عنه السيوطي في الدر المنثور: ٥/٢٥١: وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في اللأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة… الخ).
ومن الواضح أن عثمان وعائشة اعتمدا على كعب الأحبار وعمر، أو على فهمهما للآيات، حيث لم يذكرا رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولم أجد من خالف توسيع عمر وكعب بصراحة إلا الحسن البصري!
قال السيوطي في الدر المنثور:٥/٢٥٢: (وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار أنه تلا هذه الآية:ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، إلى قوله: لغوب، قال: دخلوها ورب الكعبة. وفي لفظ قال: كلهم في الجنة، ألا ترى على أثره والذين كفروا لهم نار جهنم فهؤلاء أهل النار. فذكر ذلك للحسن فقال: أبت ذلك عليهم الواقعة!
وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله: جنات عدن يدخلونها قال: دخلوها ورب الكعبة، فأخبر الحسن بذلك فقال: أبت والله ذلك عليهم الواقعة). انتهى.
يقصد الحسن البصري أن التقسيم الثلاثي للمسلمين الذي ورد في سورة الواقعة يردُّ تفسير كعب وعمر وهو قوله تعالى:وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَاأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَاأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. (سورة الواقعة: ٧ ـ ١٢)
وكلام الحسن البصري يدل على أن توسيع عمر وكعب لورثة الكتاب كان برأيهما وليس عندهما حديث نبوي، وكلامه قوي لأن الخطاب عنده في الآية للمسلمين، ولوكان
المقصودبالمصطفين الذين أورثهم الله الكتاب كل المسلمين لكانوا جميعاً من أهل الجنة، ولما بقي معنى لتقسيم المسلمين في سورة الواقعة إلى سابقين وأصحاب يمين في الجنة، وأصحاب شمال في النار.
الأسئلة
١ ـ كيف تفسرون الآية؟ ومن هم هؤلاء الذين اصطفاهم الله وأورثهم الكتاب وحكم بأن أقسامهم الثلاثة من أهل الجنة؟
٢ ـ ما هو الدافع لعمر وكعب الأحبار لتوسيع الآية لجميع المسلمين؟
٣ ـ هل تعتبرون ما رواه الحاكم:٢/٤٢٦، تأييداً لقول عمر: (عن أبي الدرداء (رض) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول في قوله عز وجل: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، قال: السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب، والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة.
ثم قال الحاكم: وقد اختلفت الروايات عن الأعمش في إسناد هذا الحديث فروي عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء (رض)، وقيل عن شعبة، عن الأعمش، عن رجل من ثقيف، عن أبي الدرداء. وقيل، عن الثوري أيضاً عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت، عن أبي الدرداء وإذا كثرت الروايات في الحديث ظهر أن للحديث أصلاً). انتهى.
٤ ـ كيف يصح الإستدلال بمثل هذا الحديث
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو لو صح فإنما يدل على أن ورثة الكتاب المصطفين كلهم في الجنة، ولايدل على أن هؤلاء المصطفون هم كل الأمة؟!
المســألة: ٥٥
هل تقبلون عقيدة فداء المسلمين باليهود والنصارى يوم القيامة؟
روى مسلم:٨ /١٠٤: (عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول هذا فكاكك من النار)!!
(ورواه ابن ماجة:٢/١٤٣٤ عن أنس وزاد في أوله (إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها) وروى السيوطي نحوه في الدر المنثور: ٥/٢٥١ عن ابن أبي حاتم والطبراني، ومجمع الزوائد:٧/٩٥ وقال: رواه الطبراني وفيه سلامة بن رونج وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات. وفي أحمد:٤/٤٠٧ و٤٠٨ و:٤/٣٩١ و٣٩٨ و٤٠٢ و٤١٠ بروايات متعددة، وكنز العمال:١/٧٣ و٨٦ و:١٢/ ١٥٩ و١٧٠ـ١٧٢ و:٤/١٤٩ عن مصادر متعددة).
والظاهر أن هذه المقولات ردةُ فعل من بعض المسلمين على زعم اليهود بأنهم لاتمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم يخلفهم فيها المسلمون! فاخترع لهم أبو موسى الأشعري أو غيره نظرية فداء المسلم من النار بيهودي أو نصراني! كما يفعل المجرم فيفدي نفسه من مشكلة تحصل له في الدنيا بأن يجعلها في رقبة غيره زوراً وبهتاناً!!
