جليٌ لمن يراقب الأحداث من بعيد ويرى الصورة كاملةً أنّ ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابي وأخواته لا يصب إلا في مصلحة الكيان الإسرائيلي، فالتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي ترفع شعار الإسلام والدفاع عن المسلمين لم نسمع عنها إلا قبل سنوات قليلة بالرغم من أنّ الكيان الإسرائيلي عاث في الأرض فساداً لعشرات سنوات خلت، اغتُصبت فيها فلسطين ودُنّست خلالها مقدسات المسلمين وهُتكت أعراض النساء والأطفال ودُمرت البيوت على سكانها وقُتل الأبرياء بدمٍ بارد ولم يُحرك أحدٌ من هؤلاء ساكناً. فأين كانت الحمية والنخوة والحرص على الإسلام والمسلمين؟ وأين كانت هذه الجحافل من المجموعات المسلحة التي تجتاح اليوم بلادنا العربية والإسلامية ذبحاً وقتلاً وإرهاباً عندما كان الكيان الإسرائيلي ينتقل بدموية إرهابية من مجزرةٍ إلى أخرى بدم بارد من فلسطين إلى لبنان إلى…؟
نعم فالمخطط واضح واليوم ظهرت نخوة “العرب والمسلمين” ومنذ أربع سنوات فقط علمنا أنّ الإسلام والمسلمين في خطر!. وبدل أن نوجه البوصلة جميعاً نحو العدو الأول للمسلمين وجهنا السكاكين على رقاب شعوب أمتنا عن قصد أو عن غباء، بعد أن عرفت أمريكا نقاط ضعفنا وقرأت التاريخ جيداً وخططت هي وربيبتها وأدواتها “العربية والإسلامية” لضرب قوة المسلمين وزرعت الفتنة بينهم لكي تهيمن على مقدراتهم وتعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة وتحقق الحلم الذي لم تحققه من قبل: “حلم إسرائيل الكبرى”.
فالمخططات الصهيونية لتفتيت المنطقة قديمة العهد ولم يجف حبرها يوماً، والكيان الإسرائيلي بات يدرك تماماً ان لا قابلية له للعيش وثمة من يرفع شعارات بزواله، فتجربة السنوات الماضية منذ انشائه شاهدة على ذلك، ومحاولات تطبيع علاقاته مع الجوار العربي اثبتت فشلها، ومعاهدات “السلام” لم تجعله دولة قابلة للحياة، كما أن السنين لم تجهض ثابتة المقاومة والتصدي لاحتلاله، وقدرته الذاتية ومؤازرته من امريكا لم تجعله قادراً على تثبيت كيانه، وسط محيط عربي واسلامي مناهض، لذا هو يدرك اليوم اكثر من اي وقت مضى ان استراتيجية التفوق العسكري على الجيوش العربية التي انتهجها سابقاً لم تعد تحصنه، ولا نقل المعركة الى دول الجوار، فالمقاومة قلبت المعادلات، وغيرت الموازين وأصبحت ترفع شعار: ولى زمن الهزائم وجاء زمن الإنتصارات.
كل ذلك جعل الكيان الإسرائيلي يخرج مخططات سابقة كان قد أعدها لتقسيم المنطقة ويضعها حيز التنفيذ، فسيادته على المنطقة لن تقوم لها قائمة، الا بتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة، فحينها فقط تصبح الفرصة سانحة أمامه لتحقيق حلم “اسرائيل الكبرى”، بعدما تضعف دول الجوار ويضمن تفوقه.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية الكاتب الصحفي تحسين الحلبي صاحب كتاب “المخططات الصهيونية في القرن الواحد والعشرين”، أن ما تشهده المنطقة اليوم من تطورات وانتشار للمجموعات المسلحة كـ”داعش” وأشباهه التي تعلن صراحة انها تريد ان تقيم دويلات كدولة الخلافة في الشام والعراق، كانت قد ظهرت في مخطط “اسرائيلي” أعدته وزارة الخارجية الاسرائيلية بعد اجتياح لبنان في ثمانينات القرن الماضي، حينما كلفت الباحث المختص “عوديد ينون” بإعداد “مخطط الافكار القابلة لتقسيم العالم العربي والاسلامي الى دويلات صغيرة وهو ما فعله ينون بالفعل حينما وضع خطة تقسم المنطقة الى دويلات على اساس الدين والطائفة والمذهب والإثنية والقبلية. ويشير الحلبي، الى أن مخطط ينون تحدث عن تقسيم سوريا ولبنان والعراق على أساس ان جبهة الشمال السورية اللبنانية مع العراق تشكل أكبر الاخطار على “اسرائيل” بعد تحييد مصر وإخراجها من ساحة الصراع بموجب اتفاقية “كامب ديفيد”، باعتبار ان هذه الدول تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تهدد مستقبل وجود “اسرائيل”.
فإضعاف وتفتيت الجوار الإسرائيلي بأي ثمن هو الهدف، حتى يبقى هذا الكيان الوظيفي على قيد الحياة وتبقى معه مصالح أمريكا محفوظة ولو على دماء المسلمين، وأكثر ما يدعو إلى الحزن والأسف أنّ دماء المسلمين تُستباح والفتنة بينهم يشعلها الكيان الإسرائيلي السرطاني وهو يقف متفرجاً على المسلمين يتقاتلون وفرحاً بتحقيق أهدافه التي طالما حلم بها.
إنها الحرب بالوكالة، وأداتها تنظيمات صنعتها الاستخبارات الامريكية، وسيناريو صناعة القاعدة، يتكرر اليوم في العالم العربي بدءاً من سوريا والعراق ومصر… أما السبيل الى ذلك فهو اعادة رسم خريطة جيوسياسية مفتتة للعالم العربي بعدما ادت خريطة “سايكس بيكو” مهامها في القرن الماضي ولم تعد صالحة لخدمة الاهداف والمصالح الصهيو- أمريكية في المنطقة.
فلا بدّ لنا أن نعترف أنّ عدونا يقرأ التاريخ جيداً ويعرف عنا وعن ماضينا أكثر ممّا نعرف عن أنفسنا، وأنّ ضعفاء النفوس كثيرون في أمتنا والمتآمرون على الإسلام تحت راية الله أكبر والحاقدون قد باعوا ضميرهم بحفنة من الدراهم ويقودون أهداف الحرب التي لم يستطع الكيان الإسرائيلي تحقيقها على مدى سنوات. وهم يراهنون على أن التاريخ سوف يعيد نفسه ولكن التاريخ لا يعيد نفسه إلا على الأغبياء في زمنٍ أصبح فيه محور المقاومة يقف في وجه المخططات الأمريكية ويؤكد أن حلم “إسرائيل الكبرى” أصبح سراباً.
نقلاً عن موقع الوقت