الغيبة الصغرى :
لم يكن بالإمكان أن يبقى الإمام إذن ظاهراً بشكل عادي . . . ولم يكن مستوى الأمة يسمح بانقطاع رعاية وصي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لها فكان الحل الطبيعي هو الغيبة الصغرى . . .
وهي تعني أن الإمام المهدي كان على صلة بشؤون الأمة عبر وكلاء خاصين ( السفراء الأربعة ) .
وقد استمرت الغيبة الصغرى 69 عاماً ( 260 – 329 للهجرة ) .
الغيبة الكبرى :
أورد المؤرخ الكبير المسعودي رحمه الله أن نبي الله آدم عليه السلام أوصى ابنه النبي شيت فقال :
فإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك فإن الله لا يدع الخلق بغير حجة عالم منا أهل البيت » ( 2 ) .
ومهما قيل في غيبة المهدي فإن من الضروري الانطلاق في محاولة فهمها من هذه الحقيقة التي بلورتها الأحاديث التي يرويها المسلمون سنة وشيعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن آله الأطهار عليهم السلام .
فرق كبير بين أن يكون المهدي المنتظر يولد في آخر الزمان . . . وبين أن يكون وصي رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .
ولعظيم منزلته هذه ينزل نبي الله عيسى فيقاتل معه ويصلي خلفه في بيت المقدس ونظرة متأنية على كتاب الله تعالى . . . والروايات الشريفة تجعلنا نجزم بأن « لئلا يكون للناس على الله حجة » و « ولا تخلو الأرض من حجة » و « لو خليت لماجت بأهلها كما يموج البحر » تلتقي مع أحاديث « المهدي المنتظر » بل هي جميعاً حقيقة
واحدة هدفها « ليظهره على الدين كله » و « نريد أن نمن على الذين استضعفوا . . . » و « أن الأرض يرثها عبادي الصالحون » .
لا يمكن فهم هذه النصوص وغيرها – وهي كثيرة جداً – إلا في ضوء حقيقة استمرار سلسلة النبوة والوصاية . . . وهذا يعني أن الوصي الإلهي القائم بأعباء الرسالة الخاتمة هو المهدي الذي نص عليه صلى الله عليه وآله وسلم على وصايته .
وقد أجمع علماء المسلمين الشيعة – وشاركهم الرأي عدد كبير من علماء المسلمين السنة على أن المهدي قد ولد وسيظهر في آخر الزمان . . .
فهو الآن إذن غائب عنا . . . وهذا معنى الغيبة الكبرى . . .
* العمر الطويل . . .
كيف يمكن لإنسان أن يعيش كل هذا العمر الطويل ؟ . . .
وهو سؤال طبيعي . . . وإجابته طريفة يشار هنا إلى بعضها باختصار :
1 – إن النصارى واليهود مجمعون على طول عمر نبي الله آدم عليه السلام مثلاً وأنه عاش 930 سنة . ( وهو
جواب لهم ) ( 3 ) .
2 – في تاريخ مختلف الأمم والشعوب حديث عن معمرين يذكر أن بعضهم عاش آلاف السنين . . .
3 – المسلمون مجمعون على طول عمر النبي نوح والخضر وغيرهما .
4 – يجمع المسلمون أيضاً على أن نبي الله عيسى ينزل ويصلي خلف المهدي . . . فأيهما أطول عمراً يا ترى . . .
5 – وعلى من يقول إن طول عمر النبي عيسى والأنبياء الآخرين إنما هو باعتبارهم أنبياء . . . أن يتذكر ما أجاب به على هذا الاعتراض بعض العلماء السنة والشيعة فقالوا :
هذا خطأ . . . بدليل طول عمر إبليس والدجال لعنهما الله . . .
6 – إن يكون طول العمر غريباً . . . فأكثر منه غرابة أن ينكره مسلم يؤمن بالخلود في الجنة أو النار . . .
فائدة وجود الإمام في غيبته :
وهو أيضاً سؤال من الطبيعي أن يطرح . .
والجواب :
كما أن الحياة مستحيلة دون حرارة الشمس ونورها . . .
ودون الهواء وليس ذلك شركاً لأن الله تعالى خلق الشمس والهواء وسخرهما لذلك . . كذلك تستحيل الحياة بدون وجود مصدر للحرارة المعنوية الروحية ونور الإيمان وأريج النبوة . . .
والحجة الإلهية هي مصدر ذلك ولا شرك في هذا على الإطلاق لأن الوصي الحجة خلقه الله تعالى وهو عبده الذي أمره بالقيام بهذه المهمة .
أما كيف ينتفع الناس بوجود حجة الله رغم غيابه فهو ما بينه لنا المهدي عليه السلام حين قال :
« وأما انتفاع الناس بي في غيبتي فكالشمس غيبها عن الأنظار السحاب » .
وهو يدل على أن للإمام مهاماً يقوم بها ليس هنا مجال الحديث عنها . . . إلا أن من المفيد أن نتذكر المهام التي قام بها العبد الصالح « الخضر » حين كان معه نبي الله موسى ( عليهما السلام ) كما نجد ذلك في سورة الكهف في الآيات 60 – 82 .
آداب الغيبة
* معرفة الإمام . . .
* معرفة علامات الظهور . . .
* البيعة . . .
* الانتظار . . .
أ – التقوى
ب – المرابطة
ج – العزم على الجهادين يديه
* الشوق والحنين إليه . . .
* الدعاء . . .
* الزيارة . . .
* طلب التشرف بلقائه . . .
* القيام عند ذكر « القائم » .
* إحياء أمره بين الناس . . .
* التبرؤ من أعدائه . . .
* الاستغاثة به . . .
المراد بآداب الغيبة « الأعمال التي ينبغي القيام بها في عصر غيبة الإمام المهدي عليه السلام من صلاة ودعاء وزيارة وما شابه » . إن اعتقادنا بأن عليه السلام إمامنا الفعلي الحي يفرض علينا آداباً تجاهه . .
ومحور هذه الآداب هو الصلة المستمرة بالإمام عليه السلام كما لو أننا نراه ونتشرف بلقائه . . .
إن هذا الاتصال القلبي منشأ كل خير ومفتاح كل بركة . . . وقد يكون سبباً للتشرف بلقائه حقيقة . . . كما تثبت ذلك قصص اللقاء الكثيرة جداً والمروية بأسانيد صحيحة . . . بل وعالية . . . لا يمكن التشكيك بها على الإطلاق . . .
وكل ما يقال عن عدم إمكان ذلك فسببه عدم الاطلاع على آراء كبار علمائنا الأبرار في مختلف العصور .
ومن الواضح أن العلاقة الباهتة بالإمام عليه السلام
تتساوى نتيجتها في كثير من الأحيان مع إنكار وجوده والعياذ بالله . . .
وينبغي أن يسجل هنا بأسف بالغ أن حاجتنا ماسة جداً إلى علاقة صحيحة وحيوية بحجة الله على العالمين عجل الله تعالى فرجه . . . أرأيت لو أن شخصاً كان في زمن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا يتشوق إلى لقائه ولا يفكر به . . . ولا يشعر بأي علاقة قلبية به . . . فهل كان يعتبر صادق الإيمان . . . أو ليس من واجب المسلم أن يحب رسول الله أكثر مما يحب نفسه وأولاده . . .
ثم أليس من واجب المسلم أن يحب أهل البيت عليهم السلام كذلك عملاً بواجب المودة في القربى وغيره . . .
والإمام المنتظر امتداد رسول الله والمصداق الأوضح للالتزام بواجب المودة في القربى في عصر الغيبة الكبرى وكيف يمكن أن يكون أحدنا دقيقاً في رعاية واجب حب المصطفى وأهل بيته إن لم يعمر قلبه الحنين إلى الإمام المنتظر على غرار ما نجد في سيرة علمائنا رضوان الله عليهم . . .
وسنرى أن آداب الغيبة تتكفل بتأمين هذا البعد العقيدي الهام
1 – معرفة الامام . . .
« من عرف إمامه ثم مات قبل أن يرى هذا الأمر ( . . . )
كان له من الأجر كمن كان مع القائم في فسطاطه » .
رواه الشيخ الطوسي في « الغيبة / 277 »
هل نعرف إمامنا وحجة الله علينا ؟
وهل تكفي المعرفة الإجمالية الباهتة ؟
حقاً . . . لماذا نجد أكثر أوساطنا لا تعيش حقيقة وجوده المبارك بل لا يكاد يذكر اسمه إلا في منتصف شعبان وعند تعداد أسماء الأئمة المعصومين . . . عليهم السلام .
وحتى من يتصور منا أنه يعرفه . . . سيجد عندما يرجع إلى الروايات والتفاصيل التي ذكرها العلماء أنه لا يعرف عنه سلام الله عليه ما يكفي . . . ولقد حققت ثورة الإسلام المظفرة في إيران تقدماً جيداً في مجال ربط الأمة بالإمام المنتظر . . . إلا أننا رغم ذلك ما زلنا بحاجة ماسة إلى معرفته ونقل الإحساس بوجوده المبارك من مرحلة التصور
إلى التصديق الجازم الحار الذي لا ينفك عن العمل . . .
وتحتل معرفة الإمام مرتبة هامة من وجهة نظر الإسلام تدل على ذلك أحاديث كثيرة منها :
من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ( 1 ) وقد ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أن ندعو في عصر الغيبة بدعاء جاء فيه :
اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ( 2 ) .
والميتة الجاهلية الواردة في الحديث الأول سببها الضلال عن الدين الوارد في الحديث الثاني . . .
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله تعالى : « يوم ندعو كل أناس بإمامهم » يدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم ( 3 ) .
* بعض ما تنبغي معرفته عنه عليه السلام :
أولاً : النص على إمامته من جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والروايات في ذلك كثيرة جداً . . . وقد أكدت مضامينها النصوص الكثيرة أيضاً الواردة عن آبائه عليهم السلام .
ثانياً : حل إشكالية طول العمر حتى لا تكون عائقاً يحول دون الإعتقاد الجازم بوجوده سلام الله عليه .
ثالثاُ : علامات الظهور .
رابعاً : واجب المسلمين تجاهه في عصر غيبته . . .
إلى غير ذلك مما يتفرع على ما تقدم أو يرتبط به . . .
ومن جملة الأدعية التي ورد الأمر بالمواظبة عليها في زمن الغيبة ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لأحد أعظم أصحابه : يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان – زمان الغيبة – فأدم هذا الدعاء :
اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك . . .
اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك . . .
اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ( 4 ) .
وقد وردت أدعية أخرى تشكل هذه الفقرات بدايتها تجد بعضها تحت عنوان الدعاء فراجع . . .
2 – معرفة علامات الظهور . . .
رغم أن « معرفة الإمام » قد تشمل « معرفة علامات الظهور » . . . إلا أن من المهم أن تفرد علامات الظهور بالذكر . . . نظراً للأهمية المترتبة عليها . . .
ومن الواضح ما لمعرفة علامات الظهور من أثر كبير في مجالين :
1 – تحصين الأمة ممن يدعون المهدوية .
2 – الانضمام إلى جنوده عليه السلام لمن وُفَّق لإدراك عصر الظهور .
ويمكن الاستنتاج من مختلف الروايات ومن طبيعة منطق الأحداث الكبرى أن عصر الظهور سيكون صاخباً جداً وحافلاً بالرايات الكثيرة المتضاربة . . . مما يكسب المعرفة بالعلامات أهمية مميزة . . .
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله لأحد الرواة :
اعرف العلامة فإذا عرفتها لم يضرك تقدم هذا الأمر أو
تأخر » ( 1 ) .
ويرى بعض العلماء وجوب معرفة علامات الظهور قال في ذلك :
والدليل في ذلك العقل والنقل .
أما الأول فلأنك قد عرفت وجوب معرفته سلام الله عليه بشخصه ، ومعرفة العلائم المحتومة التي تقع مقارنة لظهوره وقريباً منه مقدمة لمعرفته ( 2 ) . . .
ولا مجال للحديث هنا عن علامات الظهور وتفاصيلها الكثيرة الوافية . . . ولا بد أن يرجع في ذلك إلى المصادر التي تتحدث عن علامات الظهور . . .
كل ما أنا بصدده هنا هو الإلفات إلى استحباب معرفة هذه العلامات أو وجوبها . . . لنهتم بالاطلاع عليها . . .
وأكتفي بحديث عن العلامات الخمس الحتمية :
عن الإمام الصادق عليه السلام :
خمس قبل قيام القائم عليه السلام : اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء ،
وقتل النفس الزكية ( 3 ) .
والمراد بالمنادي الخ كما في بعض الروايات أن منادياً من السماء يعلن أن الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام أو ينادي بما يوضح ذلك ويرتبط به .
3 – البيعة . . .
* ورد استحباب تجديد بيعة الإمام المهدي عليه السلام بعد كل صلاة من الصلوات الخمس أو في كل يوم أو في كل جمعة . . . ومفهوم البيعة لإمام المسلمين متفق عليه بين المسلمين وقد ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
من مات وليس في عنقه بيعة لإمام المسلمين فميتته ميتة جاهلية ( 1 ) .
وبعض أدعية عصر الغيبة صريحة في تجديد البيعة للإمام المهدي عليه السلام . . .
والفوائد العملية المترتبة على هذه البيعة كثيرة منها :
أولاً – الشعور بالارتباط بالقائد الإلهي الذي يشكل امتداداً واضحاً لمسيرة الأنبياء والأوصياء عبر مراحل مختلف الأديان السماوية . . . وهو وصي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم كما تقدمت الإشارة إليه . . .
ثانياً – إعطاء الارتباط بالفقيه الولي لأمر المسلمين البعد العقائدي الصحيح . . . فمن الواضح أن المرتبط ببيعة للإمام المنتظر المدرك لمقتضيات هذه البيعة ، سيكون شديد الصلة بنائبه الذي أمر عليه السلام بالرجوع إليه في عصر الغيبة الكبرى .
ثالثاُ : الحذر من الركون إلى الظالمين لأن من يبايع قائداً إلهياً أساس دعوته توحيد الله ونفي الآلهة المصطنعة . . . فسيشكل ذلك حاجزاً نفسياً بينه وبين الطواغيت الذي يعيشون في الأرض فساداً ويحكمون بغير ما أنزل الله تعالى .
كيف نجدد البيعة ؟
ورد في زيارة الإمام المهدي المستحبة بعد صلاة الفجر في كل يوم :
« اللهم إني أجدد له في هذا اليوم وفي كل يوم عهداً وعقداً وبيعة له في رقبتي » ( 2 ) .
وورد في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه السلام :
« اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من
أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً . . .
اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والقرابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه » ( 3 ) .
وستجد في الأدعية من هذا الكتاب ما يرتبط بالبيعة .
* أوقات تجديد البيعة :
1 – بعد صلاة الصبح
2 – بعد كل صلاة .
3 – في يوم الجمعة الذي يحظى بأهمية خاصة لتجديد البيعة فيه قال في مكيال المكارم :
« ويستحب تجديد العهد والبيعة له غي كل جمعة نظراَ إلى ما قدمناه من الرواية أن الملائكة يجتمعون في كل جمعة في البيت المعمور ويجددون عهد ولاية الأئمة عليهم السلام ( . . . ) مضافاً إلى أن يوم الجمعة هو اليوم الذي أخذ الله العهد والميثاق بولايتهم عليهم السلام من العالمين ومضافاً إلى مزيد اختصاص ذلك اليوم به صلوات الله وسلامه عليهم . . . » ( 4 ) .
https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC
https://chat.whatsapp.com/CMr8BZG9ohjIz6fkYqZrmh