وفي الدر المنثور:١/٨٤: (وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: اجتمعت يهود يوماً فخاصموا
النبي (ص) فقالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات، وسموا أربعين يوماً ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي وأصحابه! فقال رسول الله (ص) ورد يده على رؤسهم: كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لانخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبداً، ففيهم أنزلت هذه الآية:قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَات. يعنون أربعين ليلة.
الأسئلة
١ ـ هل توافقوننا على أن أبا موسى الأشعري كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن ما ادعاه من وضع جرائم أحد على ظهر آخر أمرٌ لا يقبله دينٌ ولا عقل، ويرده قول الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
٢ ـ هل تقبلون ما استدلت به بعض مصادركم على عقيدة فداء المسلمين بغيرهم بقوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ. (سورة العنكبوت: ١٣) مع أنه ليس في الآية دلالة على أن الأثقال التي حملوها تسقط عن أصحابها؟!
المســألة: ٥٦
هل تثبتون الشفاعة لليهود والنصارى وتحرمون منها بني هاشم؟!
وسع أتباع الخلافة القرشية شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى شملت اليهود والنصارى لكنهم لم يسمحوا أن تشمل شفاعته آباءه وأعمامه!!
والسبب في ذلك أن بطون قريش يحتاجون من أجل إثبات شرعية حكمهم إلى نفي الشرعية عن آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعمامه، ونفي أنهم يمثلون خط التوحيد في أبناء إسماعيل (عليه السلام)، فلو اعترفوا بذلك لكان بنو عبد المطلب ورثة إبراهيم، وكان علي (عليه السلام) وارثهم.
لذلك زعموا أن عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأباه وجده كانوا كفاراً فجاراً، وأنهم في جهنم كأبي لهب، ولايوجد منهم وارث للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا قريش وأبو بكر وعمر! وأن علياً يشاركهم بصفته مسلماً، وليس بصفته وارث بني عبد المطلب!
في الكافي:١/٤٤٨: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين).
وعنه (عليه السلام): وقد قيل له: إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً؟ فقال: كذبوا كيف يكون كافراً وهو يقول:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً | نبياً كموسى خُطَّ في أول الكتْبِ |
وفي حديث آخر: كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول:
لقد علموا أن ابنَنا لا مكذبٌ | لدينا ولا يَعبأ بقيل الأباطلِ |
وأبيضُ يستسقى الغمام بوجهه | ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ |
كيف عالج أتباع عمر أحاديث شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأقاربه؟
منذ أن أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بأنه سيشفع يوم القيامة لبني عبد المطلب (وأحاديثها صحيحة عندهم)، تحرك حساد بني عبدالمطلب وردوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته وأشاعوا عدم شفاعته لهم!
ويكفي أن تلاحظ الغضب النبوي في الحديث التالي الذي رواه في مجمع الزوائد:٩/١٧٠: (وأتاه العباس فقال يا رسول الله إني انتهيت إلى قوم يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لأنهم يبغضونا! فقال رسول الله (ص): أو قد فعلوها؟! والذي نفسي بيده لايؤمن أحدهم حتى يحبكم، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي، ولا يرجوها بنو عبد المطلب)!
وفي مجمع الزوائد:٧/١٨٨و٣٩٠: (عن أنس قال خرج رسول الله (ص) وهو غضبان! فخطب الناس فقال: لاتسألوني عن شئ اليوم إلا أخبرتكم به، ونحن نرى أن جبريل معه! قلت فذكر الحديث إلى أن قال فقال عمر: يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك)!
وفي مجمع الزوائد:٩/٢٥٨: (وجلس على المنبر ساعة وقال: أيها الناس مالي أوذى في أهلي؟! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا، وحكم، وصدا، وسلهب، يوم القيامة)! انتهى. وقد صحح
الهيثمي الحديث الثاني وقال عنه: (رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح).
