1 أبو رافع « 1 »
( . . – 40 ه ) إبراهيم ، وقيل : أسلم ، مولى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
من قبط مصر .
كان عبداً للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، فلمّا أن بشّر النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بإسلام العباس أعتقه وزوّجه مولاته سلمى .
أسلم قديماً بمكة ، وهاجر إلى المدينة ، وشهد أُحداً والخندق وخيبر وبقية المشاهد ، ولم يشهد بدراً لَانّه كان بمكة .
قال ابن الأثير : قال أبو رافع مولى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم برايته إلى خيبر ، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله ، فقاتلهم فضربه يهودي فطرح ترسه من يده ، فتناول عليّ باباً كان عند الحصن فتترّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح اللَّه عليه ، ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في
نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه « 1 » وكان أبو رافع من خيار الشيعة ، ومن أهل الفضل والعلم .
لزم علياً – عليه السّلام وشهد معه حروبه ، وكان صاحب بيت ماله بالكوفة ، وكان ابناه عبيد اللَّه وعليّ كاتبي أمير المؤمنين « 2 » – عليه السّلام . عدّ من رواة حديث الغدير من الصحابة « 3 » من آثاره : كتاب السنن والاحكام والقضايا ، وهو أوّل من جمع الحديث ورَتّبه ُ بالأبواب .
قال السيد حسن الصدر : وقد وهم الحافظ الجلال السيوطي في كتاب تدريب الراوي حيث زعم أنّ ابتداء تدوين الحديث وقع في رأس المائة .
روى عن أبي رافع : ولده عبيد اللَّه ، وحفيده الفضل بن عبيد اللَّه ، وأبو سعيد المقبري ، وغيرهم .
توفّي في خلافة الإمام علي – عليه السّلام ، وقيل : توفّي بالكوفة – سنة أربعين ، وجاء في روايةٍ أنّه رجع مع الحسن – عليه السّلام إلى المدينة بعد استشهاد عليّ – عليه السّلام ، ولا دار له بها ولا أرض ، فقسم له الحسن – عليه السّلام دار علي – عليه السّلام بنصفين ، وأعطاه سنح أرض أقطعه إيّاها .
2 أبو هُريرة الدَّوْسي
« 1 » ( . . – 59 ه ) اختلفوا في اسمه واسم أبيه على أقوال جمَّة ، وقد غلبت عليه كنيته .
قال أبو عمر : اختلفوا في اسم أبي هريرة واسم أبيه اختلافاً كثيراً لا يُحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام « 2 » وكُني أبا هريرة لهرة صغيرة كان يحملها معه .
قال أبو هريرة : كنتُ أرعى غنم أهلي وكانت لي هرة صغيرة ، فكنت أضعها بالليل في شجرة ، وإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنّوني « أبا هريرة » .
ولم يُعرف شيء عن نشأة أبي هريرة ولا عن تاريخه قبل الإسلام سوى أنّه نشأ يتيماً ضعيفاً .
قال أبو هريرة كما في ترجمته من كتاب « المعارف » : « نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبُسرة بنت غزوان بطعام بطني وعُقبة رجلي ، فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدو إذا ركبوا فزوجنيها اللَّه ، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً ، وجعل أبا هريرة إماماً » .
وقدم أبو هريرة المدينة ورسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم في غزوة خيبر ، فأسلم في سنة 7 ه ، ثمّ اتخذ سبيله إلى « الصُّفة » « 1 » لفقره وفاقته .
روى البخاري عنه أنّه قال : كنت أستقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني .
وفي رواية لمسلم : كنتُ رجلًا مسكيناً أخدم رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم على ملء بطني .
بعثه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم مع العلاء ابن الحضرمي إلى البحرين ، فجعله العلاء مؤذناً بين يديه .
روى عن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وعن أبي بكر وكعب الأحبار وعمر وعائشة .
حدّث عنه : أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد المقبُري ، ومحمد بن سيرين ، وعامر الشعبي ، وعبد اللَّه بن رافع مولى أُمّ سلمة ، وميمون بن مهران ، وخلق كثير .
وقد استعمله عمر بن الخطاب على البحرين ثمّ عزله .
روى ابن سعد بسنده عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال لي عمر : يا
عدوّ اللَّه وعدوّ كتابه أسرقتَ مال اللَّه ؟ قال : فقلتُ : ما أنا بعدوّ اللَّه ولا عدوّ كتابه ولكنّي عدوّ من عاداهما ولا سرقتُ مال اللَّه ، قال : فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ؟ ! قال : قلتُ : يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق .
قال : فأمر بها أمير المؤمنين فقُبضتْ .
قال : فكان أبو هريرة يقول : اللَّهمّ اغفر لَامير المؤمنين . وقد أجمع رواة الحديث على أنّ أبا هريرة كان أكثر الصحابة حديثاً عن رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم على حين أنّه لم يصاحب النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إلَّا ثلاث سنين « 1 » ، فقد بلغت مروياته كما في مسند بقيّ بن مخلد 4735 حديثاً روى البخاري منها 446 ولهذا أنكر الصحابة عليه كثرة روايته .
فعن السائب بن يزيد قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لَابي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أو لأُلحقنّك بأرض دوس ، وقال لكعب الأحبار : لتتركنّ الحديث عن الأول أو لأُلحقنّك بأرض القردة .
وروي أنّ عائشة تأوّلت أحاديث كثيرة عن أبي هريرة ووهمته في بعضها .
