الرئيسية / شخصيات أسلامية / الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج01 / الصفحات: ٦١ – ٨٠

عدم رضاه به، بل غاية ما هناك: أنه خاف أن يشعر كبار قريش بالأمر، لأن ذلك سوف يضعه في مواقع الحرج. وربما يؤدي إلى العداوة والمنابذة.

متى وأين ولد علي (عليه السلام)؟!:

وقد ولد علي أمير المؤمنين “عليه السلام” في جوف الكعبة الشريفة يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب، بعد ثلاثين سنة من عام الفيل(١). وهذا هو المشهور عند علمائنا الأبرار وعند غيرهم. فهو أولى بالإعتبار.

وقد كثرت الأقوال في ذلك حتى بلغت اثني عشر قولاً على وجه التقريب، تبدأ من سبع سنين، ولا تنتهي بست عشرة سنة قبل البعثة، بل يضاف إليها القول بولادته “عليه السلام” قبل البعثة بعشرين، أو بثلاث وعشرين سنة قبل بعثة النبي “صلى الله عليه وآله”(٢).

١- هناك أقوال أخرى في تاريخ ولادته “عليه السلام” فراجعها في كتاب: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله” ج٢ ص٢٤٦ ـ ٢٤٨.

٢- راجع الأقوال المذكورة في المصادر التالية: المصنف لعبد الرزاق ج٥ والعقد الفريد ج٤ ص٣١١ ومقاتل الطالبيين ص٢٦ والأنس الجليل ج١ ص١٧٨ وتهذيب الأحكام ج٧ ص٣٣٦ وتاريخ الخميس ج١ ص٢٧٩ عن شواهد النبوة، والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج٣ ص١٣ والمعارف لابن قتيبة ص٥١ وحياة الحيوان ج١ ص٥٤ وتاريخ بغداد ج١ ص١٣٤ وذخائر العقبى ص٥٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج٦ ص٢٠٦ وأسد الغابة ج٤ ص١٦ ـ ١٨ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٠٢ وفتح الباري ج٧ ص٥٧ وإحقاق الحق (الملحقـات) ج٧ = = ص٥٣٨ ـ ٥٥٤ وأنساب الأشراف، والأوائل، وبحار الأنوار، وينابيع المودة، والإستيعاب، ونزهة المجالس، ومناقب الخوارزمي، والبداية والنهاية.

والقول بالعشر موجود في: الفصول المهمة لابن الصباغ ص١٢ والإستيعاب (ط صادر) ج٣ ص٣٠ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط مصر) ج٣ ص٢١ والسيرة النبوية لابن هشام ج١ ص٢٦٢ والكافي ج١ ص٣٧٦ والإرشاد للمفيد ص٩ وإعلام الورى ص١٥٣ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٧٨ وتاريخ الخميس ج١ ص٢٨٦ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١١١ وتلخيصه (بهامشه) للذهبي، ومناقب الخوارزمي ص١٧ وتاريخ الخلفاء ص١٦٦ والبداية والنهاية ج٣ ص٢٦ وإحقاق الحق (الملحقات) ج٧ عن بعض من تقدم.

وللقول بالاثني عشر راجع: بحار الأنوار ج٣٥ ص٧ وإحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص٥٤٩ عن نهاية الإرب ج٨ ص١٨١ والإستيعاب ج٣ ص٣٠.

ونُقِلَت كثير من الأقوال عن المصادر التالية: إكمال الرجال ص٦٨٧ والروضة الندية ص١٣ وإحكام الأحكام ج١ ص١٩٠ وأنباه الرواة في أنباء النحاة ج١ ص١١ ونهاية الإرب ج٨ ص١٨١ والمختصر في أخبار البشر ج١ ص١١٥ ونظم درر السمطين ص٨١ و ٨٢ والرياض النضرة ج٢ ص١٥٦ والغرة المنيفة ص١٧٦ وشرح المواهب للزرقاني ج١ ص٢٤٢ والطبقات المالكية ج٢ ص٧١ والمصباح الكبير ص٥٦٠.

