ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ١٦١ – ١٨٠
افتراؤهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه شهد بشفاعة الأصنام وسجد لها!
فقد زعم رواتها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مدح أصنامهم وسجد لها! وتبنت صحاح الخلافة القرشية رواية هذه الفرية مع الأسف!
قال السيوطي في الدر المنثور:٤/٣٦٦: (وأخرج البزاز والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله (ص) قرأ أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى! ففرح المشركون بذلك وقالوا قد ذكر آلهتنا! فجاء جبريل فقال: إقرأ على ماجئتك به، فقرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى! فقال ما أتيتك بهذا! هذا من الشيطان فأنزل الله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته…)!
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير..الخ.! ا هـ.
وزعمت رواياتهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سجد للأصنام! (فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى، فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه!! فلما بلغ رسول
الله (ص) آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك!! ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة فأنزل الله: وما أرسلنا من قبلك…)!!
وفي بعض رواياتهم: (ألقى الشيطان على لسانه: وهي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى، فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص فإنه أخذ كفاً من تراب فسجد عليه وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير! فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة أن قريشاً قد أسلمت فأرادوا أن يقبلوا، واشتد على رسول الله (ص) وعلى أصحابه ما ألقى الشيطان على لسانه فأنزل الله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي..الآية). وقد رواها في مجمع الزوائد: ٦/ ٣٢ و: ٧ /٧٠ ورواها البخاري ومسلم لكنهما حذفا جزءاً يسيراً منها!
ففي البخاري:٢/٣٢: (عن عبد الله أن النبي (ص) قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد! فأخذ رجل من القوم كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال يكفيني هذا) ونحوه في مسلم:٢ / ٨٨!!
وبذلك نعرف من أين أخذ المستشرقون وسلمان رشدي ما كتبوه!!
الأسئلة
١ ـ ما حكم من يزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خان الرسالة واتبع الشيطان ومدح الأصنام وسجد لها؟!
٢ ـ كيف تثقون بمصادركم التي تنسب هذه الفرية العظيمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
٣- هل عرفتم من أين دخلت الإسرائيليات والقرشيات الى مصادركم، وصارت منفذاً للمستشرقين للطعن في الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
٤- ما رأيكم في روايات البخاري في أول كتابه عن عائشة عن أحد الطلقاء، تحت عنوان (باب كيف كان بدء الوحي) من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن واثقاً بنبوته، وأنه جاء من جبل حراء وهو يرتجف، فأخذته خديجة الى النصراني ورقة بن نوفل فطمأنه أنه نبي!
قال البخاري فيما قال: (عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله (ص) من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالى ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ث، م يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال إقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: إقرأ. قلت: ما أنا بقارئ،
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: إقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني! فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم،فرجع بها رسول الله (ص) يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما خزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجةوكان امرأً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم إسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله (ص) ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك! فقال رسول الله (ص) أوَمخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي)! انتهى.
فهل هذا الأفق البدوي الملبد هو الصحيح في لقائه (صلى الله عليه وآله وسلم) بجبرئيل (عليه السلام)، أم الأفق المبين الذي قال فيه تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِى قُوَةٍ عِنْدَ ذي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ.
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ. وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ. وَمَا هُوَعَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ). (سورة التكوير: ١٩ ـ ٢٤)؟!
المســألة: ٤٧
لم ترو مصادرهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يبغض اللات والعزى!
من افتراءات مصادرهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان قبل بعثته يحب أصنام قريش اللات والعزى ومناة وهبل، وكان يأكل من لحم القرابين التي تذبح لها وأن زيداً بن عمرو بن نفيل الذي هو ابن عم عمر، كان ينهاه عن ذلك!