وقد بلغ من تفاقم القضية وكثرة أحاديثها أن الهيثمي عقد باباً:٨/٢١٤ في عدة صفحات بعنوان: باب في كرامة أصله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته (عليهم السلام)، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! هذا وهم في حياته، وتحت قيادته في المدينة! وهم مسلمون مهاجرون أو طلقاء استحقوا القتل بالأمس في فتح مكة، فمنَّ عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعفا عنهم!
قال في مجمع الزوائد:٩/٢٥٧: (عن عبد الرحمن بن أبي رافع أن أم هاني بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها، فقال لها عمر بن الخطاب: إعلمي فإن محمداً لايغني عنك شيئاً، فجاءت إلى النبي (ص) فأخبرته به فقال رسول الله (ص): مابال أقوام يزعمون أن شفاعتي لاتنال أهل بيتي؟! وإن شفاعتي تنال حا وحكم! وحا وحكم قبيلتان). انتهى.
وفي البحار:٩٣/٢١٩: (أن عمر قال لها: غطي قرطك فإن قرابتك من محمد لاتنفعك شيئاً! فقالت له: هل رأيت لي قرطاً يا ابن اللخناء! ثم دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته بذلك وبكت…الخ.).
الإختراع القرشي.. شفاعة الضحضاح لرئيس بني هاشم!
ثم انظر كيف عالج القرشيون هذه الغضبة النبوية الصريحة والأحاديث النبوية الصحيحة في شفاعته لبني عبد المطلب، فاخترعوا لرئيسهم أبي طالب (شفاعة
الضحضاح) وزعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشفع له فينقله الله من قعر النار إلى ضحضاح من نار يغلي منه أم دماغه!!
قال البخاري:٧/٢٠٣: (عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله (ص) وذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه)!! (ورواه في:٤/٢٠٢ ونحوه أحمد:١/٢٩٠ و٢٩٥ و٢٠٦ و٢٠٧ و:٣/٩ و٥٠و٥٥ والحاكم:٤/٥٨٢ والبيهقي في البعث والنشور ص٥٩ والذهبي في تاريخ الاسلام:١/٢٣٤ وغيره وغيره).
وفي البخاري:٤/٢٤٧: قال له عمه العباس: (ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)!! (ورواه في:٧/١٢١و٢٠٣ ومسلم:١/١٣٥ وأحمد:١/٢٠٦ و٢٠٧ و٢١٠ و:٣ /٥٠ و٥٥).
هذه الشفاعة التي ابتكرها (العقل) القرشي لايقبلها عقل! لأن الشفاعة إما أن يأذن بها الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فينجو صاحبها من النار ويدخل الجنة، وإما أن لايأذن بها فيبقى الشخص في مكانه في النار..
أما شفاعة الضحضاح فهي أقرب إلى الشفاعة العكسية، لأن الضحضاح كما قال السدي وهو من أتباع السلطة: (إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب كأنهن البغال الدهم، وأفاع كأنهن البخاتي، فضربنهم)! (الدر المنثور: ٤/١٢٧)
ماذا فعلوا بوعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصل رحم عمه أبي طالب؟
كما توجد عدة أحاديث نبوية تنص بشكل خاص على شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي طالب رضوان الله عليه. فقد روى في كنز العمال:١٢/١٥٢ عن عمرو بن العاص أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن لأبي طالب عندي رحماً سأبلها ببلالها). (راجع أيضاً:١٦/١٠ و:١٢/٤٢) ومعنى بلال الرحم: صلتها حتى تروى وترضى.
لكن البخاري وجد المخرج من ذلك! فروى عن عمرو بن العاص (وزير معاوية) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلن براءته من ولاية آل أبي طالب! وفي نفس الوقت وعدهم أن يبل رحمهم بشئ ما!
قال البخاري:٧/٧٣: باب يبل الرحم ببلالها. عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (ص) جهاراً غير سر يقول: إن آل (أبي طالب) قال عمر وفي كتاب محمد بن جعفر بياض، ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين). زاد عنبسة بن عبد الواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (ص): ولكن لهم رحمٌ أبلها ببلاها، يعني أصلها بصلتها. قال أبو عبد الله (أي البخاري) ببلاها كذا وقع، وببلالها أجود وأصح، وببلاها لا أعرف له وجهاً. (وروى نحوه مسلم في: ١/١٣٣ والترمذي: ٥/ ١٩ والنسائي: ٦/٢٤٨ ـ ٢٥٠ وأحمد:٢ /٣٦٠ و٥١٩)
عمل المعروف ينجي الكفار من النار.. إلا أبا طالب!