٦١

شوائب في بعض الروايات عن الولادة:

قال الكراجكي “رحمه الله”: روى المحدثون، وسطر المصنفون: أن أبا

٦٢

طالب وامرأته فاطمة بنت أسد “رضوان الله عليهما” لما كفلا رسول الله “صلى الله عليه وآله” استبشرا بغرته، واستسعدا بطلعته، واتخذاه ولداً، لأنهما لم يكونا رزقا من الولد أحداً.

ثم إنه نشأ أشرف نشوء، وأحسنه، وأفضله، وأيمنه، فرأى فاطمة، ورغبتها في الولد، فقال لها: يا أمه، قربي قرباناً لوجه الله تعالى خالصاً، ولا تشركي معه أحداً، فإنه يرضاه منك ويتقبله، ويعطيك طلبك ويعجله.

فامتثلت فاطمة أمره، وقربت قرباناً لله تعالى خالصاً، وسألته أن يرزقها ولداً ذكراً، فأجاب الله تعالى دعاءها، وبلغها مناها، ورزقها من الأولاد خمسة: عقيلاً، ثم طالباً، ثم جعفراً، ثم علياً، ثم أخته المعروفة بأم هاني الخ..(١).

وبعد أن ذكرت الرواية: أنها ولدت علياً “عليه السلام” في النصف من شهر رمضان، فسر به النبي “صلى الله عليه وآله”، وأمرها أن تجعل مهده جانب فرشته. وكان يلي أكثر تربيته، ويراعيه في نومه ويقظته، ويحمله على صدره وكتفه، ويحبوه بألطافه وتحفه، ويقول:

“هذا أخي وصفيي، وناصري، ووصيي”.

فلما تزوج النبي “صلى الله عليه وآله” خديجة أخبرها بوجدها (الصحيح: بوجده) بعلي “عليه السلام” ومحبته، فكانت تستزيده وتزينه، وتحليه وتلبسه، وترسله مع ولائدها، ويحمله خدمها، فيقول الناس: هذا أخو محمد “صلى الله

١- بحار الأنوار ج٣٥ ص٣٩ ـ ٤٠ وكنز الفوائد للكراجكي ص١١٥.

٦٣

عليه وآله”، وأحب الخلق إليه، وقرة عين خديجة الخ..”(١).

ونقول:

أولاً: إن هذه الرواية تقول: إن رسول الله “صلى الله عليه وآله” هو الذي أشار على فاطمة بنت أسد بتقريب القربان لله، وطلب الولد، ففعلت، فولد لها طالب وعقيل و.. و.. مع أنه يلاحظ:

ألف: إن طالباً كان في سن رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وقد ولد سنة ولادة النبي “صلى الله عليه وآله”.

وحين تحول النبي “صلى الله عليه وآله” إلى بيت أبي طالب كان عمره “صلى الله عليه وآله” ثمان سنين.

وهذا هو نفس عمر طالب آنئذ..

ب: إن علياً “عليه السلام” كان الأصغر بين إخوته وطالب هو الأكبر. وهؤلاء الإخوة هم: طالب، وعقيل، وجعفر، وكان بين كل واحد من هؤلاء وبين الذي يليه عشر سنوات، فيكون أكبرهم وهو طالب قد ولد سنة ولادة النبي “صلى الله عليه وآله” في عام الفيل.

وعقيل ولد بعد عام الفيل بعشر سنوات.

وجعفر ولد بعد عام الفيل بعشرين سنة.

وعلي “عليه السلام” ولد بعد عام الفيل بثلاثين سنة.

١- بحار الأنوار ج٣٥ ص٤٣ وكنز الفوائد ص١١٦ و ١١٧.

٦٤

وبعث النبي “صلى الله عليه وآله” في سن الأربعين..

ويدل على ذلك النصوص التالية:

١ ـ قال ابن عبد البر: “كان جعفر أكبر من علي “عليه السلام” بعشر سنين.

وكان عقيل أكبر من جعفر بعشر سنين.

وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين”(١).

