الرئيسية / الاسلام والحياة / أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠

{sitename}

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: «اللّهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في صدور الموَمنين مودة»، فأنزل اللّه تعالى الآية المذكورة آنفاٍ.إنّ أهل البيت (عليهم السلام) لاَجل انتسابهم إلى البيت النبوي الرفيع حازوا مودة الناس واحترامهم بكلّ وجودهم. وقد أُشير إلى ذلك في آثارهم وكلماتهم.

روى معاوية بن عمّار عن الاِمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ حبّ علي (عليه السلام) قُذف في قلوب الموَمنين،فلا يُحبّه إلاّ موَمن ولا يبغضه إلاّمنافق،وانّ حبّ الحسن والحسين (عليهما السلام) قذف في قلوب الموَمنين والمنافقين والكافرين فلا ترى لهم ذامّاً»، ودعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين (عليهما السلام) قرب موته فقرّبهما وشمّهما وجعل يرشفهما وعيناه تهملان.»(١)

وقد تعلقت مشيئته سبحانه على إلقاء محبتهم في قلوب الموَمنين الصالحين، حتى كانت الصحابة يميّزون الموَمن عن المنافق بحبّ علي أو بغضه.

روى أبو سعيد الخدري، قال: إن كنّا نعرف المنافقين نحن معشرَ الاَنصار ببغضهم علىّ بن أبي طالب (عليه السلام).(٢)

وقد تضافر عن علي أمير الموَمنين (عليه السلام) انّه قال: «واللّه فلق الحبة وبرأ النسمة، انّه لعهد النبي الاَُمّي إليّ: انّه لا يحبني إلاّ موَمن ولا يبغضني إلاّمنافق».(٣)

واللّه انّه ممّا عهد إليَّ رسول اللّهص انَّه لا يبغضني إلاّ منافق و لا يُحبّني إلاّ

 

١. المناقب لابن شهر آشوب: ٣ | ٣٨٣؛ سفينة البحار: مادة حبب: ١ | ٤٩٢.٢. سنن الترمذي: ٥ | ٦٣٥ برقم ٣٧١٧؛ حلية الاَولياء: ٦ | ٢٩٥.

٣. أسنى المطالب: ٥٤، تحقيق محمد هادي الاَميني.

 

١٠١
موَمن.(١)و قد أعرب عن ذلك الاِمام علي بن الحسين (عليهما السلام) في خطبته في جامع دمشق، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، و أوجل منها القلوب، ثمّ قال:

«أيّها الناس أُعطينا ستّاًو فُضِّلنا بسبع، أعطينا: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة،والشجاعة، والمحبة في قلوب الموَمنين».(٢)

و لا عجب في أنّه تبارك و تعالى سمّاهم كوثراً أي الخير الكثير، وقال: (إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر…) قال الرازي: الكوثر أولاده، لاَنّ هذه السورة إنّما نزلت على من عابه (عليه السلام) بعدم الاَولاد،فالمعنى انّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّالزمان فانظر كم قتل من أهل البيت (عليهم السلام) والعالم ممتلوَ منهم ولم يبق من بني أُمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيها من الاَكابر من العلماء كالباقر و الصادق و الكاظم والرضا (عليهم السلام).(٣)

إنّ محبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسين (عليه السلام) لم تكن محبة نابعة من حبه لنسَبه بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسين (عليه السلام) في الفضل والكمال والشهادة في سبيله، ونجاة الاَُمّة من مخالب الظلم، والثورة على الظلم والطغيان وهناك كلام للعلاّمة المجلسي يقول:

إنّ محبة المقربين لاَولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

 

١. بحار الاَنوار: ٤٥|١٣٨.٢. تفسير الفخر الرازي:٣٢|١٢٤.

٣. تفسير الفخر الرازي: ٣٢ | ١٢٤.