كما توجد أحاديث تدل على أن من يقدم شربة لنبي من الأنبياء، أو خدمة بسيطة لمؤمن من المؤمنين، تشمله الشفاعة، فكيف بأبي طالب الذي نذر كل وجوده وأولاده
وعشيرته لنصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته، وتحمل أذى قريش ومكائدها وتهديدها؟ ففي ابن ماجة:٢/٤٩٦: (عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): يُصَفُّ الناس يوم القيامة صفوفاً، وقال ابن نمير أهل الجنة، فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة؟ قال فيشفع له. ويمر الرجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً؟ فيشفع له. قال ابن نمير ويقول: يافلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له). انتهى.
وفي الدر المنثور:٢/٢٤٩: عن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص) في قوله: فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، قال: أجورهم يدخلهم الجنة، ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت لهم النار، ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا). انتهى.
لكن جواب علماء السلطة حاضر، وهو أن أبا طالب مجرم كبير مثل أبي لهب وأبي جهل وفراعنة قريش الذين كذبوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتآمروا لقتله! ولذلك لا تؤثر فيه الشفاعة إلا بنقله من قعر جهنم إلى الضحضاح!!
فحماة الأنبياء في منطق السلطة كأعداء الأنبياء (عليهم السلام)، بل أسوأ حالاً!
حاديث نجت من الرقابة القرشية!
رغم عمل علماء السلطة ورواتها، فقد استطاعت بعض الأحاديث أن تعبر نقاط التفتيش، وتنجو من رقابة الثقافة
القرشية الحاكمة.
منها ما في مجمع الزوائد:٨/٢١٦ في قول عمر لصفية عمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أجابه به: (قال: فغضب النبي (ص) وقال: يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة فصعد المنبر (ص) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع؟! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي! فإنها موصولة في الدنيا والآخرة).
وفي فردوس الأخبار:٤/٣٩٩ح٦٦٨٣: (ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لاتنفع؟! والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة).
وقال ابن الأثير في أسد الغابة:١/١٣٤: (عن شهر بن حوشب قال أقام فلانٌ (يقصد معاوية) خطباء يشتمون علياً رضي الله عنه وأرضاه ويقعون فيه، حتى كان آخرهم رجلٌ من الأنصار أو غيرهم يقال له أنيس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه، وإني أقسم بالله أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على الأرض من مدر وشجر، وأقسم بالله ما أحدٌ أوصل لرحمه منه، أفترون شفاعته تصل إليكم وتعجز عن أهل بيته)؟! انتهى.
الأسئلة
١ ـ ما قولكم هل تشمل شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب أم لا؟
٢ ـ ما رأيكم فيما رواه البخاري من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبرأ من ولاية آل أبي طالب.
٣ ـ هل تعترفون بوجود حسد من قريش لبني عبد المطلب، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقف في وجه الحاسدين بشدة؟
٤ ـ بماذا تفسرون سخاء أحاديث صحاحكم بالشفاعة والجنة على العاصين من المسلمين، وعلى المنافقين، وعلى اليهود والنصارى، وبخلها على أقارب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسرته؟! هل هي مصادفة أم خط سياسي متعمد؟!
٥ ـ ما دام ثبت عندكم أن بطون قريش بخلوا على بني عبدالمطلب بشفاعة النبي يوم القيامة وردوا عليه في حياته، فلماذا لا تقبلون أنهم بخلوا عليهم بخلافته وردوا عليه؟!
المســألة: ٥٧
عقدة بطون قريش من بني هاشم عشيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
نظام الأسرة المصطفاة في القرآن
المتأمل في آيات القرآن وتاريخ الدين الإلهي، لابد له من القول إن الله تعالى من الأصل اختار الأنبياء (عليهم السلام) وأسرهم لتبليغ الدين الإلهي، وإقامة الحكم به في المجتمعات البشرية.