٢ ـ وقال الزبير بن بكار: “ولد أبو طالب بن عبد المطلب: طالباً، وعقيلاً، وجعفراً، وعلياً “عليه السلام”. كل واحد منهم أسن من صاحبه بعشر سنين على الولاء. وأم هاني، وجمانة بنت أبي طالب. وأمهم كلهم فاطمة بنت أسد”(٢).

١- الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج١ ص٢١٠ و (ط دار الجيل سنة ١٤١٢هـ) ج١ ص٢٤٢ وأسد الغابة لابن الأثير ج٣ ص٤٢٢ والوافي بالوفيات للصفدي ج٢١ ص١٧٧ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٢٧٥ وج٤٢ ص١١٠ والمعارف ص٢٣٠ وذخائر العقبى ص٢٠٧ ومستدركات علم رجال الحديث ج٤ ص٢٨٦ والبداية والنهاية ج٨ ص٥٢ وعقيل بن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص٢١.

٢- المستدرك للحاكم النيسابوري ج٣ ص٥٧٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٨ وراجع: ج٤١ ص٨ و ٩ والمناقب للخوارزمي ص٤٦ ونسب قريش لمصعب الزبيري ص٣٩ و ٤٠ والأنوار العلوية ص١٤ وشرح إحقاق الحق ج٣٠ ص١٣٢.

٦٥

٣ ـ وقال ابن سعد عن عقيل: “كان أسن بني أبي طالب بعد طالب.

وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أسن من علي “عليه السلام” بعشر سنين، فعلي “عليه السلام” كان أصغرهم سناً، وأولهم إسلاماً”(١).

٤ ـ ويقول الجاحظ: “ومن العجائب: أنها ولدت أربعة كلهم أسن من الآخر بعشر سنين: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي “عليه السلام”..”(٢).

وهذا الأمر مذكور في مختلف المصادر(٣).

١- تاريخ مدينة دمشق ج٤١ ص٩ و ٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٤ ص٤٢ و ٤٣ و ٤٤.

وراجع: بحار الأنوار ج٤٢ ص١١٥ وعمدة القاري ج٩ ص٢٢٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١١ ص٢٥٠ وأسد الغابة ج١ ص٢٨٧ وتهذيب الكمال ج٢٠ ص٢٣٦ والسيرة الحلبية ج٢ ص٧٩١.

٢- آثار الجاحظ ص٢٣٤ و ٢٣٥ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٥ ص٢٧٨.

٣- راجع: بحار الأنوار ج٤٢ ص١١٥ و ١٢٠ و ١٢١ والبحر الرائق لابن نجيم ج٢ ص٤٣٠ وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج١ ص١٨٨ وج٣ ص٢١٤ وعمدة الطالب لابن عنبة ص٥٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج١ ص١٢١ وتاريخ مدينة دمشق ج٤١ ص٨ وتهذيب الكمال للمزي ج٥ ص٥١ والتنبيه والإشراف للمسعودي ص٢٥٩ والوافي بالوفيات ج١١ ص٧١ والبداية والنهاية ج٧ ص٢٤٩.

٦٦

وهو مروي عن ابن عباس أيضاً(١).

فتلخص أن ما قالته الرواية المتقدمة من أن عقيلاً كان أكبر من طالب، لا يصح، لأن طالباً كان هو الأكبر، كما دلت عليه النصوص التي ذكرناها آنفاً.

ثانياً: إذا راجعنا الرواية المشار إليها في مصادرها، فسنجد أنها تذكر:

أن أول من آمن بالنبي “صلى الله عليه وآله” من النساء خديجة، ومن الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “عليه السلام”، وعمره يومئذ عشر سنين”(٢).

١- الخصال ج١ ص١٨١ وبحار الأنوار ج٤٢ ص١٢١ وج٣٥ ص٧ والمناقب للخوارزمي ص٤٦ وكشف الغمة ج١ ص١٢٢ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص١٦٩ و ١٧٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٣٣ ص٢٣١.