 

١٠٢
الصفحة: ١٠٣ فارغة
النفسانية والشهوات البشرية، بل تجرّدوا عن جميع ذلك و أخلصوا حُبَّهم، و وُدَّهم للّه. و حُبّهم لغير اللّه إنّما يرجع إلى حبهم له، ولذا لم يحُبَّ يعقوب من سائر أولاده مثل ماأحب يوسف (عليه السلام) منهم، و لجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال، و قالوا: نحن عصبة، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له، لاَنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحب اللّه تعالى له واصطفائه إيّاه فمحبوب المحبوب محبوب.(١) 

 

١. سفينة البحار: ١ | ٤٩٦، مادة حبب. 

١٠٤
(وَرأيتهم يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) .(١)ولذلك طلب أبناء يعقوب أباهم أن يستغفر في حقّهم (قالُوا يا أَبانا استَغْفِر لَنا ذُنُوبنا إنّاكُنّا خاطِئين) .(٢)

ويظهر ممّا جرى بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و وفد نجران من المحاجَّة والمباهلة انّأهل البيت إذ أمَّنوا لدعاء النبيص يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسولص ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة:(إِنَّ مَثل عيسى عِنْدَاللّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُون) .(٣)

فقد قارعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية، حيث كانوا نصارى نجران يحتجون ببنوة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: «بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن إبناً للّه سبحانه» وأولى منه أن لا يكون المسيح إبناً له.

ولمّا أُفحموا في المحاجة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولص و رجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للاَبناء والنساء، ليكون أولى على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ وذلك لما أودع اللّه سبحانه في قلب الاِنسان من محبة الاَولاد والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الاَهوال و الاِخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الاَبناء على النساء، وقال: (فَمَنْ حاجّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكََ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءُكُمْ وَنساءَناو نساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنُفسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللّه

 

١. المنافقون: ٥.٢. يوسف: ٩٧.

٣. آل عمران: ٥٩.

 

١٠٥
عَلى الكاذِبين) .وحيث إنّه سبحانه أتى بلفظ الاَبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده بل أبناوَه ونساوَه، ولذلك عدَّدتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الاَُمة ونسائهم و أبنائهم.

ثمّ إنّالمفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشاف، قال: لما دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع و ننظر، فلّما تخالوا.

قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: واللّه لقد عرفتم يامعشر النصارى انّمحمّداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللّه ما باهل قوم نبياً قط، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلا اِلف دينكم والاِقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه، وعليّ خلفها،وهو يقول: «إذا أنا دعوت فأمَّنوا».

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لاَرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يُزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا، ولا يبقى على وجه الاَرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: «فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم».

 

١٠٦
فأبوا، قال: «فانّي أُناجزكم»، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردُّنا عن ديننا، على أن نوَدي إليك كلّ عام ألفي حلّة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.وقال: «والذي نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على روَوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا».

وعن عائشة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة،ثمّ علي، ثمّ قال: (إنّما يريداللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) .(١)

الشاهدعلى استجابة دعائهم أمران:

أ: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صاعداً بفضل دعائهم.

ب: قول أُسقف نجران: «انّي لاَرى وجوهاً لوشاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها» والضمير يرجع إلى الوجوه، أي لازاله بدعائهم أو لاَزاله بالقسم على اللّهبهم، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في «العمدة» حيث قال: المباهلة بهم تصدق دعوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على اللّه بهم.(٢)

 

 

١. الزمخشري: الكشاف: ١|٣٢٦ـ ٣٢٧، ط عام ١٣٦٧هـ.٢. العمدة: ٢٤٣.

 

١٠٧
الصفحة: ١٠٨ فارغة
وقد تركت مباهلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد بها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص،عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلن أسبَّه، لاَن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه، خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟

و سمعته يوم خيبر، يقول: لاَُعطينّ الراية رجلاً يحب اللّه ورسوله،ويحبّه اللّه ورسوله.

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح اللّه على يديه.

ولما نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللّهم هوَلاء أهل بيتي.(١)

 

 

١. صحيح مسلم: ٧|١٢٠، باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام). 

