الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج01 / الصفحات: ٢١ – ٤٠
موت ذاك. وولادة هذا مئات السنين، فيدعوا الخليفة له بالنطع والسيف، إلى آخر ما هنالك مما يحتاج استقصاؤه إلى وقت طويل وجهد وافر.
أضف إلى جميع ما تقدم: أن الكثير مما كتب وسجل، فإنما كتب بعقلية خرافية، قاصرة وغير ناضجة.
ولا أقل من أن كثيراً منهم ينطلق من تعصبات مقيتة، أو من هوى مذهبي رخيص لا يلتزم بالمنطق السليم، ولا يهتدي بهدى العقل، ولا يؤمن بالحوار والفكر كأسلوب أفضل للتوضيح وللتصحيح.
هذا.. إلى جانب أهواء وطموحات لا مشروعة ولا مسؤولة، تتوسل بالتحوير والتزوير. لتتوصل إلى المناصب والمآرب.
ومن خلال ذلك كله، وسواه، يصبح من الطبيعي: أن لا يجد الباحث في كتب التاريخ الملامح الحقيقة للشخصيات التي تقف في موقع التحدي للحكام، ولمخططاتهم، وتتصدى لأصحاب الأهواء المذهبية، والتعصبات العرقية، وغيرها، ولانحرافاتهم.
رغم أن هذه الشخصيات تركت آثاراً عميقة في واقع الحياة السياسية والاجتماعية، والعلمية والتربوية وغير ذلك.
ومن هنا.. نعرف: أنه لابد من البحث عن الأيدي الأمينة والمخلصة وتعهد لها بأن ترسم الملامح الحقيقية لهؤلاء الأفذاذ من الرجال. وأن تسعى لالتقاط ما تناثر هنا وهناك من لمعات، أو ندّ من لفتات ولمحات، لم يجد الحكام فيها خطراً، ولربما أراد المؤرخون أن يقضوا بها وطراً.
بين الإفراط.. والتفريط:
وبعد.. فإننا نشعر: أن من الضروري الإشارة هنا إلى ذلك النهج من البحث، الذي يفرط في الاعتماد على الغيب في فهمه لمواقف الأئمة “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”، وتفسيرها. ويفصلهم عن واقع الحياة وحركتها، ويصورهم على أنهم يحركون الحياة، ويتعاملون معها بصورة خفية، ومن وراء الحجب، بل إنك تكاد تذكر له أمراً عن إمام حتى يصدمك بالقول بأن ذاك إمام معصوم، له حكمه الخاص به، حتى كأن الإمام عنده لا يجوز الائتمام به، وليس قوله وفعله وتقريره حجة علينا وعلى الناس جميعاً.
وذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على أن صاحب هذا النهج يعاني من مشكلة في فهمه للأئمة “عليهم السلام”، ولدورهم، الذي رصدهم الله للقيام به، ألا وهو نفس دور الرسول الأكرم “صلى الله عليه وآله”، الذي أرسله الله سبحانه مبلغاً ومعلماً، ومربياً، وولياً، وحافظاً ومهيمناً على الواقع العملي، وقائداً، وقاضياً، وحاكماً بالإضافة إلى مهمات صرح بها القرآن الكريم، ولهج بها النبي العظيم “صلى الله عليه وآله”.
كما أنه لم يأخذ بنظر الاعتبار تأكيدات القرآن والرسل على بشريتهم:
{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَ بَشَراً رَسُولاً، وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الهُدَى إِلاَ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً}(١).
١- الآيتان ٩٣ و٩٤ من سورة الإسراء.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}(١).
إلى آخر ما هنالك من آيات لها هذا الطابع، أو تصب في هذا الاتجاه.
وفي مقابل ذلك، فإننا لا نوافق الآخرين أبداً، بل نخطؤهم بقوة في نظرتهم المادية إلى الأئمة “عليهم السلام”، بعيداً عن عنصر الغيب، وعن الكرامات الإلهية، وعن التصرف الغيبي، والهيمنة على الواقع الراهن، فيفسرون مواقفهم “عليهم السلام” وكل سلوكهم، وأنحاء تعاملهم، ويفهمونها على أساس مادي، خاضع لحسابات عملية، وظاهرية رياضية، ولها آثار ونتائج طبيعية وذاتية بالدرجة الأولى.
وهم يتجاهلون بذلك هاتيك النصوص ذات الطابع الغيبي، التي تقوم على الألطاف الخفية، والكرامة الإلهية لعباد الله الأصفياء، وحججه على عباده، وأمنائه في بلاده.