٢- بحار الأنوار ج١٨ ص٢٢٩ وج٣٥ ص٤٤ وج٣٨ ص٢٣٧ و ٢٧٣ وج١٠٨ ص٢٥٧ والغدير ج٣ ص٢٣٥ ومستدرك سفينة البحار ج٥ ص١١٤ وتهذيب الكمال للمزي ج٢٠ ص٤٨١ والعثمانية للجاحظ ص٢٩٦ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٥٧ و ٥٨ و ٥٩ والمناقب للخوارزمي ص٥١ وكشف الغمة للإربلي ج٣ ص١٥٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص١٦٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٣١ وبناء المقالة الفاطمية للسيد ابن طاووس ص٦١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١ ص١٢٧ والبداية والنهاية ج٣ ص٣٥ و ٣٦ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج٩ ص٩٥ وسيرة ابن إسحاق ج٢ ص١٢٠ والسيرة النبوية لابن = = هشام ج١ ص١٦٢ والإستيعاب ج٣ ص١٠٩٣ والدرر لابن عبد البر ص٣٨ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص١٢١ وج١٣ ص٢٣٥ وتفسير الثعلبي ج٥ ص٨٣ و ٨٤ وتفسير البغوي ج٢ ص٣٢١ والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص١٢٧ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٣ ص٢١ والثقات لابن حبان ج١ ص٥٢ وتاريخ مدينة دمشق ج١٩ ص٣٥٤ وج٣٠ ص٣٥ و ٤٤ و ٤٥ وأسد الغابة ج٤ ص١٧ وروضة الواعظين للفتال النيسابوري ص٨٥ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص٢٦٦ وكنز الفوائد للكراجكي ص١١٧ وغاية المرام للسيد هاشم البحراني ج٥ ص١٥٤ ونظرة في كتاب البداية والنهاية للأميني ص٦٤ وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص٨٢ وإعلام الورى ج٢ ص١٠٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص٥١٢ و ٥٤٣ و ٥٤٤ و ٥٤٦ وج١٧ ص٣٨٣ و ٣٨٤ و ٣٨٧ و ٣٨٩ و ٣٩٢ و ٣٩٧ وج٢٢ ص١٤٥ و ١٤٨ و ٦١٠ و ٦١١ وج٢٣ ص٥٣٤ و ٥٣٨ وج٣٠ ص٥٤١ و ٥٤٢ و ٥٤٣ و ٥٤٤ وراجع: الخلاف للشيخ الطوسي ج٣ ص٥٩٣ وتذكرة الفقهاء (ط.ق) ج٢ ص٢٧٤ ومغني المحتاج للشربيني ج٤ ص٢٠٨ وج٩ ص٢١١ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٠٠.

٦٧

مع أن الحقيقة هي: أن علياً “عليه السلام” قد ولد مؤمناً، وشهد الشهادتين فور ولادته، كما صرحت به الروايات. بالإضافة إلى شواهد أخرى تدل على أن علياً “عليه السلام” كان مؤمناً بالله ورسوله “صلى الله عليه وآله” منذ صغره، وهذا ما دل عليه الحديث الذي يقول: إنه “عليه السلام” صلى قبل

٦٨

الناس بسبع سنين، قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة(١).

وقد دلت الروايات الكثيرة الأخرى على ذلك أيضاً..