قال ابن قتيبة : وكانت عائشة رضي اللَّه عنها أشدهم إنكاراً عليه لتطاول الأيام بها وبه « 2 » ولما سمع الإمام علي – عليه السّلام أبا هريرة يقول : قال خليلي ، وسمعتُ خليلي يعني النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال – عليه السّلام – : متى كان خليلك ؟ ! « 3 » وعن الشعبي قال : حدّث أبو هريرة فردّ عليه سعد حديثاً فوقع بينهما كلام حتى أُرتجت الأبواب بينهما .
وجاء في « البداية والنهاية » أنّ الزبير حين سمع أحاديث أبي هريرة قال : صدق ، كذب .
وكان أبو هريرة يروي عن كعب الأحبار ويثق به ، وقد بثّ هذا الأخير في الدين الإسلامي الكثير من الإسرائيليات « 1 » لما لم تكن لكعب صحبة ، فانّه ما كان يجر وَعلى نسبة ما يريد بثّه في الدين إلى النبيّ الأكرم – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، ولذلك كان ينقل أخبار بني إسرائيل من العجائب والغرائب والأوهام ، فيسمعها مَن يسمعها ممن اغترّ به من الصحابة ، ثم يروونها بعد لَايٍ ، أحاديث مسندة إلى النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، أو أنّهم يتناقلون قول كعب بدون اسناد إليه ، فيظن بعض التابعين ومَن بعدهم أنّها ممّا سمعوه عن النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
ولكي نقف على حقيقة ذلك ، نذكر هذين المثالين : 1 أخرج ابن كثير في تفسير سورة التكوير أنّ عبد اللَّه الداتاج قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد اللَّه القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث فقال : حدثنا أبو هريرة أنّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال : « إنّ الشمس والقمر ثوران عقيران يوم القيامة » فقال الحسن : وما ذنبهما ؟ فقال : أُحدثك عن رسول اللَّه وتقول أحسبه قال وما ذنبهما ؟ وحديث الشمس والقمر هذا حدّث به كعب الأحبار نفسه ، فقد روى الطبري في تاريخه في ص 44 من ج 1 أنّ ابن عباس بينا ذات يوم جالس إذ جاءه رجل فقال : يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر ، قال : وكان متكئاً فاحتفز ثمّ قال : وما ذاك ؟ قال : زعم أنّه يُجاء بالشمس والقمر يوم القيامة عقيران فيقذفان في جهنم ، قال عكرمة : فطارت من ابن عباس شفة ووقعت أُخرى غضباً ثمّ قال : كذب كعب كذب كعب كذب كعب ثلاث مرات ، بل هذه
يهودية يريد إدخالها في الإسلام . . 2 روى مسلم بسنده عن عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال : أخذ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بيدي فقال خلق اللَّه عزّ وجلّ التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم ( عليه السّلام ) بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل « 1 » قال البخاري وابن كثير وغيرهما إنّ أبا هريرة قد تلقّى هذا الحديث عن كعب الأحبار لَانّه يخالف نص القرآن في أنّ خلق السماوات والأَرض في ستة أيام .
وجاء في « البداية والنهاية » : قال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : أبو هريرة كان يدلَّس أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول اللَّه ( صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ) ولا يميّز هذا من هذا .
وقال إبراهيم النخعي : كان أصحابنا يدَعون من حديث أبي هريرة .
وفي رواية الأعمش عنه قال : ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة .
وكان أبو هريرة من عامة الصحابة في زمن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وأبي بكر وعمر ، ثمّ أخذ يظهر في زمن عثمان ثمّ ذاع صيته أكثر في زمن معاوية ، وقد غمره معاوية برفده وأعطيته ، وكان مروان ينيبه عنه على ولاية المدينة « 2 » فلم يلبث أن
تحوّل حاله من ضيق إلى سعة ومن فقر إلى ثراء .
جاء في « سير أعلام النبلاء » : عن ابن المسيب قال : كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت فإذا أمسك عنه تكلَّم .
وروى ابن سعد بسنده عن محمد ، قال : تمخّط أبو هريرة وعليه ثوب من كتان ممشّق فتمخّط فيه فقال : بخ بخ يتمخط أبو هريرة في الكتان ، لقد رأيتني أخرّ فيما بين منبر رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وحجرة عائشة ، يجيء الجائي يرى أن بي جنوناً وما بي إلَّا الجوع ، ولقد رأيتني وأنّي لَاجير لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي ، أسوق بهم إذا ارتحلوا وأخدمهم إذا نزلوا ، فقالت يوماً : لتردنّه حافياً ولتركبنّه قائماً ، قال : فزوجنيها اللَّه بعد ذلك فقلت لها : لتردنّه حافية ولتركبنّه قائمة ! .
عُدّ أبو هريرة من المتوسطين من الصحابة فيما روي عنه من الفتيا ، ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » إحدى وخمسين فتوى .
وجمع الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي جزءاً سمّي « فتاوى أبي هريرة » « 1 » قال الذهبي في سيره : وكان أبو هريرة يجهر في صلاته ب « بسم اللَّه الرحمن الرحيم » .
وقال : خالف أي أبو هريرة ابن عباس في عدة الحامل المتوفّى عنها زوجها حيث حكم ابن عباس بأبعد الأجلين ، وحكم هو بوضع الحمل .
وجاء عن أبي هريرة أنّ النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال : من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة .
توفّي أبو هريرة – سنة تسع وخمسين بقصره بالعقيق وحُمل إلى المدينة ودُفن بالبقيع وصلَّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان يومئذ أميراً على المدينة .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...