فلا يكاد يقترب من تلك النصوص والآثار التي تسجل ـ على سبيل المثال ـ حقيقة: أنه يوم قتل الحسين “عليه السلام” لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا ووجد تحته دم عبيط.
ثم ظهور الحمرة في يوم عاشوراء، وقول زينب “عليها الصلاة والسلام” لابن زياد أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ولا يتصدى لبحث ذلك وتأييده، أو رده وتفنيده رغم أن ذلك قد تأكدَ حصوله، وليفترض لنا أن زينب “عليها السلام” إنما تفترض الحدث ولا تنقله لنا على أنه حقيقة واقعة.
١- الآية ٩ من سورة الأنعام.
وهم أبعد ما يكونون عن الحديث عن كلام الرأس المقدس فوق الرمح بالآية الكريمة:
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً}(١).
بالإضافة إلى حديث ارتفاع جدران المسجد، حينما همت “عليها السلام” بالدعاء على الذين يضطهدون أمير المؤمنين “عليه السلام”، ويغتصبون حقه، بعد ضربهم لها، وإسقاطهم جنينها، حين وفاة أبيها الرسول الأكرم “صلى الله عليه وآله”.
إلى غير ذلك من نصوص وآثار، تشير إلى ظهور الكرامات، وخوارق العادات لهم “عليهم السلام”، وشمول الله لهم بألطافه الخفية، تماماً كتلك المعجزات والكرامات التي سجلها القرآن للأنبياء، كما في قضية عصا موسى، ونقل عرش ملكة سبأ من اليمن إلى بيت المقدس، وغير ذلك.
نعم.. إن هؤلاء الباحثين والكتاب، لا يكادون يقتربون من النصوص التي لها هذا الطابع، وتصب في هذا الاتجاه، حتى كأنهم لا يريدون الاعتراف بها، أو أنهم يخجلون من وجودها. تماماً كخجل البعض منهم وإبائه من طرح موضوع الإمام المهدي الغائب “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين” في أي من كتبه وأبحاثه، متمحلاً أعذاراً واهية لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولا ندري إن كان بعد ثبوت صحة هذه النصوص، وسلامتها، يمكن
١- الآية ٩ من سورة الكهف.
لهؤلاء أن لا يعتبروها جزءاً من تاريخ الأئمة، ومن حياتهم.
وأخيراً..
فإننا نؤكد لهؤلاء ولغيرهم على حقيقة: أن الأئمة “عليهم السلام” يمثلون الرعاية الإلهية لإنسانية الإنسان، من خلال الاعتراف بواقعية وجوده المادي، ثم الانطلاق بهذا الواقع بالذات، والسمو به إلى المطلق، إلى رحاب الله سبحانه، من خلال الإمداد الغيبي، حيث يكون ذلك ضرورياً، وإكرامه بالكرامات الظاهرة، واكتنافه بالألطاف الإلهية الخفية اللامحدودة، حيث يصبح محلاً وأهلاً لها.
أما أولئك الذين يحجّمون دور الائمة، ويقصرونه على الأخلاق، مثلاً أو على الدور الاجتماعي، أو خصوص التحرك السياسي مثلاً، ويصبون كل تصوراتهم في هذا القالب المحدود أو ذاك، فإنما يقدمون للآخرين صورة تفقد معظم معالمها الأساسية، ولا يمكن أن يعكس بحث كهذا واقع حياتهم، وحقيقة دورهم “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”.
مدخل دراسة، تعوزه الفهرسة:
ولقد كان بودي ان أسهم بدوري ببحوث تتناول بعض جوانب حياتهم “عليهم السلام”. وهذه أمنية عزيزة علي، وأثيرة لدي. فسجلت قبل سنوات قد سجلت بعض النقاط على سبيل الفهرسة المؤهلة للدخول في بحث كهذا، على أن تمثل بمجموعها مدخلاً معقولاً لدراسة حياتهم “عليهم السلام”، وإن كانت لم تستوعب كل ما يجب، وما ينبغي.
وقد بقيت هذه النقاط متناثرة تائهة، يعوزها التنسيق، ثم رأى بعض
الأخوة أن الحقها بهذا الكتاب على شكل تمهيد لسيرة أمير المؤمنين “عليه السلام” علّ أن ينفع الله بها، من يسعفه التوفيق للبحث والتقصي في حياتهم “صلوات الله وسلامه عليهم”.
والنقاط هي التالية:
١ ـ إن من الطبيعي إعطاء لمحة عن تواريخهم “عليهم الصلاة والسلام” كيوم الولادة، ويوم الوفاة، والسنة والشهر، ومحل السكنى والأولاد والزوجات، والأصحاب، وسائر النقاط التي تمثل الحياة الشخصية لهم “عليهم السلام”.
