الحافظ البرسي الحلي
هو الشمس؟ أم نور الضريح يلوح؟ * هو المسك؟ أم طيب الوصي يفوح؟
وبحر ندا؟ أم روضة حوت الهدى؟ * وآدم؟ أم سر المهيمن نوح؟
وداود هذا؟ أم سليمان بعده؟ * وهارون؟ أم موسى العصا ومسيح؟
وأحمد هذا المصطفى؟ أم وصيه * علي؟ نماه هاشم وذبيح
محيط سماء المجد بدر دجنة * وفلك جمال للأنام ويوح (1)
حبيب حبيب الله بل سر سره * وجثمان أمر للخلائق روح
له النص في (يوم الغدير) ومدحه * من الله في الذكر المبين صريح
إمام إذا ما المرء جاء بحبه * فميزانه يوم المعاد رجيح
له شيعة مثل النجوم زواهر * لها بين كل العالمين وضوح
إذا قاولت فالحق فيما تقوله * به النور باد واللسان فصيح
وإن جاولت أو جادلت عن مرامها * تولى العدو الجلد وهو طريح
عليك سلام الله يا راية الهدى * سلام سليم يغتدي ويروح
وتأتي له قصيدة منها قوله:
مولى له بغدير خم بيعة * خضعت لها الأعناق وهي طوايح
(الشاعر)
الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي، من عرفاء علماء الإمامية وفقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فن الحديث، وتقدمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج
____________
(1) يوح: الشمس.
الصفحة 32
فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقة النظر، وله في العرفان والحروف مسالك خاصة، كما أن له في ولاء أئمة الدين عليهم السلام آراء ونظريات لا يرتضيها لفيف من الناس، ولذلك رموه بالغلو والارتفاع، غير إن الحق أن جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم السلام من الشئون هي دون مرتبة الغلو غير درجة النبوة، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: إياكم والغلو فينا، قولوا: إنا عبيد مربوبون. وقولوا في فضلنا ما شئتم (1) وقال الإمام الصادق عليه السلام: اجعل لنا ربا نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم، وقال عليه السلام: وقال عليه السلام: إجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا (2).
وأنى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنى لنا الوقوف على غاية ما شرفهم الله به من ملكات فاضلة، ونفسيات نفيسة، وروحيات قدسية، وخلائق كريمة، ومكارم ومحامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، وفضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شئ من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا. كيف؟ وأنى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ (3).
ولذلك تجد كثيرا من علمائنا المحققين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كل هاتيك الشئون وغيرها مما لا يتحمله غيرهم، وكان في علماء قم من يرمي بالغلو كل من روى شيئا من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم: إن أول مراتب الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله إلى أن جاء بعدهم المحققون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزنا، وهذه بلية مني بها كثيرون من أهل الحقائق
____________
(1) الخصال لشيخنا الصدوق.
(2) بصائر الدرجات للصفار.
(3) من قولنا: فمن ذا الذي يبلغ. إلى هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة الاسلام في أصول الكافي ص 99 عن الإمام الرضا صلوات الله عليه.
والعرفان ومنهم المترجم، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدها، والصلح خير.
وفذلكة المقام أن النفوس تتفاوت حسب جبلاتها واستعداداتها في تلقي الحقائق الراهنة، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعا و يمد لها باعا، وبطبع الحال أن الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون، كما أن الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حققوه في مدحرة البطلان، فهنالك تثور المنافرة، وتحتدم الضغائن، وتحن نقدر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جدد السبيل في طلب الحق ونقول:
على المرء أن يسعى بمقدار جهده * وليس عليه أن يكون موفقا
ألا إن الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضة (1) وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: أن أمرنا، أو حديثنا. صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالايمان (2) إذن فلا نتحرى وقيعة في علماء الدين ولا نمس كرامة العارفين، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقي منه، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لو جلست أحدثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون: إن عليا من أكذب الكاذبين (3).
وقال إمامنا السيد السجاد عليه السلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخا رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما فما ظنكم بسائر الخلق (4) وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، وإلى هذا يشير سيدنا الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام بقوله:
إني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
____________
(1) حديث ثابت عند الفريقين.
(2) بصائر الدرجات للصفار ص 6، أصول الكافي ص 216.
(3) منح المنة للشعراني ص 14.
(4) بصائر الدرجات للصفار ص 7 آخر الباب الحادي عشر من الجزء الأول. أصول الكافي لثقة الاسلام الكليني ص 216.
