الأذان بين الأصالة والتحريف / الصفحات: ٢٦١ – ٢٨٠
القسم الثالث
إجماع العترة
مرّ عليك سابقاً في (تأذين الصحابة وأهل البيت) أن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول ويأمر مؤذّنه أن يقول: حيّ على خير العمل.
والمدقق في حديث تشريع الأذان الذي رواه الإمام عليّ عن النبيّ يقف على جزئية «حيّ على خير العمل» فيه، إذ جاء في حاشية الدسوقي ما نصه:
(كان عليّ يزيد حيّ على خير العمل بعد حيّ على الفلاح، وهو مذهب الشيعة الآن)(١).
|
ومعنى كلامه أنّه (عليه السلام) كان يأتي بأمر أعرض عنه الخلفاء، وهو فعل أبنائه من بعده كذلك حتّى استقرّت السيرة به عند الشيعة ; للاعتقاد بعدم الفصل بين فعل الإمام عليّ ومذهب الشيعة الآن، لأنّ الشيعة يستقون فقههم وأحكامهم من الإمام عليّ وأبنائه المعصومين (عليهم السلام).
وقد روى الحافظ العلوي (أبو عبدالله) بإسناده عن عبيدة السلماني، قال:
كان عليّ بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعقيل بن أبي طالب، وابن عباس، وعبدالله بن جعفر، ومحمّد بن الحنفية يؤذنون إلى أن فارقوا الدنيا فيقولون بـ ” حيّ على |
خير العمل ” ويقولون: لم تزل في الأذان(١). |
وعنه كذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله:
أذاني وأذان آبائي ـ عليّ، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين ـ حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل(٢).
|
وجاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة عمر بن إبراهيم بن محمّد المتـوفى سنة ٥٣٩ ـ من أحـفاد الإمام زيـد الشـهيد ـ نقلاً عن السـمعانـي أنّه قـال:
وكان خشن العيش، صابراً على الفقر، قانعاً باليسير، سَمِعتُه يقول: أنا زيدي المذهب ولكنّي أفتي على مذهب السلطان ـ يعني أبا حنيفة ـ إلى أن يقول السمعاني: وكنت ألازمه طول مقامي بالكوفة في الكُوَرِ الخمس، ما سمعت منه طول ملازمتي له شيئاً في الاعتقاد أنكرته، غير أنّي كنتُ يوماً قاعداً في باب داره وأخرج لي شذرة من مسموعاته وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت فيها جزءاً مترجماً بتصحيح الأذان بحي على خير العمل، فأخذته لأطالعه، فأخذه من يدي وقال: هذا لا يصلح لك، له طالبٌ غيرك، ثمّ قال: ينبغي للعالم أن يكون عنده كلّ شي، فإنّ لكلّ نوع طالباً(٣).
فلو جمعت هذا النص مع الذي مر عليك من أنّ زيداً كان يأمر مؤذنه بالحيعلة |
٣- معجم الادباء ١٥: ٢٥٩.
الثالثة عندما يأمن أهل الشام، وكذا من أنّ يحيى بن زيد كان يأمر أصحابه بخراسان أن يحيعلوا فما زال مؤذنهم ينادي بها، ومثله كلام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن وانه كان يأمر أصحابه ـ إذا كانوا بالبادية ـ أن يزيدوا في الأذان حيّ على خير العمل(١).
وما قاله أحمد بن عيسى في جواب من سأله عن التأذين بحيّ على خير العمل؟ قال: نعم، ولكن أُخفيها(٢).
|
فلو جمعت هذه النصوص بعضها إلى بعض لوقفت على الظروف التي كان يعيشها الطالبيون، وهي ظروف لم تكن مؤاتية لإبداء آرائهم، حتّى ترى عمر ابن إبراهيم رغم كونه زيدياً يفتي على مذهب السلطان ; لأن الفقه السائد يومئذ كان فقه أبي حنيفة، فلا يرتضي أن يطّلع السمعاني على الجزء المصحّح بالأذان بحيّ على خير العمل، فيأخذه منه ويقول له: “هذا لا يصلح لك، له طالب غيرك” ثمّ يعلل سر وجود مثل هذه الكتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ينبغي “للعالم أن يكون عنده كلّ شيء، فإن لكل نوع طالباً” لأن عمر بن إبراهيم كان يعرف السمعاني واهتماماته، وقد أشار السمعاني نفسه إلى توجهاته الشخصية بقوله “… وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت…” وفي هذا كفاية لمن أراد التعرف على ملابسات التشريع وما دار بين الكوفة والشام والحجاز و.. من التخالف والتضاد.