وذلك بصورة علمية صحيحة، فيها من التحقيق، ما يزيل أي شبهة وريب أو ترديد.
٢ ـ الإجابة على سؤال: لماذا تعدد الأئمة “عليهم السلام”؟! وهل يمكن أن يكون لما نراه من اختلاف وتميز بين الأمور التي تصدى لها كل إمام منهم بالنسبة للإمام الآخر، فهذا تراه يهتم بالتربية العقائدية، وذاك يهتم بنشر المعارف الفقهية، وثالث يهتم بالناحية السياسية، إلى غير ذلك مما تفرضه عقليات، وحاجات الأمة في الأزمنة المختلفة ـ هل يمكن أن يكون لذلك صلة بتعدد الأئمة “عليهم السلام”، أم أن ذلك لمحض الصدفة، واقتضاء الحالات والظروف الطارئة؟ مع العلم بأن بعض الأئمة قد تصدوا لأكثر من مجال أيضاً؟! أم أن هناك أسراراً وأسباباً أخرى تحتاج للبحث والكشف عنها.
٣ ـ بيان الطرق التي اتبعها الأئمة لمعالجة الانحرافات الفكرية، وإيراد
أمثلة على ذلك، سواء في النواحي العقائدية، أو الفقهية، أو في التفسير، أو في السلوك الإنساني، والأخلاقيات، أو في المواقف من القضايا الحساسة والمصيرية، وغير ذلك.
٤ ـ محاولاتهم طرح الإسلام العملي، الذي يرتبط بالغيب، ويندفع نحوه، مع مقارنة بين ذلك وبين ظاهرة التصوف، الذي اهتم بالرياضة الروحية، وأهمل الجانب الثقافي والعلمي. وبيان الفوارق بينهما وكذلك الحال بالنسبة لذلك الإسلام النظري الذي اهتم بالناحية الثقافية والعلمية، والعمل على استبعاد المفاهيم الخاطئة، والنظريات الفارغة والتي تبعد الإنسان عن النفحات الروحية، وتمنعه من الارتباط بالغيب.
٥ ـ الملاحظة الدقيقة لموقفهم “عليهم السلام” من أهل الحديث، ومن المعتزلة، وسائر الحركات الدينية والفكرية، والفرق المختلفة التي كانت تحاول فرض نفسها، وبلورة أفكارها.
هذا بالإضافة إلى مواقفهم “عليهم السلام” من الفقهاء المنحرفين، وعلماء السوء، ووعاظ السلاطين.
٦ ـ ولابد أيضاً من إلماحة سريعة إلى سر اختيارهم “عليهم السلام” السكوت في قضية خلق القرآن، وسبب أمرهم شيعتهم بعدم التدخل في الجدل القائم حولها.
مع إلماحة سريعة إلى أهداف طرح مسألة كهذه، ثم النتائج التي تحققت في هذا الاتجاه.
٧ ـ ثم هناك موقفهم “عليهم السلام” من الثقافات الغربية الوافدة عن
طريق أهل الكتاب، وعن طريق الترجمات لكتب سائر الامم، أو اختلاط المسلمين بعد الفتوحات، وغيرها بالأمم الأخرى، وإطلاعهم على ما عندها من أفكار ومذاهب.
ولا يجب أن ننسى مواقفهم “عليهم السلام” من التحريفات، التي كان يتعرض لها الإسلام الخالص من قبل اليهود والنصارى الذين أظهروا الإسلام. ومن قبل القصاصين، وأهل الحديث من طالبي الشهرة والمال، وكذلك تحريف الحكام والسلاطين للإسلام، ليوافق مذاهبهم ومشاربهم السياسية، ويخدم طموحاتهم، وتوجهاتهم السياسية، ومصالحهم الشخصية، أو القبلية والإقليمية.
٨ ـ ولابد من بيان موقفهم من تفسير القرآن الذي كان يتم ـ في أحيان كثيرة ـ بصورة غير واقعية، وموقفهم من التلاعب بالسنة النبوية الشريفة.
ثم التعرف على الموازين والمعايير والضوابط التي اتبعوها أو أرشدوا إليها، والتي يتمكن الناس من خلالها من معرفة ذلك الجانب المريض من النصوص، واستبعاده، كما ويتمكن شيعتهم بواسطتها من فهم القرآن فهماً سليماً غير متأثر بما هو غريب عن الدين وتشريعاته، وعن الإسلام ومفاهيمه.