الصفحة 34
وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسنين وأوصى قبله الحسنا
فرب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا (1)
ولسيدنا الأمين في أعيان الشيعة 31: 193 – 205 في ترجمة الرجل كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه ومما نقم عليه به اعتماده على علم الحروف والأعداد الذي لا تتم به برهنة ولا تقوم به حجة، ونحن وإن صافقناه على ذلك إلا إن للمترجم له ومن حذا حذوه من العلماء كابن شهر آشوب ومن بعده عذرا في سرد هاتيك المسائل فإنها أشبه شيئ بالجدل تجاه من ارتكن إلى أمثالها في أبواب أخرى من علماء الحروف من العامة كقول العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 155: قال بعض علماء الحروف: يؤخذ دوام ناموس آل الصديق وقيام عزته إلى انتهاء الدنيا من سر قوله تعالى: في ذريتي. فإن عدتها بالجمل الكبير ألف وأربعمائة ي مظنة تمام الدنيا كما ذكره بعضهم فلا يزالون ظاهرين بالعزة والسيادة مدة الدنيا، وقد استنبط تلك المدة عمدة أهل التحقيق مصطفى لطف الله الرزنامجي الديوان المصري من قوله تعالى: لا يلبثون خلافك إلا قيلا، قال ما لفظه: إذ أسقطنا مكررات الحروف كان الباقي (ل ا ي ب ث ون خ ف ك ق) أحد عشر حرفا عددهم بالجمل الكبير ألف وثلثمائة وتسعة وتسعين زدنا عليه عدد الحروف وهو أحد عشر صار المجموع وهو ألف وأربعمائة عشرة وهو مطابق لقوله تعالى: ذريتي. وسمعت ختام الأعلام الشيخ يوسف الفيشي رحمه الله يقول: قال محمد البكري الكبير: يجلس عقبنا مع عيسى بن مريم على سجادة واحدة وهذا يقوى تصحيح ذلك الاستنباط. ه.
ونحن لا ندري ماذا يعني سيدنا الأمين بقوله: وفي طبعه شذوذ وفي مؤلفاته خبط وخلط وشيئ من المغالات لا موجب له ولا داعي إليه وفيه شيئ من الضرر وإن أمكن أن يكون له محل صحيح؟ ليت السيد يوعظ إلى شيئ من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتى لا يبقى قوله دعوى مجردة. وبعد اعترافه بإمكان محمل صحيح لما أتى به المترجم له فأي داع إلى حمله على الخبط والخلط، ونسيان حديث: ضع أمر أخيك على أحسنه؟ و
____________
(1) تفسير الآلوسي 6: 190.
الصفحة 35
أي ضرر فيه على ذلك تقدير؟ على أنا سبرنا غير واحد من مؤلفات البرسي فلم نجد فيه شاهدا على ما يقول، وستوافيك نبذ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم وليس فيها إلا إشادة إلى فضائلهم المسلمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمى، فأين يقع الارتفاع الذي رماه به بعضهم؟ وأين المغالاة التي رآها السيد؟ والبرسي لا يحذو في كتبه إلا حذو شعره المقبول، فأين مقيل الخبط والضرر والغلو التي حسبها سيد الأعيان؟.
وأما ما نقم به عليه من اختراع الصلوات والزيارة بقوله: (واختراع صلاة عليهم وزيارة لهم لا حاجة إليه بعد ما ورد ما يغني عنه ولو سلم أنه في غاية الفصاحة كما يقول صاحب الرياض) فإنه لا مانع منه إلا ما يوهم المخترع إنها مأثورة، وأي وازع من إبداء كل أحد تحيته بما يجريه الله تعالى على لسانه وهو لا يقصد ورودا ولا يريد تشريعا؟ وقد فعله فطاحل العلماء من الفريقين ممن هو قبل المترجم وبعده، ولا تسمع أذن الدنيا الغمز عليهم بذلك من أي أحد من أعلام الأمة.
وأما قول سيدنا: ” وإن مؤلفاته ليس فيها كثير نفع وفي بعضها ضرر ولله في خلقه شؤون سامحه الله وإيانا ” فإنه من شطفة القلم صدر عن المشظف (1) سامحه الله وإيانا.
تآليفه القيمة
1 – مشارق أنوار اليقين في حقايق أسرار أمير المؤمنين.
2 – مشارق الأمان ولباب حقايق الإيمان ألفه سنة 813.
