أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٢٤١ – ٢٦٠
(وصف الكتاب)
قد ذكر الشيخ المصنف – قده – موضوع الكتاب في ديباجته وأنه يشتمل على الفرق بين الشيعة والمعتزلة وفصل ما بين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة، ثم بيان ما يفترق فيه الشيعة عن المعتزلة بعد ذلك، ثم قال إنه ذاكر في أصل ذلك ما اختاره هو من متفرع المذاهب في أصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف من الكلام وذكر في ضمن ذلك من يوافق في بعض تلك المسائل من متكلمي الشيعة أنفسهم ومن يخالف لبني نوبخت وغيرهم من متكلمي الإمامية.
وقد صرح في أول الكتاب أنه ألف هذا الكتاب باقتراح من السيد الشريف النقيب ولم يذكر اسم ذلك الشريف – ره -.
وهذا الشريف النقيب يحتمل أن يكون هو الشريف الجليل أبو أحمد الحسين بن
وسمتك حالية الربيع المرهم | وسقتك ساقية الغمام المرزم |
(انظر ديوان الرضي – ص ٤٦٠ – ٤٦٣ ط مصر ١٣٠٦ هـ). چرندابي
(٢) وذكر شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري اسم الشريفين الرضي والمرتضى في طي مرثية لوالدهما المذكورة في ديوان (سقط الزند) – انظر شرح التنوير – ص ٨٤ – ٨٥ ج ٢ ط مصر ١٣٥٨ هـ ومن أبيات تلك المرثية:
أبقيت فينا كوكبين سناهما | في الصبح والظلماء ليس بخاف |
أراد بالكوكبين ابني المتوفى أي إنهما في رفعة المكان والشهرة مثل كوكبين لا يخفى ضوءهما بحال، بل إنهما مضيئان في ظلمة الليل وبياض الصبح لا يرتقي إليهما حوادث الدهر فتخفيهما، وقال فيها:
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما | خطط العلى بتناصف وتصاف |
أي إن الرضي والمرتضى تساويا في الفضائل واقتسما بينهما المكارم على السواء والعدل منصفا أحدهما فيه صاحبه ومصفيا عقيدته في استحقاق صاحبه ما حازه من خطط العلى.
وقال الأستاذ السيد حسن الأمين نزيل بغداد في مجلة (العرفان – ص ٤٢٨ ج ٤ مج ٣٦) تحت عنوان (بين المعري والمرتضى): (فقد نظمها (يعني القصيدة التي رثى بها المعري والد الشريفين) قبيل مغادرته بغداد، فالحسين توفي في جمادى الأولى سنة ٤٠٠ هـ وترك المعري بغداد في رمضان هذه السنة نفسها) فراجع تمام المقال الذي دبجه يراع الأستاذ فإن فيه حقائق ناصعة، وراجع أيضا (عبقرية الشريف الرضي – ص ١٥٣ و ٤ ج ١ ط بغداد) للأستاذ الدكتور زكي مبارك.
چرندابي
وقد ألف الشيخ – ره – بعد تأليف ذلك الكتاب كتابه المعروف بكتاب الأعلام فيما اتفقت عليه الإمامية وخالفهم العامة من الأحكام، وصرح في أوله أيضا بأنه صنفه للسيد الشريف ليضاف إلى كتاب (أوائل المقالات) ويجتمع للناظر فيهما علم الأصول والفروع إلى آخره، وفي بعض النسخ القديمة من ذلك الكتاب أنه الشريف الرضي – ره – ، ولم يذكر في الكتاب سنة التأليف وبما أن زمان نقابة الشريف الرضي يتراوح بين
من جب غارب هاشم وسنامها | ولوى لويا واستزل مقامها |
وقال صدر الدين السيد على خان الشيرازي المتوفى سنة ١١١٩ بشيراز في كتابه النفيس (أنوار الربيع في علم البديع – ص ١٣ ط إيران ١٣٠٤ هـ): (وشقت هذه المرثية على جماعة ممن كان يحسد الرضي – رضي الله عنه – على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته فرثاه بقصيدة أخرى ومطلعها في براعة الاستهلال كالأولى وهو:
أقريش لا لفم أراك ولا يد | فتواكلي غاض الندى وخلا الندى |
وما زلت معجبا بقوله منها:
بكر النعي فقال أودى (أردى خ) خيرها | إن كان يصدق فالرضي هو الردي |
أنظر (ديوان مهيار الديلمي – ص ٣٦٦ ج ٣ وص ٢٤٩ ج ١ ط مصر). چرندابي
(ترجمة مصنف الكتاب)
هو الشيخ الجليل أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي المعروف بابن المعلم والملقب بالمفيد قدس الله سره، من أجلاء شيوخ الشيعة ومتكلمي الإمامية البارع في الفنون والعلوم الإسلامية، وأثنى عليه علماء الفريقين ووصفوه بأنه أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم وأنه أوثق أهل زمانه في الحديث وأنه كان متقدما في علم الكلام والفقه (١)، حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب، كثير الصدق، عظيم الخشوع، كثير العبادة خشن اللباس وكل من تأخر عنه استفاد منه.