بل إن الرواية نفسها تقول: إنه “صلى الله عليه وآله” في ابتداء طروق

١- مستدرك الحاكم ج٣ ص١١٢ والخصال للشيخ الصدوق ص٤٠٢ والعمدة لابن البطريق ص٦٤ و ٢٢٠ والطرائف للسيد ابن طاووس ص٢٠ و ٧٠ وذخائر العقبى ص٦٠ والصراط المستقيم ج١ ص٢٣٥ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٠٩ و ٢٣٩ و ٢٥٣ و ٢٦٩ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص١٥٦ والمصنف لابن أبي شيبة ج٧ ص٤٩٨ والآحاد والمثاني للضحاك ج١ ص١٤٨ وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص٥٨٤ والسنن الكبرى للنسائي ج٥ ص١٠٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠٠ ومجمع البيان للطبرسي ج٥ ص١١٣ ونور الثقلين ج٢ ص٢٥٦ وتفسير الثعلبي ج٥ ص٨٥ والبداية والنهاية ج٣ ص٣٦ وكشف الغمة للإربلي ج١ ص٨٨ ونهج الإيمان لابن جبر ص١٦٨ و ٤٢٨ و ٥١٦ وكشف اليقين للعلامة الحلي ص١٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٣٢ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي “عليه السلام” لابن الدمشقي ج١ ص٧٠ وكنز العمال (ط الهند) ج٦ ص٣٩٤ عن ابن أبي شيبة، وأبي نعيم، والنسائي في الخصائص، وابن مردويه، والطبراني، وأحمد وأبي يعلي في مسنديهما. وثمة مصادر كثيرة ذكرنا شطراً منها في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله” (الطبعة الخامسة) ج٣ ص٥٠ وج٤ ص٢٣٠ و (الطبعة الرابعة) ج٢ ص٣٢١ وج٤ ص٤٥.

٦٩

الوحي إليه، كلما هتف به هاتف، أو سمع من حوله رجفة راجف، أو رأى رؤيا، أو سمع كلاماً، يخبر بذلك خديجة وعلياً “عليهما السلام”، ويستسرهما هذه الحال، فكانت خديجة تثبته، وتصبّره، وكان علي “عليه السلام” يهنئه ويبشره، ويقول له:

“والله يا ابن عم، ما كذب عبد المطلب فيك، ولقد صدقت الكهَّان فيما نسبته إليك، ولم يزل كذلك إلى أن أمر “صلى الله عليه وآله” بالتبليغ”(١).

فذلك كله يعطي: أن علياً “عليه السلام” عاش أجواء الوحي والنبوة من أول يوم فتح عينيه فيه على الحياة، ولم تزل تظهر له دلائل النبوة ونفحاتها ساعة بعد ساعة..

غير أن لنا تحفظاً على القول بأن خديجه كانت تثبته وتصبره. فإنه “صلى الله عليه وآله” لا يحتاج إلى ذلك.

وقد ذكر المعتزلي: أن سنة ولادة علي “عليه السلام” هي السنة التي بدئ فيها رسول الله “صلى الله عليه وآله”، فأسمع الهتاف من الأحجار، والأشجار، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً، ولم يخاطب فيها بشيء.

وكان “صلى الله عليه وآله” يتيمن بتلك السنة، وبولادة علي “عليه السلام” فيها، ويسميها سنة الخير والبركة(٢).

١- كنز الفوائد للكراجكي ص١١٧ وبحار الأنوار ج٣٥ ص٤٤.

٢- راجع: شرح نهج البلاغـة للمعتزلي ج٤ ص١١٥ وبحـار الأنـوار ج٣٩ ص٣٢٨ = = ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٣٧٩ والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص١٤٧.

٧٠

على أننا قد ذكرنا: في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله”: أن النبي “صلى الله عليه وآله” نبي منذ صغره.

وفي الروايات: أن علياً “عليه السلام” نطق بالشهادتين فور ولادته(١).

ويؤيد ذلك: ما ورد من أن في علي “عليه السلام” سبعين خصلة من خصال الأنبياء، أو أن فيه سُنَّةَ ألف نبي.. وورد أنه لم يؤت نبي شيئاً إلا وأوتي علي وبنوه مثله، أو أفضل منه. ومنها تكلم عيسى في المهد، وإيتاء يحيى العلم صبياً.

ثالثاً: قد أظهر نص الرواية التي هي موضع البحث: أن النبي “صلى الله عليه وآله” قد تزوج خديجة بعد مدة من ولادة علي “عليه السلام”..