١٠٩
وممَّن يمثل ذلك المقام في الاَُمّة الاِسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين علي أمير الموَمنين (عليه السلام) فهو في عامة مواقفه في جهاده و نضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه على منصَّة الخلافة بإصرار من الاَُمّة، فهو في كلّهذه الاَحوال والمواقف، لا همّ له إلاّ طلب رضوانه تعالى.و قد صرح الاِمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال:«أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لاَلقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولاَلفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ».(١)

وقد تجلت هذه الخصلة في علي (عليه السلام) حين مبيته في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

روى المحدّثون أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد الهجرة خلّف علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة لقضاء ديونه و ردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقال ص له: يا علي اتَّشح ببردي الحضرمي الاَخضر، ثمّ نم على فراشي، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء اللّه عزّوجلّ، ففعل ذلك (عليه السلام) فأوحى اللّه عزّوجلّ إلى جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يوَثر صاحبه بالحياة،فاختار كلاهما الحياة، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّد ص فنام على فراشه يفديه بنفسه ويوَثره بالحياة، اهبطا إلى الاَرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه.

 

 

١. نهج البلاغة:الخطبة ٣. 

١١٠
فقال جبرئيل: بخ بخ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي اللّه بك الملائكة، فأنزل اللّه تعالى على رسوله ص و هو متوجِّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب (عليه السلام): (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَمَرْضاتِ اللّه) .(١)وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ علي (عليه السلام).

وقال ابن عباس: أنشدني أمير الموَمنين شعراً قاله في تلك الليلة:

 

وقـيت بنفسي من وطىَ الحصا وأكـرم خـلق طاف بالبيت والحجر
وبـتَّ أراعي منهم ما يسوءني وقد صَّبرت نفسي على القتل والاَسر
وبات رسول اللّه في الغار آمناً ومـازال فـي حفظ الاِله وفي الستر(٢)

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسان بن ثابت في شعره عند مدح علي (عليه السلام): 

مـن ذا بـخاتمه تصدَّق راكعا و أسرّها في نفسه إسرارا
من كان بات على فراش محمّد ومـحمد اسرى يوَم الغارا
مـن كـان فـي القرآن سمّي في تسع آيات تلين غزارا(٣)

 

محاولة طمس الحقيقة لولا…

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهمية هذا العمل التضحويّ العظيم دفعت بكبار علماء الاِسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الاِمام علي (عليه السلام)

 

١. البقرة: ٢٠٧.٢. شواهد التنزيل: ١|١٣٠؛ أُسد الغابة:٤|٢٥.

٣. سبط ابن الجوزى: تذكرة الخواصّ: ٢٥، ط عام ١٤٠١هـ.

 

١١١
وإلى أن يَصِفُوا بها علياً بالفداءو البذل و الاِيثار،وإلى أن يعتبروا نزول الآيةالمذكورة في شأنه من المسلّمات، كلّما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها.(١)إنّ هذه الحقيقة ممّا لا ينسي أبداً، فانّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلاّ أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الاَوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إنّ معاداة معاوية لاَهل بيت النبوة وبخاصة للاِمام أمير الموَمنين علي (عليه السلام) ممّا لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلوّث صفحات التاريخ اللامعةويخفي حقائقه بوضع الاَكاذيب،ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد«سمرة بن جندب» الذي أدرك عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ انضمّ بعد وفاته ص إلى بلاط معاوية بالشام، عمد إلى تحريف الحقائق لغاية أموال أخذها من الجهاز الاَموي، الحاقد على أهل البيت.

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن علي (عليه السلام)، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليّ (أي عبد الرحمن بن ملجم المرادي)،ويأخذ في مقابل هذه الاَُكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفضيع الذي أهلك به دينه، مائة ألف درهم.

فلم يقبل «سمرة» بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمائة ألف درهم، فقبل الرجل بذلك، فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوَّداً

 

١. الغدير:٢|٤٨. 