ونقل عن اليافعي في تاريخه المعروف في طي حوادث سنة وفاته أنه قال: وفيها (يعني في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة) توفي عالم الشيعة وعالم الرافضة صاحب
الذي سن طريق الكلام لمن بعده إلى اليوم). چرندابي
ومليحة شهدت لها ضراتها | والفضل ما شهدت به الأعداء |
چرندابي
(٢) قال الأستاذ كاظم المظفر النجفي في مجلة العرفان الراقية – ص ١١٥٨ ج ٨ مج ٣٥: (ومن العلماء الذين اعترفوا له (يعني للشيخ المفيد) بالفضل والسبق ابن كثير الشامي (المتوفى سنة ٧٧٤ هـ) في كتابه (البداية والنهاية – ص ١٥ ج ١٢ ط مصر) إذ قال: (وهو شيخ الإمامية الروافض والمصنف لهم والمحامي عن حوزتهم كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف لميل كثير من أهل ذلك الزمان إلى التشيع). لأن سيف الدولة الحمداني ملك الشام شيعي، وعضد الدولة ملك العراق شيعي، ومعز الدولة ملك إيران شيعي، وكان لزاما على هؤلاء الخلفاء أن لوا الشيعة على الأمصار والبلدان. وكلهم حفظوا له هذه المنزلة والكرامة فقدروه غاية التقدير وبجلوه غاية التبجيل). وقال العلامة الأميني في كتابه النفيس – (الغدير – ص ٢٤٥ ج ٣ ط النجف): وقول ابن كثير في تاريخه (يعني البداية والنهاية – ص ١٥ ج ١٢ ط مصر): (وكان مجلسه (أي مجلس الشيخ المفيد) يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف). ينم عن أنه شيخ الأمة الإسلامية لا الإمامية فحسب. چرندابي
(*) طبع هذا الكتاب الفريد في بابه والوحيد في موضوعه، حديثا في قطر العراق بأمر نجل المؤلف، صاحب السماحة العلامة السيد الصدر – مد ظله – مصدرا بترجمة مؤلفه الفذ نقلا عن كتاب (بغية الراغبين في أحوال آل شرف الدين – مخطوط) لمؤلفه العلامة الإمام آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي – مد ظله -، نزيل صور من بلاد لبنان. چرندابي
(مولده ومنشئه)
مولده على ما صرح به النجاشي والعلامة وغيرهما: الحادي عشر من ذي القعدة سنة ست وثلاثين أو ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
وذكروا أنه كان من أهل عكبرى – بضم العين قرية من أعمال بغداد على عشرة فراسخ منه – من موضع يعرف بسويقة ابن البصري وأنه انحدر مع أبيه إلى بغداد وبدأ بقراءة العلم على أبي عبد الله المعروف بالجعل (هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم المعروف بالكاغذي من أهل البصرة المتوفى سنة ٣٣٩ هـ) بدرب رياح (اسم موضع من محلات بغداد القديمة) ثم قرأ بعده على أبي ياسر غلام أبي الجيش. فقال له أبو ياسر: ألا تقرأ على علي بن عيسى الرماني (١) وتستفيد منه فقال: ما اعرفه وما لي به أنس فأرسل معي من يدلني عليه، فأرسل معه من أوصله إليه فذكر الشيخ – قده – أنه
وقال: موضعك. ودخل على منزله وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها، فقال لي: أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله. فجئت بها عليه فقرأها ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه، ثم قال: أيش جرى لك في مجلسه فقد وصاك بنا ولقبك بالمفيد (١) فذكرت المجلس بقصته فتبسم (٢) (السرائر لابن إدريس الحلي – ره -).
