الرئيسية / الاسلام والحياة / تأملات في الطريق 15

تأملات في الطريق 15

المسح عليه السلام
وأعمدة الأروقة المتصدعة

 

أولا [ على طريق آل هارون ]

 

1 – [ الطريق إلى المسيح عليه السلام ]

ذكر العديد من المحققين أن اليهود في عهد السبي. انخرطوا في المجتمع. وبالذات أن بابل كانت من أغنى المناطق في بلاد ما بين البحرين، وهذا أتاح لهم العمل في الزراعة والتجارة والأعمال الخاصة، وفي النهاية أصبحوا مواطنين عاديين داخل الدولة يتمتعون بكافة الحقوق السياسية والاجتماعية، وعندما زالت دولة بابل وظهرت الدولة الفارسية التي خضعت لسيطرتها دول المنطقة، استفاد اليهود من سياسة الملك الفارسي (قورش). وكانت المبادئ العامة لهذه السياسة إعادة السكان المبعثرين حول نهر دجلة والفرات إلى أوطانهم، فهذه السياسة أحيت الأمل لدى اليهود في بابل في العودة مرة أخرى إلى فلسطين، وبدأت الزعامة الدينية في الظهور تصنع الأحداث وتقود المسيرة، وذكر العديد من المحققين أن اليهود كانوا في قديم الزمان يسمون فقهاءهم بالحكماء، نظير تعليمهم الشعب القانون الشفهي وإشرافهم عليه، وكان


الصفحة 110

لهؤلاء الحكماء من المدارس في بابل والمدائن والشام. ما لم يكن لأحد من الأمم مثله، وكان لهم في العصر الواحد كثير من الحكماء. في زمان دولة النبط البابليين والفرس ودولة اليونان ودولة الروم.

وبعد أن أحيت سياسة الملك الفارسي قورش الأمل في نفوس اليهود، اتفق السامريون والعبرانيون على إعادة كتابة التوراة في بابل، وشكل العلماء لجنة لهذا الغرض برآسة (عزرا)، وقد جمعت هذه اللجنة معلومات من التاريخ القديم للمسيرة الإسرائيلية. ومعلومات أرادوا إدخالها على النصوص الأصلية (1)، وقبل أن تكمل هذه اللجنة عملها.

صدر الأمر الفارسي لليهود بالرجوع إلى أرض كنعان، ويقول أبو الحسن السامري في تاريخه: إن الفارسيين لما سمحوا لليهود بالعودة. طلبوا منهم أن يتحدوا تحت رآسة واحدة. وتكون لهم عاصمة واحدة ليسهل التعامل معهم، فانقسم اليهود. وأصر يهود السامرة أن تكون الرآسة فيهم. وأن يكون هيكلهم في نابلس، وأصر يهود أورشاليم أن تكون الرآسة فيهم. وبكون هيكلهم مكان الهيكل القديم، واشتد العداء بين الفريقين وسجل العهد القديم هذا العداء. عندما شرعوا في بناء الهيكل في أورشاليم (2).

وبدأت خطوات المسيرة للقافلة الإسرائيلية بإعادة بناء الهيكل تحت حكم زربابل (3) (538 ق. م) ثم بدأ ما سمي بعصر الاصلاح تحت حكم عزرا (4) (458 ق. م) ثم قام نحميا ببناء السور (5)

____________

(1) نقد التوراة / د. حجازي السقا ص 74.

(2) أنظر عزرا إصحاح 4، 5.

(3) المصدر السابق 2 / 2.

(4) المصدر السابق 7 / 13.

(5) نحميا 2 / 1 – 9.


الصفحة 111

(445 ق. م) وانتهت مسيرة العهد القديم بسفر النبي ملاخى (1)، وكانت هناك فترة صمت لا يوجد فيها عهود جديدة. وقررت هذه الفترة بأربعمائة عام. ثم جاء العهد الجديد (2). والشواهد الكتابية للمسيرة الإسرائيلية (من 538 – ق. م) تنحصر في أسفار: عزرا، نحميا، استير، حبقون، زكريا، ملاخى، بالإضافة إلى رؤيا دنيال وما أخبر به حزقيال، وبالنظر في حركة المسيرة من خلال هذه الشواهد الكتابية، يجد الباحث أن المسيرة بدأت حركتها بالاختلاف. وعلى هذا الاختلاف ظهرت توراة سامرية تقول أن القبلة في جبل (جزريم)، وأخرى عبرانية تقول بأنها في جبل (عيبال)، وقال يهود السامرة أن المسيح المنتظر من سبط يوسف بن يعقوب، بينما قال أورشاليم أنه من سبط داوود.

وإذا أردنا أن نحكم على المسيرة من خلال الشواهد الكتابية، نجد (نحميا) يقول عند المقدمة: ” في تلك الأيام رأيت في يهوذا قوما يدوسون معاصر في السبت… فخاصمت عظماء يهوذا وقلت لهم: ما هذا الأمر القبيح الذي تعملونه وتدنسون يوم السبت. ألم يفعل آباؤكم هكذا فجلب إلهنا علينا كل هذا الشر وعلى هذه المدينة، وأنتم تريدون غضبا على إسرائيل إذ تدنسون السبت ” (3). ويقول ” في تلك الأيام أيضا رأيت اليهود الذين ساكنوا نساء أشدوديات وعمونيات وموآبيات، ونصف كلام بنيهم باللسان الأشدودي، ولم يكونوا يحسنون التكلم باللسان اليهودي، بل بلسان شعب وشعب، فخاصمتهم ولعنتهم ” (4).