فإن كان النبي “صلى الله عليه وآله” قد تزوج خديجة قبل بعثته بثلاث أو بخمس سنوات.. كما تشير إليه بعض الأقوال. فلا إشكال، وهذا يعني: أن زينب زوجة أبي العاص بن الربيع، ورقية وأم كلثوم اللتين تزوجهن ابنا

١- روضة الواعظين ص٧٩ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٧٣ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص٢٢ وبحار الأنوار ج٣٥ ص١١ و ١٤ و ١٠٤ وج٣٨ ص١٢٥. والدر النظيم ص٢٣٢ والفضائل لابن شاذان ص١٣٦ و (ط المكتبة الحيدرية سنة ١٣٨١هـ) ص٥٨ وجامع الأخبار ص٥٧ و ٥٨ ومعارج اليقين للسبزواري ص٥٨ والأنوار العلوية ص٣٣ و ٣٧.

٧١

أبي لهب، ثم عثمان بن عفان، لم يكنّ بنات لرسول الله “صلى الله عليه وآله”..

وإن كان قد تزوجها قبل بعثته “صلى الله عليه وآله” بخمس عشرة سنة، كما يحاول الكثيرون أن يصروا عليه، وأن يسوِّقوا له.. فلا يصح ما ذكرته الرواية: من أن اقتران النبي “صلى الله عليه وآله” بخديجة كان بعد ولادة علي “عليه السلام”؛ لأن علياً “عليه السلام” قد ولد حسب نص الرواية نفسها قبل البعثة بعشر سنوات فقط..

رابعاً: ما ذكرته الرواية: من أن علياً “عليه السلام” قد ولد في النصف من شهر رمضان، مخالف لما هو مشهور ومعتمد. ومعروف لدى كل أحد، من أنه “عليه السلام” قد ولد في الثالث عشر من شهر رجب، وقد دلت عليه الروايات أيضاً.

ولادة الأئمة (عليهم السلام) في روايات الغلاة:

روي كما في بعض المصادر: “إنَّا معاشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون، وإنما نحمل في الجنوب، ولا نخرج من الأرحام، وإنما نخرج من الفخذ الإيمن، لأننا نور الخ..”(١).

وروي: أن فاطمة “عليها السلام” ولدت الحسن والحسين “عليهما

١- بحار الأنوار ج٥١ ص٢٦ والهداية الكبرى ص٣٥٥ وعيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب ص١٢٨ ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ج٨ ص٢٢ ودلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي) ص٥٠٠.

٧٢

السلام” من فخذها الأيمن، وأم كلثوم وزينب من فخذها الأيسر(١).

وهذه الرواية لا يصح الإعتماد عليها، بل يكذبها الواقع العملي لأمهات المعصومين “عليهم السلام”، لأنهن ـ كما نقرأ في كتب السيرة ـ كانت تبدو عليهن آثار الحمل في بطونهن، وكان يأتيهن الطلق، وكان يساعدهن في الولادة بعض النساء (قابلة أو غيرها) دون أن يلاحظن وجود هكذا أمور.

على أن الروايات تضمنت أن نساءهم كن يتولين أمر نسائهم، ولم يكن يسمح لغيرهن بالدخول في هذا الأمر، مبالغة في الستر وحفظاً لمعنى الكرامة والقداسة..

وورد أيضاً أنهم، كانوا يرون نوراً تضيء به الغرفة. والإمام يولد ساجداً، وطاهراً مطهراً.

هذه هي بعض الفوارق والتي لوحظت؛ وذكرتها النساء الحاضرات حين الولادة.. ولم يذكرن: أن الولادة كانت من الفخذ الأيمن أو الأيسر.

سؤال.. وجوابه:

ولكن لماذا أودع علماؤنا أمثال هذه الروايات التي لا تثبت أمام النقد

١- الهداية الكبرى ص١٨٠ وعيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب ص٥١ ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ج٣ ص٢٢٦ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢٥٦ والخصائص الفاطمية للكجوري ج٢ ص٦٠٠.

٧٣

في مصنفاتهم؟!

ونجيب بما يلي:

١ ـ إن الأحاديث في أن النبي وأهل البيت “عليهم السلام” أنوار، متواترة من حيث المعنى بلا ريب. ونحن نقرأ في الزيارة:

“أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة. لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها”(١).

وهو يدل على أن الحمل كان في الأرحام، لا في غيرها.

٢ ـ إن هذه الرواية لا اعتبار بها من حيث السند، فإنها من رواية الحسين بن حمدان، وهو من رؤساء الغلاة(٢).