ومن هنا تصبح دراسة قضية الكندي الذي حاول نشر كتاب يعترض فيه على مداليل آيات القرآن، تصبح ضرورية لفهم بعض أساليب الأئمة في مواجهة حالات الإنحراف الفكري، إذا كانت منطلقة من شبهة، ولم يكن له خلفيات، ذات طابع غير أخلاقي، ولا إنساني.
٩ ـ كما لابد من دراسة السر في أنهم “عليهم السلام” لم يتركوا للناس
آثاراً مكتوبة، مادام أن ذلك يحسم النزاع في أمور كثيرة. مع ان تدوين العلوم كان في زمنهم على قدمٍ وساق، ورغم أن أمير المؤمنين “عليه السلام” قد كتب الجفر والجامعة وغير ذلك، لكن ما كتبه “عليه السلام” قد بقي عندهم “عليهم السلام” ، ولم يتجاوزهم إلى غيرهم.
وذلك يحتم دراسة صحيفة الرضا “عليه السلام”، وغير ذلك مما ينسب إليهم “عليهم الصلاة والسلام” لمعرفة ما إن كانت من إملاءاته، أم أنها من مكتوباته، أو من المنقولات الشفهية عنه.
أضف إلى ذلك: أنهم “عليهم السلام” ما فتئوا يشجعون شيعتهم على تدوين العلوم، واتقانها، فلابد من تفصيل وقائع ذلك بصورة واضحة.
١٠ ـ لابد من البحث حول كرامات الأئمة “عليهم السلام”، والإجابة على سؤال: هل كان الأئمة بحاجة إلى ظهور تلك الكرامات على أيديهم؟
وما الفرق بين الكرامة والمعجزة؟
ثم ما الفرق بين كراماتهم وبين ما ينسب إلى غيرهم من المتصوفة وسواهم. وهل كل ذلك صحيح؟
أم أن كرامات الصوفية وغيرهم موضع شك وريب ولماذا؟
وإذا كان ثمة مبالغات غير معقولة، فلابد من الإشارة إلى ذلك مع التركيز على فهم ظروفه ومبرراته.
كما لابد من دراسة ما ينسب إلى المرتاضين حتى من غير المسلمين من خوارق.. وكذا ما ربما يدعى حصوله لبعض غير المسلمين ممن لهم اعتقادات
غير صحيحة.
وهل يدخل الكرامات اخباراتهم “عليهم السلام” بالأمور الغيبية وعن المستقبل؟!
وهل كل ذلك من هذا الباب؟!
أم أن بعضه من العلم الخاص، وبعضه ليس من هذا ولا ذاك، وإنما هو معرفة للنتائج من خلال دراسة الظروف الموضوعية بدقة وتبصُّر؟!
ولابد أيضاً من معرفة السبب في أن علياً “عليه السلام” كان يهتم بالأخبار بالمغيبات، وقد بلغت إخباراته حداً جعل بعض الناس يتهمونه بالتكهن وحتى بالكذب ـ والعياذ بالله ـ .
مع ذكر نماذج مما تحقق من إخباراته الغيبية “عليه الصلاة والسلام”.
١١ ـ حدود علوم الأئمة “صلوات الله وسلامه عليهم”، وكيفية حصولها لهم مع تسجيل الملاحظة التي تقول: إنهم “عليهم السلام” كانوا باستمرار يؤكدون على أن لديهم من العلوم والمعارف الخاصة ما ليس عند غيرهم، وأنهم تلقوا ذلك من رسول الله “صلى الله عليه وآله” المسدد بالوحي، ومن ذلك قولهم: إن عندهم الجفر والجامعة، وكتاب علي “عليه السلام” وغير ذلك. وما هو السر في ذلك؟
١٢ ـ محاولة إعطاء وصف دقيق ـ مع الأمثلة الكثيرة ـ لشخصياتهم في أبعادها المختلفة، وإبراز فضائلهم ومزاياهم النفسية، بالإضافة إلى التعرف على سلوكهم الإنساني والأخلاقي.
ثم إعطاء تصور عن حياتهم الخاصة، ووصف دقيق لتعاملهم مع
أبنائهم وسائر أفراد عوائلهم، وحركاتهم داخل بيوتهم، وتصرفاتهم مطلقاً، حتى مع ضيوفهم، أو حينما يكون ثمة ما يوجب فرحاً وسروراً أو حزناً وجزعاً.
١٣ ـ القاء نظرة دقيقة على طريقة عباداتهم، وطبيعة ارتباطهم بالله، وكيفية الإستفادة من ذلك.