 

____________

(1) مفاتيح الأسفار الإلهية ص 45.

(2) المصدر السابق ص 45.

(3) نحميا 13 / 15 – 18.

(4) المصدر السابق 13 / 22 – 5 2.


الصفحة 112

أما عند النهاية. نجد في (ملاخى) الذي بسفره ينتهي العهد القديم، نجد إدانة واضحة للمسيرة ولقيادتها، قال: ” قال لكم رب الجنود: أيها الكهنة المحتقرون اسمي. وتقولون: بم احتقرنا اسمك؟

تقربون خبزا نجسا على مذبحي وتقولون بم نجسناك ” (1). ويقول ” والآن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة. إن كنتم لا تسمعون ولا تجعلون في القلب لتعطوا مجدا لإسمي، قال رب الجنود: فإني أرسل عليكم اللعنة وألعن بركاتكم، بل قد لعنتها لأنكم لستم جاعلين في القلب ” (2). وقال لهم: ” قال رب الجنود: من فيكم يغلق الباب بل لا توقدون على مذبحي مجانا، ليست لي مسرة بكم. قال رب الجنود: ولا أقبل تقدمة من أيديكم ” (3).

وهكذا رأينا عند المقدمة كيف انحرفت المسيرة، ثم رأينا عند النتيجة كيف ضربها اللعن، وفي سفر (ملاخى) وهو آخر أسفار العهد القديم، نجد أن السفر بين للمسيرة قيادة الهدى التي يختتم بها الله المسيرة الإسرائيلية، وبشر بقيادة الهدى التي يختتم بها الله المسيرة البشرية، وفي تحديد قيادة الهدى للمسيرة الإسرائيلية، بين أن الباب الذي فتحه الله في سبط (لاوي). وجاء منه موسى وهارون وبنوه، هو نفس الباب الذي يأتي منه آخر قيادة هدى للمسيرة الإسرائيلية، لتنتقل القيادة بعد ذلك في اتجاه شعب آخر وأرض جديدة. قال (ملاخى) في قيادة الهدى التي ينبني على المسيرة انتظارها: ” إني أرسلت إليكم هذه الوصية ليكون عهدي مع لاوي قال رب الجنود: كان عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة

____________

(1) ملاخي 1 / 6.

(2) المصدر السابق 2 / 1 – 3.

(3) المصدر السابق 1 / 9 – 11.


الصفحة 113

الحق كانت في فيه، والإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة وأرجع كثيرين عن الإثم، لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود، أما أنتم فحدتم عن الطريق وأعثرتم كثيرين بالشريعة، أفسدتم عهد لاوي، فأنا أيضا صيرتكم محتقرين ودنيئين عند كل شعب. كما إنكم لم تحفظوا طرقي بل حابيتم في الشريعة ” (1).

من هذه النصوص نجد أن (ملاخى) ذكرهم بالبداية التي عندها نصب الله هارون كاهنا للشريعة وجعلها من بعده في بنيه، وهؤلاء هم ذروة سبط لاوي، ثم بين لهم أن عهد الله مع هؤلاء وليس مع غيرهم، فغيرهم حاد عن الطريق وأفسد في الأرض، ثم أخبرهم بأن الله سيرسل إليهم واحد من هذا السبط ليسوق قاعدة السبط ومن ورائها بقية الأسباط، ” ها أنذا أرسل ملاكي فيهئ الطريق أمامي. ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به، وهو ذا يأتي، قال رب الجنود: ومن يحتمل يوم مجيئه. ومن يثبت عند ظهوره. لأنه مثل نار المحص ومثل أشنان القصار، فيجلس ممحصا ومنقيا للفضة، فينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة. ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر، فتكون تقدمة يهوذا وأورشاليم مرضية للرب. كما في أيام القدم وكما في السنين القديم ” (2).

وبعد أن أشار السفر إلى بعثة آخر الأنبياء في سبط لاوي، وهو المسيح عيسى بن مريم كما سنبين في موضعه، تحدث عن اليوم المخوف الذي ينهي المسيرة البشرية، وأخبرهم بأن الله قبل هذا اليوم.

سيبعث إلى البشرية النبي (إيليا) ومهمته هي فتح أبواب الرحمة. قبل أن

____________

(1) ملاخي 2 / 4 – 9.

(2) المصدر السابق 3 / 1 – 5.


الصفحة 114

يضرب الله المستكبرين وكل فاعلي الشر ويحرقهم، قال: ” فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور، وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشا، ويحرقهم اليوم الآتي. قال رب الجنود: فلا يبقى، لهم أصلا ولا فرعا، ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها “. ثم قال ” هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجئ يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن ” (1).

 

وإيليا النبي. وضعه اليهود وفقا لعلم حساب الحروف، ومجموع هذا الاسم يشير إلى اسم النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم. الذي يختتم به الله المسيرة البشرية (2).

وبهذه الخاتمة انتهى العهد القديم ليبدأ العهد الجديد، الذي يتحدث عن المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...