فالأسرة المصطفاة أساسٌ في نظام الدين الإلهي، ولكنها مصطفاة من الله العليم بشخصيات عباده، الحكيم في اختيار أنبيائه وأوليائه.. وليست كالأسر التي يختارها الناس بهواهم، أو بعلمهم المحدود، أو كالأسر التي تتسلط بالقوة وتفرض نفسها على الناس!
قال الله تعالى:
(إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ واللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (سورة آل عمران: ٣٣ ـ ٣٤)
وقال عن جمهرة أسر الأنبياء:
(وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ.وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ
وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ). (سورة الأنعام: ٨٣ ـ٩٠)
وقال عن دعاء زكريا بالذرية الطيبة:
(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ). (سورة آل عمران: ٣٨)
وقال عن ذرية نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وكثرتهم:
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) (سورة الرعد: ٣٧ ـ ٣٨)
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَالأَبْتَرُ). (سورة الكوثر)
وقال عن دعاء الملائكة للذريات المؤمنة:
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَئْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (سورة غافر: ٧ ـ ٩)
وقال عن نظام الأسرة والذرية في الآخرة أيضاً:
(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). (سورة الرعد: ٢٢ – ٢٤)
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ
نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) واصطفاها لأن فيها خير خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم عترته الأئمة المعصومون الذين أمره الله أن يوصي المسلمين بمودتهم وطاعتهم، فنفذ أمر ربه كما في حديث الثقلين الصحيح المتواتر الذي روته مصادر الجميع مختصراً ومطولاً، منه ما رواه أحمد:٣/١٧: (عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بمَ تخلفوني فيهما). انتهى.
ولو فكرتَ في كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأيت أنه لايمكن تفسير قوله: (وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، إلا أن الله تعالى أخبره بأنه سيكون من عترته إمامٌ معصوم في كل عصر، يواصل خط نبوته إلى يوم القيامة!
لماذا ألغت قريش أسرةالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
كان اختيار الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من بطن بني هاشم أمراً صعباً على بطون قريش، لأن معنى الإيمان به الإعتراف بزعامته وزعامة عشيرته! وهو أمر لا يقبله رؤساء بطون قريش حتى لو كان أمراً من الله تعالى!
وبهذا يجب أن نفسر وقوفهم ضد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحاولاتهم قتله، ومعاداتهم لعشيرته بني هاشم ومحاصرتهم في الشعب بضع سنين، حتى يسلموهم محمداً فيقتلونه!
إن زعماء بطون قريش لم يكونوا يؤمنون بقضية اسمها قضية الآلهة، وما مقولتهم
(إن محمداً سفه آلهتنا وأفسد شبابنا) إلا شعاراً في وجه الإسلام وبني هاشم!
وإلا فإنهم حاضرون لأن يضحوا بكل آلهتهم، وأن يكسروا أصنامها بأيديهم، بشرط أن تبقى لهم الزعامة ولايسلبها منهم محمد!
لايمكننا أن نفهم تاريخ الإسلام والمشركين إلا إذا وعينا أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وعشيرته بنو هاشم كانوا عقدة العقد عند بطون قريش، فقد عجزوا عن إخضاعهم بسبب أن زعيمهم القوي الشجاع أبا طالب استمات في الدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! وفشلت جميع خططهم في قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الواحدة تلو الأخرى!
وعندما توفي أبو طالب حامي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكثفت بطون قريش عملها لقتل محمد، فاجأهم بأنه وجد أنصاراً في يثرب وهاجر اليهم، وسرعان ما شكل دولة تجثم في طريق قوافلهم التجارية.
وبدؤوا حروبهم في بدر، واستمرت معاركهم مع محمد ثماني سنين لكنهم فشلوا في كسب نتيجة تنفس شيئاً من عقدهم!
وإذا بمحمد يفاجؤهم في مكة بعشرة آلاف من جنود الله، ويجبرهم على خلع سلاحهم ورفع أيديهم والتسليم، وإعلان الإسلام والطاعة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعشيرته!
هذا كله في جانب، وفي جانب آخر القرآن الذي يتنزل على محمد بذمهم ولعنهم ووعيدهم، فيسري في العرب أبلغ من قصائد امرئ القيس!