لكن ذلك لا يعني كذب كل ما يرويه غير الثقة، ولا يمكن نفي مضمونه بصورة قاطعة. ولكن لا يمكن أيضاً الحكم بثبوت المضمون الذي

١- مصباح المتهجد للطوسي ص٧٢١ و ٧٨٩ وتهذيب الأحكام للطوسي ج٦ ص١١٤ والمزار لابن المشهدي ص٤٢٢ و ٤٣١ و ٥١٥ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج٣ ص١٠٣ و ١٢٩ والمزار للشهيد الأول ص١٢٤ و ١٥٧ و ١٨٧ والمصباح للكفعمي ص٤٩٠ و ٥٠٢ وبحار الأنوار ج٩٧ ص١٨٧ وج٩٨ ص٢٠٠ و ٢٦٠ و ٣٣٢ و ٣٥٣ وجامع أحاديث الشيعة ج١٢ ص٤٣٠ واللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس ص٧.

٢- وقد تحدثنا عن بعض ما يتصل بهذا الرجل في كتابنا “ربائب الرسول “صلى الله عليه وآله”.. قل: هاتوا برهانكم” فراجع.

٧٤

يرويه غير الثقة استناداً إلى خصوص قوله.

والمضمون هنا وإن كان مما يمكن حصوله في نفسه، رعاية لبعض المصالح.. لكن الدليل لا يكفي لإثبات هذا الحصول، بل الشواهد والمؤيدات تشير إلى خلافه كما تقدم.

٣ ـ لعل المقصود بالحمل في الجنوب هو: أن الحمل لا يظهر على نسائهم “عليهم السلام”، لأنه يتحرك إلى الجنب، في داخل الرحم، ولا يتحرك إلى مقدم البطن، حتى لا يسبب ظهوره أي إحراج للأم الطاهرة أمام أولادها، ومعارفها، فيكون هذا من صنع الله تعالى لها ولهم، كرامة منه، واحتفاءً، وفضلاً، ولذلك خفي الحمل بالحجة “صلوات الله وسلامه عليه” على أعدائه، لطفاً منه تعالى، وتأييداً وتسديداً..

٤ ـ ولو أغمضنا النظر عن كل ما ذكرناه، فلا بد أن نقول:

لو صح أن الولادة كانت من الفخذ الأيمن، ولم يكن من زيادات الغلاة، فلا بد من رد علمه إلى أهله..

أول هاشمي ولد من هاشميين:

لقد ولد أمير المؤمنين “عليه السلام” ـ وهو الشخصية الأولى بعد الرسول، وتربى في حجر الوحي، وارتضع لبان النبوة ـ من أبوين قرشيين هاشميين، هما: أبو طالب، شيخ الأبطح، وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

وقال الكليني وغيره: (وهو أول هاشمي ولده هاشم مرتين) وقريب

٧٥

منه غيره(١).

وعلق المجلسي: بأن أخوته طالباً، وعقيلاً، وجعفر قد ولدوا قبله من هذين الهاشميين.

وقول التهذيب وغيره: (في الإسلام).. لا يصحح ذلك؛ إذ لو كان مرادهم أنه ولد بعد البعثة فهو لا يصح، للاتفاق على أنه ولد قبلها.

ولو كان المراد: أنه الوحيد الذي ولد بعد ولادة الرسول، فهو كذلك لا يصح، لأن أكثر إخوته قد ولدوا بعد ولادة النبي “صلى الله عليه وآله”، مع أنه اصطلاح غريب غير معهود(٢).

والصحيح: أن يقال كما قال المعتزلي، والشهيد، وغيرهما: “وأمه أول هاشمية ولدت لهاشمي”(٣).

١- الكافي ج١ ص٣٧٦ ونسب قريش لمصعب الزبيري ص١٧ وتهذيب الأحكام ج٦ ص١٩ وبحار الأنوار ج٣٥ ص٥ عنه، وعن الكافي، وأسد الغابة ج٤ ص١٦ وج٥ ص٥١٧ والفصول المهمة لابن الصباغ ص١٣.