3 – رسالة في الصلوات على النبي وآله المعصومين.
4 – رسالة في زيارة أمير المؤمنين طويلة قال شيخنا صاحب الرياض: في نهاية الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة معروفة.
5 – رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآيات والدعوات فيها فوائد ولا تخلو من غرابة كما قاله شيخنا صاحب الرياض.
6 – الدر الثمين في خمسمائة آية نزلت في مولانا أمير المؤمنين باتفاق أكثر
____________
(1) المشطف كمنبر: من يعرف بالكلام على غير القصد.
الصفحة 36
المفسرين من أهل الدين، ينقل عنه المولى محمد تقي الزنجاني في كتابه: طريق النجاة.
7 – أسرار النبي وفاطمة والأئمة عليهم السلام.
8 – لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسرار التوحيد في أصول العقايد.
9 – تفسير سورة الاخلاص.
10 – رسالة مختصرة في التوحيد والصلوات على النبي وآله.
11 – كتاب في مولد النبي وعلي وفاطمة وفضائلهم.
12 – كتاب في فضائل أمير المؤمنين غير المشارق.
13 – كتاب الألفين في وصف سادة الكونين.
شعره الرائق
الحافظ البرسي شعر رائق وجله بل كله في مدائح النبي الأقدس وأهل بيته الطاهر صلوات الله عليهم ويتخلص في شعره ب (الحافظ) من شعره يمدح به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قوله:
أضاء بك الأفق المشرق * ودان لمنطقك المنطق
وكنت ولا آدم كائنا * لأنك من كونه أسبق
أشار بهذا البيت إلى ما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث.
أخرجه ابن سعد في الطبقات. والطبري في تفسيره 21: 79، وأبو نعيم في الدلائل 1: 6 وذكره ابن كثير في تأريخه 2: 307، والغزالي في المضنون الصغير هامش الانسان الكامل 2: 97، والسيوطي في الخصايص الكبري 1: 3، والزرقاني في شرح المواهب 3: 164.
وفي حديث الاسراء: إنك عبدي ورسولي وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا (1) وجاء عنه صلى الله عليه وآله: أول ما خلق الله نوري (2) وتواتر عنه صلى الله عليه وآله من طرق صحيحة: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين. أو: بين الروح والجسد. أو: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه.
____________
(1) مجمع الزوائد 1 ص 71.
(2) السيرة الحلبية 1 ص 159.
الصفحة 37
ولولاك لم تخلق الكائنات * ولا بأن غرب ولا مشرق
أشار به إلى ما أخرجه الحاكم في المستدرك 2: 615 والبيهقي، والطبراني، و السبكي، والقسطلاني، والعزامي، والبلقيني، والزرقاني وغيرهم من طريق ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلو لا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خالقت الجنة ولا النار.
ومن طريق عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم! وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم! إنه لا حب الخلق إلي ادعني بحقه قد غفرت لك. ولولا محمد ما خلقتك.
فميمك مفتاح كل الوجود * وميمك بالمنتهى يغلق
تجليت يا خاتم المرسلين * بشأو من الفضل لا يلحق
فأنت لنا أول آخر * وباطن ظاهرك الأسبق
في هذه الأبيات إشارة إلى أسمائه الشريفة: الفاتح، الخاتم. الأول: الآخر. الظاهر. الباطن، راجع المواهب للزرقاني 3 ص 163، 164.
تعاليت عن صفة المادحين * وإن أطنبوا فيك أو أغمقوا
فمعناك حول الورى داره * على غيب أسرارها تحدق
وروحك من ملكوت السماء * تنزل بالأمر ما يخلق
ونشرك يسري على الكائنات * فكل على قدره يعبق
إليك قلوب جميع الأنام * تحن وأعناقها تعنق
وفيض إياديك في العالمين * بأنهار أسرارها يدفق
وآثار آياتك البينات * على جبهات الورى تشرق
فموسى الكليم وتوراته * يدلان عنك إذا استنطقوا
وعيسى وإنجيله بشرا * بأنك أحمد من يخلق
الصفحة 38
فيا رحمة الله في العالمين * ومن كان لولاه لم يخلقوا
لأنك وجه الجلال المنير * ووجه الجمال الذي يشرق
وأنت الأمين وأنت الأمان * وأنت ترتق ما يفتق
أتى رجب لك في عاتق * ثقيل الذنوب. فهل تعتق؟
وله يمدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
العقل نور وأنت معناه * والكون سر وأنت مبداه
والخلق في جمعهم إذا جمعوا * الكل عبد وأنت مولاه
أنت الولي الذي مناقبه * ما لعلاها في الخلق أشباه
يا آية الله في العباد ويا * سر الذي لا إله إلا هو!