هذا شيء عن ملابسات (حيّ على خير العمل)، وهي تدلّ على دور الحكومة بعدم التأذين بها. والآن مع أقوال بعض العلماء عن إجماع العترة على التأذين بحيّ
قال في الانتصار: إنّ الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك، يعني في أنّ «حيّ على خير العمل» ليس من ألفاظ الأذان، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عزّالدين في شرح البحر وغيره ممّن له اطّلاع على كتب الشافعيّة.
“احتج القائلون بذلك” بما في كتب أهل البيت كامالي أحمد بن عيسى، والتجريد، والأحكام، وجامع آل محمّد ـ من إثبات ذلك سنداً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
٢- هذا قصور أو تقصير من الشوكاني، فقد عرفت إجماع العترة على التأذين بـ ” حيّ على خير العمل “، وكان ينبغي له أن يحقّق في المسألة قبل أن يقطع برأيه هذا.
وروى فيها عن عليّ بن الحسين أنّه قال: هو الأذان الأوّل.
وروى المحبّ الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنّه أذّن بذلك، قال المحب الطبري: رواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة ابن سهل البدري، ولم يَروِ ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعاً، وقول بعضهم: وقد صحّح ابن حزم والبيهقي والمحبّ الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن عليّ بن الحسين…”(١).
وجاء في كتاب الاعتصام بحبل الله:… وفي الجامع الكافي: قال الحسن بن يحيى بن الحسين [بن زيد المتوفّى ٢٦٠]: أجمع آل رسول الله على أن يقولوا في الأذان والإقامة (حيّ على خير العمل) وأن ذلك عندهم سنّة، قال: وقد سمعنا في الحديث أنّ الله سبحانه بعث ملكاً من السماء إلى الأرض بالأذان، وفيه: حيّ على خير العمل.. ولم يزل النبيّ (صلى الله عليه وآله) يؤذن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه الله إليه، وكان يُؤَذَّنُ بها في زمان أبي بكر، فلما وَلِيَ عمر قال: دعوا حيّ على خير العمل لا يشتغل [بها] الناس عن الجهاد. وكان أوّل من تركها(٢).
وقال الاستاذ عزّان في مقدمة كتاب (الأذان بحيّ على خير العمل):… وقال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى ٤١١ هـ): ومذهب يحيى
وقال الإمام محمّد بن المطهر المتوفى ٧٢٨ هـ: ويؤذن بحيّ على خير العمل، والوجه في ذلك اجماع أهل البيت(٣)…
وقال العلاّمة صلاح بن أحمد بن المهدي المتوفى ١٠٤٨ هـ: أجمع أهل البيت على التأذين بحيّ على خير العمل(٤).
وقال العلاّمة الشرفي المتوفى ١٠٥٥: وعلى الجملة فهو ـ أي الأذان بحيّ على خير العمل ـ إجماع أهل البيت، وإنّما قطعه عمر(٥).
وقال العلاّمة المحقق الحسن بن أحمد الحلال المتوفى ١٠٨٤هـ ـ بعد أن ذكر اتفاق العترة على التأذين بحيّ على خير العمل ـ: وإجماع العترة وعليّ:، وهما معصومان عن تعمد البدعة(٦).
وقال شيخنا(٧) السيّد العلاّمة مجد الدين حفظه الله: وقد صحّ إجماع أهل
٣- المنهج الحلي شرح مسند الإمام زيد بن علي ١: ٧٧ مخطوط.
٤- شرح الهداية: ٢٩٤.
٥- ضياء ذوي الابصار مخطوط ١: ٦١.
٦- ضوء النهار ١: ٤٦٩.
٧- الكلام لعزّان.
وفي شرح الأزهار: ومنهما: حيّ على خير العمل، يعني أنّ من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حيّ على خير العمل ; للأدلّة الواردة المشهورة عند أئمّة العترة وشيعتهم وأتباعهم وكثير من الأمّة المحمديّة التي شحنت بها كتبهم.
قال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسن في الأحكام: وقد صحّ لنا أن حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول الله يؤذّنون بها، ولم تُطرح إلاّ في زمن عمر بن الخطّاب، فإنه أمر بطرحها وقال: أخاف أن يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد، وفي المنتخب: وأمّا «حيّ على خير العمل» فلم تزل على عهد رسول الله حتّى قبضه الله، وفي عهد أبي بكر حتّى مات، وانما تركها عمر وأمر بذلك فقيل له: لم تركتها؟ فقال: لئلا يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد(٢). انتهى ما قاله عزّان.