١٤ ـ ملاحظة مصادر أموالهم وحجمها، وكيفيات وصولها إليهم وكيف كانوا ينفقونها؟ وما هو مدى تأثير المال في حياتهم وفي روحياتهم ونفسياتهم؟
ثم الإشارة إلى حقيقة موقفهم من عطايا الحكام، ومتى تقبلوها، ولماذا؟ متى رفضوها وهل كان رفضهم لها يعني ـ بنظر الحاكم الظالم ـ تحدياً، وإعلاناً للحرب ضده.
ولابد من معرفة السرّ في أن أمير المؤمنين “عليه السلام” قد كان ينفق على نفسه من أمواله في المدينة، وهل كان يأخذ من بيت المال عطاءً، وفي أي شيء كان ينفقه، وكيف جاز له أخذ العطاء، إذا كان يملك من البساتين ما تقدر صدقته، أو غلته بأربعين ألف دينار في السنة؟!
وهل كانوا “عليهم السلام” يتناولون من الخمس شيئاً، وكذا من غيره من الحقوق الشرعية، ولماذا؟
هذا بالإضافة إلى توضيح كيف أنهم “عليهم السلام” كانوا يصرون على العمل في مزارعهم وبساتينهم بأنفسهم.
ثم البحث عن سرّ مطالباتهم ببعض ما انتزع منهم من أراضٍ، وماذا
كان مصير الخمس في عهد علي “عليه السلام”.
ولماذا لم يسترجعوا ما أخذ منهم؟؟
١٥ـ أساليبهم التربوية لشيعتهم، وأسس وأساليب تعاملهم معهم. وكيفيات ربطهم الناس بقضية أهل البيت “عليهم السلام”، عقائدياً وعاطفياً وثقافياً وغير ذلك، وتأثيرات هذه المركزية الدينية على الحالة الفكرية وعلى الانسجام في الفهم للأمور وفي المواقف والتطلعات، والآمال هذا إلى جانب موقفهم من كل الثقافات الأخرى وأن كل ما لا يخرج من هذا البيت فهو زخرف، ومدى تأثير ذلك في صيانة الفكر والعقائد، والمفاهيم لدى الناس الذين كانوا مرتبطين بهم.
١٦ـ هذا بالإضافة إلى تسليط الضوء على الحالة التنظيمية الدقيقة التي ركزوها فيما بين شيعتهم، والماحة إلى دور وكلائهم في مختلف الأقطار، وحدود صلاحيات ووظائف أولئك الوكلاء، ثم معالجات الأئمة “عليهم السلام” للخلافات التي ربما كانت تنشأ فيما بين هؤلاء الوكلاء، مع التركيز الدقيق على الانضباطية في الحالة التنظيمية، حتى إنهم ليرجعون الأموال لأحد الأشخاص، ليدفعه إلى الوكيل الذي كان في بلد ذلك الشخص.
١٧ ـ الأساليب الحربية، ومبادئ الحرب عندهم، هذا بالإضافة إلى المبررات التي تكفي لخوض الحروب ومكابدة ويلاتها. بالإضافة إلى بيان الحدود التي تفرض إيقاف تلك الحرب، ومبررات التخلي عنها.
ووصف دقيق لتعاملهم الإنساني مع أعدائهم، ورفض منطق التشفي، وأسباب ذلك وتأثيراته.
١٨ ـ إبراز اهتمام الأئمة “عليهم السلام” بتربية متخصصين في العلوم والفنون، فهذا متكلم، وذاك فقيه، وآخر كيميائي، وهكذا.. ثم اهتمامهم في أن لا يتجاوز كل منهم حدود اختصاصه وإرجاع الآخرين حين تمس الحاجة إلى أصحاب الاختصاصات كل حسب ما يتناسب مع ما يطلبه ويريده.
ثم إبراز المستوى الثقافي لأصحابهم “عليهم السلام” حتى لقد أصبحوا في عهد الإمام الصادق، والكاظم “عليهما السلام” هم الطليعة المثقفة والواعية، وأرباب الفكر والعلم في الأمة الإسلامية، وهيمنوا على الثقافة العامة بصورة واضحة. ودراسة تأثيرات ذلك على صقل الفكر، والتعامل مع مقولات أرباب الفرق والمذاهب الأخرى.
هذا.. بالإضافة إلى تاثيرات ذلك على السياسة والسياسيين ومواقفهم من الأئمة “عليهم السلام”، ومن الشيعة بصورة عامة.
١٩ ـ بيان اهتمام الائمة “عليهم السلام” بتعليل الأحكام الشرعية وغيرها، حتى لقد ألفت الكتب فيما روي عنهم “عليهم السلام” من علل أو من حكم ودراسة الطابع والخصائص التي كانت تتميز به تلك التعليلات والموضوعات والنواحي التي أبرزتها أكثر من غيرها.