(مشايخه في العلم والرواية)
قد قرأ على جمع كثير من العلماء ورواة الآثار وسائر رجال العلم من الفريقين من أشهرهم من رجال الخاصة: أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، والشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد، وأبو غالب الزراري، وأبو علي بن الجنيد الفقيه المعروف وغيرهم.
وأبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني، وأبو بكر الجعابي، والشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن ظاهر الموسوي وغيرهم من رجال الجمهور وقد استقصى أهل الرجال مشيخته التي تزيد على أربعين شخصا من رجال الخاصة والعامة.
(تلامذته)
وقد تلمذ عليه وأخذ عنه العلم كثير من أعلام العلم أشهرهم الشريفان الجليلان الرضي محمد بن الحسين، وأخوه السيد الجليل المرتضى، وشيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وأبو الفتح محمد بن علي الكراجكي، وأبو يعلى محمد ابن الحسن بن حمزة الجعفري، وجعفر بن محمد الدوريستي (١) وأحمد بن علي المعروف بابن الكوفي وغيرهم ممن يجده المراجع لفهارس الرجال.
(مناظراته مع المخالفين)
كان للمصنف مناظرات كثيرة مع كثير من متكلمي الفرق المختلفة وقد سبق ما ذكره اليافعي من أنه كان يناظر أهل كل عقيدة. وقد جمع مناظراته ومحاسن مجالسه ومختار كلامه في كتاب له سماه ب (العيون والمحاسن) وقد لخص تلميذه الشريف المرتضى هذا الكتاب في كتاب متداول سماه ب (الفصول المختارة) (١) ولبعض متكلمي
(*) قال العلامة العاملي في (أعيان الشيعة – ص ٤٣٤ ج ١٢ ط دمشق): السيد إعجاز حسين… عالم عامل فاضل كامل متكلم محدث حافظ ثقة ورع تقي نقي زاهد مروج للمذهب كأخيه السيد حامد حسين (المتوفى سنة ١٣٠٦ هـ) صاحب (عبقات الأنوار) حسن التأليف له كتاب (كشف الحجب عن أسماء المؤلفات والكتب) مطبوع. چرندابي
وقد ذكرت بعض مناظراته مع القاضي عبد الجبار بن أحمد وغيره في مواضع أخرى لا
(٣) انظر صفحة ٢٤٦ من هذه التعليقات. چرندابي
(مصنفاته)
قد ذكر تلميذه أبو العباس أحمد بن علي النجاشي في فهرسته المعروف من أسامي مؤلفاته نحوا من مائة وأربعة وسبعين كتابا وذكر الشيخ الطوسي أيضا أسامي جملة من مؤلفاته وقال: إن له قريبا من مائتي مصنف صغار وكبار وأورد نحو ذلك العلامة في الخلاصة وابن داود في رجاله، وقد بقي من أسماء مؤلفاته جملة لم يرد لها ذكر في كلام من ذكرناه.
ونحن نشير إلى ذلك بحسب الموضوعات المختلفة التي صنف فيها:
فمنها كتب في أصول الدين وعقائده.
ومنها كتب في موضوعات خاصة كلامية.
ومنها مؤلفات في باب الإمامة وما يتفرع عليها.
ومنها ردود ونقوض على المخالفين في باب الإمامة.
ومنها كتب عملها في مسألة الغيبة.
ومنها كتب في المقالات والمذاهب أشرنا إليها فيما سبق.
ومنها في الفقه ومسائله الخاصة به وما يتفرع على مسائله.