ففي مجمع الزوائد:٩/٤١٧: (باب ماجاء في زيد بن عمرو بن نفيل… قال فمر زيد بن عمرو بالنبي (ص) وزيد بن حارثة، وهما يأكلان من سفرة فدعياه، فقال: يا ابن أخي لاآكل ما ذبح على النصب! قال فما رؤي النبي (ص) يأكل ما ذبح على النصب من يومه ذلك حتى بعث)!! (ورواه البخاري:٤/٢٣٢ ونحوه في: ٦/٢٢٥ وأحمد:١/ ١٨٩ و:٢/ ٦٨ و٨٩ و١٢٧)
وعلى هذه الروايات الصحاح والحسان عندهم يكون زيد بن عمرو بن نفيل أتقى من نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأولى بالنبوة منه، لأنه الوحيد الذي كان على ملة ابراهيم (عليه السلام) وليس نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا أباه وجده عبد المطلب (عليهما السلام)!!
ويكون ابن عمه عمر أيضاً أهلاً للنبوة حيث رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر. وأنه قال: لوكان نبي بعدي لكان عمر. وأنه قال: قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر. وأنه قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه!
ورووا على لسان علي (عليه السلام) أنه قال: كنا نتحدث إن ملكاً ينطق على لسان عمر.
ووضعوا على لسان ابن مسعود أنه قال: لو وضع علم عمر في كفة وعلم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر). (راجع الغدير: ٦ /٣٣١) فالنبوة في الأصل من حق بني عدي ولكن الحظ جعلها لبني هاشم!
وقد تفضلت بعض رواياتهم فاعترفت بشئ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة وقالت إن خديجة هي التي كانت تعبد اللات والعزى وتحث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عبادتهما، فكان يمتنع من ذلك!
قال أحمد في مسنده:٤/٢٢٢و:٥/٣٦٢: (عن عروة بن الزبير (ابن أخت عائشة) قال: حدثني جار لخديجة بنت خويلد أنه سمع النبي (ص) وهو يقول لخديجة: أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزى والله لا أعبد أبداً! قال فتقول خديجة:خل اللات خل العزى. قال: كانت صنمهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون)!! انتهى.
وكل ذلك عملٌ يقصد منه المساس بشخصية النبي وأجداده (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل تكبير شخصية الحاكم وأقاربه!!
أما مصادرنا فقد روت الحقيقة، وهي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكره الأصنام من صغره، قال الصدوق (قدس سره) في قصة الراهب بحيرى إنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ياغلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتنيها. فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذكر اللات والعزى وقال: لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئاً كبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي!
فقال بحيرى: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني.
فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني
بإلهي وإلهك الذي ليسكمثله شي. فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده، فانكب عليه بحيرى فقبل رجليه وقال: يابني ماأطيبك وأطيب ريحك، يا أكثر النبيين أتباعاً…الخ.) (كمال الدين:١/١٨٤)
الأسئلة
١ ـ هل تعتقدون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعبد الأصنام ويأكل من لحم قرابينها قبل بعثته؟
٢ ـ مادمتم تعتقدون أن زيداً بن عمرو بن عم عمر، كان أوعى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتقى، فلماذا لم يبعثه الله نبياً وبعث الأقل منه درجة؟!
٣ ـ عندما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان زيد بن نفيل موجوداً فلماذا لم يسلم؟
أم تعتقدون أنه يوجد أشخاص لايحتاجون إلى نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهم زيد، ومنهم عمر الذي كان يعترض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوجهه فينزل الوحي موافقاً لرأي عمر؟!
٤ ـ هل تقبلون أحاديث عائشة في حق خديجة (عليها السلام) ، مع أن عائشة تصرح بأنها كان تغار منها غيرة عمياء وتكرهها! وهل تقبلون من ذلك أن جبرئيل جاء الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره أن يبشر خديجة من الله تعالى ببيت في الجنة لالغو فيه ولا صخب، فجعلته عائشة بيتاً من قصب؟!!.
المســألة: ٤٨
بعض الصحابة كانوا يقسمون باللات والعزى!