٢- راجع: بحار الأنوار ج٣٥ ص٦.

٣- بحار الأنوار ج٢١ ص٦٣ وج٣٥ ص١٨١ و ٦ عن الدروس للشهيد، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١ ص١٣ وج١٥ ص٧٢ و ٢٧٨ والبدء والتاريخ ج٥ ص٧١ ونسب قريش لمصعب ص٤٠ ونزهة المجالس ج٢ ص١٦٥ ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي) رقم ١ ـ ٤٩٧ أ الورقة ١٩ وذخائر العقبى ص٥٥ والمعارف لابن قتيبة ص٨٨ و (ط دار المعارف) ص١٢٠ و ٢٠٣ ورسائل = = المرتضى ج٤ ص٩٣ والمجموع للنووي ج١ ص٣٤٨ وشرح الأخبار ج٣ ص٢١٤ والعمدة لابن البطريق ص٢٨ ونظم درر السمطين ص٨٠ وتاريخ بغداد ج١ ص١٤٣ وتاريخ مدينة دمشق ج٤١ ص٩ وج٤٢ ص٨ و ٩ و ١٤ و ٥٧٤ وأسد الغابة ج٥ ص٥١٧ وعمدة الطالب لابن عنبة ص٣٠ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٠٨ وشرح مسلم للنووي ج١٤ ص٥١ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٠٠ وفتح الباري ج٧ ص٥٧ وعمدة القاري ج٢ ص١٤٧ وج١٦ ص٢١٤ وتحفة الأحوذي ج١٠ ص١٤٤ والمعجم الكبير للطبراني ج١ ص٩٢ والإستيعاب ج٣ ص١٠٨٩ و ١٨٩١ والفايق في غريب الحديث ج٢ ص١٧٤ وتهذيب الكمال ج٢٠ ص٤٧٣ وسير أعلام النبلاء ج٢ ص١١٨ والإصابة ج٨ ص٢٦٩ والأعلام للزركلي ج٥ ص١٣٠.

٧٦

٧٧

الفصل الثاني:

وليد الكعبة..

٧٨

٧٩

ولادة علي (عليه السلام) في الكعبة:

قد تقدم: أن أمير المؤمنين “عليه السلام” ولد في الكعبة.

وذكر الحاكم: أن الأخبار قد تواترت بأن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “عليه السلام” في جوف الكعبة(١).

ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تعالى سواه(٢).

١- المستدرك على الصحيحين ج٣ ص٤٨٣ والغدير للأميني ج٦ ص٢٢ عن إزالة الخفاء للدهلوي. ونزهة المجالس للصفوري الشافعي (ط سنة ١٣١٠ هـ) ج٢ ص١٦٥ والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” لأحمد الرحماني الهمداني ص٥٢٥ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص٢٤ والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص٥٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٧٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص٤٨٩ وج١٧ ص٣٦٤ و ٣٦٥ وج٣٠ ص١٧٥.

٢- راجع: كفاية الطالب ص٤٠٧ وكشف الغمة للأربلي (نشر المجمع العالمي لأهل البيت “عليهم السلام” سنة ١٤٢٦ هـ) ج١ ص١٢٣ والإرشـاد للمفيد ج١ ص٥ وكشف اليقين (تحقيق حسين دركَاهي) ص١٩٤ وعمدة الطالب لابن = = عنبة ص٥٨ والغدير ج٦ ص٢٢ و ٢٤ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص١٧١ و ١٧٢ والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) للحلي ص٤ والعمدة لابن البطريق ص٢٤ وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص٣٩ وإعلام الورى ج١ ص٣٠٦ ونور الأبصار ص٦٧ وتاج المواليد (المجموعة) للطبرسي ص١٢ والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” لأحمد الرحماني الهمداني ص٥٢٦ وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص٤٢٩ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٢٣ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٧٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٣٠ ص١٧٥.

وسائر المصادر ذكرناها في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله” ج٢ ص٢٤٦ ـ ٤٥٠ فراجع.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...