الرئيسية / من / طرائف الحكم / من كلمات الإمام الخامنئي دام ظله في المطالعة والكتاب

من كلمات الإمام الخامنئي دام ظله في المطالعة والكتاب

3 نقد الوضع القائم

 

ذاك العالَم الّذي لا خبر عنه في إيران!

إذا ازداد عدد الكتب، وكثرت عناوينها، وإذا توفّرت الكتب بالمواضيع المطلوبة كافّة، واستطاع الناس العثور في الكتاب على إجابات لاستفهاماتهم وتساؤلاتهم وأمكنهم الرجوع إليه، سوف يحدث جوّ آخر وعالمٌ آخر، لا خبر عنه اليوم ـ وللأسف ـ في إيران! في كلّ مكان يشغل الكتاب فيه حيّزاً من الاهتمام، ترون الفرق الواضح من الناحية الروحية والوضع الفكري، مقارنةً بالمكان الّذي لا يحظى بهذه المسألة[1].

 

جوهر الانتقال إلى الأعمال الكبرى

حين أنظر الآن إلى رواياتكم، أرى أنّه لو عُمل عليها قليلاً لأضحت كرواية “البؤساء” لفكتور هيغو، و”الحرب والسلم” لتولستوي. إنّني أرى هذا الجوهر في الروايات الصغيرة لإخواننا هؤلاء، الصادرة عن الدائرة الفنّية أو عن بعض المؤسّسات الأخرى، ما لا يراه المرء في الكتابات التقليدية لأولئك الكتّاب، وفي عشرة مجلّدات وخمسة مجلّدات، وفي ألفي صفحة وخمسة آلاف صفحة. هذا الجوهر موجودٌ واقعاً في أعمالكم. أمّا أولئك، فتجدون أعمالهم نمطيّة, وذلك يعود إلى أنّهم يفتقدون ــ واقعاً ــ للحماسة في داخلهم[2].

 

الحرب فرصة للكتابة

لقد أضحت الحرب ساحة لبروز الاستعدادات على هذا الصعيد. أنتم تعلمون. إنّ الشدائد هي من الأشياء الّتي تفتّح الاستعدادات الفنّية والأدبية في أيّ بلد، ومنها الحروب. إنّ أجمل الروايات وأفضل الأفلام، وربّما أسمى القصائد الشعرية قد أُنشدت وأُلقيت وأُلّفت وظهرت في الحروب ومن وحي الحروب. وهكذا كان الأمر في حربنا أيضاً[3].

 

لا أعلم .. هذا التكرار قد ترك أثراً أم لا؟

لكثرة ما تكلّمت حول هذا الموضوع الهامّ “القراءة والمطالعة” ولم أُبلّغ بمدى تأثير هذا الكلام، فإنّني في الحقيقة عندما أريد الخوض فيه ثانيةً، أتردّد خوفاً من وقوعي في لغو الكلام! أنا واقعاً لا أعلم إن كان هذا التكرار قد ترك أثره أم لا, ينبغي عليكم أنتم أن تبيّنوا ذلك. أن تقوموا بالإحصاءات، لنرى كم ارتفع معدّل المطالعة. تعالوا نعمل على أن يصبح جميع الناس من أهل المطالعة[4].

 

الشعوب الأقلّ مساهمة

مع أنّنا ألّفنا أكثر الكتب في العالم على امتداد القرون الماضية، لكنّنا اليوم وخلال القرون الثلاثة الأخيرة، أصبحنا من الشعوب الأقلّ مساهمة من معارف الكتاب والمكتوب! وأنا على يقين أنّه كان للأوضاع السياسية والاجتماعية تأثير في هذا الوضع الّذي هو ثقافي بحدّ ذاته. ما كان فقد مضى.

 

اليوم، يومٌ جديد، وعصرٌ جديد بالنسبة لنا، وعلينا جبران هذا النقص.