تناقض العالمون فيك وقد * حاروا عن المهتدى وقد تاهو
فقال قوم: بأنه بشر * وقال قوم: بأنه الله
يا صاحب الحشر والمعاد ومن * مولاه حكم العباد ولاه!
يا قاسم النار والجنان غدا! * أنت ملاذ الراجي ومنجاه
كيف يخاف البرسي حر لظى * وأنت عند الحساب غوثاه؟
لا يختشي النار عبد حيدرة * إذ ليس في النار من تولاه
وله في مدح مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه قوله:
أيها اللائم دعني * واستمع من وصف حالي
كلما ازددت مديحا * فيه قالوا: لا تغال
وإذا أبصرت في الحق * يقينا لا أبالي
آية الله التي في وصفها * القول حلالي
كم إلى كم أيها العاذل * أكثرت جدالي؟
يا عذولي في غرامي * خلني عنك وحالي
رح إلى من هو ناج * واطرحني وضلالي
إن حبي لوصي المصطفى * عين الكمال (1).
____________
(1)
إن حبي لعلي المر * تضى عين الكمال خ ل
الصفحة 39
هو زادي في معادي * ومعاذي في مالي
وبه إكمال ديني * وبه ختم مقالي
ومن شعره يمدح أمير المؤمنين سلام الله عليه قوله:
بأسمائك الحسنى أروح خاطري * إذا هب من قدس الجلال نسيمها
لئن سقمت نفسي فأنت طبيبها * وإن شقيت يوما فمنك نعيمها
رضيت بأن ألقى القيامة خائفا * دماء نفوس حاربتك جسومها
أبا حسن لو كان حبك مدخلي * جحيما لكان الفوز عندي جحيمها
وكيف يخاف النار من كان موقنا * بأنك مولاه وأنت قسيمها؟
فواعجبا من أمة كيف ترتجي * من الله غفرانا وأنت خصيمها؟
وواعجبا إذ أخرتك وقدمت * سواك بلا جرم وأنت زعيمها
وقال في مدح مولانا أبي السبطين سلام الله عليه:
تعالى علي في الجلال فرائد * يعود وفي كفتيه منه فرائد
ووارد فضل منه يصدر عزلها * تضيق بها منه اللها والأوارد
تبارك موصولا وبورك واصلا * له صلة في كل نفس وعائد
روى فضله الحساد من عظم شأنه * وأعظم فضل جاء يرويه حاسد
محبوه أخفوا فضله خيفة الهدى * وأخفاه بغضا حاسد ومعاند
فشاع له ما بين ذين مناقب * تجل بأن تحصى إذا عد قاصد
إمام له في جبهة المجد أنجم * علت فعلت إن يدن منهن راصد
لها الفرق من فرع السماك منابر * وفي عنق الجوزاء منها قلائد
مناقب إذ جلت جلت كل كربة * وطابت فطابت من شذاها المشاهد
إمام يحار الفكر فيه فعابد * له ومقر بالولاء وجاهد
إمام مبين كل أكرومة حوى * بمدحته التنزيل والذكر شاهد
عليه سلام الله ما ذكر اسمه * محب وفي البرسي ذلك خالد
وله في سيد العترة أمير المؤمنين عليه وعليهم السلام:
أبديت يا رجب الغريب * فقيل: يا رجب المرجب
الصفحة 40
أبديت للسر المصون * المضمر الخافي المغيب
وكشفت أستارا وأسرارا * عن الأشرار تحجب
حل الورى فإذا الظواهر * فضة والبطن أسرب
إلا قليلا من رجال * أصلهم زاك مهذب
وكتبت ما بالنور منه * على خدود الحور يكتب
فلذاك أضحى الناس قلبا * من قوى الجهل المركب
رجل يحب ومبغض * قال وحزب الله أغلب
وطويل أنف إن رآني * مقبلا ولى وقطب
في أمه شك بلا * شك ولو صدقت لأنجب
يزور إن سمع الحديث * إلى أمير النحل ينسب
وتراه إن كررت ذكر * فضائل الكرار يغضب
وله رائية غراء رنانة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام خمسها ابن السبعي (1) نذكرها معه:
أعيت صفاتك أهل الرأي والنظر * وأوردتهم حياض العجز والخطر
أنت الذي دق معناه لمعتبر * يا آية الله بل يا فتنة البشر
وحجة الله بل يا منتهى القدر
عن كشف معناه ذو الفكر الدقيق وهن * وفيك رب العلا أهل العقول فتن
أنى بحدك يا نور الإله فطن؟ * يا من إليه إشارات العقول ومن
فيه الألباء تحت العجز والخطر
ففي حدوثك قوم في هواك غووا * إن أبصروا منك أمرا معجزا فغلوا
حيرت أذهانهم يا ذا العلا فعلوا * هيمت أفكار ذي الأفكار حين رأوا
آيات شأنك في الأيام والعصر
أوضحت للناس أحكاما محرقة * كما أتيت أحاديثا مصحفة
____________
(1) العلامة الحجة الشيخ فخر الدين أحمد بن محمد الاحسائي نزيل الهند والمتوفى بها من تلمذة ابن المتوج وقرناء ابن فهد الحلي المتوفى 841.
الصفحة 41
أنت المقدم أسلافا وسالفة * يا أولا آخرا نورا ومعرفة
يا ظاهرا باطنا في العين والأثر
يا مطعم القرص للعافي الأسير وما * ذاق الطعام وأمسى صائما كرما
ومرجع القرص إذ بحر الظلام طما * لك العبارة بالنطق البليغ كما
لك الإشارة في الآيات والسور
أنوار فضلك لا تطفى لهن عدا * مما يكتمه أهل الضلال بدا
تخالفت فيك أفكار الورى أبدا * كم خاض فيك أناس وانتهى فغدا
معناك محتجبا عن كل مقتدر؟
لولاك ما اتسقت للطهر ملته * كلا ولا اتضحت للناس شرعته
ولا انتفت عن أسير الشك شبهته * أنت الدليل لمن حارت بصيرته
في طي مشتبكات القول والعبر
أدركت مرتبة ما الوهم يدركها * وخضت من غمرات الحرب مهلكها
مولاي يا مالك الدنيا وتاركها * أنت السفينة من صدقا تمسكها
نجى ومن حاد عنها خاض في الشرر
من نور فضلك ذو الأفكار مقتبس * ومن معالم رب العلم مختلس
لولا بيانك أمر الكل ملتبس * فليس قبلك للأفكار ملتمس
وليس بعدك تحقيق لمعتبر
جاءت بتأميرك الآيات والصحف * فالبعض قد آمنوا والبعض قد وقفوا
لولاك ما اتفقوا يوما ولا اختلفوا * تفرق الناس إلا فيك وائتلفوا
فالبعض في جنة والبعض في سقر
خير الخليفة قوم نهجك اتبعت * وشرها من على تنقيصك اجتمعت
وفرقة أولت جهلا لما سمعت * فالناس فيك ثلاث فرقة رفعت
وفرقة وقعت بالجهل والقذر
يا ويحها فرقة ما كان يمنعها * لو أنها اتبعت ما كان ينفعها
يا فرقة غيها بالشوم موقعها * وفرقة وقعت لا النور يرفعها
الصفحة 42
ولا بصائرها فيها بذي غور
بعظم شأنك كل الصحف تعترف * ومن علومك رب العلم يقترف
لولاك ما اصطلحوا يوما وما اختلفوا * تصالح الناس إلا فيك واختلفوا
إلا عليك وهذا موضع الخطر
جائت بتعظيمك الآيات والسور * فالبعض قد آمنوا والبعض قد كفروا
والبعض قد وقفوا جهلا وما اختبروا * وكم أشاروا؟ وكم أبدوا؟ وكم ستروا؟
والحق يظهر من باد ومستتر
أقسمت بالله باري خلقنا قسما * لولاك ما سمك الله العلي سما
يا من له اسم بأعلى العرش قدر سما * أسماءك الغر مثل النيرات كما
صفاتك السبع كالأفلاك ذي الأكر
أنت العليم إذا رب العلوم جهل * إذ كل علم فشا في الناس عنك نقل
وأنت نجم الهدى تهدي لكل مضل * وولدك الغر كالأبراج في فلك ال
معنى وأنت مثال الشمس والقمر
أئمة سور القرآن نطقت * بفضلهم وبهم طرق الهدى اتسقت
طوبى لنفس بهم لا غيرهم وثقت * قوم هم الآل آل الله من علقت
بهم يداه نجى من زلة الخطر
عليهم محكم القرآن قد نزلا * مفصلا من معاني فضلهم جملا
هم الهداة فلا تبغي لهم بدلا * شطر الأمانة معراج النجاة إلى
أوج العلوم وكم في الشطر من غير؟
بلطف سرك موسى فجر الحجرا * وأنت صاحبه إذ صاحب الخضرا
وفيك نوح نجا والفلك فيه جرا * يا سر كل نبي جاء مشتهرا
وسر كل نبي غير مشتهر
يلومني فيك ذو جهل أخو سفه * ولا يضر محقا قول ذي شبه
ومن تنزه عن ند وعن شبه * أجل وصفك عن قدر لمشتبه
وأنت في العين مثل العين في الصور
الصفحة 43
وله قوله يمدح به أمير المؤمنين عليه السلام؟
يا منبع الأسرار يا * سر المهيمن في الممالك!
يا قطب دائرة الوجود * وعين منبعه كذلك!
والعين والسر الذي * منه تلقنت الملائك
ما لاح صبح في الدجى (1) إلا وأسفر عن جمالك
يا بن الأطايب والطواهر * والفواطم والعواتك!
أنت الأمان من الردى * أنت النجاة من المهالك
أنت الصراط المستقيم * قسيم جنات الأوائك
والنار مفزعها إليك * وأنت مالك أمر مالك
يا من تجلى بالجمال * فشق بردة كل حالك!
صلى عليك الله من * هاد إلى خير المسالك
والحافظ البرسي لا * يخشى وأنت له هنالك
وله أبيات في أهل البيت عليهم السلام خمسها الشاعر المفلق الشيخ أحمد بن الحسن النحوي تذكرها مع تخميسها:
ولائي لآل المصطفى وبنيهم * وعترتهم أزكى الورى وذويهم
بهم سمة من جدهم وأبيهم * هم القوم أنوار النبوة فيهم
تلوح وآثار الإمامة تلمع
نجوم سماء المجد أقمار تمه * معالم دين الله أطواد حلمه
منازل ذكر الله حكام حكمه * مهابط وحي الله خزان علمه
وعندهم سر المهيمن مودع
مديحهم في محكم الذكر محكم * وعندهم ما قد تلقاه آدم
فدع حكم باقي الناس فهو تحكم * إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم
وإن نطقوا فالدهر أذن ومسمع
بحبهم طاعاتنا تتقبل * وفي فضلهم جاء الكتاب المنزل
____________
(1) ما لاح صبح للهدى. كذا في بعض النسخ.
الصفحة 44
يعم شزاهم كل أرض ويشمل * وإن ذكروا فالكون ندو مندل (1)
لهم أرج من طيبهم يتضوع
دعا بهم موسى ففرج كربه * وكلمه من جانب الطور ربه
إذا حاولوا أمرا تسهل صعبه * وإن برزوا فالدهر يخفق قلبه
لسطوتهم والأسد في الغاب تفزع
فلولاهم ما سار فلك ولا جرى * ولا ذرء الله الأنام ولا برى
كرام متى ما زرتهم عجلوا القرى * وإن ذكر المعروف والجود في الورى
فبحر نداهم زاخر يتدفع
أبوهم أخو المختار طه ونفسه * وهم فرع دوح في الجلالة غرسه
وأمهم الزهراء فاطم عرسه * أبوهم سماه المجد والأم شمسه
نجوم لها برج الجلالة مطلع
لهم نسب أضحى بأحمد معرقا * رقا منه للعلياء أبعد مرتقى
وزادهم من رونق القدس رونقا * فيا نسبا كالشمس أبيض مشرقا
ويا شرفا من هامة النجم أرفع
كرام نماهم طاهر متطهر * وبث بهم من أحمد الطهر عنصر
وأمهم الزهراء والأب حيدر * فمن مثلهم في الناس إن عد مفخر
أعد نظرا يا صاح إن كنت تسمع
علي أمير المؤمنين أميرهم * وشبرهم أصل التقى وشبيرهم
بها ليل صوامون فاح عبيرهم * ميامين قوامون عز نظيرهم
هداة ولاة للرسالة منبع
مناجيب ظل الله في الأرض ظلهم * وهم معدن للعلم والفضل كلهم
وفضلهم أحيى البرايا وبذلهم * فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم
ولا علم إلا علمهم حين يرفع
إليهم يفر الخاطئون بذنبهم * وهم شفعاء المذنبين لربهم
____________
(1) الند بفتح المعجمة وكسرها: عود يتبخر به. المندل: العود الطيب الرائحة.
الصفحة 45
فلا طاعة ترضي لغير محبهم * ولا عمل ينجي غدا غير حبهم
إذا قام يوم البعث للخلق مجمع
حلفت بمن قد أم مكة وافدا * لقد خاب من قد كان للآل جاحدا
ولو أنه قد قطع العمر ساجدا * ولو أن عبدا جاء لله عابدا
بغير ولا أهل العبا ليس ينفع
بني أحمد! مالي سواكم أرى غدا * إذا جئت في قيد الذنوب مقيدا
أناديكم يا خير من سمع الندا * أيا عترة المختار يا راية الهدى!
إليكم غدا في موقفي أتطلع
فوالله لا أخشى من النار في غد * وأنتم ولاة الأمر يا آل أحمد!
وها أنا قد أدعوكم رافعا يدي * خذوا بيدي يا آل بيت محمد!
فمن غيركم يوم القيامة يشفع؟
وهذه القصيدة خمسها الشيخ هادي المتوفى 1235، ابن الشيخ أحمد النحوي المخمس المذكور أول تخميسه:
بنو أحمد قد فاز من يرتضيهم * أئمة حق للنجا يرتضيهم
وطوبى لمن في هديه يقتضيهم * هم القوم أنوار النبوة فيهم
تلوح وآثار الإمامة تلمع
وله في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم قوله:
فرضي ونفلي وحديثي أنتم * وكل كلي منكم وعنكم
وأنتم عند الصلاة قبلتي * إذا وقفت نحوكم أيمم
خيالكم نصب لعيني أبدا * وحبكم في خاطري مخيم
يا سادتي وقادتي أعتابكم * بجفن عيني لثراها ألثم
وقفا على حديثكم ومدحكم * جعلت عمري فاقبلوه وارحموا
منوا على الحافظ من فضلكم * واستنقذوه في غد وأنعموا
وله في أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم قوله:
يا آل طاها أنتم أملي * وعليكم في البعث متكلي
الصفحة 46
إن ضاق بي ذنب فحبكم * يوم الحساب هناك يوسع لي
بولاءكم وبطيب مدحكم * أرجو الرضا والعفو عن زللي
رجب المحدث عبد عبدكم * والحافظ البرسي لم يزل
لا يختشي في الحشر حر لظى * إذ سيداه محمد وعلي
سيثقلان وزان صالحه * ويبيضان صحيفة العمل
لم ينشعب فيكون منطلقا * من ضلة للشعب ذي الظلل
وله مسمطا فيهم صلوات الله عليهم قوله:
سركم لا تناله الفكر * وأمركم في الورى له خطر
مستصعب فك رمزه خطر * ووصفكم لا يطيقه البشر
ومدحكم شرفت به السور
وجودكم للوجود علته * ونوركم للظهور آيته
وأنتم للوجود قبلته * وحبكم للمحب كعبته
يسعى بها طائفا ويعتمر
لولاكم ما استدارت الأكر * ولا استنارت شمس ولا قمر
ولا تدلى غصن ولا ثمر * ولا تندى ورق ولا خضر
ولا سرى بارق ولا مطر
عندكم في الاياب مجمعنا * وأنتم في الحساب مفزعنا
وقولكم في الصراط مرجعنا * وحبكم في النشور ينفعنا
به ذنوب المحب تغتفر
يا سادة قد زكت معارفهم * وطاب أصلا وساد عارفهم
وخاف في بعثه مخالفهم * إن يختبر للورى صيارفهم
فأصلهم بالولاء يختبر
أنتم رجائي وحبكم أملي * عليه يوم المعاد متكلي
فكيف يخشى حر السعير ولي * وشافعاه محمد وعلي؟
أو يعتريه من شرها شرر؟
الصفحة 47
عبدكم الحافظ الفقير على * أعتاب أبوابكم يروم فلا
تخيبوه يا سادتي! أملا * وأقسموه يوم المعاد إلى
ظل ظليل نسيمه عطر
صلى عليكم رب السماء كما * أصفاكم واصطفاكم كرما
وزاد عبدا والاكم نعما * ما غرد الطير في الغصون وما
ناح حمام وأورق الشجر
وله في العترة الطاهرة وسيدهم صلوات الله عليه وعليهم قوله:
إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظى * ويقبل منك الدين والفرض والسنن
فوال عليا والأئمة بعده * نجوم الهدى تنجو من الضيق والمحن
فهم عترة قد فوض الله أمره * إليهم لما قد خصهم منه بالمنن
أئمة حق أوجب الله حقهم * وطاعتهم فرض بها الخلق تمتحن
نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني * إلى غيرهم من غيرهم في الأنام من؟
فحب علي عدة لوليه * يلاقيه عند الموت والقبر والكفن
كذلك يوم البعث لم ينج قادم * من النار إلا من تولى أبا الحسن
وله في رثاء الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه قوله:
يمينا بنا حادي السري إن بدت نجد * يمينا فللعاني العليل بها نجد
وعج فعسى من لا عج الشوق يشتفي * غريم غرام حشو أحشائه وقد
وسر بي لسرب فيه سرب جآذر * لسربي من جهد العهاد بهم عهد
ومربي بليل في بليل عراصها * لأروى بريا تربة تربها ند
وقف بي أنادي وادي الأيك علني * هناك أرى ذاك المساعد يا سعد!
فبالربع لي من عهد جيرون جيرة * يجيرون إن جار الزمان إذا استعدوا
هم الأهل إلا أنهم لي أهلة * سوى أنهم قصدي وأني لهم عبد
عزيزون ربع العمر في ربع عزهم * تقضى ولا روع عراني ولا جهد
وربعي مخضر وعيشي مخضل * ووجهي مبيض وفودي مسود
وشملي مشمول وبرد شبيبتي * قشيب وبرد العيش ما شانه نكد
الصفحة 48
معالم كالأعلام معلمة الربى * فأنهارها تجري وأطيارها تشدو
طوت حادثات الدهر منشور حسنها * كما رسمت في رسمها شمأل تغدو
وأضحت تجر الحادثات ذيولها * عليه ولا دعد هناك ولا هند
ولا غرو إن جارت ومارت صروفها * وغارت وأغرت واعتدت واغتدت تشدو
فقد غدرت قدما بآل محمد * وطاف عليهم بالطفوف لها جند
وجاشت بجيش جاش طام عرمرم * خميس لهام حام يحمومه اسد (1)
وعمت بأشرار عن الرشد قد عموا * وهل يسمع الصم الدعاء إذا صدوا؟
فيا أمة قد أدبرت حين أقبلت * فرافقها نحس وفارقها سعد
أبت إذ أتت تنأى وتنهى عن النهى * وولت وألوت حين مال بها الجد
سرت وسرت بغيا وسرت بغيها * بغيا دعاها إذ عداها به الرشد
عصابة عصب (2) أو سعت إذ سعت إلى * خطأ خطاها والشقاء بها يحدو
أثاروا وثاروا ثار بدر وبادروا * لحرب بدور من سناها لهم رشد
بغت فبغت عمدا قتال عميدها * صدور طغاة في الصدور لها حقد
وساروا يسنون العناد وقد نسوا المعاد * فهم من قوم عاد إذا عدوا
فيا قلب قلب الدين في يوم أقبلوا * إلى قتل مأمول هو العلم الفرد
فركن الهدى هدوا وقد العلى قدوا * وأزر الهوى شدوا ونهج التقى سدوا
كأني بمولاي الحسين ورهطه * حيارى ولا عون هناك ولا عضد
بكرب البلا في كربلاء وقد رمي * بعاد وشطت دارهم وسطت جند
وقد حدقت عين الردى حين أحدقت (3) عتاة عداة ليس يحصى لهم عد
وقد أصبحوا حلالهم حين أصبحوا * حلولا ولا حل لديهم ولا عقد
____________
(1) طام من طمى يطمي الفرس: اي أسرع. ويقال: البحر الطامي: أي الغزير. العرمرم:
الجيش الكثير. الخميس: الجيش ذات خس فرق: المقدمة، القلب، الميمنة، الميسر، الساقة.
اللهام: الجيش العظيم. حام أي دار به. اليحموم: اسم فرس الإمام السبط الحسين، وفرس هشام ابن عبد الملك، وفرس حسان الطائي، وفرس النعمان بن المنذر.
(2) العصابة: الجماعة من الرجال أو الخيل: العصب: الطي واللي. والقبض على الشيئ.
(3) حدق: فتح عينيه وطرف بهما. أحدقت: أحاطت.