لقد وصفهم في سوره الأولى بأنهم فراعنة، ووعدهم بالأخذ الوبيل، فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (
وَاصْبِرْ عَلَى مَايَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً. إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا. وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا. يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً). (سورة المزمل: ١٠ ـ ١٦)
نعم، لقد أجبر محمد زعماء بطون قريش وجنودهم على خلع سلاحهم والتسليم! لكنه لم يعلن اتخاذهم عبيداً أرقاء، ولم يسب نساءهم ويوزعها على المسلمين، بل قال لهم: إذهبوا فأنتم فعلاً طلقاء!
ثم فتح الباب أمامهم أن يكون لهم ماللمسلمين وعليهم ما عليهم! ودعاهم مباشرة لأن يخرجوا معه ويقاتلوا هوازن أي تحالف قائل نجد الذين تجمعوا في حنين! فخرجوا معه بألفين من جنودهم إلى حنين، وهم حيارى ماذا يفعلون، سكارى مما حدث لهم!
ثم ذهبت السكرة من زعماء قريش وجاءت الفكرة.. يجب أن نرث سلطان محمد ونقصي بني هاشم! وسرعان ما تصرفوا فأزاحوا عن قيادتهم أبا سفيان ابن عم بني هاشم، ونصبوا سهيل بن عمر الداهية وأحد الفراعنة الذين كان يلعنهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قنوته!
وبعد معركة حنين ورحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة أمسك سهيل بمكة وتوابعها، حتى صار (أسيد بن عتاب الأموي) الحاكم المعين من قبل النبي حاكماً بالإسم، والحاكم الحقيقي سهيل بن عمر السهمي!
ولايتسع المجال لبيان نشاطات قريش في السنتين من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد فتح مكة، لكن غرضنا منها نظريتها التي روجت لها بأن آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كفار وعمه أبا طالب كافر، وإنما مثله في بني هاشم (كمثل نخلة نبتت في كبا) أي مزبلة!! وبالتالي فلا شرعية لعشيرته وأسرته لكي تدعي وراثته وإنما هو من قريش، وقريش أولى بسلطان ابنها، وخلافته يجب أن تدور في بطون قبائلها!
وهكذا استطاعت قريش أن تخترع حصاراً جديداً لبني هاشم وبني عبد المطلب، أحكمته هذه المرة أكثر من حصارها لهم في شعب أبي طالب، فألبسته ثوباً من الدين الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنجح الحصار وطال قروناً أجيالاً، إلا من رحم ربك من أصحاب البصائر!
إن هذه الحقائق تكفي للباحث السوي الذهن، ليقرر إعادة النظر في الأحكام التي أصدرتها الخلافة القرشية وفقهاؤها على أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى كل آبائه وأجداده الطاهرين!
عبد المطلب عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك
اتفقت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على أن عبد المطلب رضوان الله عليه مؤمن بالله الواحد الأحد، وأنه كان يجهر بأنه على ملة جده إبراهيم، فهو ولي من أولياء الله ملهم بواسطة الإلهام والرؤية الصادقة.. بل يحتمل الناظر في هذه الأحاديث أن عبد المطلب كان من الأنبياء (عليهم السلام) وأنه كان مأموراً أن يعبد ربه على دين إبراهيم (عليه السلام) ويأمر أولاده بذلك.
ففي الكافي:١/٤٤٦، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك).
وعنه (عليه السلام) قال: (نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. وفي رواية ابن فضال وفاطمة بنت أسد).
وفي الكافي:١/٤٤٨: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة لايفرش لأحد غيره، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو طفل يدرج حتى جلس على فخذيه، فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه، فقال له عبد المطلب: دع ابني فإن الملك قد أتاه).
وفي الكافي:٤/٥٨: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بني عبد المطلب إن الصدقة لاتحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة، فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثراً عليكم غيركم….الخ.). (ورواه في تهذيب الأحكام:٤/ ٥٨ وتفسير العياشي:٢/٩٣ وتفسير نور الثقلين:٢/٢٣٥، و:٣/٢١٠ ووسائل الشيعة: ٦/١٨٥ ومستدرك الوسائل:٧/١١٩).