 

…القراءة عادة غير رائجة بين أبناء شعبنا, حتّى بين المتعلّمين والّذين تابعوا دراستهم, الأشخاص الّذين يأنسون بالكتاب، ويخصّصون في حياتهم اليومية وقتاً للمطالعة هم بالتأكيد قلّة قليلة، في حين نرى الأمر مغايراً في الكثير من الدول الّتي تعدّ اليوم ممتازة في مجال التقدّم العلمي… إنّ لروحية المطالعة بين الناس والأنس بالأخبار والمعارف والتقدّم العلمي للبلاد على المستويات كافّة، ارتباطاً بعضها ببعض, وينبغي اعتبارها كذلك، وترويج هذه الروحية بين الناس[5].

 

عدم الاهتمام بالمطالعة

شعبنا ليس شعباً قارئاً، وعدم المطالعة هذا هو نقصٌ فادح. كثيرٌ من أبناء شعبنا لا يقرؤون حتّى الصحيفة اليومية. وإذا ما ألقوا نظرة على الصحيفة اليومية، فإنّهم يكتفون بقراءة العناوين العريضة. الكثير من الناس، يستمعون إلى المذياع من أجل التسلية فقط، لا من أجل التعلّم وسماع الأخبار والتعرّف على الحياة والمسائل الثقافية. ينبغي علينا أن نزيل هذا النقص[6].

 

المطالعة متخلّفة عن النشر

فضلاً عن أنّنا متأخّرون في مجال نشر الكتب، نحن متأخّرون في مجال المطالعة أيضاً. إنّ مطالعة الكتب في بلدنا، وللأسف، هي عمل خاصّ, مختصّ

 

بفئة من الناس، وليست مرتبطة بالجميع. في حين أنّ المعارف والعلوم والفنّ والذوق وكل ما يدور في فلك الثقافة، هو لكلّ الناس، وليس مختصّاً بفئة خاصّة. الجميع بحاجة إلى ما يقدّمه الكتاب، هذا, في الوقت الّذي لا يستفيد الجميع منه.

 

على شعب إيران ــ اليوم ــ أن يجبر هذا التأخّر. إنّها فرصة لا نظير لها تحقّقت نتيجة حاكمية الدِّين والعلم على إيران، والتي يجب الاستفادة منها في إعلاء فكر هذا البلد وثقافته. إنّ المطالعة والتعلّم اليوم، ليسا مسؤولية وطنية فحسب، بل هما واجب ديني. وعلى الناشئة والشباب أن يشعروا بالمسؤولية أكثر من الجميع. فإذا ما جاء الوقت وراج الأنس بالكتاب، فلن تكون المطالعة تكليفاً، بل سوف تُتلقّى كأمر عذب وحاجة لا تقبل التسويف، ووسيلة لتقويم الشخصية. وليس الشباب فقط من سيُقبل عليها، بل ستقبل عليها جميع الأجيال والشرائح برغبةٍ وشوق[7].

 

الكتاب جزء من لوازم الحياة

هذه العادة لم تجد لها إلى الآن مكاناً بين أبناء شعبنا، بأن يذهبوا ويشتروا كتاباً، فيقرؤوه، ومن ثمّ يعطوه لأصدقائهم أو أبنائهم ليقرؤوه أيضاً، ولربّما اشتروا كتاباً، وألقوه جانباً, أو على سبيل المثال، يهدي صديق إلى آخر كتاباً، فيرميه جانباً! في الواقع، لم تجد القراءة لها مكاناً في بلدنا, وهذا مدعاةٌ للألم الكبير. إنّنا غافلون عن مدى هذا الألم وشدّته, في حين أنّ كلّ هذه المطالب الموجودة في الأذهان، والجارية من الأقلام على الأوراق، والتي تُطبع بنفقاتٍ

 

عالية، إذا ما وُزّعت بين جميع الناس، لاحظوا كم سيرتفع مستوى ثقافة المجتمع، وما هي المنافع الّتي ستتحقّق من هذه الجهة. تعالوا والتحقوا بفرق العمل المؤثّرة بنحوٍ ما، والتي ابتدأت منذ عدّة سنوات بحثّ الناس على المطالعة, تكلّموا عنها في دعاياتكم وتصريحاتكم. ألّفوا الكتب والمقالات، انشروا… فلتُكتب القصص… ولتُنجز الأعمال الفنية، لحثّ الناس على المطالعة… وليصبح الكتاب جزءاً من لوازم الحياة[8].

 

مع كلّ هؤلاء الشعراء والكتّاب

أرى في مجتمعنا أنّ الكتاب، وللأسف، غير رائج بالمقدار الّذي يقتضيه شأن هذا المجتمع. لو كنّا مجتمعاً بلا تاريخ، مجتمعاً لا ماضي له، لا ثقافة له، ليس فيه أشخاص علماء وبارزون في المجال الثقافي، ليس فيه أناس لائقون وأذكياء ويتمتّعون برؤية ومنهج تفكير راقٍ، كبعض المجتمعات المنتشرة في أطراف العالم، لقلنا إنّ عدم ميلنا إلى الكتاب مبرّر, لكن، لماذا ينبغي أن يكون مجتمعنا على هذا النحو فيما يتعلّق بالأنس بالكتاب، وفيه كلّ هؤلاء المثقّفين البارزين والكبار، والأساتذة، والمؤلّفين، والعالمين بالكتاب، والشعراء، والكتّاب، والعلماء الكبار، والجامعيّين النوابغ؟ إنّنا ذوو سابقة في الثقافة والتاريخ. ومجتمعنا مجتمع ناضج وبالغ, وليس مجتمعاً بدائياً. وعلى شعبنا أن يكون أكثر معرفة بالكتاب[9].

 

كالأكل والنوم

لا تُعدّ المطالعة للأسف، عملاً شائعاً ويومياً، سوى بين قلّة من أهل العلم والتحصيل والأشخاص الّذين اشتغلوا بالكتاب بشكل اضطراري, في حين أنّه ينبغي للمطالعة أن تدخل حياة الناس كالأكل والنوم وسائر الأمور اليومية[10].

 

لا ينبغي للكتاب أن يبقى مختصّاً بمجموعة من أفراد المجتمع, مثلما كان في السابق حيث اقتصر الأمر على جماعة من القرّاء، وأهل الكتاب ومن يراجع الكتب, والأكثرية بعيدة عن الكتاب وفارغة البال من الاهتمام به، هذا ليس صائباً. بالطبع، قد تحسّن الوضع اليوم، ويمكن للمرء أن يستشعر ذلك[11].

 

التعوّد على الكتاب

لقد رأيت شباباً كثر، ولندع المسنّين جانباً، لا يرغبون في مطالعة الكتب حتّى الروائية منها! يقرؤون من الرواية ثمان أو عشر صفحات، ويقولون لقد ضقنا ذرعاً, في حين أنهم مستعدّون للجلوس أمام التلفاز ثلث الساعة أو نصفها لمشاهدة الإعلانات الدعائية الّتي تُبثّ قبل بدء الفيلم السينمائي! وهم غير مستعدّين لأن يقرؤا في هذه العشرين دقيقة، حتّى تلك القصّة الروائية, نحن لا نقول قراءة كتاب اجتماعي أو كتاب سياسي أو كتاب علمي! فمن أين نشأ هذا الأمر؟ إنّه ناشىء من عدم التعوّد على الكتاب. الناس لا يميلون إلى المطالعة, ومن أجل هذا عليكم التفكير في حلّ لهذه المسألة[12].

 

الثورة قليلة العمل!

هذه الثورة بعظمتها وأبعادها وآثارها العلمية هي من أضعف ثورات العالم، وأقلّها عملاً, من حيث تبيانها لأسسها الفكريّة!…

 

عندما قامت ثورة أكتوبر، كُتب على امتداد السنوات الخمسة عشر الّتي تلت، كمٌّ كبيرٌ من الكتب والأفلام والقصص والكتيّبات ــ وبمستويات مختلفة ــ عن الأصول الفكرية لهذه الثورة، بحيث لم يعد الناس في البلاد الّتي وصلت رياح الثورة إليها بحاجة إلى كتبهم! لقد شُحنت العقول إلى درجة جلس فيها مفكّرو تلك البلاد أنفسهم، وألّفوا كتباً حول مباني تلك الثورة القيمية والفكرية!

