المتألقين بلحاظ الفكر السياسي، وممن عرف بالتجديد في ساحة العلم والعمل،ولم تصب التهمة إلاّ الفئة التقدمية من العلماء التي عرفت بالوعي والرقي 11.
نلحظ أن هناك مجموعة من الممارسات والأعمال انطلقت في المحيط السياسي أو الجامعي على أساس إلغاء قيمة العلماء وشخصيتهم. وليست هذه ممارسة ساذجة تقتصر على صنف خاص.
فمن الخطأ مثلاً أن نتحدث عن الحوزة العلمية ككيان تقليدي بالرغم من أن منهجها التعليمي يقوم على أساس البحث والتحليل والتحلي بدقة النظر وممارسة الاستدلال والتجديد والإبداع، بحيث نعد أمثال الشهيد مطهري والشهيد بهشتي وهما من تلاميذ الحوزة مجرد ظواهر استثنائية في خط الحوزة.
ثمَّ احتمال يُتاخم اليقين إنَّ الذين يظنون هذا المعنى ليس لديهم غرض أو سوء، ولكن هذه المسائل تقضي بالنتيجة إلى الفساد جزماً، وهي إلى ذلك تتعارض مع الواقع. فمثل هذه الرؤية يمكن أن تؤدي إلى زوال القيمة العلمية والمعنوية للعلماء وهم ممثلو الدين وحملة رأيته في المحيط الجامعين وبين الجامعيين. كما حصل ما يشبه ذلك قبل الثورة؛ وإن كان بوسائل بدائية، ولكن كانت له آثاره على أي حال.
فإذا ما أنكرنا العلماء والمرتبطة العلمية للفقاهة وما لذلك من تأثير
11- كلمة قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني. 10/3/1369.
في حركة البلد راهناً، أو شكنا بسمعتهم أو عرضنا لهم بسوء، فسنكون في الحقيقة لقد ألحقنا الضرر بالنزوع الديني للشعب وطبقة فاعلة وعظيمة في المجتمع.
وهذا ما يبتغيه الأعداء ويدخل عليهم الرضا والسرور، ويحقق لهم ما يريدونه 12.
12- حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية. 20/9/1370.
إهمال التيار الثوري في الأدب والفن والثقافة
لقد استمر الغزو الثقافي في زمن الحرب بواسطة أدوات الإعلام والخطاب الخاطئ المنحرف، وكان من الطبيعي أن يكون هناك تأثير للرواسب الذهنية والنفسية للناس أنفسهم، بيد أن سخونة الأجواء في ظل الحرب كانت بمثابة الرادع في صدّ الهجوم.
أما بعد انتهاء الحرب فقد راحت هذه الجبهة تمارس نشاطها بشكل أكثر جدية 13.
صارت الأجواء مناسبة للغزو الثقافي بعد انتهاء الحرب. لأن سخونة أجواء الحرب وحماسها وعنفوانها كان يجذب الشاب ويشغله فلا يصغي إلى كلام العد.ولكن انطفاء هذه الشعلة جعل الأرضية مهيّئة للعدو، ولذلك انطلق بشكل أوسع واستخدم أدوات متعدّدة في هجومه الثقافي الشامل.
عندما أتأمّل بسعة أدوات العدو أدرك أن القضية مهمة بالنسبة
13- حديث قائد الثورة إلى العاملين في وسائل الاتصال الجمعي ومسؤولي دوائر التربية والتعليم. 21/5/1371.
إليه. كان من وسائلهم إهمال واحتقار الفن والأدب والثقافة الثورية في البلد.
من إنجازات الثورة المهمة إنها ربّت عدداً من العناصر الثقافية والأدبية والفنية.. فنحن لدينا من هؤلاء الأفراد، ولا نشعر الآن بنقص على هذا الصعيد بحمد الله. هناك كثير من الشعراء وكتّاب القصة.. وهناك كتّاب يتقنون النص الفارسي بشكل دقيق.
بديهي لم يمر على عمر الثورة أكثر من ثلاث عشرة سنة. صحيح أن هؤلاء الذين تربوا في أحضان الثورة لم يبلغوا مرتبة شخصيات الطراز الأول وبينهما مسافة، ولكن هناك كثرة من الكفاءات الثورية التي بمقدورها أن تتحوّل إلى مواقع شخصيات الطراز الأول في غضون ثلاث عشرة سنة. صحيح أن هؤلاء الذين تربوا في أحضان الثورة لم يبلغوا مرتبة شخصيات الطراز الأول وبينها مسافة ولكن هناك كثرة من الكفاءات الثورية التي بمقدورها أن تتحوّل إلى مواقع شخصيات الطراز الأول على هذا الصعيد.
