الرئيسية / من / طرائف الحكم / الدعوة الى الله والجهاد – الاخيرة

الدعوة الى الله والجهاد – الاخيرة

الدعوة الى الله والجهاد – الاخيرة

عبد الستار الجابري

المطلب الثاني:

الجهاد في ضوء السيرة النبوية وسيرة اهل البيت (عليه السلام)
على ضوء ما تقدم في المطلب الاول نجد ان الجهاد ينقسم الى قسمين:

الاول: جهاد بالاموال.
الثاني: جهاد بالانفس، وهذا ايضا ينقسم الى قسمين قتال وغير قتال.

ولو تتبعنا سيرة النبي (صلى الله عليه واله) واهل البيت (عليهم السلام) لوجدنا تطبيقا حيا لهذا المعنى من الجهاد في قسميه على طول حياتهم (صلوات الله عليهم).

ففي مكة تعرض النبي (صلى الله عليه واله) لانواع الايذاء وتحمل هو وخلص بني هاشم والصفوة من المسلمين ضريبة اعلان كلمة الله والدعوة الى التوحيد، فاتهم (صلى الله عليه واله) بانواع التهم وقوطع هو وبني هاشم حتى اضطر ابو طالب (عليه السلام) الى اللجوء به (صلى الله عليه واله) وببني هاشم الى الشعب كي يحمي النبي (صلى الله عليه واله) من اغتيال المشركين فكان في الليلة الواحدة يستبدل مكان نوم النبي (صلى الله عليه واله) عدة مرات خشية ان يتمكن المشركون من تشخيص مكان نومه فيغتالوه.

وبذلت السيدة خديجة جميع اموالها في سبيل الدعوة الى الله، وتحمل ال ياسر اصناف العذاب حتى استشهد ياسر وسمية (رضوان الله عليهما) وعذب عمار (رضوان الله عليه) حتى كاد ان يموت، وعذب بلال بن رباح الحبشي.

ولم يسع المسلمون بعد ايذاء المشركين البقاء في مكة فهاجروا الى الحبشة بامر من رسول الله (صلى الله عليه واله) وبقوا هناك حتى اضطربت الاوضاع في الحبشة فعاد بعضهم الى مكة وبقي الاخرون، فالتحقوا بالنبي (صلى الله عليه واله) في ايام فتح خيبر.

وكانت الاموال تجبى الى رسول الله (صلى الله عليه واله) فيوزعها في فقراء المسلمين ويبيت طاويا، وفتح الله فدك فانحلها رسوله السيدة فاطمة (عليها السلام) فكانت تضع وارداتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله) ليصرفها في سبيل اعزاز دين الله تعالى وتبيت هي وبنيها طاوية الحشى بعد صيام نهار المدينة الطويل فتفطر على الماء القراح لانها تتصدق باقراص خبز الشعير التي اعدتها لافطارها وافطار ابنيها وبعلها وبنيها، فينزل الله فيهم سورة الانسان قرانا يتلى اناء الليل واطراف النهار ليخلد ذلك العمل الخالص لوجهه الكريم.

وتنص الروايات ان امير المؤمنين (عليه السلام) اعتق الف عبد، فكان صلوات الله عليه يشتري العبيد ويربيهم ويعلمهم احكام الدين وقيمه ومبادئه وينشأهم النشأة الصالحة ثم يهبهم ما يحفظ ماء وجوههم عن مد اليد الى الناس ويعتقهم،

وكذلك كان يفعل بنوه وهو المشهور من سيرة الامام السجاد والامام الكاظم (عليهما السلام)، وبعد ضعف الدولة الاموية وقبل تولي العباسيين السلطة بث الامامين الصادقين (عليهما السلام) علومهما في الامة بعد ان كانت السلطات التي حكمت بعد النبي (صلى الله عليه واله) والسلطة الاموية تحظر على علي واله وشيعته بيان احكام الدين للناس،

وقدم الامام الكاظم (عليه السلام) حريته ثمنا للدفاع عن قيم الدين الحنيف فامضى عمره في السجن حتى دس اليه السم،

وهكذا الحال في بقية الائمة (عليهم السلام) والحال جرى مع اصحابهم (رضوان الله عليهم) فقتل منهم من قتل ونفي من نفي وسجن من سجن على نفس الوتيرة.

واما حمل السيف في سبيل الله وخوض القتال فكان في بدر واحد والخندق وحنين واوطاس وذات الرقاع ومؤته وغزوة خبير وبني النظير وبني قينقاع وغزو بلاد طي وغيرها من الحروب التي خاضها النبي (صلى الله عليه واله) مباشرة او بعث السرايا للقيام بما يقتضيه واجب الدفاع عن حرمة الاسلام. ثم الجمل وصفين والنهروان في عهد امير المؤمنين (عليه السلام) وبعدها واقعة كربلاء التي استشهد فيها الامام الحسين (عليه السلام) وثورة زيد بن علي (عليهما السلام) وثورة الحسين الخير صاحب فخ (رضوان الله عليه).