تدل مصادر الفقه السني على أن عادة القسم باللات والعزى بقيت في أذهان القرشيين وعلى ألسنتهم حتى بعد إسلامهم!
فقد روى البخاري: ٦/٥١: (عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق). انتهى. (ورواه أيضاً في: ٧/٩٧ و١٤٤ و٢٢٢ و٢٢٣، ومسلم:٥/٨١ و٨٢، وابن ماجة: ١/٦٧٨)
وروى ابن ماجة بعده عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: حلفت باللات والعزى فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم انفث عن يسارك ثلاثاً، وتعوَّذ ولا تعد). (ورواه أبو داود في:٢/٩٠، والترمذي: ٣/ ٤٦ و٥١، والنسائي في: ٧/٧، وأحمد:١/١٨٣ و١٨٦ و:٢/ ٣٠٩، والبيهقي:١/ ١٤٩ و:١٠/٣٠، ومالك في المدونة: ٢/١٠٨).
الأسئلة
١ ـ هذا يدلنا على أن الصحابة كانوا حديثي عهد بالإسلام، وأن رواسب الجاهلية حتى في عبادة الأصنام كانت ما تزال في مشاعرهم وعلى ألسنة بعض كبارهم كسعد بن أبي وقاص.
ومن يخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لابد أن يكون نقياً من هذه الرواسب الجاهلية، كرم الله وجهه عن السجود للأصنام، فهل تعرفون هذه الصفة في غير علي (عليه السلام)؟!
٢ ـ نحن نفتي بأن اليمين الشرعي لاينعقد إلا بالله تعالى، ومن حلف بغيره فلا يمين له ولا شئ عليه. وقد أفتى ابن قدامة في المغني:١/١٦٩ و:١١/١٦٢ وابن حزم في المحلى: ٨/٥١، بأن من حلف باللات والعزى فلا شئ عليه إلا الإستغفار، وعلله في:١١/ ١٦٣ بقوله: (لأن الحلف بغير الله سيئة والحسنة تمحو السيئة، وقد قال الله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات، وقال النبي (ص): إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها. ولأن من حلف بغير الله فقد عظم غير الله تعظيماً يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى، ولهذا سمي شركاً لكونه أشرك غير الله مع الله تعالى في تعظيمه بالقسم به، فيقول لا إله إلا الله توحيداً لله تعالى وبراءة من الشرك).
فهل تفتون بذلك وأن من حلف بصنم لايخرج عن الملة ولا شئ عليه إلا التهليل، وتقولون إن من حلف بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بأحد من عترته (عليهم السلام) فهو مشرك يخرج من الملة؟!
المســألة: ٤٩
فسروا لنا هذا الحديث الصحيح عندكم في اللات والعزى!
في صحيح مسلم:٨/١٨٢: (عن عائشة قالت سمعت رسول الله (ص) يقول: لايذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى! فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) أن ذلك تاماً؟ قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله). انتهى. (ورواه الحاكم:٤ /٤٤٦ و٥٤٩ وقال في الموردين:هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ورواه البيهقي في سنه: ٩/١٨١ والهندي في كنز العمال:١٤/٢١١. وقال عنه السيوطي في الدر المنثور: ٦/٦١: وأخرج مسلم والحاكم وصححه.. وقال عن الحديث الأول في: ٣ / ٢٣١ أخرج أحمد ومسلم والحاكم وابن مردويه عن عائشة). انتهى.
الأسئلة
١ ـ كيف تفسرون هذا الحديث الصحيح عندكم أي قطعي الصدور عن النبي الصادق الأمين الذي لاينطق عن الهوى (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وهل عبدت قريش اللات والعزى بعد أن توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو سوف تعبدهما في المستقبل؟
٢ ـ ألا يحتمل أن يكون ذلك إخباراً نبوياً بأن قريشاً ستطيع شخصين من دون الله تعالى يكون تأثيرهما عليها كتأثير اللات والعزى عليها في الجاهلية؟!