لقد عقمت أرضنا في مرحلة الاستبداد؛ أواخر العهد الملكي، فلم تكن أرضنا تينع حقيقة برجال عظام وكتّاب وفنانين كبار بالأخص على صعيد بعض الاختصاصات الفنية. أما الآن فقد تربت بين شبابنا اليافع كفاءات سينمائية جيدة، وممثلون ومخرجون وشعراء وكتّاب قصدة جيدون.
لقد حرَّرت الثورة هذه القابليات.. وإحدى الممارسات التي استهدفت هذه الطاقات تمثلت بالسعي لإهمال هذه المجموعة المؤمنة وعزلها. ولما كان شبابنا قليل التجربة، فمن الطبيعي أن يتأثر سريعاً ويتباطأ بمجرد أن يشعر بالإهمال أو الاحتقار من قبل أثنين مثلاً
من العاملين في أحد الأجهزة الثقافية الرسمية في البلد. وكذلك يشعر بالضعف المعنوي والإحباط إذا ما رأى أن المجلات المسماة أدبية وفنية في البلد تعمد إلى تضخيم الرموز المعارضة وتمجّد بها.
الحالة نفسها تصيب السينمائي الشاب المتدين عندما يدور بفيلمه على المراكز المعنية فتلاقيه بالصدود وترفض فيلمه، في حين يرى تبنيهم مختلف الأعمال التي تقل فنياً عن مستوى عمله، لأنها تفتقر إلى الرؤية الإسلامية. مثل هذا الشاب سينكفئ تلقائياً ويشعر باليأس والإحباط.
شعرت بالمرارة والأسى مرّات ومن أعماق قلبي لحال هؤلاء الشباب الثوري المؤمن المتحرق. فلماذا يُهمل هؤلاء الشباب ولا يُعبأ بهم مع أن كفاءاتهم لا تقل إن لم تزد في الكثير من الأمور عن أولئك الذين يذكرون كفنّانين؟ عندما يدقق الإنسان بالأمر على نحو صحيح يجد أن جذر هذه الحالة من الإهمال وعدم الاعتناء يعود على إرادة خبيثة تكمن في نقطة معينة لم يتوجه لها أحد حتى المسؤولون أنفسهم. إنَّ المعنيين عن شأننا الثقافي هُم رجال جيدون، بيد أنهم لا يعتنون بالأعمال التي تنجز في المستويات المتوسطة.
من الوسائل الأخرى التي تستخدم لعزل الطاقات المؤمنة أحسّ أن هذه من الآلام الصامتة التي يود الإنسان أن يفهمها الناس جميعاً بوضوح هو إهمال الأفلام أو الأعمال الفنية الإيرانية التي تطرح في المحافل العالمية المقصود بها الآثار التي تنطوي على الروح الثورية . فهذه المحافل تبدو غير مسيسة في الظاهر، بيد إن باطن الأمور شيء آخر.
لقد رأيتم سلوك المنظمات العالمية وما تفعله؛ رأيتم موقف مجلس الأمن من قضية البوسنة والهرسك، وما فعلته منظمة “ايكائو” في قضية الطائرة الإيرانية التي أسقطتها أمريكا!
هل ينُم هذا السلوك عن الحياد؟ وهل تعد هذه المنظمات غير سياسية حقاً؟!
تفعل المراكز العلمية الشيء نفسه مع أفلامنا ومعروضاتنا الفنية.. وما يتجه أطفالنا. وعندئذٍ كيف يستطيع الإنسان أن يتغافل هذا الواقع ويقول أن هذه المنظمات غير سياسية؟ لماذا لم تمنح أية جائزة من جوائزهم لعمل فني ثوري؟ هل نفتقد إلى الفيلم الثوري؟ أم إلى الشعر الثوري؟ أم أن أياً من هذه الآثار لا يتسم بقيمة فنية؟
أحتمل أن هذه المراكز والمؤسسات والمجامل تمنح حتى جائزة نوبل لواحدٍ ممّن يُسمّون بالعناصر الثقافية، المعادية للإسلام والثورة، لكي يحيطوا أولئك أعداء الإسلام والثورة بهالة من التضخيم، ويُمنعوا في إهمال العناصر الثورية وإبعادها.
أليس هذا غزواً ثقافياً؟! 14.
14- حديث قائد الثورة إلى العاملين في وسائل الاتصال الجمعي ومسؤولي دوائر التربية والتعليم. 21/5/1371.