٢٠ ـ بيان أنهم “عليهم السلام” كانوا لا يستعملون التقية في بعض القضايا الحساسة، رغم خطورة ذلك على حياتهم، كقضية: أنهم الأحق بالإمامة من كل أحد، وقضية النص على علي “عليه السلام” فما هو سر ذلك؟
وما هي الأساليب التي استفادوا منها لإقناع الناس بهذا الأمر الخطير.
ثم إظهار أنهم كانوا يركزون في إثبات ذلك على أمور:
منها: إظهار وإثبات: أن لديهم علوماً خاصة، ورثوها عن رسول الله “صلى الله عليه وآله”، ولا توجد لدى أي كان من البشر.
ومنها: قضية النص.
وغير ذلك..
٢١ ـ كيف كان يتم الإتصال فيما بين الأئمة “عليهم السلام” وبين القاعدة الشعبية، وبسائر أفراد شيعتهم، الذين كانوا في ضيق شديد، ومحنة عظيمة من قبل حكام الجور، وكثير منهم في السجون، أو مشردون في البلاد.
مع إعطاء لمحة عن الأساليب والوسائل التي كان كبار شيعتهم يتوسلون بها للاتصال بهم، ولاسيما في الظروف الصعبة والحرجة.
٢٢ ـ لابد من إعطاء لمحة عن نشاطات الأئمة حينما كانوا في سجون الطواغيت، سواء في ذلك نشاطاتهم فيما بين الناس الذين هم في الخط الآخر، أي في ركاب الحكام، أو ينتمون إلى فرق أخرى ليست على علاقات طيبة مع خط أهل البيت “عليهم السلام”، حتى أن يحيى بن خالد البرمكي يشكو إلى الرشيد بأن الإمام الكاظم ـ وهو تحت هيمنتهم، ورقابتهم ـ قد أفسد عليهم قلوب شيعتهم.
٢٣ ـ سياساتهم في مواجهة التمييز العنصري، فكان الإمام السجاد “عليه السلام” يهتم بالموالي وشرائهم وعتقهم بصورة متميزة عن باقي الأئمة، باستثناء ما عرف عن أمير المؤمنين “عليه السلام”. وكان يعلمهم ويثقفهم، ويكتب ذنوبهم في كتاب، ثم يذكرهم بها ويعتقهم.
وقد أعتق ألوفاً كثيرة منهم. ولابد من دراسة دقائق تعامله “عليه السلام” معهم، وظروف عتقه لهم، وآثار هذا التعامل ودوافعه.
مع الالتفات إلى ان هذا منه “عليه السلام” يجيء في وقت كان فيه الحكام يمارسون سياسة التمييز العنصري، وتفضيل العرب على كل من سواهم بأبشع الصور، وأرذلها.
ثم.. الإلماح إلى دور الموالي في نشر الإسلام، ولاسيما التشيع لأهل البيت، ثم البحث عن دورهم في نشر الإسلام في الأمم الأخرى بصورة عامة.
كما لابد من دراسة ظاهرة تزوج نفس الأئمة “عليهم السلام” بغير العربيات بكثرة، حتى إن عددا منهم قد ولد من هؤلاء النساء بالذات.
يضاف إلى ذلك: أن لمعرفة الأئمة بلغات الأمم آثار لها طابعها الخاص، لابد من الإطلاع عليه، والإلمام به ومعرفة بمناشئه.
٢٤ ـ ثم هناك موضوع التمهيد منهم “عليهم السلام” لغيبة الإمام المهدي “صلوات الله وسلامه عليه”، وكيف بدأوا يحتجبون عن الناس منذ عهد الإمام الهادي “عليه السلام”، ليعوِّدوا شيعتهم على هذه الظاهرة.
هذا بالإضافة إلى أن الإمام الجواد والهادي “عليهما السلام” قد تصديا لمقام الإمامة في سن مبكرة جداً، أي في الخامسة أو فوقها بسنوات معدودة. مع ملاحظة مدى تأثير ذلك على موقف الشيعة وعلى فكرهم، ثم على موقعهم بين أهل الملل الأخرى.
مع الإشارة إلى أن الإمام المهدي قد غاب وهو صغير السن، وذلك
بعد وفاة والده “عليهما السلام”.