٣- لماذا اختار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللات والعزى دون
غيرهما من الأصنام، واختار قريشاً دون غيرها من العرب؟
المســألة: ٥٠
لماذا تردون الأحاديث الصحيحة في تفسير
المقام المحمود لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)
بالشفاعة وتفسرونه بالإسرائيليات؟!
قال الله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىأَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (سورة الإسراء: ٧٩)، وقد فسره أهل البيت (عليهم السلام) بأنه مقام رئاسة المحشر والشفاعة.
قال الصدوق في (التوحيد) ص٢٥٥ ـ ٢٦٢ في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
(ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض، فذلك قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب). انتهى.
أما السنيون فكانوا قبل أن تقوى شوكة الحنابلة موافقين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، قال الرازي في تفسيره:١١جزء٢١/٣١: قال الواحدي: أجمع المفسرون على أنه (المقام المحمود) مقام
الشفاعة). انتهى. وهو ما يفهم من رواية البخاري:٥/٢٢٨ و:٨ /١٨٤، وابن ماجة:١/ ٢٣٩، وهو صريح: ٤/٣٦٥ رواية الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) في قوله: (عَسَىأَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) وسئل عنها قال: هي الشفاعة). انتهى.
وأما الحنابلة فقد ردوا هذه الأحاديث الصحيحة وأشربوا في قلوبهم حب الإسرائيليات التي تصف الله تعالى بأنه يجلس علىالعرش والأنبياء (عليهم السلام) حوله فقالوا إن المقام المحمود أن الله تعالى يقعده على العرش إلى جنبه!
وقد وجدوا ما يتشبثون به من أقوال تلاميذ كعب الأحبار، وما رواه عنه عمر من أن العرش يبقى منه أربعة أصابع تتسع لجلوس نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
قال عالمهم ابن أبي عاصم في كتاب السنة ص٣٠٥: (٦٩٥ ـ حدثنا أبو بكر، ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً. قال يقعده معه على العرش). انتهى.
وزاد عليه الخلال الحنبلي في كتابه السنة:١/ ٢١٥، فحكم بكفر كل من أنكر إقعاد الله تعالى لنبيه على العرش إلى جنبه لأنه بزعمهم ينكر فضيلة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو زنديق يجب قتله!!
ونتج عن ذلك فتن كثيرة في بغداد وغيرها، وصف ابن الأثير إحداها في تاريخه: ٥/١٢١ بقوله: (في سنة ٣١٧ هـ وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين غيرهم من العامة ودخل كثير من الجند فيها، وسبب ذلك أن أصحاب المروزي قالوا في تفسير قوله تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاماً
محموداً، هو أن الله سبحانه يقعد النبي (ص) معه على العرش! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة، فوقعت الفتنة فقتل بينهم قتلى كثيرة).
وذكرها الذهبي في تاريخ الاسلام: ٢٣/٣٨٤، وأنها كانت بسبب تفسير آية المقام المحمود، حيث قالت الحنابلة إنها تعني أن الله يقعده على عرشه كما قال مجاهد. وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمى).انتهى.
وجاء ابن تيمية في القرن الثامن فأحيا تجسيم الحنابلة، وتبنى مقولة قعود النبي على العرش مع الله تعالى! (منهاج السنة:١/٢٦٤)!!
وتبعه ابن القيم في ذلك (بدائع الفوائد:٤/٣٩)!! ونسب القول به إلى الطبري!
لكن الشيخ محمود أبو رية كذبه في كتابه أضواء على السنة المحمدية ص١٩٠ فقال في هامشه: (نقلنا هذا الخبر عن ابن القيم في الطبعة الثانية، ولكن تبين أن ابن القيم هذا وهو حنبلي لم يكن صادقاً فيما نسبه إلى ابن جرير الطبري، فقد جاء في تاريخه الذي ذكره صاحب معجم الأدباء (ج١٨/٥٧ـ٥٩) أنه لما قدم إلى بغداد من طبرستان تعصب عليه قوم وسأله الحنابلة عن حديث الجلوس على العرش فقال: أما حديث الجلوس على العرش فمحال، ثم أنشد:
سبحان من ليس له أنيسُ | ولا له في عرشه جليسُ |
فلما سمع ذلك الحنابلة وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم فدخل داره، فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل
العظيم، فركب صاحب الشرطة في عشرات (ألوف) من الجند يمنع عنه العامة ووقف على بابه يوماً إلى الليل، وأمر برفع الحجارة، وكان قد كتب على بابه هذا البيت الذى أوردناه آنفاً، فأمر صاحب الشرطة بمحوه وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث هذه الأبيات:
لأحمد منزلٌ لا شكَّ عالٍ | إذا وافى إلى الرحمن وافد |
فيدنيـه ويقعـده كريماً | على رغم لهم في أنف حاسد |
على عرش يغلفه بطيب | على الأكباد من باغ وعاند |
له هذا المقام الفرد حقاً | كذاك رواه ليث عن مجاهد |
وتبع ابن تيمية في هذه العقيدة ابن عبد الوهاب وجماعته!لكن الألباني تشجع وخالفهم فقال: (إن قول مجاهد هذا وإن صح عنه لايجوز أن يتخذ ديناً وعقيدة ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة، فياليت المصنف إذ ذكره عنه جزم برده وعدم صلاحيته للإحتجاج به، ولم يتردد فيه). انتهى. (البشارة والإتحاف للسقاف ص٢٧)
وليت الألباني استكمل شجاعته فشهد بأن فكرة قعود الله تعالى على العرش وإقعاد الأنبياء (عليهم السلام) حوله فكرة يهودية، جاءت من كعب الأحبار إلى عمر ثم إلى مجاهد!
وقد شهد بذلك الشيخ محمود أبو رية ونقل في كتابه القيم أضواء على السنة المحمدية ص١٩٠ عن كتاب العقيدة والشريعة للمستشرق جولد تسيهر ص٤٢ و٤٣ قال: (وهناك جمل أخذت من العهد القديم والعهد الجديد
وأقوال للربانيين، أو مأخوذة من الأناجيل الموضوعة وتعاليم من الفلسفة اليونانية، وأقوال من حكم الفرس والهنود، كل ذلك أخذ في الاسلام عن طريق الحديث حتى لفظ (أبونا) لم يعدم مكانه في الحديث المعترف به، وبهذا أصبحت ملكاً خالصاً للاسلام بطريق مباشر أو غير مباشر! وقد تسرب إلى الاسلام كنز كبير من القصص الدينية حتى إذا ما نظرنا إلى المواد المعدودة في الحديث ونظرنا إلى الأدب الديني اليهودي فإننا نستطيع أن نعثر على قسم كبير دخل الأدب الديني الاسلامي من هذه المصادر اليهودية). انتهى.
وهي كذلك عقيدة مسيحية، ففي قاموس الكتاب المقدس ص٧٩٥: (وقد وصف يسوع بأنه رئيس كهنة المؤمنين العظيم الذي نضح قدس الأقداس السماوي بدمه، والذي جلس عن يمين الأب هناك حيث هو الآن يشفع فيهم). (عب ٤: ١٤ و٧: ٢٥ و٩: ١٢) الخ.
الأسئلة
١ ـ ماهي عقيدتكم في قعود الله تعالى على العرش، وإقعاده نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جنبه؟
٢ ـ هل تكفرون المسلمين لأنهم لايوافقونكم على هذه العقيدة اليهودية؟
٣ ـ هل تكفرون إمامكم الألباني لأنه أنكرها، وتتبرؤون منه وتفتون بإحراق كتبه، وتنبشون قبره وتخرجونه من مقابر المسلمين كما منعتم الطبري من الدفن فيها؟!