 

في العقود الثلاثة والأربعة الماضية، كم كانت الكتب الّتي ألّفها الإيرانيون باللغة الفارسية حول الأسس الفكرية للثورة الشيوعية, ذلك أنّهم كانوا قد أُشبعوا, فالسوفيات كتبوا كثيراً بحيث أنّ كلّ المفكّرين الّذين كانوا بنحو ما على ارتباط بهم من الناحية الفكرية أُشبعوا فكريّاً. ومن ثمّ يأتي امرؤ، كاتب على سبيل المثال أو مفكّر أو متنوّر، يجد حماسة في نفسه، ويكتب مواضيع في هذا المجال، هذا عدا عن الترجمات الكثيرة لآثارهم الّتي قد تُرجمت. ما العمل الّذي أنجزناه نحن؟ العمل الّذي أنجزناه في هذا المجال هو في الواقع قليلٌ جدّاً, أحياناً يخجل الإنسان من القول أنّه “في حدود الصفر”، لأنه في الواقع، هناك أشخاص قد أنجزوا أعمالاً بكلّ إخلاص. أمّا إذا لم نشأ ملاحظة هذه النواحي العاطفية، فينبغي أن نقول: ذرّة فوق الصفر!. لقد مضى على الثورة إحدى عشرة سنة, كان من الجيّد أن يكون هناك مئات الكتّاب الإسلاميّين الّذين يكتبون أسس الثورة…كان علينا أن نعدّ مثل هؤلاء، ولم نفعل[13].

 

كتب دينية دون إفراط ولا تفريط

المسألة الأخرى الّتي قصّرنا فيها أيضاً، والتي ربّما هي غير قابلة للتصديق، هي الكتب الدينية! لعلّنا نقصّر وللأسف، في العمل على الكتب الدينية والمسائل الإسلامية! هذه المتون الإسلامية قيّمة جدّاً. إنّنا بحاجة إلى كتب في مستوى كتب الشهيد مطهّري، تبيّن المسائل الأساسية للإسلام برؤية صائبة وبعيدة عن الانحراف والإفراط والتفريط، بلغة مفهومة لفئات المجتمع المتوسّطة، فلا يكون الملاك فيها التوجّه إلى العلماء والمفكّرين، ولا المستويات الدنيا… ومن الواجب عليّ هنا، مع التسليم والإذعان لمقام الحوزات العلمية الرفيع، وخاصّة الحوزة العلمية في قم، في نشر الأفكار والمعارف الإسلامية، أن أوجّه خطابي إلى تلك الحوزة، وأقول: إنّكم ــ هنا ــ من يجب عليه تلبية هذه الحاجة، بالطبع ليس بالمعنى الحصريّ، لكن على أيّة حال، القاعدة هي قم. هذه هي المجالات الّتي ينبغي، بنظري، العمل عليها[14].

الثورة بلا رواية

باعتقادي أنّه لا يمكن لأيّ مدوَّن تاريخيّ كُتب حول ثورة أكتوبر البلشفية أن يضاهي تلك الروايات الّتي أُلّفت حول تلك الحقبة التاريخيّة. إن كنتم قرأتم تلك الروايات سوف تفهمون ما أقول. خذوا مثلاً رواية “الدون الهادئ”. لا أعلم إن كنتم قرأتم أيّها السادة تلك الرواية أم لا. هذه الرواية، كانت من الروايات الدعائية للماركسيّين في عهد نظام الشاه القمعي. وعلى الرغم من أنّ هذا الكتاب كان رواية، إلاّ أنّهم كانوا يتناقلونه فيما بينهم على نحو الدعاية

 

ويطالعونه!… هؤلاء قد كتبوا بصورةٍ، ووصفوا الثورة بطريقةٍ، يمكنكم من خلالها الاطلاع على أبعادها بعظمة. بالطبع، يمكن إدراك نقاط ضعفها أيضاً في هذه الكتب نفسها, مع أنّ ما كُتب لم يُكتب من أجل بيان نقاط الضعف. ماذا كتبنا نحن في هذا المجال؟ بالطبع، قد كُتب، لقد كُتِبت أشياء, .. لقد كُتب حول الثورة كتاب يتناول تلك الصباحات المعدودة قبل مجيء الإمام إلى إيران، وهو أيضاً كذب ومخالف للواقع! نحن الّذين عايشنا هذه الثورة وكنّا في أزقّة طهران وشوارعها وفي أماكن أخرى، عندما نقرأ هذا الكتاب نرى أنّه كذب محض، فقد انتقوا ما يتناسب ووجهات نظرهم ومن ثمّ كتبوه[15].