٢٥ ـ ولابد من الحديث عن مساهمة الأئمة “عليهم السلام” في النهضة العلمية، وعن تصريحاتهم أو تلميحاتهم إلى حقائق علمية، لم يمكن اكتشافها، أو فقل إدراكها إلا بعد قرون من الزمن. وعن بعض القواعد والمباني التي ساعدت على تحقق هذه النهضة العلمية، مع ذكر أمثلة صريحة ويقينية في هذا المجال، مع ملاحظة تنوع العلوم، ومن اشتهر من أصحابه بالتصدي إليها كجابر بن حيان وغيره.
٢٦ ـ ومن الأمور الجديرة بالبحث “الدعاء” عند الأئمة، ولاسيما بالنسبة لأمير المؤمنين، والإمام السجاد، والإمام الحسين “عليهم السلام”، مع تقييم وبحث للصحيفة السجادية، ومضامينها المختلفة، وموضوعاتها المتنوعة، السياسية، والعقائدية، والتربوية، والاخلاقية وغير ذلك.
مع الإشارة إلى ما يلاحظ من المد والجزر في مستوى اعتمادهم “صلوات الله وسلامه” على طريقة الدعاء في إبلاغ وتحقيق مقاصدهم الإعلامية والتعليمية والتربوية.
كما لابد من إلمامة ولو سريعة بما كان يعاني منه الناس من جهل مطبق، وتجهيل متعمد لهم، بالإضافة إلى ظاهرة التحريف التي كانت تستهدف الإسلام والمسلمين في تلك الفترة، حتى إن بني هاشم، وهم أقرب الناس إلى مصدر الوحي والتنزيل كانوا إلى أن مضت سبع سنين من إمامة الباقر “عليه السلام” لا يعرفون كيف يصلون، ولا كيف يحجون.
كما أن من المفيد جداً دراسة رسالة الحقوق للإمام السجاد، ولعهد
أمير المؤمنين “عليه السلام” للأشتر، وتوحيد المفضل، والرسالة الطبية الذهبية، وغير ذلك.
٢٧ ـ وإذا كنا نجد: أنه لم يكن يعترف بإمامة السجاد سوى ثلاثة أشخاص، أو خمسة، حسب اختلاف النقل، فلابد من معرفة الخطوات التي اتخذها الإمام “عليه السلام” لتهيئة الأجواء لمدرسة الباقر والصادق “صلوات الله وسلامه عليهما”.
مع أن الناس بعد قتل الحسين “عليه السلام”، وبسبب السياسة الأموية البغيضة انصرفوا عن أهل البيت “عليهم السلام”، ولم يبق بينهم ـ بنظرهم ـ شخصية كبيرة تعنوا لها الجباه بالتسليم والخضوع، وكيف استطاع السجاد “عليه السلام” أن يصبح الرجل العظيم الذي يجله حتى أعداؤه ومخالفوه أكثر من أي إمام آخر، فهل كان ذلك لأنهم رأوا فيه انصرافاً عن طلب الحكم والسلطة؟ أم لغير ذلك من الأمور.
وما هو مدى صحة ما يقال من أنه “عليه السلام” قد قلل اتصاله بالناس خلال عشر سنين، واختار العيش في البادية، وما هو تفسير ذلك على تقدير صحته.
٢٨ ـ ما هي دوافع الحركات الشيعية وغيرها، كالزيدية وكحركات الغلاة، وكذلك سائر الحركات التي قامت ضد الحكم والحاكمين، مثل حركات الخوارج، وما هو موقف الأئمة “عليهم السلام” من هذه الحركات، وكيف كانوا يوفقون بين آرائهم فيها، وبين حفظ موقعهم وهم يواجهون ظاهرة اندفاع الناس نحوها.
ولماذا نهى علي “عليه السلام” عن قتال الخوارج بعده. وما هو موقف الشيعة والأئمة منهم.
٢٩ ـ ولابد أيضاً من دراسة موقف الأئمة من الحكام وموقف الحكام من الأئمة، وكيف أمكن لهم الحفاظ على التشيع، الذي يواجه الحكام على مدى التاريخ، مع ان التعاليم التي كان يؤمن بها الشيعة هي على النقيض تماماً مما يسعى الحكام له، ويعملون من أجله.
وقد رأينا: أن حكومة الجبارين ما حاربت مذهباً إلا وخنقته في مهده، وقطعت أوصاله، إلا أن يسير في ركابها، ويدور في فلكها، ويجند نفسه ويحرف تعاليمه لتصبح في خدمتها، وقد كان المعتزلة فرقة قوية في منطقها وكانت تملك هي مقاليد السلطة على مستوى الخلافة الإسلامية كلها، ولكنه حين رأت السلطة: أنها في غنى عنها، وناصرت خصومها ضدها، سرعان ما أصبحت في خبر كان، وأصبح اصحاب نحلة أهل الحديث، وهي من السخافة بمكان هم المسيطرون، وهم الحاكمون، وبقيت نحلتهم ودامت، وقعدت وقامت، وإن كان الأشعري قد حاول طلاء وجهها ببعض الأصباغ التي لم تستطع التخفيف من بشاعة ملامحها، حين يتأمل بها المتأملون، ويلتفت إلى ملامحها الشوهاء الواعون.