١١٢
الصفحة: ١١٣ فارغة
أهل البيت (عليهم السلام) للأستاذ جعفر السبحاني ص ١١٣ – ص ١٢٦

١١٤
ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلىّ بها أولياوَه سبحانه، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيت (عليهم السلام) في سورة واحدة، يقول سبحانه:(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوماًكانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً *وَيطعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسيراً* إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه لا نُريدُ مِنْكُمْ جزاءً وَلا شكوراً* إِنَّا نَخاف مِنْ رَبِّنا يَوماً عَبُوساً قَمْطَريراً) .(١)

فقوله سبحانه:(ويُطْعِمُونَ الطَّعام عَلى حُبِّه) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم، والضمير في (عَلى حُبِّهِ) يرجع إلى الطعام أي انّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم، كما أنّ قوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْر…) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض.

ثمّ قوله: (وَيَخافُونَ يَوماً) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة.

وقد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلّهم، انّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيت (عليهم السلام).

روي عن ابن عباس (رض) انّ الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضا فعادهما رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أُناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لونذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن شفاهما اللّه تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض علي (عليه السلام) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص

 

١. الاِنسان: ٧ ـ ١٠.

١١٥
على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلاّالماء وأصبحوا صائمين.فلماّ أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ووقف عليهم يتيم فآثروه، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي (عليه السلام) بيد الحسن والحسين (عليهما السلام) و دخلوا على الرسول ص فلماّ أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك.

فنزل جبرئيل (عليه السلام) و قال: خذها يا محمّد هنّأك اللّهُ في أهل بيتك، فاقرأها السورة.(١)

روى السيوطي في الدر المنثور، وقال: اخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: (ويُطعمون الطَّعام على حُبِّهِ) الآية، قال: نزلت هذه الآيةفي علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللّه «(صلى الله عليه وآله وسلم).(٢)

ورواه الثعلبي في تفسيره، وقال: نزلت في علي بن أبي طالب و فاطمة (عليهما السلام) وفي جاريتهما فضة، ثمّذكر القصة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة.

وقال: وذهب محمّد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بـ«البلغة» انّهم (عليهم السلام) نزلت (عليهم السلام) مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك

 

١. الكشاف: ٣|٢٩٧؛ تفسير الفخر الرازي: ٣٠|٢٤٤.٢. الدر المنثور:٨|٣٧١، تفسير سورة الاِنسان.

١١٦
الصفحة: ١١٧ فارغة
مذكور في سائر الكتب.(١)وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيت (عليهم السلام) غير واحد من أئمّة الحديث.(٢)

 

 

١. ابن البطريق: العمدة: ٢|٤٠٧ـ ٤١٠.٢. شواهد التنزيل للحافظ الحاكم الحسكاني:٢|٤٠٥ ـ ٤٠٨؛ أُسد الغابة: ٥|٥٣٠؛ مناقب ابن المغازلي:٢٧٢.

١١٨
الصفحة: ١١٩ فارغة
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنت يا علي و شيعتك».(١)روى الخوارزمي عن جابر قال: كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب، فقال رسول اللّه: «قد أتاكم أخي» ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: «والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة»، ثمّ قال: «إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد اللّه، وأقومكم بأمر اللّه، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسوّية،وأعظمكم عند اللّه مزيّة»، قال: وفي ذلك الوقت نزلت فيه: (إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة) ، و كان أصحاب النبي ص إذا أقبل عليّ، قالوا:قد جاء خير البرية.(٢)

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه، عن يزيد بن شراحيل الاَنصاري، كاتب علي (عليه السلام)، قال سمعت عليّاً، يقول: «حدَّثني رسول اللّه وأنا مُسْنده إلى صدري، فقال:«أي عليّ»!

ألم تسمع قول اللّه تعالى: (إِنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّة) ؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاَُمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين.(٣)

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عباس، قال: لمّا نزلت هذه الآية، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): «أنت و شيعتك تأتي يوم القيامة، أنت و هم راضين مرضيين، ويأتي أعداوَك غضاباً مقمحين».(٤)

 

 

١. تفسير الطبري:٣٠|١٤٦.٢. المناقب للخوارزمي: ٦٦.

٣. المناقب للخوارزمي:١٧٨.

٤. الفصول: ١٢٢.

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...