ومنها مؤلفات في أصول الفقه ومسائله المتفرقة الخاصة.
ومنها مؤلفات في علوم القرآن خاصة كإعجازه وتأليفه وفضله وغير ذلك.
ومنها كتب أخرى في موضوعات متفرقة أخرى.
ونحن اقتصرنا على ذلك الجملة ولا نطيل بذكر أساميها إذ هي موجودة فيما أشرنا إليه من الفهارس. ولكن نذكر منها أسامي جملة من مصنفاته مما لم يذكره النجاشي والشيخ ومن تبعهما في كتبهم وهي:
١ – المسائل التي سألها عنه محمد بن محمد الرملي الحائري، ذكر اسمها ابن إدريس في السرائر في مسألة تمتع الرجل بجارية غيره ونقل فتوى المفيد – ره – فيها وقال:
إنها معروفة مشهورة بين الأصحاب، وقال في آخره: قال محمد بن إدريس: فانظر أرشدك الله إلى فتوى هذا الشيخ المجمع على فضله ورئاسته ومعرفته وهل رجع إلى حديث يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة – إلى آخر كلامه.
٢ – مسألة في النص ذكر في أول بعض نسخها سألني القاضي الباقلاني فقال:
أخبرونا من أسلافكم في النص أكثير أم قليل وهذه المسألة وجيزة في نحو ورقة.
٣ – المسائل السروية المعروفة التي سألها عنه سيد شريف فاضل بسارية (١)
٥ – مسألة مفردة في معنى الاسلام واختصاص هذه اللفظة لأمة محمد (ص) وإن كانت في أصل اللغة موضوعة لكل مستسلم لغيره، أشار إليه في أول كتابه (أوائل المقالات).
٦ – شرحه على كتاب (اعتقاد الإمامية) للشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه القمي – ره – وهو معروف (٣).
٧ – كتاب الإفصاح في الإمامة (٤) سقط اسم هذا الكتاب عن نسخة فهرست
(٣) يعني (شرح عقائد الصدوق – أو – تصحيح الاعتقاد) الذي يمثل أمام القارئ في هذا المنشور بعد مقابلات هامة وتصحيحات طامة مع مقدمة وتعليق العلامة الشهرستاني وبعض تعليقات لنا. چرندابي
(٤) طبع للمرة الأولى سنة ١٣٦٨ هـ بالنجف الأشرف بالمطبعة الحيدرية. چرندابي
٩ – كتاب الوعد والوعيد ذكر في آخر المسائل السروية اسمه فقال ما لفظه: وقد أمليت في هذا المعنى كتابا سميته الوعد والوعيد. وتصريحه باسمه يشعر بأنه غير كتابه الموضح الذي ذكره النجاشي وغير مختصر له في الرد على المعتزلة في هذا الباب.
١٠ – كتاب الباهر في المعجزات أشار إلى اسمه في بعض رسائله والموجود في فهرست النجاشي كتاب الزاهر في المعجزات ولعله غيره.
١١ – كتاب في مسألة الصلاة التي نسبت إلى أبي بكر في مرض النبي (ص) أشار إليه في المسائل العكبرية في أول المسألة الثانية عشرة قال: استقصيت الكلام فيه وشرحت وجوه القول في معناه.
(زعامته المذهبية في الدولة البويهية) (١)
كانت الشيعة الإمامية قد تكاثرت بالعراق حوالي القرن الثالث فكان في بغداد وضواحيها أماكن كثيرة أهلها من الشيعة، وكان أهل الكرخ كلهم شيعة إمامية مجاهرون بالتشيع، وكان بين رجال الدولة العباسية كثير ممن يتشيع في الباطن.
ولما استولت الدولة البويهية (٢) على العراق حوالي منتصف القرن الرابع وهي شيعية وقبضت ملوكها على أزمة الأمور قوي أمر الشيعة زائدا على ما كان وصاروا أحرارا في إظهار المراسم المذهبية وشعائرهم الدينية، فكان يقع من جراء ذلك فتن كثيرة بينهم وبين سائر أهالي بغداد من متعصبة أهل السنة حتى ينجر إلى سفك الدماء