وقال الصنعاني: إن صحّ إجماع أهل البيت ـ يعني على شرعية حيّ على خير العمل ـ فهو حجة ناهضة(٣).
وقال المقبلي عن أئمّة الزيديّة: ولو صحّ ما ادعي من وقوع إجماع أهل البيت في ذلك لكان أوضح حجّة(٤).
٣- هذا ما حكاه عزّان في كتابه ” حيّ على خير العمل بين الشرعية والابتداع “: ٦٨ عن كتاب منحة الغفار المطبوع بهامش ضوء النهار.
٤- انظر: مقدمة الأذان بحيّ على خير العمل لعزّان: ١٧.
” ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قولَ الصحابة، والحديثَ الصحيح، والآيةَ، فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ، وربّما أدّاه ذلك للكفر ; لأنّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر “(١).
|
يستبين ممّا سبق أنّ الشـيعة لم ينفردوا بهذا القـول، بل هناك نقول عن الشـافعي وبعض الأعلام في القـول بجزئية “حيّ على خـير العـمل”. ومن المفيد أن نقف قليلاً عند هذا الأمر لنـؤكد على صحـة ما قلـناه من أنّ هذا الفصـل “حيّ
وبعد هذا اتضح سقم ما انفرد به أهل السنة والجماعة من القول بكراهة الإتيان بحيّ على خير العمل في الأذان(٣) ; لأنّ فعل ابن عمر وإن قلنا بعدم دوامه فهو بيان لجواز الإتيان بها، وفعل أبي أمامة بن سهل بن حنيف يؤكد جزئيتها وأنّها كانت على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وكذا تأذين الإمام عليّ وعليّ بن الحسين، فهو دليل على مشروعية هذا الفصل، ويضاف إليها أقوال العلماء فإنّها تدل في أقل التقادير على عدم حرمة الإتيان بها.
ففي كتاب “الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر” على هامش يواقيت الجواهر للشعراني، التصريح بعدم الكراهية، قال فيه [أي الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية]: ما عرفتُ مستند مَن كره قول المؤذن «حيّ على خير العمل» فإنّه روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بها يوم حفر الخندق…
وحكى الشيخ فخر الدين البلتستاني عن صاحب (حاشية منهية) من علماء الهند: إنّ ابن تيمية زعم في منهاجه على بدعة «حيّ على خير العمل» في الأذان، فهذا تشدّد منه نحن لا نوافق معه في ذلك(٤).
وقال مهمّش مراتب الإجماع ما هذا نصه: فلا يكون هذا ـ حيّ على خير
٣- انظر المجموع للنووي ٣: ٩٨.
٤- حاشية منهية: ٢. انظر: كلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية ٤: ١٦٥.
نعم، إنّ أتباع النهج الحاكم تركوه، ولم يرووا فيه إلاّ القليل، وقالوا عن الموجود أنّه قد نسخ؟!
هذا وقد تمخض من كلّ ما سبق أُمور:
١ ـ اتفاق الفريقين على أصل شـرعيتها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانفراد أهل السـنة والجماعة بدعوى النسخ، وقد تحدى السيّد المرتضى أن يأتوه بالناسخ، بقوله:
وإنّما ادعي أنّ ذلك نُسخ ورفع، وعلى من ادعى النسخ الدلالة وما يجدها.
|
٢ ـ ذكرنا في القسم الثاني الدليل الثاني من أدلّتنا على جزئـية الحيعلة الثالثة وهو فعل الصحابة وأهل البيت، فذكرنا فيه اسم ثلاثين شخصاً أذّنوا بـ «حيّ على خير العمل» من الصحابة والتابعين وأهل البيت.
٣ ـ إجماع العترة واتفاق الشيعة بفرقها الثلاث على الحيعلة.
٤ ـ واخيراً ختمنا الكلام عن جزئية الحيعلة الثالثة بما حكي عن الشـافعي وبعض الاعلام من القول بجزئيتها. وسوف نُثبت لاحقاً ـ إن شاء الله ـ وجود ملازمـة بين القـول بـ “حـيّ على خـير العـمل” وعدم القـول بـ “الصـلاة خـير
الحديث الآنف هو بصدد التعريف ببلال الحبشي مؤذّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّه كان صلب العود شجاعاً في مبادئه، وعبداً صالحاً، ومعناه: لو كان بلال مؤذناً في العصور اللاَّحقة لما تُرك حيّ على خير العمل ; وذلك لإيمانه وتقواه وثباته على العقيدة، لكن لما ترك بلال ـ بل اضطُرَّ إلى ترك ـ الأذان بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في ذلك فرصة للآخرين بالزيادة والنقيصة فيه(٣).