 

“جلال” طليعة الروائيّين الإيرانيّين

منذ مطلع القرن الشمسي الحالي، أي منذ حوالي الستين والسبعين سنةً الماضية حتّى الآن، كنّا حين ننظر إلى روائيّينا، …نرى أنّهم واقعاً، بعيدون عن الفنّ, أي أنّ لديهم خامات، لكن لا يمكن مقارنتها بالروايات المنتشرة في العالم بأيّ وجه. بالطبع، بعد ذلك، حين وصل الأمر إلى أمثال “آل أحمد”، تحسّنت الأوضاع بفضل تلك الواقعية، والتحرّق، والدافع والإيمان. فبحسب تقييمي الشخصي، وعلى حدّ علمي، أرى رواية “آل أحمد”، بحقّ، طليعة الروايات الفارسية عندنا, وهي أفضل من كلّ الروايات الأخرى, ومع أنّ الآخرين كتبوا، إلاّ أنّهم لم يكتبوا شيئاً ذا قيمة… فإذا تابعتم رعاية هذه الغرسة الجديدة وهذا التوجّه الجديد، فسوف يتحقّق ما نحن بحاجة إليه اليوم, أي أنّ الرواية وكتابة القصّة في إيران سوف تتطوّر وترتقي[16].

 

الكتابة من كلّ وادٍ عصا

لقد سعى بعضٌ بالطبع، إلى كتابة قصّة طويلة وقد فعل, لم تكن سيّئة من حيث المظهر والشكل الخارجي، لكنّها ليست شيئاً مقارنةً مع القصص الراقية المنتشرة في العالم اليوم، كـ “البؤساء” لفكتور هيغو، و “الحرب والسلم” لتولستوي والقصص الّتي كُتبت عن الثورة البلشفية: كانت تقليداً للقصة. يكتبون قصصاً طويلة، لكن عندما ينظر المرء إليها يرى رسم لوحة مقلّدة عن لوحة حقيقية, ومن الواضح أنّها لا تحتوي على أيّ حيوية طبيعيّة. فلنُعرض الآن عن الإشكالات الكثيرة الّتي تحويها هذه القصص من حيث المضمون، والتي كتبها مؤخّراً، (في السنوات الخمسة عشر الأخيرة)، أولئك المخالفون للفكر الإسلامي ونشروها، فإنّ قصصهم كذب وبعيدة عن الواقع.

 

عندما تقرؤون على سبيل المثال “البؤساء” و”الحرب والسلم” أو قصص إميل زولا[17]، يمكنكم التعرّف على أوضاع ذلك المجتمع الروسي أو الفرنسي أو الإنكليزي أو أيّ مكان آخر من خلال هذه القصّة, أي أنّ الإنسان يمكنه العثور في هذه القصص على أمور ليست موجودة في كتب التاريخ، في حين أنّ الأمور الّتي تناولها هؤلاء السادة (بعض الكتّاب الإيرانيّين) في قصصهم لا وجود لها في الخارج على الإطلاق! تلك القرية الّتي يصوّرها هؤلاء في قصصهم، لا وجود لها في إيران مطلقاً… لقد قرأت معظم كتابات هؤلاء. وقد قرأت كتاباً فوجدته يتكلّم عن قرية. القصّة تقع في إحدى القرى, لكن من حيث وضع الناس، فلا وجود لمثل هذه القرية في العالم على الإطلاق! وبالخصوص

 

في المنطقة الّتي تكلّم عنها ذلك الشخص، منطقتي أنا، “خراسان”. كنّا نعيش حياتنا في تلك المناطق. ونعرف قرى تلك المنطقة, لا وجود لمثل تلك القرية من الأساس! قرية يوجد فيها بيت دعارة، ولا وجود فيها لمسجد! هل تعرفون مثل هكذا قرية؟! في أيّ منطقة من إيران توجد مثل هكذا قرية؟! وهذا غير ما كتبه ذاك الكاتب الفرنسي عندما يصوّر قرية فرنسية، فإنّه يصوّرها بواقعية، ويبيّن الوقائع. لذا عندما تقرؤونها، تدركون أيّ حقائق كانت تحدث في قرى ومدن وبيوت ومناطق باريس نفسها، وراء ستار بهارج الحضارة الفرنسية في القرن التاسع عشر. فلماذا حصل هذا هنا؟ ينشأ عن كون روح الفنّ لا تكبر وتنمو في الكاتب (الإيراني) هذا على الإطلاق. كما قد يحدث ويأتي شخص صاحب ذوق، ويريد أن يكتب شيئاً، لكنّه لا يملك المصدر اللازم لذلك العمل، فيقرّر التقليد ويأتي بأشياء من هنا وهناك، ومن كلّ وادٍ عصا وينتج شيئا ما ! أَلَيْس هذا نقصاً فينا؟[18]

 

املؤوا الفراغ بالترجمات الجيّدة

في مقولة القصّة والرواية نفسها،… تعلمون أنّني مهتم إلى حدٍّ ما بهذا الموضوع. واقعاً، إنّ أيدينا فارغة. ليس لدينا داخل بلدنا أيّ عمل كبير. الأعمال الكبرى في هذا المجال موجودة في البلاد والشعوب الأخرى، وإنّنا لا نملك شبيهاً لها على الإطلاق, لا شبيه لما للفرنسيّين، ولا للروس، ولا لبعض الشعوب الأخرى! وهذه فراغات ينبغي أن تُملأ, وإلى أن يتم ملؤها، يمكننا الاستفادة من الترجمات الجيّدة[19].

 

مستعدٌّ لأوجّه الشكر مئة مرّة

بالطبع، إنّ مستوى توقّعاتي ليست بهذا الحجم الكبير أيضاً، بحيث تقولون إنّ كلّ ما هو دون مستوى “البؤساء” فهو مرفوض, فإذا ما ألّف أحدٌ اليوم في هذا البلد قصّةً، وكانت أقل من مستوى “البؤساء” بدرجتين، فإنّني مستعدّ لشكره مئة مرّة. لكن حتّى هذا المستوى وللأسف، ليس متوفّراً لدينا[20].

 

جِدُوا وترجموا

إنّنا في مجال الأدب, نعاني من شُحٍّ كبير في الكتب، وفي مجال القصّة والفنّ هناك أيضاً نقصٌ كبير، وكذا في مجال الرواية والترجمات الراقية، لا يمكن القول إنّ كلّ هؤلاء الكتّاب الكبار الموجودين اليوم (في العالم) والّذين يمارسون الكتابة, يكتبون الروايات، والقصص، وحتّى التحقيقات التاريخية، سوف تنتهي كتاباتهم جميعاً ضدّنا, لا، فهناك الكثير ممّا يمكن أن ينفعنا, ينبغي العثور على هذه الكتابات وترجمتها. لقد نُشرت هذه الأيّام رواية باسم “بطرسبرغ”، وهي عبارة عن مجلّدين أو ثلاثة، للكاتب “ألكسي تولستوي”. هذه الرواية، رواية قوية جدّاً في عرض سيرة بطرس. برأيي، إذا ما ترجم مترجم قدير هذا الكتاب، فإنّه يمكن أن يكون كتاباً مفيداً، حتّى بالنسبة لأدب مجتمعنا الحالي, إلا أنّه لا يتم التعامل بهذا الأسلوب[21].

 

التأخّر في كتابة النصوص المسرحية

كان في اليونان، قبل ميلاد المسيح، كتّاب مسرحيّون، وهناك نصوص مسرحية لا تزال موجودة إلى الآن وقد طُبعت أيضاً باللغة الفارسية، وتُرجم بعضها، وقد قرأت بعضها أيضاً. منذ ذلك الوقت، لا تزال كتابة النصوص المسرحية تنمو وتتطوّر في محيط أدب الثقافة الغربي، ونحن الآن لا نمتلك هذا الفنّ!… ينبغي علينا الإسراع في اللحاق بالركب[22].