وعند البحث في اسباب هذه الحروب واهدافها فنجد ان غزوة بدر كانت الغاية منها المقاصة من المشركين بسبب تجاوزهم على اموال المسلمين التي في مكة، ولما فاتتهم القافلة ابى مشركوا قريش وهم الف مقاتل يقودهم زعماء البيوتات القرشية الا ان يقضوا على المسلمين الذين كان عددهم ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ولم يكن بينهم الا فارس واحد وكان عدد غير قليل منهم يتسلحون بالعصي وجريد النخل،

فلم يجد المسلمون بدا من القتال، ودارت رحى معركة غير متكافئة بين المسلمين يقودهم الرسول (صلى الله عليه واله) والمشركين يقودهم ابو جهل وعتاة بني امية، وكانت الغلبة فيها للامة المستضعفة فقتل من المشركين سبعون رجلا واسر سبعون، واستشهد من المسلمين اربعة عشر،

فكانت تلك المعركة مفروضة على المسلمين فرضا، ولم يكونوا هم من بدأ المشركين بالحرب، وكذلك الحال في احد اذ قاد ابو سفيان القرشيين لادراك ثأرهم في بدر وخاض المسلمون معهم معركة شرسة عند جبل احد وكان المشركون قد اعدوا انفسهم اعدادا عاليا لخوض الحرب وكان معهم من الفرسان مئتين يقودهم خالد بن الوليد المخزومي وعكرمة بن ابي جهل المخزومي،

وكان النصر حليف المسلمين امر الاول ولكن عدم التزام الرماة الذي جعلهم النبي على الجبل المعروف بجبل عينين لحماية ظهر المسلمين وكانوا خمسين راميا بالبقاء في مواقعهم سهل على فرسان قريش الالتفاف على المسلمين فدرات عليهم رحا الحرب وقدموا سبعين شهيدا على راسهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (رضوان الله عليهما) وهي حرب فرضت على المسلمين فرضا ومثلها غزوة الخندق،

واما الهجوم على بني قريضة بعد انسحاب المشركين فلانهم نقضوا العهد مع المسلمين واصبحوا يشكلون خطرا وجوديا على المسلمين فلابد من استئصال شرهم، فغزوتهم تدخل ضمن حماية امن المسلمين وتأمين ظهرهم من غدر اليهود، وهكذا في جميع الغزوات الاخرى.

واما امير المؤمنين (عليه السلام) فانه لم يبدا القوم يوم الجمل بحرب بل سعى لحقن الدماء ما استطاع اليه سبيلا ولكن الشيطان كان قد اغواهم وكان تركهم مفسدة لشؤون الامة فخاض (عليه السلام) حرب الجمل مكرها، وكذلك الحال في حرب صفين،

وفي النهروان سعى (عليه السلام) ما استطاع لردع القوم عن غيهم فعاد من الجيش عشرة الاف وبقي منهم اربعة اصروا على الحرب، واما الامام الحسين (عليه السلام) فان يزيد كان يشكل تهديدا جديا للاسلام وانه لو سكت عنه للزم من ذلك زوال كل رسوم الاسلام اذ كان يزيد متجاهرا بالفسق وشرب الخمر، فكان الوقوف في وجهه ضرورة لحماية اصول الاسلام، ولم يدرك المسلمون تلك الحقيقة حتى صدمهم الواقع عندما زار وفد المدينة يزيد في الشام فشرب الخمر في المجلس وهم حضور فلما عادوا الى المدينة خلعوا بيعته،

فارسل اليهم جيشا استباح المدينة وقتل رجالها وزنى بنسائها وصادر اموالها وهدم دورها ثم توجه الجيش لحرب ابن الزبير فرميت الكعبة بالمنجنيق واحترقت استارها، وثورة زيد بن علي (عليهما السلام) والحسين الخير (رضوان الله عليه) كانت نتيجة التضييق الشديد من سلطات زمانهم التي لم يكن معها بد من الثورة.

وهكذا نجد في جميع الحروب التي خاضها النبي (صلى الله عليه واله) واهل بيته (عليهم السلام) وذريته الطاهرة انما كانت لغرض الدفاع عن حرمة الدين والمنع من تحريف احكامه، بل ان امير المؤمنين (عليه السلام) اوقف في ايام حكمه ما عرف بالفتوحات، وايقاف الفتوحات يحمل في طياته الكثير من الاستفهام لمشروعية تلك الفتوحات.

والخلاصة التي ننتهي اليها من سيرة النبي (صلى الله عليه واله) واهل البيت (عليهم السلام) والذرية الطيبة (رضوان الله عليهم) ان الحرب انما تكون للدفاع وليس للهجوم لاجل توسعة بلاد المسلمين، لان الدعوة الى الله منحصرة في ان تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، نعم يشرع الجهاد للدفاع عن امن المسلمين في مختلف مجالاته الفكرية والعقائدية والدينية والاقتصادية والسياسية والامن الفردي والدفاع عن الاقليات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة.

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...