كما لابد أيضاً من التوقف عند الأساليب التي كان ينتهجها الحكام لإبعاد الناس عن الأئمة، ومنها أسلوب التخويف والملاحقة.
كما أن من الضروري الإلفات إلى أن الشدة وغيرها من الأساليب كان الحكام يحاولون من خلالها إبعاد الناس عن أهل البيت “عليهم السلام”،
كانت تنتج عكس ما يريدون وخلاف ما كانوا إليه يطمحون، حيث يزداد الناس في كثير من الأحيان تعلقاً بأهل البيت، ثم محاولة تفسير ذلك بالشكل المعقول والمقبول.
مع تقديم أطروحة كاملة عن نظرتهم “عليهم السلام” إلى الحكم والحاكمين، وعن الموقف الشرعي منهم، وأساليب التعامل معهم.
٣٠ ـ ومن اللازم أيضاً تفسير ظاهرة عزوف الأئمة “عليهم السلام” عن المواجهة العسكرية مع الحكام بعد الحسين “عليه السلام”، مع وجود ثورات كثيرة قام بها الزيدية وغيرهم.
كما أن من الضروري معرفة حقيقة موقف الأئمة من ثورة زيد والمختار، وكذلك سائر الثورات التي كانت ترفع شعار الحق والعدل، كثورة الحسين الهرش، وثورة الحرة بالمدينة، بالإضافة إلى ثورة الحسين بن علي صاحب فخ، وسائر ثورات العلويين.
ولماذا كانوا “عليهم السلام” يرغبون باستمرار هذه الثورات، ويقولون لشيعتهم: ما زالت الزيدية لكم وقاء أبداً، ويقولون أيضاً ما مضمونه: ما زلت أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد. أو نحو ذلك.
وكيف يمكن تفسير هذا الكلام، وعلى أي معنى يحمل.
مع أننا لا نجد في علاقات نفس هذا الإمام بالثائرين، ما يشجع، أو ما يستحق أن يقال عنه: إنه علاقات طبيعية على أقل تقدير، وذلك بسبب وجود كثير من الفجوات والاشكالات فيما بينه وبينهم.
٣١ ـ يضاف إلى ما تقدم: دراسة محاولاتهم “عليهم السلام” إدخال
بعض الشخصيات الشيعية ـ ولو مع التقية ـ إلى المراكز الحساسة في الدولة التي يحكمها الظالمون، كما هو الحال في ابن يقطين في دولة الرشيد العباسي.
وقد بقي بعض الشيعة يحاولون النفوذ إلى بعض المراكز في الحكومات، حتى بعد عصر الأئمة الطاهرين “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”.
ولكنهم في نفس الوقت يمنعون صفوان الجمال من كراء جماله لهارون الرشيد حتى لأجل أداء فريضة الحج، فكيف نوفق بين هذين الموقفين.
ومن المفيد جداً أيضاً: التعرف على الأساليب العملية في مجال الدعوة، والشعر، والكرامات، والإخبار بالمغيبات.
بل نجد عطاياهم للشعراء مثيرة للعجب، لكثرتها، فيرد سؤال: أليس الفقراء كانوا أولى بهذا المال من هذا الشاعر؟
كما لابد من دراسة استشهادات علي “عليه السلام” والحسين “عليه السلام” لحديث الغدير في رحبة الكوفة وفي منى، وغير ذلك من المواضع.
وهناك أيضاً موضوع تخصيص الإمام الباقر “عليه السلام” ثمان ماءة درهم يندبنه بعد موته في منى في موسم الحج لمدة عشر سنين.
هذا بالإضافة إلى حثهم الشديد والأكيد على إقامة مجالس العزاء والبكاء على الحسين “عليه السلام”.
إلى غير ذلك من أساليب تعليمية وإعلامية اختاروها في مجال دعوتهم إلى الله سبحانه، وكلها مشروعة، ومؤثرة.
٣٢ ـ وإذا كان الاهتمام بالإبتعاد عن مذهب أهل البيت، وبالجعل والاختلاق للحديث ـ قد تجلى في القرن الأول أكثر منه في الذي يليه فإننا