 

هل الطهرانيون فقط هم الكتّاب؟

لقد نظرت فرأيت أنّ معظم هذه الكتابات هي حول فيلق محمّد رسول الله،… ولا خبر عن الفيالق الأخرى الّتي كان لها كلّ هذه الأدوار في الحرب على الإطلاق. لقد انبرى السادة الطهرانيّون وذهبوا إلى الجبهة، واستقرّوا في فيلقهم, بعدها عادوا وكتبوا هذه الكتابات! … في ألوية أصفهان، لواء النجف، ولواء الإمام الحسين عليه السلام ، ولواء النصر ـ مشهد، ولواء الإمام الرضا عليه السلام ، ولواء ثار الله، ولواء الفجر، والألوية المتنوعة المنتشرة في كلّ مكان، عالمٌ من الثورة والحماسة, فلأيّ سبب لا يمكنهم أن يكتبوا ؟[23]

 

أدب ضدّ الحرب

لقد صدرت في بلدنا هذا، الّذي هو ــ وبحسب قولكم ــ منبع الأدب المقاوم، كتابات أدبيةٌ ضدّ الحرب من قبل أناس مغرضين! ففي سنة 82 و83 م

 

كتب ذلك السيّد… كتاب الأرض المحروقة، الّذي هو ضدّ الحرب بالكامل، ولا يوجد فيه أيّ أفكار ثوريّة على الإطلاق! كما أنّ له كتاباً آخر ضدّ الثورة… رواية طويلة مؤلّفة من ثلاثة مجلّدات. لا أريد الآن أن أذكر اسمه، فمن لم يسمع به إلى الآن، فليبقَ دون أن يسمع به. لقد تعجّبت عندما رأيت في إحدى الصحف الخاصّة أنّ أحد الإخوة كتب كتاباً حول أدب الحرب، وقدّم كتاب “الأرض المحروقة” كواحدٍ من أوائل الكتب الّتي عُنونت تحت باب أدب الحرب! لماذا ينبغي أن يكون الوضع على هذا النحو؟..[24].

 

 

 

 

 

[1] – في لقاء له بالقيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

[2] في لقاء له بأعضاء مجلس دراسة وانتخاب كتاب الدفاع المقدّس، 23/5/1994م.

[3] من خطاب له في جمع من طلاب جامعة طهران،12/5/1998م.

[4] في لقاء له بالقيّمين على إحياء أسبوع الكتاب،21/10/1996م.

[5] مراسم افتتاح معرض طهران الدولي الأوّل للكتاب، 5/11/1987م.

[6] في لقاء له بوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومسؤولي الوزارة،25/11/1992م.

[7] رسالة بمناسبة ابتداء أسبوع الكتاب، 25/12/1993م.

[8] في لقاء له بأعضاء هيئة التحرير في مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 8/5/1995م.

[9] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السابع للكتاب، 10/5/1994م.

[10] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي الثالث للكتاب، 9/5/1990م.

[11] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السابع للكتاب، 10/5/1994م.

[12] في لقاء له بالقيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

[13] في لقاء له بمجمع ممثّلي طلاّب وفضلاء الحوزة العلمية في قم،28/11/1989م.

[14] من خطبة له في مراسم الدورة الخامسة لانتخاب كتاب العامّ، 8/2/1988م.

[15] في لقاء له بوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومسؤولي الوزارة، 25/11/1992م.

[16] في لقاء له بأعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992.

[17] إميل زولا (1840 ـ 1902) Emile Zola.

[18] في لقاء له بوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومسؤولي الوزارة، 25/11/1992م.

[19] في لقاء له بالمدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 27/7/1992م.

[20] في لقاء له بالمدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 9/11/1997م.

[21] في لقاء له بمجمع ممثّلي طلاّب وفضلاء الحوزة العلمية في قم، 28/11/1989م.

[22] من خطبة له في مراسم الذكرى السابعة لتأسيس منظمة الإعلام الإسلامي، 22/6/1988م.

[23] في لقاء له بأعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992م.

[24] في لقاء له بكتّاب وفناني المجمع الفنّي في منظمة الإعلام الإسلامي، 23/5/1998م.

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...