ولك الحقّ أن تسأل عن علّة ترك بلال للأذان بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعن
٣- كزيادة (الصلاة خير من النوم) فيه أو نقيصة (حيّ على خير العمل) منه.
بل كيف تعقل صياغة عذر ترجيحه للجهاد في الشام على التأذين للمسلمين، مع أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمر المسلمين أن ينضووا تحت لواء أُسامة وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة، ومن الثابت أنّ بلالاً كان مستثنى من هذا الأمر الجهادي، حيث أطبق التاريخ والمـؤرّخون على أنّه كان عند رسـول الله (صلى الله عليه وآله) يؤذّن له حتّى آخر لحظة من لحظات حياته الشـريفة، فكيف تـرك التـأذين ورجّح الجهاد؟!
إن هذا ما لا يعقل في حق بلال، خصوصاً وأنّه لم يُعهد عنه اتخاذه موقفاً مرتبكاً عند موت النبيّ (صلى الله عليه وآله) كما حدث ذلك لعمر بن الخطّاب(١)، بل تلقّى الحادث كباقي المسلمين بألم وأسى، واضعاً نصب عينيه قوله تعالى: {وَمَا مُحمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى
على أنّنا نرى أنّهم يستعيضون عن بلال بسعد القرظ الذي لم يؤذن على عهد رسول الله إلاّ ثلاث مرّات بقباء ـ ان صح النقل ـ وأبي محذورة الذي كان يستهزئ بالأذان وبرسول الله(٣)، فلماذا لم يخرج سـعد القرظ للجهاد إذا كان الجهاد أفضل من التأذين؟!
وإذا كان بلال قد ترك الأذان لترجيح الجهاد عليه، فلماذا لا نرى له أيّ مشاركة في قتال المرتدين؟! ولماذا لم يرد اسمه مع أبي بكر في حروب الردّة؟ ونحن نعلم بأنّ حروب الردة قد طالت ـ بين موت النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبدء فتوح الشام ـ فاصلة زمنية تقارب سنة(٤) أو أقل.
ولماذا لم يؤذِّن بلال في هذه المدّة لأبي بكر، إذ كان بوسعه أن يؤذّن له، حتّى إذا بدأت مسيرة جيوش المسلمين للشام تركه واشتغل بالجهاد؟
٣- هذا ما سنوضحه لك في الباب الثاني من هذه الدراسة ” الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة ” فانتظر.
٤- بدأت حروب الردة بعد أربعين أو ستين أو سبعين يوماً من وفاة النبيّ، وانتهت بمقتل مسيلمة في ربيع الاول سنة ١٢ هـ.
فإذا لم يصح هذا التبرير فلنا أن نقول: إنّ هناك أمراً آخر دعاه إلى اتخاذ هذا الموقف. فما هو؟
يبدو أنّ وراء ترك بلال للأذان سرّاً كامناً، لأنّه ترك الأذان بمجرّد تسلّم أبي بكر للخلافة، ويظهر أنّه بقي في المدينة مدّة يسيرة قد لا تتجاوز وقت وفاة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو تتجاوزها بأيام قلائل.
وما قيل من أنّ بلالاً أذّن لأبي بكر مدّة خلافته، ثمّ رجّح الجهاد في زمان عمر فهو شيء لا يصحّ ; لأنّ بلالاً كانت له مشاركات في فتوح الشام، وهذا يعني أنّه كان مع جيوش المسلمين، وقد تفطّن ابن كثير إلى ذلك قائلاً:
ولمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك بلال الأذان، ويقال: أذّن للصدّيق أيّام خلافته، ولا يصحّ(١).
|
وقد علق النووي في المجموع على كلام ابن قسيط الذي قال بأن بلالاً كان يسلم على ابي بكر وعمر في آذانه يقول: وهذا النقل بعيد أو غلط، فان المشهور
ويؤكد لنا أنّ وراء امتناع بلال من التأذين لأبي بكر أمراً مخفيّاً، عدمُ امتناعه من التأذين لأهل البيت، حيث أذَّن لفاطمة الزهراء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّة، وأذّن لولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) مرّة أخرى بعد وفاة فاطمة، وذلك ما لم يختلف فيه المؤرخون وأرباب السير.
روى الصدوق: أنّه لما قُبض النبيّ (صلى الله عليه وآله) امتنع بلال من الأذان وقال: لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن فاطمة قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي |