الصلاة مناجاة مع اللَّه ، ومعراجا للمصلَّي ، وإذا ضعفت وذهل المصلَّي عنها تفقد تلك الصلاة صبغة النجوى ويصير المصلَّي مستحقّا للويل ، كما قال تعالى * ( « فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ . الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ . وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ » ) * « 1 » .
إنّ المصلَّي الناوي الذي تكون نيّته خالصة لا يكون جزوعا ولا منوعا ، بل هو ممّن في ماله * ( حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) * « 2 » ، والمصلَّي الساهي الذي تكون نيّته مشوبة بالذهول يرائي ويمنع الماعون ، وكم فرق بينهما ، ومدار الفرق إنّما هو النيّة في الأوّل ، والذهول عنها في الثاني ، لا فعل الصلاة ظاهرا لاستوائها في الحالين ، وسيوافيك تفصيله في الصلات القادمة .
فتبيّن في هذه الصلة أمور :
الأوّل : الفرق بين النيّة بمعنى قصد القربة ، وبين قصد العنوان .
الثاني : اهتمام الدين بالنيّة في الكتاب والسنّة .
الثالث : أصالة النيّة وتبعيّة العمل .
الرابع : تثليث النيّة حسب تثليث مواقف القيامة .
الخامس : صحّة عبادة الخائف والشائق كصحّة عبادة الشاكر والمحبّ .
السادس : الفرق بين البحث الكلاميّ والفقهيّ ، وبين البحث العرفانيّ الناظر إلى سرّ الصلاة .
السابع : طريق الجمع بين أفضليّة أحمز الأعمال ، وبين كون النيّة خيرا من العمل .
الثامن : الفصل بين الإيمان والكفر إنّما هو قلَّة العقل أو زواله .
التاسع : أنّ الإخلاص سرّ إلهيّ يودعه اللَّه في قلب محبوبه .
العاشر : ما هو الفرق بين المخلص – بالكسر – والمخلص – بالفتح – ؟
الحادي عشر : الفرق بين ما هو النيّة بالحمل الأوّليّ ، وما هو النيّة بالحمل الشائع .
الثاني عشر : ضعف البدن وقوّته تابع لضعف النيّة وقوّتها .
ثمّ إنّه ورد في أدعية الافتتاح ، وكذا في اشتراط صحّة العبادة بالولاية ، وهكذا التوسّل بالأولياء وتقديمهم أمام العبادة بأن يقال : « اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بمحمّد وآل محمّد ، وأقدّمهم بين يدي صلاتي ، وأتقرّب بهم إليك ، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين . » « 1 » مطالب هامّة يوجب التعرّض لها والبحث عنها والرجوع إليها ، والخوض فيها الخروج عن طور هذه الرسالة ، فلعلّ لها موطنا آخر .
2020-03-10